آخر الأخبار

الطريق إلى الإنتحار-2

هذه عينة من المواقف الداخلية والدولية من الاتفاق مستقاة من عناوين لصحيفة النهار في تلك المرحلة وبالإمكان قراءتها على الموقع الإلكتروني للتيار الوطني الحر على العنوان التالي :
http://www.tayyar.org/files/documents/events.pdf

حزب الله : سنمزق اتفاق الطائف ( 13\10\1989)
بري :غير معنيين بالطائف والقبول به خيانة (20\10\1989)
واشنطن أشادت باتفاق الطائف ( 23\10\1989)
البطريرك صفير:اتفاق الطائف اهون الشرور (24\10\1989)
الاتحاد السوفييتي وإيطاليا والإمارات وتركيا ايدوا الطائف (26\10\1989)
ألمانيا الاتحادية :الطائف مرحلة للسلام (30\10\1989)
بيان مشترك للدول لخمس الكبرى رحب بالطائف وايد السيادة التامة (01\11\1989)
حزب الله : الطائف استسلام للمارونية السياسية وإسرائيل (12\11\1989)
باريس تدعم الطائف وتؤيد الهراوي (11\12\1989)

أما تعليق العماد عون على تأييد المجتمع الدولي لاتفاق الطائف فكان :
عون: لسنا في حاجة الى اعتراف العالم بل العالم في حاجة الى اعترافنا (22\11\1989)

لكن البطريرك صفير القارئ الممتاز للتوازنات والذي كان قد رفض قبل اشهر قليلة الإصلاحات التي طرحت في تونس في لقاء الرؤساء الروحيين وافق على اتفاق الطائف فالمناطق الحرة مطوقة ومدمرة والمسيحيون عصفت بهم الهجرة والمجتمع الدولي والعربي داعم للطائف باستثناء إيران وليبيا ومنظمة التحرير الفلسطينبة حتى العراق وافق على اتفاق الطائف وكانت مواجهة الاتفاق بمثابة الانتحار لكن العماد عون جاهز دائماً للانتحار فبعد موافقة البطريرك والقوات اللبنانية والجبهة اللبنانية برئاسة داني شمعون كما حزب الوطنيين الأحرار وحزب الكتائب عقد العماد عون مؤتمراً صحافياً مفاجئاً اتهم فيه النواب بالخيانة واهدر دمهم في سابقة غريبة عن اللبنانيين وبدأت حملة اعتداءات على بيوت النواب وممتلكاتهم فتراجع داني شمعون كما صمت كافة الأفرقاء المسلمين المعارضين للاتفاق فاذا كان العماد عون سيواجه الاتفاق فلماذا يتكبدون عناء المواجهة؟
وساءت العلاقة مع بكركي التي انتقدت الاعتداء على منازل النواب لكن "الشعب" كان يحاسب الخونة
ونكمل القراءة عن تلك المرحلة :
"في الثاني من تشرين الثاني زار البطريرك صفير بعبدا برفقة نائبيه العاميّن رولان ابو جوده وبشاره الراعي ... وفي معرض الحديث تطرق البطريرك صفير الى ما قاله له يوماً الكاردينال الأميريكي اوكونور عن تأثير اللوبي اليهودي على السياسة الأميريكية "ان الله،تمجّد اسمه، لو رشّح نفسه لرئاسة جمهورية الولايات المتحدة ولم يسانده اليهود لا ينجح" فقال عون:"لنتفق اذن مع اليهود". فقاطعه البطريرك بالقول: "كيف السبيل الى الاتفاق وهم الذين هجّروا المسيحيين من الشوف ولا يزالون يحتلون الجنوب. ويعرفون ان ليس بين دول المنطقة دولة تزاحمهم غير لبنان لذلك خرّبوه".
فجر الرابع من تشرين الثاني وعند الساعة الخامسة الا ثلثاً اعلن العماد عون بصفته رئيساً للحكومة الانتقالية قراره بحل مجلس النواب في مؤتمر صحافي نقلته تلفزيونات المنطقة الشرقية وإذاعاتها مباشرة.
أبلغ السفير البابوي بابلو بوانتي البطريرك صفير بحضور نائبيه العامين ابو جوده والراعي ما أبلغه للعماد عون:"ان الفاتيكان ضد حلّ مجلس النواب وضد تقسيم لبنان. لقد دقت ساعة الحقيقة واختيار الشر الاهون هو الاسلم.الكرسي الرسولي يؤيد انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية واحياء المؤسسات الدستورية ولا حياد في هذا المجال".وطلب بوانتي من عون ان يعمل شيئاً ليعود عن قرار حل مجلس النواب."فحل المجلس غير قانوني" وبدا للسفير البابوي بأن عون تأثر بما سمعه منه.
في عظة الأحد الواقع فيه الخامس من تشرين الثاني لفت البطريرك الماروني الى اعمال العنف التي كان يقوم بها أنصار العماد عون ضدّ مكاتب ومنازل النواب وكانت وسائل اعلام الجنرال تقول ان الشعب المستاء من مواقف النواب هو الذي يقوم بهذه الأعمال التخريبية.
(الكاتب أنطوان سعد "السادس والسبعون-الجزء الأول" ص 268-269).

