وثيقة رقم : 22
* التاريخ : 23 سبتمبر 1976
* من: إف. بي. ويلر، إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا
* الى: كير، الخارجية، سري للغاية وهاجل.
الموضوع: الروس وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية
* (رئيسنا) سأل ما إذا كنا نتفق مع ما أوردته برقية دمشق رقم 491 المرفقة، وفيها أن الروس استسلموا أخيرا للسوريين بعد أن راوحوا وداوروا طوال الصيف.
لدينا دليل بأن الروس وضعوا مؤخرا بعض الضغوط على السوريين لجهة الانسحاب من لبنان. وعلى سبيل المثال، أحاط الملك حسين رئيس الوزراء يوم 7 سبتمبر بأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين متوترة، فيما، وعلى الصعيد المدني قام الروس بسحب خبرائهم. العاهل الأردني أخبر سفيرنا أيضا قبل ذلك أن الروس الآن أوقفوا إمدادات قطع الغيار والذخيرة، وطالبوا بزيادة في رواتب خبرائهم العسكريين والتي يحتاج اليها السوريون بصورة حادة. هذا يعكس بلا جدال بأن السوريين أخبروا الملك حسين بذلك، ولكننا لسنا متأكدين بأنهم لم يتعمدوا المبالغة.
انتقدت افتتاحية في صحيفة البرافدا الجانبين وطالبت تسوية سياسية تعتمد المساومة ، فيما انتقد الروس مؤخرا أيضا السوريين، ولكن ما حدث منهم مؤخرا يكون أول انتقاد علني منهم للفلسطينيين.
وبرغم أن ما يبدو من الروس للآن يوحي بأنهم بدأوا في وضع ضغوط على الفلسطينيين للوصول الى تسوية في لبنان، فهذا لا يعني أنهم ألقوا بثقلهم الكامل خلف السوريين. ومن هنا فنحن نتوقع أن يمارسوا وضع الضغوط على كلا الجانبين وصولا الى مساومة ما، فيما يواصلون تجزئة ضغوطهم على الجانبين.
وفي النهاية، وبوضع الأمور في الميزان، فنحن نعتقد أن ما أوردته برقية دمشق خطأ مع أننا لا نملك دليلا نهائيا لا على مزاعمنا في هذه الرسالة ولا على ما قالته برقية دمشق.
* توقيع ـ أف. بي. ويلر ـ إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا
* وثيقة رقم: 31
* التاريخ: 11 ديسمبر 1976
* من: جيمس كريغ ، السفير ـ دمشق
* إلى: سعادة أنتوني كروسلاند، الخارجية ـ سري للغاية.
الموضوع: السياسة السورية في لبنان:
* سيدي:
1ـ في الفقرة 27 من رسالته بتاريخ 3 يوليو حول السياسة الخارجية السورية أشار المستر موريس إلى أن نقلة التحالفات السورية في لبنان لا تزال عصية على الفهم. وبالتأكيد، ومن كوالالمبور كثيرة التحول، وكما حاولت متابعة مسار الأحداث في لبنان، وجدت أن السياسة السورية شديدة الغموض. فهناك نحن أمام حكومة يسارية اشتراكية متزمتة تغير وتضرب قوى إسلامية وبتعاون وثيق مع جناح يميني مسيحي متشدد يلعب بعض قادته أو قل يعرضون وجوها غير مقبولة للإقطاع اللصوصي والرأسمالية المعاصرة، ونحن أمام حكومة ملتزمة بحزم لمساندة النضال الفلسطيني، ولكنها تقصف بالدبابات محاربين من أجل الحرية وتبذل قصارى جهدها لدفع الفلسطينيين الآخرين ليفعلوا مثلها، ونحن أمام حكومة بلد ومنذ أن جاء الى الوجود ينتقد وجود لبنان، وعاش متهما لفترة طويلة بأن له تصميمات بأطماع حدودية، ولكنه يعلن الآن وبحزم بأنه سيقاتل الى النهاية من أجل الحفاظ على تمام لبنان ومنع تقسيمه. ومن هنا فكل هذه الملاحظات تبدو حافلة بالتناقضات. والآن، ومع نهاية الدراما اللبنانية، أو على الأقل مع وصولها الى الذروة، يكون من الممكن الخروج منها بشيء.
