في صيف1957 استقبل ميشال عفلق في منزله في دمشق شاباً جاء من طرابلس في شمال لبنان هو الدكتور عبدالمجيد الرافعي. ادت الكيمياء دورها. الرافعي الذي كان معجبا بكتابات عفلق، سيعجب بعد ذلك اللقاء بالشخص واسلوبه. ومنذ اربعة عقود يقيم الرافعي في القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وهو حاليا نائب امينها العام المطارد عزت ابراهيم الدوري. قبل ذلك بعقد كان الرافعي انتخب عضوا في القيادة القطرية لفرع الحزب في لبنان. وفي مؤتمر الحزب في 1963 سيقف شاب عراقي لإجراء تقويم لوضع الحزب في العراق منتقدا «جناحيه» الاول ممثلاً بحازم جواد صاحب الدور الاكبر في وصول البعث الى السلطة في 1963، والثاني بعلي صالح السعدي. بدا الشاب جريئا ومقنعا في آن. لفت نظر عفلق والرافعي وكثيرين. وكان اسم الشاب صدام حسين.
على مدى عقود عايش الرافعي تجربة عفلق وصدام وربطته بهما الى العلاقة الحزبية داخل القيادة القومية علاقات شخصية. في طرابلس التي عرفته حزبيا صلبا ونائبا مهتما بقضايا الناس ومطاردا محروما من زيارتها استقبلنا واتسع صدره لاسئلة يجيب عنها للمرة الاولى وهنا نص الحوار:
> متى تعرفت إلى ميشال عفلق، متى التقيته للمرة الأولى؟
- قابلت الأستاذ ميشال عفلق في صيف 1957 في بيته في حي المزرعة، على ما أظن، في دمشق. يومها كنت برفقة اثنين من طرابلس، من الذين كانوا يعرفونه قبلي. جلست إليه، بعدما كنت اطلعت على كتاباته منذ أواخر عام 1956، وبعد التداول مع أصدقاء ورفاق بأن نعمل جهدنا في القضايا الاجتماعية.
شكلت معركة بور سعيد، والعدوان الثلاثي على مصر، مفصلاً مهماً. وهذا جعلني أقرر الخوض في العمل العام، فاخترت حزب البعث العربي الاشتراكي، بعدما اطلعت على كتابات الأستاذ ميشال عفلق من جهة، وعلى دستور حزب البعث العربي الاشتراكي من جهة أخرى، وعلى كتاب «معالم الحياة العربية الجديدة» للمرحوم الدكتور منيف الرزاز. في ذاك الوقت، فاتحني حزب البعث بأن أخوض الانتخابات النيابية في لبنان باسمه، ولم أكن تعرفت إلى عفلق، ولكن كنت اعرفه من خلال كتاباته وافكار حزب البعث.
صدام وعزت الدوري وعبد المجيد الرافعي يحملون جثمان ميشال عفلق أثناء تشييعه في بغداد.
> في أي عام انتسبت إلى الحزب؟
- عام 1957. في عام 1956 وضعت نفسي في جو الانتساب وطلبت المعلومات عن هذا الحزب فوجدت انه ينسجم مع قناعاتي ومع تربيتي في البيت والمدرسة والمجتمع الطرابلسي، أي يتجاوب مع قناعاتي التي تربيت عليها، فقررت الانتساب إليه.
> حين التقيت الأستاذ ميشال، كنت انتسبت إلى الحزب؟
- كنت خضت المعركة الانتخابية في أواخر حزيران (يونيو) باسم الحزب، وبعدها مباشرة في أوائل الصيف ذهبنا واجتمعنا بالأستاذ ميشال وأعطانا بعضاً من وقته ريثما يأتي اجتماع ثلاثي بينه وبين الأستاذ أكرم الحوراني والأستاذ صلاح البيطار. لذلك تعرفنا في الوقت نفسه، وقوفاً، إلى الأستاذين أكرم وصلاح رحمهم الله جميعاً.
> التقيت كل الأركان؟
- كل الأركان في يوم واحد. ولكن الجلسة كانت مع الأستاذ ميشال، وأعجبت أيما إعجاب بهذا الإنسان. أولاً، المفكر العميق. وثانياً، المؤمن بربه وبقضايا أمته إيماناً جعله مستعداً ليضع حياته في سبيلها، وفي الوقت نفسه التواضع في الشخص وفي محيط المنزل حتى. ومنذ ذلك الوقت، وأنا يومياً، أعرف الأستاذ ميشال وأشعر بأنه الرجل المثالي لقيادة حركة مثل حركة البعث.
> متى دخلت القيادة القومية؟
- كان هناك مؤتمر استثنائي عام 1964 بعد ردة تشرين الثاني وضياع الحكم من يد حزب البعث في العراق. في شباط 1964 عقد المؤتمر، ولم أكن أشعر بأنني نضجت بما فيه الكافية، فطلب مني الأستاذ ميشال عفلق أن أترشح وأن هذه الفترة استثنائية لتدابير وسنحضر لمؤتمر قومي عادي خلالها. فانتخبت في شباط 1964 إلى المؤتمر الثامن الذي عقد أيضاً في دمشق في نيسان 1965، أي أنني كنت منتخباً فترة سنة وشهرين. أما بشكل نهائي، في الثامن لم أترشح، وفي التاسع رشحت في غيابي، ومنذ شباط 1968 وأنا عضو في القيادة القومية أي 40 عاماً متتالية.