الخامس من تشرين الثاني 1989 يوم لن يمحى من ذاكرة اللبنانيين فبعد يوم واحد من قيام العماد عون بحل المجلس النيابي اجتمع المجلس في القليعات واقر البنود الإصلاحية من الاتفاق وانتخب النائب رينيه معوض رئيسا للجمهورية لكن الأبرز يومها كان الاعتداء على البطريرك صفير الذي سيبقى علامة سوداء في تاريخ المسيحيين مهما طال الزمن.

الاعتداء على البطريرك

تعددت الروايات حول ما حصل تلك الليلة لكن البطريرك يبقى الادرى والاعرف فهو المعني المباشر بما حصل وقد ضمن سيرته التي كتبها الأستاذ أنطوان سعد بعضاً من المعلومات الدقيقة والقيمة التي لا تترك مجالاً للشك حول هوية المحرضين والمعتدين. ما حصل في مساء ذلك اليوم المشؤوم كان قد بدأ قبل ذلك وتحديداً قبل تولي العماد عون رئاسة الحكومة الانتقالية بقليل:
"توجه وفد من فريق عمل العماد ميشال عون من بينهم من سيصبح رئيس المكتب المركزي للتنسيق روجيه عزام وأوضح الوفد للبطريرك صفير ان انتخاب رئيس للجمهورية بات صعباً للغاية ان لم يكن مستحيلاً وان الجيش اللبناني سيحل مكان السلطة السياسية المنتهية ولايتها. واقترح فريق عمل الجنرال عون إرساء قاعدة تعاون بين البطريركية المارونية والجيش اللبناني الممسك بالسلطة السياسية لتمرير فترة الفراغ الدستوري على خير رد البطريرك الماروني على ما طرح عليه بدعوة الجميع الى صب الاهتمام الأول والأخير على تسهيل اجراء الانتخابات الرئاسية والابتعاد عن كل مغامرة من شأنها ان تعرض وحدة لبنان للخطر.شعر الوفد ان البطريرك ليس متحمساً للتجربة التي سيخوضها مع العماد عون من قبل ان تبدأ،ولمس بوضوح ميله الى عدم تأييد وصول رجل عسكري الى السلطة. واعتباراً من ذلك اللقاء استبعد فريق عمل الجنرال كل إمكانية اتكال على البطريرك الماروني لإنجاح مشروعه،ورأوا ان الاهتمام يجب ان ينصب على تحييده وتجنب عرقلته" .
(الكاتب أنطوان سعد "السادس والسبعون-الجزء الأول" ص 176)

وفي تقرير مؤرخ في 11-10-1989 اعده فريق عمل العماد عون موقعاً من العميد الركن فؤاد عون والسيدين روجيه عزام ووليد فارس ونشرته مجلة الشراع أسابيع قليلة بعد الاعتداء على بكركي وفي التقرير خطة تحرك مقترحة حددت "آلية التنفيذ" يتم بموجبها "فرز القوى الموجودة في المناطق المحررة بحيث يعمل على عزل المعارض منها ومحاولة التفاهم معه او ضربه تمهيداً للخروج بقرار سياسي موحد". ما يتعلق بالبطريرك صفير ورد في الفقرة أ ويتضمن
"أ-البطريرك الماروني نصر الله صفير :اننا نعتقد ان البطريرك صفير سيعارض هذه الخطة لأسباب تتعلق بسياسة الفاتيكان الذي يحرص على استمرار التعايش المسيحي-الإسلامي بمقدار ما يحرص على بقاء الوجود المسيحي في لبنان آمناً وحراً. لذا نقترح القيام بمحاولة اخيرة معه بغية إقناعه عن طريق بعض المقربين في بكركي أمثال المطران رولان ابو جوده وفي حل فشل هذه المحاولة اتخاذ خطوات تصعيدية تؤدي الى:
-إجبار البطريرك على تبني مشروعنا
-والا ترحيله عن المناطق المحررة:يمكن ان يستتبع هذه الخطة ضغط على المطارنة لانتخاب مجلس بطريركي او ما شابه يكون ممثلاً لتطلعات المسيحيين الحقيقية".