2 ـ أحسب أن المفتاح لكل هذا يقع في شخصية الرئيس حافظ الأسد، الذي يبدو لي، من خلال معرفة شخصية مختصرة بطبيعة عمله، ولقاء واحد معه، يبدو لي كقائد يتميز بالذكاء والثبات وبعد النظر وضبط النفس والعصبية. والى ذلك فقد علمتني سنوات طويلة مع العرب أن أتوقع تلك المميزات والخصائص في قادتهم، فيما لا أمل البتة في أن يفسر لك السوريون أنفسهم وسلوكهم. ولذلك فأنا لا أتحدث هنا عن قناعة نهائية، ومع ذلك، يبدو الأمر كما لو أنه، وفي مطلع هذا العام، قرر الرئيس أمورا عدة:
أولها أنه لا بد من الوصول بالحرب اللبنانية الى نهاية، وإلا فالفوضى على حدوده ستهدد أمن سورية ورفاهها وفوق ذلك تمنع أي تقدم في القضية العربية الأوسع.
ثانيها، لا بد للحرب أن تنتهي، كما جادل بذلك قائد مسيحي، دون منتصر أو مهزوم،(هكذا يقود فهم السياق مع ورود كلمتين لاتينيتين صعب تفسيرهما vainqueur and a vaincu ، والإيضاح من «الشرق الأوسط»)، وإلا فالمقهور أو المهزوم سيبدأ مرة أخرى لاحقا.
ثالثها، لا بد للحرب أن تنتهي، والسيادة اللبنانية ومعها الهوية سليمتان وغير مصابتين بأذى، وأن أي نوع من الانقسامات قد يقود إلى احتلال إسرائيل للجنوب، وبروز توجهات مماثلة لدى الأقليات في سورية.
رابعها، لا بد من عدم السماح للمنظمات الفلسطينية من أن تحصل على سيطرة في لبنان ولا أن تملي أوامرها على العمليات العربية، عسكرية كانت أو سياسية، ضد إسرائيل، وإلا فسورية ستجد نفسها مدفوعة ومدموغة بحرب مع إسرائيل وفي ظروف لم تخترها هي، والتي من الأقرب فيها أن تمنى بهزيمة شنعاء .
خامسها، لا بد من عدم السماح للمنظمات الفلسطينية من تحويل جهودها، وكما ظهرت علامات لذلك، من الهدف الحقيقي، أي استعادة فلسطين، الى هدف أسهل على نحو ما، بتصدير الثورة الى الأراضي العربية، لأنه، وعلى الرغم من الأصول الثورية للنظام السوري، إلا أن وجهة نظره الحالية أن الثورة قطعت من الأشواط ما يكفي، ولأن أي محاولة لتصدير الثورة ستكلف القضية العربية السيد الذي يتقدم الداعمين لها.
والخلاصة مما تقدم واضحة، لا بد من خضوع السلام للمفاوضات، وقد حدثت محاولة التفاوض من قبل وسطاء سوريين في يناير ونتج عنها الميثاق اللبناني الوطني الجديد في 14 فبراير 1976. (الإشارة للسلام يبدو من هذا السياق موجهة الى السلام اللبناني ـ اللبناني، وليس الإسرائيلي، والإيضاح من «الشرق الأوسط») 3 ـ حينما أبدت الأحداث أن المحاولة قد فشلت، أصبح هناك بديل واحد وهو فرض السلام بالقوة، ومن طبيعة مسار الأحداث، أصبح لعملية فرض السلام أن تبدأ بفرضها على الطرف المنتصر في ذلك الوقت، وهو ذاته بالتالي الرافض لعملية إيقاف القتال. وهنا تكمن السخرية، تعاطف سورية الطبيعي مع الفلسطينيين والمسلمين اللبنانيين، ولهذا كانت تدخلاتها المبكرة داعمة لهم، ولكن، وبعد نفاد صبر الرئيس الأسد مع المناورات والتملص من التفاوض، كانا هما الجانبين المالكين لليد العليا، أي الجانب الشغوف لدفع الأمور لجهة نصر نهائي، وقد أعلن كمال جنبلاط أن هدفه هو سحق المسيحيين. ومن هنا، وفي ظل هذه الظروف، كأن الأسد أراد أن يقدم على انتفاضة قوية، ولكنه لم يخرج عن منطق مكوناته أو بنائه، ولا بد أنه شعر بأنه سيواجه نقدا قويا من كل العالم العربي تقريبا، ومن عائلات أسر أولئك الجنود السوريين الذين سيموتون في المعارك، وأن سياسته قد تبدو لمعظم السوريين غامضة وحمقاء في أسوأ حالاتها. ولكنه مضى قدما وركب العاصفة القادمة التي احتوت على إنذار من الاتحاد السوفيتي، وسحب للعون الاقتصادي من السعودية والكويت (وهذا الموقف الأخير أكده لي رئيس الوزراء السوري).