> إلى الآن؟
- نعم. وأما في القيادة القطرية فكانت سريعة أكثر. انتسبت في الـ57 وفي عام 1958 جاءت الأحداث واعتبروا أنني أبليت البلاء الحسن، فرشحوني وانتخبوني. قلت لهم إنني لم أنضح كفاية، فقالوا: نحن نقدر النضال وأنت يجب أن تترشح. وانتخبت في كانون الأول 1958، في أول مؤتمر عقد بعد أحداث 1958. انتخبت في القيادة القطرية ولم أزل حتى الآن.
اللقاء الأخير
> متى التقيت ميشال عفلق للمرة الأخيرة؟
- وهو صاحٍ، قبل وفاته بأيام قليلة جداَ، ليلة دخوله المستشفى. كنت غادرت باريس الى بغداد منذ فترة قليلة وتركته في صحة جيدة جداً، وإذا بخبر يأتيني من أحد الأصدقاء، بأن الأستاذ ميشال مريض ويتحضر لدخول المستشفى، فعدت أدراجي إلى باريس، واتصلت ببيته وردت عليّ زوجته الدكتورة أمل، وقالت: إن الاستاذ أصبح في المستشفى، وأنا هنا أحضر أغراضاً. في أي مستشفى؟ قالت: في المستشفى العسكري. فذهبت تواً، ووجدته مستلقياً في سريره واضح الذهن ومعنوياته قوية.
ثم رحت أمشي مع بعض الأصدقاء ومنهم الأستاذ نقولا الفرزلي، فإذ شعر بألم في أسفل بطنه، فأتيت وإذا بأحد الشرايين المتصلبة ينزف بعضاً من الدم. وطُلب مني أن التحق بالمستشفى، على أن تجرى العملية في اليوم التالي.
عفلق والرافعي في احتفال قومي في حديقة الزوراء في بغداد.
طبعاً كان الرئيس صدام حسين، رحمه الله، أوفد أيضاً طبيباً من أهم الأطباء من العراق ليواكب المسيرة. وبعد انتهاء العملية قالوا: الحمد لله إنها نجحت. ولكن في اليوم الأول الزيارة ممنوعة. وفي اليوم التالي، سُمح لي ولابنته الكبرى، السيدة رزان، وللطبيب. فدخلنا وابتسم لنا، وقال: كيفك أمورتي رزان؟ وأهلاً دكتور (لي) وأهلاً دكتور (لزميلنا)، ثم خرجنا.
وإذا بنا في اليوم التالي، قبل أن نصل يقولون إن الاستاذ ميشال أصيب بنكسة ولديه التهاب. أتينا والطبيب معنا، وراجعنا الأطباء وأظهروا لنا أنه في صباح اليوم الذي التقيناه فيه، بدأت معه أحوال ذات الرئة، ولكن في أسفل الرئة. وبعد ساعات انتقلت الى منتصف الرئة. وفي اليوم التالي، أصبحت الرئة كلها ملتهبة. نظرنا الى الصور، وتألمنا كثيراً، وطلبنا بأن تكون هناك مجموعة من الأطباء، فأتي بهم. وكانت هذه آخر مرة رأيته فيها.
عندما شعرنا بأن الوضع خطر جداً، أبلغنا القيادة في بغداد، فأرسلت رئيس ديوان الرئاسة، وشقيق الرئيس السيد برزان، الذي كان في جنيف ممثلاً للعراق في الأمم المتحدة، وعضو القيادة القومية الرفيق المرحوم نضال بدر الدين المدثر. كنا مجتمعين، وإذ بنا نعلم بأن الأستاذ ميشال لفظ أنفاسه الأخيرة. فعدنا إلى المستشفى.
هكذا كان آخر لقاء. لقاء صاحٍ قبل العملية، ولقاء آخر أيضاً صاحٍ بعد العملية. وهذه الابتسامة التي لا أنساها مطلقاً، وبقوله لي: أهلاً دكتور.
> حين توفي الأستاذ ميشال نُقل إلى بغداد، هل رافقتم الجثمان؟
- نعم، رافقنا الجثمان بالطائرة ذاتها الى بغداد، فاستقبله الرئيس صدام. وأثناء الجنازة أذكر أننا حملنا التابوت أنا والرئيس الشهيد رحمه الله، لننزله من السيارة. وبقي الرئيس صدام حسين وأعضاء القيادة كافة حتى ووري الثرى.
> يقال إن الرئيس صدام حسين حمل الجثمان حين أنزل من الطائرة؟
- نعم أولاً، وثانياً حين نقل من السيارة إلى المقبرة.
> نحن نتحدث عن حقائق للتاريخ؟
- هذه أمور عشتها، وكأنها الآن. الشارع الذي دفن فيه. وضع، ريثما ووري الثرى في اليوم التالي، في باحة القيادة القومية وجاء المودعون يودعونه وعلى رأسهم الرئيس القائد صدام حسين.
> لاحقاً قيل، أو نقل عن الرئيس صدام حسين، أن ميشال عفلق توفي مسلماً؟
- نعم.