كما يتضمن التقرير الذي نشرته الشراع فقرات تتعلق بالقوات اللبنانية وبأحزاب الجبهة اللبنانية كما اقتراحاً بحل مجلس النواب.لكن في تفاصيل الاعتداء نترك للبطريرك ولمعاونيه كما لبعض المقابلات التي اجراها كاتب سيرة البطريرك لاطلاعنا على ما حدث:
" الثالث من تشرين الثاني 1989 وصلت معلومات الى الأجهزة الأمنية التابعة للقوات اللبنانية مفادها ان البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير سيتعرض في الأيام القليلة المقبلة الى اعتداء لدفعه الى مغادرة المنطقة الشرقية فكلف الدكتور جعجع اثنين من ضباط القوات اللبنانية بزيارة البطريرك صفير واطلاعه على المعلومات وسؤاله ما اذا كان يرغب في ان تؤمن له القوات حماية تضاف الى الحماية التي تقدمها عناصر الجيش. ولما نقل موفدا جعجع المعلومة الى سيد بكركي انتفض وقال لهما :"انتم كقوات لستم موارنة اكثر من غيركم ولن يعتدي عليّ احد ولا احتاج الى اي حماية ".وعندما سمع قائد القوات في وقت لاحق رد البطريرك صفير ابتسم وقال "يصطفل،انا عملت اللي عليّ".
في اليوم التالي اي السبت الواقع فيه الرابع من تشرين الثاني جاء المسؤول عن الأمن في جونيه في احد الأجهزة الرسمية ليعلم البطريرك الماروني بأن "تظاهرة ستتجه الى بكركي غداً الأحد لإقامة جناز لجورج سعاده".وسأل عما يمكن عمله فأجاب البطريرك صفير :"ليتظاهروا في الساحة الكبيرة ولكن يجب منعهم من دخول الكنيسة لانه لا يجوز تدنيسها". وبعد ان تقاطعت المعلومات التي وردته من القوات اللبنانية مع معلومات الأجهزة الرسمية اوفد نائبيه العامين ابو جوده والراعي الى العماد عون ليبلغاه التالي :
"موقف بكركي هو موقف الفاتيكان.اننا ضد التقسيم ومع انتخاب رئيس للجمهورية وإعادة مؤسسات الدولة.انت تتحمل مسؤولية كل ما يمكن ان يحدث في التظاهرة المتوجهة غداً الى بكركي".
اعتبر البطريرك صفير ان الخطوة الوقائية التي قام بها من شأنها ان تحمل العماد عون على تقصي امر التظاهرة المشار اليها واجهاضها بعدما علم بها الجميع وبعد ان حمًله البطريرك المسؤولية الكاملة التي يمكن ان تنجم عنها.
....
عند السابعة مساء عقد مكتب التنسيق المركزي المساند للعماد عون اجتماع له في مجمع الرمال في نهر الكلب برئاسة روجيه عزام وجرى التداول في المستجدات لا سيما في انتخابات رئاسة الجمهورية ومواقف البطريرك صفير وقد ابدى المجتمعون امتعاضاً من بكركي واعلنت اكثر من مجموعة رغبتها في التظاهر احتجاجاً على مواقفها.وقال روجيه عزام فيما بعد انه شعر ان غضب الجماهير كبير وانه ليس من الحكمة توجيه تظاهرة ليلاً الى بكركي ولا إقناع الناس بعدم التظاهر ضدها خصوصاً وان مكتب التنسيق على حد تأكيد رئيسه اجهض اكثر من محاولة تظاهر صاخب ضد بكركي في الأشهر السابقة "لذلك اضاف عزام قررنا تنظيم تظاهرة احتجاجية ضدّ البطريرك صفير في الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم التالي.صراحة خفت من ردّة فعل غير جيدة ضدّ البطريرك في حال صعدنا في تلك الليلة الى بكركي فأعلنت ان التظاهرة ستكون في اليوم التالي وقد اصدرنا بياناً في هذا الخصوص اذاعته وسائل الاعلام. طبعاً قامت قيامة البعض ورفض القرار وأعلن انه سيصعد في الحال الى بكركي لإعلان رفضه لمواقف البطريرك صفير المؤيدة لاتفاق الطائف.اما المجموعات التي تلتزم بقرارنا فلم تتظاهر ضد بكركي في تلك الليلة بل في اليوم التالي"
وفيما كان سكان الصرح البطريركي يتابعون في جناح الكاردينال أنطونيوس خريش نشرة الاخبار المسائية عبر تلفزيون لبنان وكانت الساعة قد قاربت التاسعة ليلاً فوجئ البطريرك الماروني وصحبه بالخبر اذي اذاعته مذيعة التلفزيون:"احتجاجاً على مواقف البطريرك صفير التي مهدت لانتخابات رينيه معوض سقوم تظاهرة صامتة الى بكركي في الساعة الحادية عشرة من قل ظهر الاثنين". ولدى خروج البطريرك صفير والمطرانين رولان ابو جوده وبشاره الراعي من جناح الكاردينال الى الرواق الكبير سمعوا قرع اجراس واصوات جلبة فتذكر البطريرك الماروني ان احد الآباء المقيمين في بكركي تلقى اتصالاً هاتفياً أفاده ان هناك تجمعات تنظم في بيروت وجونيه ويقال انها قادمة الى الصرح البطريركي.
قرابة الساعة التاسعة والنصف كان قد وصل الى بكركي عدد من الشبان والشابات وطلبوا ان يقابلوا البطريرك الماروني في ساحة بكركي الخارجية الخارجية وقد نقل الطلب المطران رولان ابو جودة فرد البطريرك صفير:"ليختاروا أربعة ممثلين عنهم فجاء أربعة شبان واحد من آل طربيه وآخر من عائلة شلفون من غسطا والثالث طالب طب في السنة الثالثة في الجامعة الأميريكية والرابع من عائلة ابو الصنائع وكان الأخير اكثرهم هوساً.ونقل الشبان الأربعة هواجسهم الى سيد بكركي،هواجسهم من اتفاق الطائف ومن موقف البطريرك صفير من الاتفاق في الوقت الذي يجب ان تتوحد فيه الجهود لدعم حرب التحرير التي اعلنها العماد عون لإخراج الجيش السوري من لبنان.
ردّ البطريرك صفير على ممثلي المتظاهرين بعد ان اصغى الى شكواهم انه مع العماد عون في المطالبة بالسيادة المطلقة وقال لهم :"بلغوا رفاقكم ذلك".فخرجوا لبضع دقائق ئم عادوا يلحون على البطريرك بأن يقابل المتظاهرين ولمًا همّ بالخروج اليهم تدفق المتظاهرون الغاضبون الى القاعتين الكبرى والصغرى للاستقبال وعبثاً حاول النائبان العامان رولان ابو جوده وبشاره الراعي تهدئة المتظاهرين وإقناعهم بالتخلي عن فكرة الدخول عنوة الى الصح البطريركي وتسلق بعضهم على البوابة الكبرى والجدار الخارجي حتى وصلوا الى نافذة الرواق فوق المدخل فشد الدركيون اليهم ايديهم ليساعدوهم على الدخول.وما ان نجح بعض المتسللين الى الداخل في فتح الباب الحديدي حتى تدافع التظاهرون الى الداخل.
وعندما وافاهم السيد البطريرك الى القاعة الكبرى كانوا يصيحون بشعارات من مثل :"بالدم بالروح نفديك يا عماد". وكانوا يرددون هذه اللازمة على فترات متقطعة واندفع بعضهم الى صورة البطريرك الماروني المعلقة فوق الجدار فاخترقوها وانزلوا الإطار ثم مزقوها ورفعوا صورة العماد عون مكانها.فيما الصق بعضهم الآخر صور الجنرال على باقي الجدران وصورة على الكرسي البطريركي فوق الوسادة التي كتب عليها:"مجد لبنان اعطي له".وطلب المتظاهرون ان يخرج البطريرك صفير لمقابلة الجماهير التي ملأت الساحة الداخلية وكان هناك أيضاً من يزالون في الساحة الخارجية.فذهب البطريرك صفير معهم وقد احاط به بعض منهم مع الدرك ثم طلبوا منه القاء كلمة فيهم تأييداً للعماد عون.وكان من بين المتظاهرين من يقول للبطريرك صفير :"قل انا ضد معوض او انا ضد النواب انا معك يا جنرال".
