آخر الأخبار

السلام بعد سنتين- حلم بشار الأسد أم أمر واقع؟

أصبحت باريس المحطة الأكثر نجاحا بالنسبة للرئيس السوري بشار الأسد منذ توليه زمام السلطة في سورية قبل 8 سنوات. نعم، باريس وليس لندن أو واشنطن. وقد يصبح الثالث عشر من يوليو يوما مشهودا في تاريخ سورية يضاهي في أهميته يوم الجلاء.

فما الذي حدث في العاصمة الفرنسية في الثالث عشر من يوليو؟ لقد شهد هذا اليوم اتفاقا على تأسيس الاتحاد المتوسطي الذي يجمع 42 بلدا من أوروبا وأفريقيا وآسيا، ولكن هذا الحدث لم يصبح أهم شيء بالنسبة لسورية. لقد جرى في الثالث عشر من يوليو بالذات كسر طوق العزلة الذي أحاط بسورية منذ مصرع رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. ومهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي السبيل لخروج بشار الأسد ومعه سورية من تلك العزلة المزعجة.

والمثير أن الشانزيليزيه أصبحت المكان المريح لبداية حوار غير مباشر بين "الصقر البعثي" و"العدو الصهيوني" و"الإمبريالية الأمريكية". ويجب القول إن هذه الكلمات قد اختفت من قاموس السياسة الرسمية السورية منذ فترة طويلة نسبيا، وحلت محلها كلمات "إسرائيل" و"الولايات المتحدة".

قال الأسد في المؤتمر الصحفي المشترك مع نظيره الفرنسي في باريس في ذلك اليوم المشهود، إن توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل هو مسألة قد تحتاج من ستة أشهر إلى سنتين بحد أقصى، في حال كان الطرفان جادين للانخراط في محادثات مباشرة. ويمكن اعتبار هذا التصريح مفاجأة لم يتوقعها الكثير من المراقبين والمهتمين بشؤون الشرق الأوسط ومشاكله العويصة.

أما المفاجأة الثانية فقد جاءت من الوكالة العربية السورية للأنباء "سانا" التي نشرت خبرا في الرابع عشر من هذا الشهر جاء فيه: "عبر الرئيس الأسد عن أمله بان تتمكن فرنسا مع الولايات المتحدة من أن تسهم بشكل كامل في اتفاق مستقبلي للسلام بين إسرائيل وسورية خلال كل من مرحلة المحادثات المباشرة وكذلك لتنفيذ اتفاق السلام بما في ذلك الترتيبات الأمنية المستقبلية التي يمكن أن تكون ضرورية. وقد شدد الرئيس الفرنسي على استعداد باريس للاستجابة لمثل هذا الدور في حال أبدى الطرفان اهتمامهما في ذلك".

وإذا قمنا بترجمة هذه الكلمات من اللغة الدبلوماسية الى اللغة العادية فسنجد ما يلي:

1- استعداد سورية لإجراء مفاوضات مباشرة مع إسرائيل في حال حصول دمشق على ضمانات أمنية من واشنطن.

2- تبدي سورية استعدادا للتخلي عن التحالف مع إيران ودعم حزب الله وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية في حال حصولها على حماية سياسية ومساعدات مالية من فرنسا والولايات المتحدة.

3- عدم ممانعة سورية في جعل مرتفعات الجولان بعد استعادتها من إسرائيل منطقة منزوعة السلاح، وموافقتها على نشر قوة فرنسية لحفظ السلام في هذه المنطقة بدلا من مراقبي الأمم المتحدة.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هنا: هل يمكن تنفيذ كل ذلك خلال سنتين؟ بالطبع لا. ففترة سنتين لا تكفي إلا لإعداد "خارطة طريق" والبدء بإجراء مفاوضات مباشرة لاستعادة الجولان. وتشير كل الدلائل الى أن عملية إعادة الجولان لسورية ستكون أطول بكثير مما استغرقته إعادة سيناء الى مصر. وربما ستستغرق هذه العملية 20 عاما أو أكثر، فلماذا؟

1- خلافا لاتفاقية كامب ديفيد التي شارك فيها ثلاثة أطراف - مصر وإسرائيل والولايات المتحدة، يعول الأسد على مشاركة 4 لاعبين في مهمة التوصل الى سلام بين دمشق وتل أبيب، وهم سورية وإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا. ويبدو أن الأسد يأمل في أن تقدم الولايات المتحدة ضمانات أمنية لسورية في حين تتولى فرنسا مهمة تأمين تدفق الاستثمارات الأوروبية الى الاقتصاد السوري. ولا بد من القول إن هذه الفكرة جيدة، ولكن تنفيذها يتطلب حل المشكلة الإيرانية المعقدة.

2- لم توافق واشنطن بعد على الدخول في لعبة مشتركة مع باريس. وإذا أخذنا بعين الاعتبار العلاقات القوية بين ساركوزي والبيت الأبيض فسنرى أن هذه الموافقة ليست بعيدة المنال.

3- يشير الأسد في تصريحاته الى أنه ينتظر انتهاء فترة الإدارة الأمريكية الحالية. ويعني ذلك أن السياسيين الأمريكان سيكرسون جل اهتمامهم خلال الانتخابات والعام الأول للرئيس الجديد (اوباما أو ماكين)، على المشاكل الداخلية في المقام الأول. أما القضايا الدولية فستركن على الرف لفترة ما عدا المشكلة الإيرانية.

4- بعد الحصول على دعم من الولايات المتحدة وفرنسا سيغير بشار الأسد موقفه من إيران. وسيكون التخلي عن التحالف مع طهران الشرط الرئيسي لفوز دمشق بحب واشنطن وباريس.

وإذا جرت الأمور على هذا المنوال بالذات فان الوداع مع طهران سيكون صعبا وطويلا ومثيرا للشجون بالنسبة لدمشق التي اعتادت على وجود حليف شرقي قوي يمكن الاعتماد عليه واللجوء إليه في الشدائد.