> هل أُبلغت القيادة، قبل وقت، بأن ميشال عفلق أشهر إسلامه؟
- هذه القضية تاريخية. الأستاذ ميشال عفلق منذ 1943 ألقى محاضرة في مدرج جامعة دمشق، في ذكرى مولد سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، وألقى هذه المحاضرة التي قال فيها: إننا مؤمنون. قد لا نُرى في الجوامع نصلي مع المصلين أو نصوم مع الصائمين، لكن إيماننا بربنا إيمان كبير. وفيها يقول أيضاً: إذا كان محمدٌ كلَ العرب، فليكن كلُ العرب اليوم محمداً. واعتبر أن الإسلام هو ثورة العرب، وقال: إن العروبة جسد، روحه الإسلام. فإذاًَ، مؤمن بأن الإسلام كان الذي فجّر ثورة العرب من الجاهلية التي كان فيها العرب يتقاتلون قبائل وشيعاً من جهة، ويئدون النساء من جهة أخرى، ومتخلفين في كل شيء وأميين الخ... فكان الإسلام ثورتهم.
هذه كانت النظرة. ولم نناقشه فيها في ما بعد، إلى أن وقعت حادثة طريفة. كانت هناك سيدة لبنانية - طرابلسية، أتت لزيارة ابنتها التي تعمل في الأمم المتحدة في بغداد. وكانت جارة لزوجتي، وذهبنا لزيارتها والسلام عليها. وكان ذلك بعد 7 نيسان (أبريل) عام 1982. فقالت إنني سمعت خطاب رئيسكم في 7 نيسان ذكرى تأسيس الحزب. فقلنا لها: انه القائد المؤسس، وهو اليوم الأمين العام للحزب، لكنه مؤسسه.
قالت: سمعت كلامه العظيم، وهذا الإيمان لا يصدر إلا عن مسلم. فقلنا لها أنه يعتبر الإسلام ثورة العرب وإلخ. وبعد فترة قليلة ذهبنا إلى زيارته، زوجتي وأنا، وكنا وحدنا، فقصصنا عليه هذه الرواية، فقال: إنها على حق، ألم أقل لكم إنني مؤمن بأن الإسلام ثورة العرب وبأن الإسلام عنده من الأسس الإيمانية من جهة، والتطبيقية من جهة، والتربوية من جهة، ما يجعلني أؤمن بأن الإسلام هو الذي فجر طاقات العرب. فأنا أعتبر نفسي مسلماً.
على دين الإسلام
> متى حصل ذلك؟
- عام 1982 غالباً، أي قبل وفاته بسبع سنوات أو ست، هو توفي في حزيران 1989وعندما خرج من بغداد للمرة الأخيرة، كان كل شيء في بيته على حاله، لأنه كان عازماً على العودة، وإذ به يمرض ويتوفى. ووجدت بين كتبه ورقة بخطه يقول فيها: إذا اصطفاني الله لرحمته فأنا أموت على دين الإسلام. ووقعها. وكان بدأها بـ «لمن يهمه الأمر»، وكلام عام. وهي ليست أكثر من سطرين.
> يقال إنه أبلغ الرئيس صدام حسين بهذه الورقة أو بهذه الحقيقة؟ أي أن القيادة كانت على علم بذلك؟
- نعم، كما أبلغنا. كان الأمين العام، ومع ذلك أبلغني وأبلغ زوجتي، بأن هذا إيمانه. وكان أبلغ الرئيس صدام بهذا الأمر، وأعلمنا الرئيس صدام بذلك.
> كيف كانت علاقتك بميشال عفلق، إلى أي مدى كنتما معاً في القيادة القومية؟
- في الحقيقة، الأستاذ ميشال عفلق تحرك كثيراً في حياته. كان ألمه كبيراً عند الانفصال بالمقدار الذي كان اعتزازه كبيراً بإعلان الوحدة. وقبل الانفصال كانت الصدمة كبيرة أيضاً، عندما كانت قيادة الجمهورية العربية المتحدة تتعدى المفاهيم التي بني عليها الحزب من جهة ثانية، مفهوم الوحدة أو الاتحاد، ولو قفزوا فوق قصة الاتحاد واختاروا الوحدة الاندماجية. لكن مفهومه هو تفاعل بين دولتين، دولة صغيرة من مليون ودولة من 50 مليوناً، التفاعل يجب أن يكون واحداً.
لكن عندما أخذت قيادة دولة الجمهورية العربية المتحدة تنحى منحى تسلطياً في سورية، ولم يكونوا في حزب البعث متصورين أن هذا يمكن أن يكون، وأرسلوا المشير عبدالحكيم عامر، وكان حتى القضاة يتصرفون والضباط يتصرفون وكأن هذا حكمنا. فكان الألم كبيراً عند الأستاذ ميشال عفلق، لأن هذا يختلف عن مفهوم الوحدة كما يفهمه حزب البعث العربي الاشتراكي. وحاولوا بالأحاديث العادية أن يصوّبوا هذا المجرى المنحرف لمفهوم الوحدة، فقرر الأستاذ ميشال، في خريف 1959، أن يترك دمشق ويأتي الى ساحل سورية ويأتي بمركب من سورية إلى طرابلس، سراً.
وأعلمت بالأمر وذهبت إلى المكان الذي نزل فيه وأتيت به الى هنا. وفي هذا البيت نمنا معاً في الغرفة المجاورة في سريرين، كان أحدهما لي والآخر لأخي، فأخذ سرير أخي ونمنا معاً ليلة واحدة ريثما تدبرنا الأمر وانتقل إلى بيروت.
> انتقل إلى الأشرفية حينها؟
- أكثر من مكان.