ثم طلب احد المتظاهرين من السيد البطريرك ان يقبًل صورة العماد عون المرفوعة فوق رأسه وتبعه كثيرون يقولون:"بوس الصورة،بوس الصورة". فرفض البطريرك ذلك.كان المشهد هيستيرياً وتراجيدياً الى حد دفع بالمطران بشاره الراعي الى ترك جانب البطريرك والتوجه الى كنيسة الصرح البطريركي لأنه لم يعد بإمكانه احتمال المنظر.
ويروي احد المتظاهرين ضد بكركي في مساء الخامس من تشرين الثاني تفاصيل ما حصل معه "كنت في الثالثة والعشرين من عمري وكانت الحماسة الوطنية تملأ قلبي وفيما كنت متوجهاً مع احد اصدقائي الى السينما مررنا بساحة ساسين حيث كان هناك تجمع للشبان والشابات يتظاهرن ضد انتخاب رينيه معوض رئيساً للجمهورية وكانوا يغنون الأغاني الوطنية الحماسية فاستوقفنا الامر وشاركنا معهم وغنينا وهتفنا ضد سوريا ومعوض وبعد نحو ساعة قال لنا احد الشبان فلنتوجه الى بكركي لنعرف ما هو موقفها الحقيقي مما حصل لانه يقال ان البطريرك صفير قد باعنا وأيد اتفاق الطائف.لنذهب ونسأله قال الشاب الذي لم اعرف اسمه،توجهنا صوب الصرح البطريركي بالسيارات وكنا نحو خمسة وعشرين سيارة يركبها اكثر من ستين شخصاً ووصلنا بكركي عند الثامنة والنصف،رفض العسكريون المولجون حماية البطريركية دخول السيارات فدخلنا سيرأً على الاقدام الى ان وصلنا الى بوابة الصرح التي كانت مقفلة فصرنا نغني الأغاني الوطنية ونطلق الهتافات بصوت عال وبقينا على هذه الحال اكثر من ثلث ساعة الى ان اطل النائب البطريركي العام المطران رولان ابو جوده من النافذة فوق بوابة الصرح وسألنا عمّا نريد فقلنا له اننا نريد ان يخرج البطريرك صفير ويكلمنا لأننا نريد ان نسأله عن حقيقة موقفه فأجاب ان البطريرك مرتاح في تلك الساعة وقد يكون من الأفضل ان نأتي في اليوم التالي لمقابلته ولمّا اصررنا قال لنا سيرى ما اذا كان بإمكانه ترتيب شيء ما.
انتظرنا نحو ثلث ساعة أيضاً ولم يأتنا جواب فغضبنا وغضبت انا شخصياً واعتبرت ان البطريرك يستخف بنا ويعتبرنا مجموعة اولاد،فقمت بتسلق باب الصرح ووصلت الى النافذة فارتعب وارتعد وقال لي كيف تدخل الى هنا بهذه الطريقة فأجبته :أنا اتعاطى كوكايين وانواع المخدرات كافة فلا تعترض طريقي اريد ان ارى البطريرك واسأله لماذا لم يوافق على مقابلتنا،في الحقيقة لم أدخن سيجارة دخان واحدة في حياتي لكني قلت له ذلك لإرهابه وقد بلغت مرامي اذ أصبح المطران ابو جوده مرتبكاً وجعل يرسم علامة الصليب فوق رأسي.
"ثم اطل المطران ابو جوده على المتظاهرين طالباً اليهم ان يختاروا ثلاثة من بينهم لمقابلة البطريرك الماروني فرافقنا نحن الأربعة النائب البطريركي الى الصالون الاحمر حيث انتظرنا البطريرك الذي لم يتأخر عن المجيء وبعد السلام سألنا ماذا نريد فقلنا :أتينا الى بكركي لنعرف هل انت معنا او ضدنا أي ضد الطائف او معه،ردّ البطريرك علينا بالقول انه لا يمكنه ان يكون مع احد ضد احد وان الجميع هم ابناؤه ويعاملهم بالقدر نفسه بالمحبة.
فأعدت السؤال عليه مرتين وثلاث وأربع وربما أكثر فلم يعد يجيبني فاغتظت جداً للأمر فكتمت غيظي الى حين انتهاء المقابلة وما ان نزلنا رفاقي الثلاثة وانا درج بكركي واتجهنا نحو بوابة الصرح حتى رأيت مئات الشبان مندفعين بشراسة من البوابة التي لم اعرف كيف فتحوها،ولم اعرف أيضاً كيف ارتفع عدد المتظاهرين الى مئات بعد ان كنا بضع عشرات فصرخت بهم لقد باعنا البطريرك للسعوديين والأميريكيين.لم اعرف جيداً في حينه معنى ما قلته لكنني اذكر انه كان الكلام الذي يقوله معظم الناس.
"وعلى رغم كوني من المتظاهرين فان الشبان المندفعين بغضب أخذوني في طريقهم ولم اعد استطيع السيطرة على نفسي فاقتادوني معهم من جديد الى القاعة الكبرى حيث عمل المتظاهرون على تكسير كل ما لا يمكنهم اخذه معهم.كسروا المغاسل والصور واطارات الصور والمزهريات والكراسي واقتلعوا الحنفيات والشتول المزروعة في الاوعية المخصصة لها.لقد هالني ما قام به البعض،كان الصراخ يصم الآذان والضجة اشبه بمحطة للقطارات القديمة وقد آلمتنا حناجرنا من كثرة ما صرخنا وهتفنا،نحن جئنا لإعلان موقفنا واطلاع البطريرك على معارضتنا لسياسته ودعوته الى دعم سياسة العماد ميشال عون غير ان ما حصل يفوق التصور والحسبان والعقل والمنطق وكل الشرائع،وأنا اليوم شديد الندم على ما قمنا به.
"حملت صورة الجنرال عون فوق رأس البطريرك صفير فصارت الجماهير تصرخ وتقول للبطريرك بوس الصورة فرفض فحاولت ان اضعها امام فمه وتنبهت الى ان احد المتظاهرين كان يحمل مسدساً فظننت انه قد يطلق النار على البطريرك فصرخت به ونهرته وهددته بالضرب فتراجع الى الوراء واقتاد المتظاهرون البطريرك الى أسفل وقد حاول بعضهم اختطافه فمنعتهم عن ذلك وساعدت البطريرك على العودة الى مقره.
"بعد الحادثة بأعوام كثيرة جئت في عداد وفد كبير من حركة روحية فاقتربت من البطريرك وهمست في أذنه بأنني كنت في التظاهرة التي اعتدت عليه وبأنني شديد الأسف لما حصل فأجابني بكل محبة :انا نسيت الحادثة هل ما ذلت تذكرها؟وابتسم واكمل حديثه مع الناس المحيطين به".
حاول المطران رولان ابو جوده الاتصال بالعماد عون مرات عدة قبل وبعد دخول المتظاهرين الى الصرح البطريركي فحيناً قيل له انه بعيد عن الهاتف وحيناً آخر بأنه لا يمكن الاتصال به وأخيراً تمكن من مكالمته وكان الصوت بعيداً وغير واضح وطلب منه التدخل لوقف الانتهاك الحاصل.فوعد عون خيراً ولكن بعد مضي اكثر من ساعة لم تحضر اي نجدة فأعاد المطران ابو جوده الاتصال برئيس الحكومة الانتقالية وأخبره ان أحداً لم يأتي من القوى الأمنية فأبدى تعجبه من ذلك وعندما قال له النائب البطريركي العام ماذا ستقول الناس في الغرب عندما سيعرض عليهم التلفزيون مشاهد الاعتداء المخزية أجاب عون:"سيقولون أن هناك انفصاماً بين الشعب والكنيسة".
صعق اهل الصرح البطريركي لدى معرفتهم بما قاله العماد عون واعتبروا في حينه انه يخبئ نيات غير حسنة ضد الكنيسة فارتأى البطريرك الماروني ان ينتقل فجراً الى الصرح البطريركي الصيفي في الديمان.