> من اهتم به وقتها في بيروت؟
- تقي الدين الصلح، رحمه الله، أظن أنه أرسل سيارته في ذلك الوقت. والأستاذان الياس الفرزلي ونقولا الفرزلي. أكثر من شخص اهتم به، وتنقل إلى أكثر من بيت. ثم في عام 1961 كانت الصدمة الكبرى للانفصال، وكانت جلسة مع قيادة قطر لبنان، قوّم خلالها الانفصال تقويماً سيئاً، وأن الذي طرحناه هو تصحيح الوحدة وليس الانقضاض عليها من قبل مجموعة مرتبطة بالضباط. لسوء الحظ، أتت على هذا الأمل الكبير الذي توخيناه والذي آمن حزب البعث العربي الاشتراكي، في أول شعاراته، بأنه هو المآل للأمة العربية ولو انه لم يتخذ الشكل الأولي الذي تصورناه من انه يجب أن يكون هذا التوحيد تفاعلياً في كل معنى الكلمة.
> هل كنت تزوره في تلك المقرات غير المعلنة؟
- دائماً، دائماً.
> هل كانت العلاقة بينكما ودية؟
- كانت ودية جداً. منذ اليوم الذي التقيته والى النهاية، كانت ودية جداً.
> ألم تشهد أي خلافات في الرأي؟
- لا أعتقد. ربما عام 1970 حين حصلت المعركة في الأردن بين المقاومة والنظام. حينها أطلق الأستاذ ميشال عفلق نداءً بأن كل بعثي مهتم بقضية الأمة المركزية في فلسطين، عليه أن يتطوع لينجد إخوانه المقاومين في الساحة الأردنية، فذهبت أنا على رأس مئة مقاتل لنساهم ما أمكن في الدفاع عن المقاومة. ولم نعد إلا عندما رأينا الملك حسين يصافح عرفات بوجود الرئيس عبدالناصر ليلة وفاته. وكانت هناك طائرة ذاهبة الى العراق عدنا فيها، وعندما ترجلنا من الطائرة أخبرنا بأن الرئيس عبدالناصر وافاه الأجل.
عندما عدنا وشرحنا ما حصل هناك، من أن المقاومة كانت ملاحقة بشكل كبير وان الجيش العراقي قدم مستشفى وما يمكنه أن يقدمه. من الممكن أن يكون حصل ظن بأننا نحاول الدفاع، على عماها، عن كل ما عمله الجيش العراقي أو العراق. وهنا سمعت بأن الأستاذ يتساءل كيف أن عبدالمجيد... فجئت إليه وكان في ضهور سوق الغرب، وشرحنا الأمر وكان هناك وضوح ولم يكن هناك سوء تفاهم ولكن سمع عن لساني أن هناك دفاعاً من دون هوادة ومن دون أي استدراك، وقلت هذا الذي كان ممكنا في ذلك الوقت، لأن الجيش العراقي كان مقطوعاً عن مركزه الأساسي الذي يبعد 1100 كيلومتر تقريباً، وكان حتى الماء يأتيه وكان مقابله العدو الصهيوني، فكان عمل كل ما يمكنه.
عفلق مع حازم جواد وطالب شبيب.
صدام وعفلق
> أنت أحد الذين رافقوا ميشال عفلق وصدام حسين، ما هو سرّ تلك العلاقة والحب المتبادل والإعجاب بينهما؟
- هذا صحيح. الأستاذ ميشال عفلق مفكر وواضع أسس هذه النظريات مع بعض المفكرين والمناضلين وعلى رأسهم الأستاذ صلاح البيطار، ولكن يعتبر القائد المؤسس لفكر البعث ولنظامه ولأسلوبه سواء على الصعيد الفقهي أو على الصعيد التبشيري أو على الصعيد التنظيمي او النقد الذاتي في كل خلية حزبية. هناك بند من البنود، إضافة الى الوضع السياسي والتنظيمي، في النقد والنقد الذاتي. كلها كانت من وضع الأساتذة الأوائل وعلى رأسهم الاستاذ ميشال عفلق.
الأستاذ ميشال وجد في صدام حسين شخصاً اعتنق هذه المبادئ بصدق، والأسلوب النضالي الذي اتبعه الحزب في نظريته لانتزاع الحقوق، سواء على الصعيد المحلي أو الوطني أو القومي، اتبعها الرئيس صدام حسين بحذافيرها بل وتخطى ما يمكن أن يكون الإنسان جاهزاً له. لذلك، ومنذ ذلك الوقت، والأستاذ ميشال معجب بالرئيس صدام حسين، الذي لم يكن حينها رئيساً، لم يكن سوى عضو في القيادة.
> متى تعرف إليه؟
- لا أدري إذا كانت المرة الأولى عام 1963، لكن الاسم مطروح منذ أن كان طالباً في الحقوق في جامعة بغداد. ثم عندما ساهم في محاولة اغتيال عبدالكريم قاسم، وبهذه الجرأة، وعلم أنه انتزع بنفسه الرصاصة من ساقه وأنه، على رغم جرحه، سار في كل الصحراء وذهب الى دمشق ومنها إلى القاهرة. وأيضاً علم بنشاطه الحزبي المتفاني وبأخلاقياته، علماً أن القاهرة محيط واسع ومشوق للشاب. وكان صدام حسين مترفعاً عن كل القضايا التي تهم الشباب ومهتماً بالحزب ونضاله وبتسلم مسؤوليات عن رفاق من لبنان ومن المغرب العربي ومن كل الأقطار. كانت هذه الأمور تصل إلى الأستاذ ميشال عفلق.
في عام 1963 بعد قيام ثورة رمضان، في 8 شباط، ذهبنا وفداً إلى بغداد ولم يكن صدام حسين سوى مواطن مناضل في مستوى متوسط من المسؤولية، واجتمع الأستاذ ميشال بأكثر من رفيق وعقد ندوات عدة وكنا وفداً من 5 أو 6 أشخاص. تعرف الأستاذ ميشال في ذلك الوقت إلى الرئيس صدام ولكن سطحياً. المعرفة الحقيقية كانت في المؤتمر القومي الثالث الذي كان مراجعة لكل مسيرة الحزب، سواء خارج قطر الحكم أو عندما تسلم الحزب الحكم في 8 شباط في العراق و8 آذار في سورية. وكانت مراجعة نقدية شديدة.
> أين عقد المؤتمر؟
- في دمشق.
> هل كان برئاسة ميشال عفلق؟
- عادة ينتخب رئيس للمؤتمر وليس ضرورياً أن يكون الأمين العام. أنا لست أميناً عاماً، ورأست 3 مؤتمرات قومية. وحينها ميشال عفلق وصدام حسين كانا موجودين.
> متى عقد المؤتمر، وماذا تذكر عن صدام حسين في ذاك المؤتمر؟
- عقد عام 1963 واستمر من 8 أيلول (سبتمبر) الى 23 منه. أذكر خطاباً للقائد صدام حسين، وكان انتخب حديثاً في مستوى قيادي رفيع في العراق. أكثر من ساعة وقف فيها ناقداً المسيرة التي لم يكن عمرها سوى 8 أشهر.
> لم يكن عارف أطاح حينها بالبعث؟
- نعم لم يكن أطاح به. وكأنه تنبأ فانتقد الذين يماشون عبدالسلام عارف ومندمجين في الحكم، والمعارضين الذين يعارضون، أولاً بشكل متطرف، وثانياً من الممكن أن نخرب على النظام نحن الذين كنا ولا نزال كل التنظيم الحزبي الذي كان أقل من ألف إنسان، نزلوا إلى الشوارع واحتلوا مفترقاتها، عدا عن بعض العسكريين الحزبيين الذين ساهموا في الإطاحة بنظام عبدالكريم قاسم. نقد صدام نقداً موضوعياً الطرفين، الطرف المندمج مع الحكم والطرف المعارض للحكم. كان حازم جواد يمثّل الطرف المندمج، وكان علي صالح السعدي يمثّل الطرف المعارض، والمعارض بتطرف من الممكن أن يصل إلى الاشتباك حتى بين البعثيين. وحذّر من أن هذه الحال لا تدوم إذا بقيت. وكان بجرأة وبموضوعية ولم يكن حوله سوى ثلاثة أو أربعة من المؤيدين بينهم الأستاذ طارق عزيز. وكنا ننزل في الفندق ذاته.
> كيف كان رد فعل حازم جواد وعلي صالح السعدي؟
- كل واحد حاول أن يدافع، وكان هناك أيضاً عسكريون. كل واحد حاول أن يدافع، لكن هذه المرحلة والكلمة التي ألقاها الشهيد صدام حسين ألقت الضوء أكثر فأكثر، بالنسبة إلى الأستاذ ميشال، على شخصية هذا الإنسان وإيمانه وتحليله العميق على رغم انه كان في السادسة والعشرين من العمر. كان ذلك عام 1963 وهو من مواليد 1937. فقابله ومنذ ذلك الحين زاد عمق الصلة بين الاثنين وزاد عمق التفكير عند الأستاذ ميشال بأن هذا الإنسان هو رجل مستقبلي لحزب البعث العربي الاشتراكي وللوطن وللأمة.
صدام حسين مستقبلاً عبد المجيد الرافعي في إحدى المناسبات القومية.
اكد الدكتور عبدالمجيد الرافعي أن الرئيس العراقي الراحل صدام حسين كان يكنّ احتراما عميقا لميشال عفلق «القائد المؤسس» لحزب البعث العربي الاشتراكي. ونفى علمه بأي انتكاسة اصابت العلاقة بين الرجلين مشيرا الى ان عفلق لم يكن يتدخل في الأمور اليومية لفروع الحزب في هذا القطر او ذاك مكتفيا بمعالجة الأمور التي تطرح على القيادة القومية.
ونفى الرافعي ما يردّده البعض من ان عفلق كان معارضا للحرب مع إيران مشيرا الى أنه زار معه الخطوط الأمامية إبان تلك الحرب والتقيا عددا من الضباط.
وكشف ان صدام حسين كان يكنّ تقديرا خاصا للبنان ويعتبر أنه لو لم يكن لبنان موجودا لوجب إيجاد بلد بمواصفاته ليكون مثالا للتعايش. وقال إن صدام نصحه قبل اندلاع الحرب في لبنان بالقيام بكل جهد للدفاع عن المقاومة الفلسطينية لكنه حذّر من عواقب اللجوء الى السلاح. وهنا نص الحلقة الرابعة:
> هل رأى ميشال عفلق في صدام حسين مشروع عبدالناصر في المنطقة؟
- لم أسمع منه هذا. طبعاً الأستاذ ميشال كان معجباً بعدالناصر، وكان نقده للتجربة ليس محملاً كل العبء على عبد الناصر لكنه لم يذكر أمامي أنه يشبه عبدالناصر لأن الانطلاقة للرئيس صدام حسين تختلف عن انطلاقة عبدالناصر. أنا لم يذكر أمامي هذا التشبيه مطلقاً لأنه يعتبر أن الطريقة التي ارتفع بها الرئيس صدام نضالياًَ من اعتناقه فكر البعث الى تبوئه أعلى المناصب في الدولة والحزب، كان الخط النضالي الذي يتبعه الحزب كما نتصوره.