وصل العميد جورج حرّوق بعد منتصف الليل الى بكركي وقال ان العماد ميشال عون نبهّه قرابة الساعة الثانية عشرة وكان السير معرقلاً على الطريق المؤدية الى الصرح البطريركي لكثرة السيارات الموجودة في المكان وأبدى حرّوق اسفه لما حصل.
وفي روايته لما حصل في مساء الخامس من تشرين الثاني 1989 قال العماد ميشال عون بعد ثلاثة عشر عاماً على وقوع الحادثة(مقابلة خاصة مع الجنرال في منزله في باريس شباط 2002):"كانت ليلة رهيبة كان الشعب غاضباً الى حد كبير لا بل كان مهتاجاً كان يرى ان حلمه بتحرير ارضه من الجيش السوري يتلاشى امام ناظريه من غير ان يتمكن من فعل شيء فسخط على النواب والبطريرك صفير معتبراً ان مواقفهم هي التي ادت الى تبدّد الحلم."في تلك الليلة قررت ان أذهب الى منزلي لأرتاح قليلآً اذ كانت مرّت عليّ ليال صعبة لم أذق فيها طعم النوم.في الطريق من بعبدا الى الرابية كان المشهد مخيفاً:اطارات تشتعل شبان وشابات يحملون الاعلام ويهتفون ويقطعون الطرقات ويوزعون المناشير،خفت من ان يتعرفوا الي فقلت للسائق بأن لا يتوقف اياً كان الداعي،شعرت ان المتظاهرين من شدة محبتهم لي قد يقدمون على خنقي.
"لم يأخذ احد رأيي لتوجيه تظاهرة ضد بكركي وما قيل عن تورط الرائد كيتل الحايك لا يعنيني فهو لم تكن له وظيفة أمنية يوم توليت رئاسة الحكومة الانتقالية ولم أنط به اي مسؤولية او اي مهمة،في أي حال يوم تسلمت السلطة كان البلد مخترقاً من كل أجهزة الاستخبارات في العالم.
"لا أبرئ القوات اللبنانية مما حصل فقد بدا على تلفزيون المؤسسة اللبنانية للإرسال الذي عرض مقاطع من الاعتداء عنصران من القوات يعتديان على البطريرك صفير.
...
وعرف البطريرك صفير فيما بعد أن رئيس حزب الوطنيين الأحرار داني شمعون اتصل قبيل حصول الاعتداء بالعماد ميشال عون طالباً اليه إرسال قوة حماية من الجيش اللبناني الى الصرح البطريركي لكن شمعون لم يعرف لماذا لم يتحرك احد لنجدة البطريرك كما علم سيد بكركي أن عون سئل لاحقاً:"لماذا حملت البطريرك على الهرب الى الديمان؟"
فأجاب:"لقد اختار هو طريق المنفى".