> هل كان صدام حسين يتحدث أمامكم باحترام شديد عن ميشال عفلق؟
- جداً، جداً، جداً.
> هل صحيح أنه كان في المناسبات، في عيد البعث، لم يكن يقبل بالدخول إلا بعد ميشال عفلق؟
عفلق وياسر عرفات.
- هذا صحيح. إنه يعتبر أن الأستاذ ميشال عفلق هو الأمين العام، وهذه الدولة مؤمنة بفكر وتنظيم هذا الحزب، فالأمين العام يأتي قبل نائب الأمين العام الذي هو صدام حسين. في المناسبات المحض رسمية، قليلاً ما كان يحضر الأستاذ ميشال عفلق. لكن في أي مناسبة سواء لها طابع رسمي أو حزبي او استعراضي، كان الأستاذ ميشال متقدماً على الجميع بمن فيهم صدام حسين حتى حين أصبح رئيساً. بين وفاة الأستاذ ميشال وتسلم السلطة من جانب الرئيس صدام حسين، مضت عشر سنوات تقريباً، ومع ذلك في هذه السنوات العشر، ما من مناسبة أو احتفال أو استقبال للمواطنين أو الحزبيين في أي مناسبة، إلا كان الأستاذ ميشال عفلق متقدماً على الرئيس صدام حسين.
> هل كان الأستاذ ميشال عفلق يتعاطى بما يجري، مثلاً، داخل العراق؟
- التنظيم الحزبي لا يعطي لأي قيادة التدخل في شؤون القيادات الداخلية. الذي يحاسب في العراق هو المؤتمر القطري العراقي. ولكن كانت، من وقت إلى آخر، تبحث هذه القضايا في مؤتمر والأستاذ ميشال يعطي رأيه كأمين عام للحزب وقائد مؤسس.
> الرئيس صدام حسين كان معكم في القيادة القومية؟
- نعم. هو انتخب للمرة الأولى في المؤتمر القومي الثامن، ولم يحضر المؤتمر القومي التاسع. أي عندما قامت ثورة 17 تموز (يوليو) 1968 لم يكن الرئيس صدام حسين عضواً في القيادة القومية، لأن المؤتمر القومي التاسع كان عقد في شباط 1968، أي قبل خمسة أشهر أو ستة، قبل التغيير ولم يستطع الرفيق صدام حسين الحضور، ولم ينتخب، وأظن وقتها لم يطرح أسمه. وأنا وقتها لم أحضر لأن والدي كان على فراش الموت ولم استطع الحضور.
> أين عقد هذا المؤتمر؟
- في لبنان. وكانت حينها قبضة المكتب الثاني قوية، لذلك نُقل إلى أكثر من مكان. وحينها اقترح الرفاق اسمي وانتخبت على رغم أنني لم أحضر المؤتمر. في سنة 1970 وما تلاها، كان الرئيس منتخباً في المؤتمر القومي العاشر والحادي عشر والثاني عشر. وهذه كلها عقدت في بغداد. أصبح هناك مكان حرّ ليأتي إليه جميع الناس، وكانوا يأتون من كل أصقاع الوطن العربي، من موريتانيا إلى البحرين.
> هل شهدت علاقته بصدام حسين نكسات؟
- لا علم لي أنها انتكست. لا علم لي أبداً.
> قيل إن صدام حسين كان آخر من تحدث مع ميشال عفلق قبل دخوله غرفة العمليات؟
- بالهاتف ممكن. أعرف أنه كان يتفقده. اما اذا كانت آخر مرة فلا أعرف. قال لي يوم جئت إليه إن الرئيس الآن اتصل وأنا ممنونة كثيراً. لكن هل كان آخر شخص قبل دخوله غرفة العمليات، فهذا أمر لا يمكنني أن أؤكده.
> هل جاء صدام حسين إلى لبنان لزيارة ميشال عفلق؟
- صحيح.
> في أي سنة؟
عفلق والرافعي في حفلة استقبال في عيد تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي.
- أعتقد سنة 1970. نقولا الفرزلي يعرف التاريخ أكثر، لأنه جاء إلى بيت الأستاذ ميشال خلف فندق الكابيتول، كان عنده شقتان واحدة للحرس وواحدة له ولعائلته. وأقام لنا الأستاذ ميشال غداء. وأذكر أنه ذهب إلى منزل الأستاذ نقولا والاستاذ الياس واجتمعوا أيضاً. التاريخ تماماً لا أذكره.
> هل كان الرئيس صدام حسين يحب لبنان؟
- جداً. أي أنه كان مؤمناً بأن لبنان لو لم يكن موجوداً لوجب إيجاد بلد مثل لبنان في الوطن العربي، يوجد فيه هذه الفسيفساء الذي يؤمن الحزب بأن تكون، بما أنها كلها واحدة ومن هذا الوطن ومن هذه الأمة، المثال الصالح للتعايش ولمفهوم حزب البعث العربي. أن تكون المثال الذي يطبق فيه حزب البعث العربي الاشتراكي بمفاهيمه الوطنية والقومية والعلمانية.
وفي عام 1969 ولم يكن بعد عضو قيادة قومية، لكن كنا نجتمع به بعض الاجتماعات في القيادة، وكان هنا توتر شديد لأن اشتباكاً حصل في الجنوب مع مقاومين كانوا يريدون الدخول إلى الأراضي المحتلة للقيام بعمليات، وتوتر الأجواء هنا وكان هناك اجتماع وسألني متى تترك؟ قلت له غداً صباحاً. قال: افعلوا ما تريدون احتجاجات إضرابات بيانات مظاهرات لكن لا تلجأوا إلى السلاح. وكان عمره حينها 32 عاماً. وجئنا لسوء الحظ، حصلت هنا 24 تشرين ووقفنا من دون سلاح وصاروا يعيرون كيف لا تحملون السلاح لتحموا المقاومة، ووقتها قلت لأبي عمار وأبي صبري، رحمهما الله، نحن نفعل كذا وكذا أي نعبئ جمهورنا ولا نريد حمل السلاح. ورأينا أن القتلى ذهبوا سدى. فقال أبو عمار إنه يؤيد هذا. سنة 1975 جاء أعضاء من الحركة الوطنية، ولم تكن الحرب بدأت بعد، لكن كانت هناك تحليلات تقول إن هناك توترات بين السلطة وبين الحركة الوطنية والمقاومة... ردد الأمر نفسه، وما أزال أذكر كلماته، لأنكم إذا بدأتم لا تعرفون متى تنتهون. لا تلجأوا إلى السلاح، افعلوا كل شيء في سبيل حماية المقاومة لأن هذه القضية قضيتنا جميعاً وليست قضية الفلسطينيين فقط ولا حدود فلسطين، بل هي قضية أمة، كلها في مواجهة الحركة الصهيونية، هي ليست قضية حدود بل قضية مصير. إذاً يجب أن تواجهوا بكل الأساليب لكن لا تلجأوا إلى السلاح في مواجهة الدولة لأنكم إذا بدأتم لا تعرفون متى تنتهون وسيستفيد منها العدو الصهيوني.
ولكن عندما اندلعت الأمور، وأصبحت هناك قوى تريد الاعتداء على المقاومة، ساهموا في مساعدتها بطبيعة الحال.
> هل كان لدى الأستاذ ميشال عفلق حساسية كبيرة على الرئيس حافظ الأسد؟
- خاصة؟ لم يكن لدى الأستاذ ميشال شيء خاص، كله في سبيل الوطن والأمة.
> ألم تكن هناك خصومة ما؟
- خاصة؟ لا. عامة بسبب طريقة الاستيلاء على السلطة، وقبل حافظ الأسد، وقبل صلاح جديد، كان الأستاذ ميشال شاعراً أن هناك مجموعات تحضّر لانقلاب فكان ينزل إلى القواعد الحزبية وحتى القطاعات العسكرية يحثهم فيها على الشعور بتوحيد الوطن. صحيح هناك أخطاء تحصل، ولكن هذه الأخطاء ضمن الحزب ويمكن جميعاً ان نخطئ، يجب أن ننتقد ذاتنا إذا كنا مقصرين. وتفاجأ جداً عندما أصبحت القضية في يد العسكريين وانقضوا وأسروا وإلخ. هو أيضاً للمرة الثانية، انتقل إلى طرطوس وعاد أيضاً بمركب، ولكن هذه المرة لم أحضره إلى بيتي لأنه أصبح مكشوفاً وذهبنا به إلى منزل أحد الرفاق وأقام فيه لأسابيع. هذا حصل في 23 شباط عام 1966. هذه المرة الثانية التي لجأ فيها إلى طرابلس.
> هل ذهب في هذه المرة إلى الياس الفرزلي؟
... ومع وفد من مكتب الطلاب والشباب القومي في بغداد.
- في المرتين كان آل الفرزلي المهتمين الأساسيين في بيروت، وأنا في طرابلس حيث أمنت له بيتاً لأحد الرفاق مطل بشكل معقول لئلا يضجر، وليس هناك (سكان) كثيرون ليفشوا السر ويقولوا إن ميشال عفلق موجود عندنا. وأنا بصفتي طبيباً، أحمل حقيبتي أصعد إلى البناية على أنني أزور فلاناً أو فلاناً، وكنت أذهب إليه يومياً، ومن وقت إلى آخر، إذا رأينا الطرق خالية بعد استكشافها، نصطحبه بسيارة ونسوّحه.
> كان نزيهاً في موضوع المال، أليس كذلك؟
- نعم. لا يمكن وصفه. كم كان متعالياً عن أي شيء. حتى عندما ذهبنا للمرة الأولى إلى بغداد، حيث توجد فنادق أفضل من الفندق الذي نزلنا فيه، لكنه رفض النزول إلا في فندق متواضع يتوافر فيه مكان ليجتمع الرفاق. وبالفعل كل يوم مساء، تعقد ندوة ويأتي رفاق عسكريون ومدنيون.
> لم يستفد مالياً من كونه الأمين العام للحزب؟
- هل يعتبر تقديم العراق له بيتاً في بغداد استفادةً؟ نحن عرض علينا فقلنا له نحن أتينا إلى هنا لنقوم بواجبنا وبيوتنا موجودة. وحين سألني الرئيس صدام وكنت برفقة زوجتي، ألا تريدون بيتاً؟ قلت له: نحن نقيم في بيوت الدولة، فقال: عافية عليكم، عافية عليكم، عافية عليكم.