..

لم يكتف عون بهذا الموقف الذي اعتبر تأييداً للتظاهرة أكثر مما هو إدانة لها بل تابع مناصروه مشروعهم ووجهوا تظاهرة إلى بكركي إذ لم يكونوا قد علموا بعد أن البطريرك صفير قد غادر الى الديمان وعمد المتظاهرون الى فتح بوابة الحديد الخارجية عنوة والاندفاع الى الداخل ثم بادر المتظاهرون الى إطلاق الهتافات والشعارات مرددين بين الحين والحين :"بدنا البطرك،بدنا البطرك".حاول النائب العام البطريركي المطران رولان ابو جوده ان يكلم المتظاهرين فلم يسكتوا واستمروا يطالبون بخروج البطريرك صفير الى مقابلتهم فحاول اللجوء الى الصلاة علهم يصمتون لكي يكلمهم فلم ينجح اذ عندما قال "باسم الآب والابن والروح القدس" اطلقوا صيحات شاجبة وكذلك فعلوا عندما بدأ صلاة أخرى او حاول مكالمتهم ثم اقترح احدهم على المطران ابو جوده ان يجرب النشيد الوطني اللبناني وعندما بدأ النائب البطريركي العام بأنشاده شاركه المتظاهرون وفي نهابته قال ابو جودة ان السيد البطريرك غير موجود فلم يصدقوه وعادوا الى الهتاف:"بدنا البطرك".

ورفع في هذه الأثناء متظاهر صورة للعماد ميشال عون على عصا خشبية طويلة وصلت الى الشرفة التي يقف عليها المطران ابو جوده فجعل المتظاهرون يصرخون :"بوس الصورة" فرفض في البداية ولكنه لمّا شاهد غضبهم واندفاعهم لخلع الباب الداخلي واصطدامهم ببعض عناصر قوى الأمن الداخلي قال المطران ابو جودة على صوت خافت :"مع آلامك يا يسوع" ثم قبّل الصورة.استمر هتاف المتظاهرين واندفاعهم فكرر النائب البطريركي العام صلاته وقبّل الصورة من جديد".(الكاتب أنطوان سعد "السادس والسبعون-الجزء الأول" ص 270...276)

وأوردت جريدة النهار في 06-11-1989 العنوان التالي
"عون دعى البطريرك إلى الاستقالة اذا تعارضت اقتناعاته والشعب"

وكان أبلغ رد للبطريرك على ما جرى قد ورد في العظة التي القاها في يوم الأحد التالي اي في 12-11-1989 وتضمنت العبارة التالية:

"ستبقى الكنيسة الى جانب اللبنانيين وبينهم أماً ومعلمة وضميراً حياً وابواب الجحيم لن تقوى عليها"

31-كانون الثاني 1990 الانتحار

الانتحار هو الوصف الدقيق لما عرف بحرب الإلغاء او معركة توحيد البندقية التي بدأت عملياً في 30 كانون الثاني عندما توجهت وحدة من الجيش اللبناني باتجاه مدرسة قمر-التحويطة حيث يقيم مهجرون بداخلها كما هناك مركز لوحدات الدفاع الشعبي التابعة للقوات اللبنانية وحصل اشتباك محدود بين الطرفين الا ان العماد عون عقد مؤتمراً صحافياً ذلك المساء معلناً انه كان يرغب بإعادة بناء المدرسة ليتعلم الأولاد الا ان القوات لا تريد ان يتعلم اولادكم داعياً أمهات مقاتلي القوات الى دعوة أبناءهم لترك القوات اللبنانية والتوجه الى ثكنات الجيش مطلقاً عبارته الشهيرة "لن نسمح بعد اليوم ببندقية خارج اطار الجيش" قاصداً طبعاً بندقية القوات حيث ان البنادق خارج الجيش كانت موزعة على امتداد الأراضي اللبنانية بما فيها بندقية بعض الوية الجيش نفسه التي كانت بامرة قادة الطوائف والميليشيات اللبنانية المسلمة لكن الانتحار ليكون ناجزاً كان يقتضي قتل الذات فكانت الحرب الاعنف ابتداء من صباح 31 كانون الثاني 1990 المشؤوم الذي غيّر وجه لبنان منهياً مرحلة من الحضور المسيحي الفاعل في لبنان ومؤسساً لمرحلة من الإحباط والتشرذم المسيحي ستمتد 15 سنة.
معارك ضارية خاضها الطرفان ادت الى تدمير المناطق الحرة وانهاك الفريقين وعدد كبير من القتلى والجرحى والأسرى وفيما كان العماد عون يتهم القوات بموافقتهم على اتفاق الطائف الذي برأيه يؤمن لسوريا إمكانية السيطرة على لبنان كانت الحرب الدائرة تؤمن بالفعل للسوريين هذه السيطرة لا بل وتلغي كل إمكانية للمواجهة معهم في المستقبل وبالطبع فقد سعت سوريا لاستمرار المعارك وزيادة الشرخ بين المسيحيين فأمنت للعماد عون الذخائر من خلال اسعد حردان (الحزب القومي السوري- كان الراهب الأنطوني أنطوان ضو صلة الوصل معه) وايلي حبيقة كما ادخلت المؤن والمشتقات النفطية من خلال حزب الله وقام المكتب المركزي للتنسيق الوطني برئاسة روجيه عزام بتوجيه تظاهرات "انفتاح" باتجاه الضاحية الجنوبية معقل حزب الله حيث اطلق المتحدث باسمهم بيار رفول عبارة "ثورة العماد من ثورة الخميني" كما توجهت تظاهرة أخرى باتجاه المتن الأعلى حيث استقبلهم مؤيدوا الحزب السوري القومي الاجتماعي كما توجهت تظاهرة باتجاه عاليه معقل الحزب التقدمي الاشتراكي وكانت قد توجهت أيضاً تظاهرة باتجاه المختارة من مؤيدي العماد عون في الشريط الحدودي واستقبلهم وليد جنبلاط والقى فيهم خطاباً ورد المتحدث باسم التظاهرة بكلمة تضمنت العبارة التالية :"اللي ابعدونا عنك اذلناهم من صفوفنا".
سعى البطريرك صفير لوقف المعارك داعياً مقاتلي الطرفين للتمرد على قرارات قيادتيهما مهدداً بانزال الحرم بكل من العماد عون والدكتور جعجع وجواب العماد عون كان "لا سلطة للكنيسة علي".

عون:لجنة الوساطة فشلت وليس للبطريرك سلطة علي لأني لا استمد سلطتي من الكنيسة (النهار 08/04/1990)

شهدت هذه الفترة تبدلاً كبيراً في مواقف العماد عون تجاه سوريا وحلفائها وتحميل القوات اللبنانية كافة مآسي الحرب وأخطاءها ونمت العلاقة مع القوميين وجماعة ايلي حبيقة الذين عادوا الى بيروت الشرقية وشكل حديث العماد عون الى جريدة الشرق في 3 آب 1990 نموذجاً معبراً لمدى التحول من شعارات حرب التحرير الى رفض الحدود بين البلدين، وبالنتيجة فرضت هذه المعركة ستاتيكو جديد تمثل بخطوط تماس داخل المنطقة الشرقية وبانهيار قوة الفريقين كما باستياء دولي عارم اسقط كافة الخطوط الحمر التي كانت تمنع السوريين من اقتحام المناطق الحرة لا بل بالعكس فقد أصبح السوريون هم الحل الذي يمكن ان ينهي "الجنون" الحاصل وتمت الصفقة الأميريكية السورية لاقتحام المناطق الحرة وتسليم الإدارة اللبنانية للسوريين وهكذا كان في 13 تشرين1 1990 حيث اجتاح السوريون مناطق العماد عون واعدموا حوالي 120 ضابطاً وجندياً لبنانياً وسيطروا على القصر الجمهوري ووزارة الدفاع الوطني وسرقوا ملفاتها وانهوا حقبة من الممانعة المسيحية وبدأوا عملية اتمام السيطرة على لبنان واليكم ما تناولته إذاعة الفاتيكان عن تلك المرحلة :
07\02\ 1990 هل يمكن أن يغفر المسيحيون اللبنانيون للعماد ميشال عون؟
هذا السؤال طرحته إذاعة الفاتيكان تدليلاً منها على فظاعة المذبحة التي أوقعتها الحرب في صفوف مواطني المناطق الشرقية. وقد ترافق هذا السؤال مع أجواء سياسية محمومة خيّمت على الهدنة الهشة التي تعرّضت لخروقات عدة. ونقلت "فرانس برس" عن مصدر مقرّب من العماد عون قوله: استسلام القوات اللبنانية وحده سيضع حداً للمعارك.