عفلق والحرب مع إيران
> هناك من يعتقد ان ميشال عفلق لم يكن مؤيداً للحرب العراقية - الإيرانية، هل لمستم ذلك؟
- هذا غير صحيح. كل المعطيات كانت تقود إلى رد فعل. أولاً الخميني كان في البلد وكان محتضناً وعندما أراد أن يجعل من النجف الجسر لمحاربة طهران وكان العراق ينشد حسن جوار مع ايران على رغم الخلافات العديدة، خرج الخميني من النجف وذهب الى ضواحي باريس.
> يعني العراق أخرجه؟
صدام متوسطاً الرافعي (يمين) وعزت الدوري وطارق عزيز (يسار).
- لا لا، قال له إذا ممكن أن لا تعمل من هنا للإساءة للعلاقات بيننا وبين إيران، فاختار أن يترك. لكن عندما قام بثورته قال: إننا نريد تصدير الثورة، وإن جحافلنا إذا انطلقت لن تتوقف قبل الوصول إلى بغداد. وحاولوا من السفارة القيام باعتداءات على مظاهرات جامعية واستشهد طلاب، وكان الرفيق طارق عزيز على رأس هذه المظاهرة وجرح، ثم أتى الطيران الإيراني يجوب أجواء العراق الذي تقدم بعشرات الشكاوى إلى الأمم المتحدة، ثم أصبحوا يدخلون بدباباتهم واستخباراتهم ورجالهم إلى داخل الأراضي العراقية وخصوصاً منذ 4 أيلول (سبتمبر) 1980. صبر العراق. ردود الفعل من جهة على الاعتداءات بشكاوى إلى الأمم المتحدة عشرات المرات إلى أن صارت ردة الفعل في 22 أيلول 1980 وكانت الحرب. وكان الأستاذ ميشال مستوعباً تماماً لهذه الحرب ومستوعباً لموجباتها ومستوعباً للتحضيرات وحتى مشاركاً فيها.. وكنت أنا برفقته في رحلة زرنا فيها المواقع الأمامية وجلسنا مع الضباط. فإذا لم يكن مؤمناً ما كان ليذهب ولم يكن الأستاذ ميشال يجامل لو لم يكن مؤمناً بهذه القضية.
> ماذا عن مسألة النزاع حول دور زكي الأرسوزي في التأسيس؟
- للحقيقة لم أعشها. لكن أعرف أن زكي الأرسوزي انسان محترم وقومي وجاء من انطاكيا، من اقليم الاسكندرون، مبعدين من قبل الأتراك على أساس أنهم وطنيون وقوميون وعروبيون، وعنده أفكار مشابهة كثيراً كثيراً لأفكار حزب البعث. ولا أعرف ما الذي حال دون حصول اندماج، بل بقي زكي الأرسوزي يجلس في مقهى ويبشر بأفكاره، بينما كان الاستاذ ميشال يبشر بأفكاره سواء في منزل أو مقهى أو ندوة أو جامعة. وثبت ميشال عفلق تنظيماً بقي يتفاعل، أي أن الأستاذ ميشال بدأ يكتب منذ عاد من السوربون حاملاً شهادة عام 1933. في هذا الجو الفكري بدأت تشكيلات لها طابع منظم عام 1941. وأول عمل ظهر كان باسم هيئة «نصرة العراق» عام 1941 حين انتفض الضباط الأحرار وما سمي بثورة رشيد عالي الكيلاني، على الإنكليز. وكانت هناك أول تشكيلة لها اسم هي لجنة «نصرة العراق»، وتفاعلت تلك اللجنة وقامت بمظاهرات وجمعت تبرعات وأصدرت بيانات توعية لدعم العراق، ولسوء الحظ انتهت كما نعلم. ففي ذاك الوقت، بدأوا يفكرون باسم طالما انتهت هذه المرحلة، وفي عام 1943 طلعوا باسم حركة البعث العربي واستمر هذا الاسم حتى عقد المؤتمر القومي الأول في 6 و7 نيسان (ابريل) 1947 وسمي حزب البعث العربي. وفي بداية الخمسينات حين التحم مع حزب الأستاذ أكرم الحوراني، الذي كان اسمه الحزب العربي الاشتراكي، سمي حزب البعث العربي الاشتراكي.
> يلاحظ أنكم لا تقومون بنقد علني لتجربة البعث في العراق؟
- النقد عادة يكون من جهة في داخل كل خلية، ثم يكون له موقعه في الموقع الأعلى أي هو المؤتمر. لسوء الحظ لم تتوافر إمكانية لعقد مؤتمر قومي، لذلك أصلاً الأستاذ عزت ابراهيم منذ أكثر من سنتين منذ أخذت المقاومة بلورتها أجرى أكثر من حالة فيها نقد ذاتي، ويقول إن من يقدر على حل المسألة هو المؤتمر القطري في العراق والمؤتمر القومي بالنسبة إلى الوضع القومي للحزب، ولكن نحن نعمل على تلافي هذه الأخطاء. وفي آخر رسالة له إلى أحد الإخوة من الأئمة الشيعة الذي كان بعث برسالة علنية فرد عليه بجواب علني، وليست المرة الأولى، يقول إننا نقدنا أنفسنا في اكثر من موقع واكثر من وضع ونحن الآن نعمل على تلافي الأخطاء حتى قبل عقد المؤتمر القطري العراقي أو القومي بشكل عام، الذي لسوء الحظ، الظروف غير متاحة له الآن.