وقبيل أيام معدودة من السقوط اجتمع وفد من المكتب المركزي للتنسيق الوطني تألف من روجيه عزام وجوزف غصن وبيار رفول الى اسعد حردان المسؤول السوري القومي والمقرب جداُ من السوريين والذي عمل على مساعدة العماد عون في حربه على القوات وفي ذلك الاجتماع اتصل المسؤول القومي باللواء غازي كنعان طالباً موعداً للوفد المذكور معه فكان ان حدد لهم موعداً في 13 تشرين1 اي في اليوم نفسه الذي ستجري فيه العملية، هذه المعلومات ذكرها روجيه عزام نفسه في كتابه وذلك في الصفحة 570.
لم يفصح الأستاذ عزام عن الهدف من ذلك الاجتماع لكنه قد يكون اعطى للعماد عون متنفساً ما جعله يعلن في أسبوعه الأخير ان: "لا تتوقعوا عملية عسكرية وكل ما سيحصل في القريب العاجل انني سأكون رئيس حكومة الجمهورية الثالثة!" وعلى هذا الأساس قال لإذاعة "صوت أميركا" الثلاثاء 9 تشرين الأول: "المعركة ليست عسكرية بل هناك معركة في سبيل الحرية والديمقراطية". ولما سئل عن الجهات التي تؤيّده في مواقفه، أجاب: "اعتقد أن الجميع يؤيدونني ما عدا... القوات اللبنانية". الجميع من هم؟ الجنرال فندهم: الرئيس فرنجية، وليد بك، حزب الله، الشريط الحدودي...!
وقبل ساعات من الاجتياح نفى الجنرال الجمعة 12 تشرين الأول ما نقلته "رويتر" عن اتصال تمّ بينه وبين السفير ألا لكي يخلي قصر بعبدا ويشكل حكومة منفى في فرنسا. وعلق حرفياً:
"لا يطلبون عادة من الوطني أن يترك وطنه ويذهب. يطلبون من العميل الهرب إذا أرادوا إعطاءه فرصة..."

لكن كل من الأستاذ فايز القزي والأستاذ البير منصور اكدوا في كتبهم ان العماد عون وقع ذلك المساء على ورقة من 10 بنود تضمنت اعترافاً بشرعية الرئيس الهراوي وبموافقة العماد عون على دخول الحكومة والوثيقة سلمت للسفير الفرنسي الا ولم يعرف ما بات مصيرها والوثيقة منشورة في كتاب "موت جمهورية" للأستاذ البير منصور ص 417 بخط العقيد عامر شهاب وموقعة من العماد عون وكان الشهيد جبران التويني قد لفت الى هذا الامر في مقال بعنوان "طعنة الجنرال" بتاريخ 30-08-2001 تضمن ما يلي :
"لم تعد تعيش الواقع بعدما توقفت عقارب ساعتك عام 1989 ولن اقول 1990 او آخرها عند طلب موعد مع اللواء الركن غازي كنعان وعلى غير علم الذين كانوا حواليك، او ساعة توقيعك اتفاقات مع السفير الفرنسي حول الطائف وأيضاً دون علم الذين كانوا حواليك! دون ان نذكر المفاوضات السرية التي كنت تجريها مع "دولة الطائف" من اجل العودة الى لبنان"

وفي صباح السبت 13 تشرين الأول 1990، في الساعة السابعة والدقيقة الخامسة، تولى سرب من الطيران الحربي السوري (وبكل أسف) قصف قصر بعبدا ووزارة الدفاع في اليرزة وعدد من مرابض المدفعية. وكان ذلك بدء العملية العسكرية ضد العماد عون.وبعد دقائق، فتحت النار من مرابض المدفعية والراجمات والدبابات على كل المحاور في المتنين. وبعد 45 دقيقة، أعلن عن وجود العماد عون في السفارة الفرنسية في الحازمية.

ومن هناك، من السفارة، أعلن العماد عون إستسلامه. فأذاع بصوته بياناً مقتضباً قال فيه:
"بسبب الظروف السياسية والقتالية والعسكرية الراهنة، وحقناً للدماء، وتخفيفاً للأضرار، وإنقاذاً لما تبقى، أطلب من أركان قيادة الجيش تلقي الأوامر من العماد إميل لحود".

انتهت مع إسقاط العماد عون مرحلة من تاريخ وطن لتبدأ مرحلة أخرى اشد قسوة وضراوة خاضها المسيحيون بإيمان كبير وانتهت الى انسحاب ذليل للسوريين كان المفترض ان يشكل حافزاً للمسيحيين كي يزيدوا من لحمتهم لكن العكس هو ما يحصل كأننا لم نتعلم شيئا ً على ما قال غبطة البطريرك صفير

وأنهي هذا البحث بما كتبه شهيد الكلمة الحرة سمير قصير في عودة الجنرال وكان عنوان المقال "عودة الأب الضال" 06/05/2005 بتاريخ:

"عون الراجع هو عون الذي لا يتغيّر، يحاكِم ولا يحاكَم. المسألة تذهب ابعد من اختزال الفعل التاريخي بعظمة الفرد، وفقاً لفهم مبتسر للتجربة الديغولية في فرنسا. فإذا كان تجاهل الحجم الشعبي للحدث ينم عن مفهوم فوقي للعمل السياسي، فإن تجاهل دور القوى السياسية الأخرى يفيد بوجود سوء تفاهم مقلق حول معنى المعركة الأخيرة".