4 ـ هنا أعود لرسالة مستر موريس، أو الى مذكرته الأخيرة التي تلقاها من قنصله حول السياسة الخارجية المصرية منذ اتفاقية سيناء الثانية. وأتفق، بصورة كلية تقريبا، مع تحليل القاهرة بدوافع معارضة السادات للسياسة السورية في لبنان، ولكني حقيقة من الذين يرون أن سياسة مصر معوقة ومعيبة (الفقرة 13 من المذكرة) وسأضع، مع كامل التقدير، تركيزا أكثر على ما هو أكبر من مجرد القول بأن القاهرة (تريد إعادة احترامها لدى العرب، كما نصت الفقرة 14). فلا شك هناك قليل من الشك بأن مصالح النظام المصري الحالي في تسوية سورية قريبة جدا من مصالح سورية في ذات التسوية، وأن السادات، وإذا ما كان له أن يتخذ وجهة نظر رجل الدولة، إذن لتقبل (ربما يكون في الحقيقة قد قبل)، المرتكزات الخمسة التي حملتها الفقرة الثانية من هذه المذكرة، وبصفة خاصة الرابعة والخامسة منهما. ولكن، وكما أوضحت مذكرة القاهرة، فهناك اعتباران في عقل السادات: المنافسة المصرية التاريخية مع سورية حول قيادة منطقة الشام، ثم تخوفها الخاص من أن سيطرة وهيمنة سورية على لبنان يمكن أن تجرها الى تورط غير مرغوب فيه مع إسرائيل. وهنا أقول إنها وجهة نظري الخاصة، برغم أن النقطة تبدو أكاديمية الطابع، أن تحكيما في هذا الأمر ربما يقلل من أهمية هذه الاعتبارات، محكوما بالمصالح العربية العامة على المدى البعيد، أكثر من النظر الى تسوية نهائية في لبنان والتي هددت الانتهازية المصرية في بعض الأوقات بمنعها.
5 ـ وفي حقيقة الأمر فالسادات، في الرياض وفي القاهرة، لمّح لهذه النقاط ردا على ما بدا منه كتنازل غير مهم من الأسد . فالأسد لم يغير رأيه حول اتفاقية سيناء الثانية، وإنما وافق فقط على عدم مهاجمتها علنا. فإذا كان ذلك هو كل ما يريده السادات فالمشكلة التي يملك استعدادا لخلقها لأجل الحصول على مثل ذلك الموقف من سورية تبدو كبيرة.
6 ـ وكذلك من الصعب بمكان فهم توجه السعودية والكويت، ففوق كل شيء، ربما يكون من المتوقع موافقتها على محاولة الأسد لفرض سيطرة على المنظمات الفلسطينية (أنا لا أتوقع أن تتم المساندة علنا بحكم ما يتطلبه موقف كهذا من شجاعة أخلاقية)، والسؤال لماذا مضيا بموقفهما بعيدا لقطع المعونات الاقتصادية عن سورية، بما في ذلك الموافق عليها في قمة الرباط، وفي هذا السياق، أتفق مع مذكرة القاهرة بما حملته حول وجودهما في التفكير المصري، وكنت قد افترضت بأن خطوة السعودية والكويت حكمتها برغبتهما في التكيف مع مصر، واضعين في الاعتبار بأن التحالف الجديد بين السعودية ومصر ظل (بعيدا عن حرب أكتوبر وأسعار النفط) أكبر تغيير مهم في الشرق الأوسط خلال السنين العشر الماضية، والسعوديون الآن حريصون جدا على الحفاظ عليه.
7 ـ وسط كل هذه المشاكل، كانت معالجة الأسد لمسألة الاتحاد السوفييتي ماهرة، فقد صرح علنا بحساسيته من الضغوط التي وضعها الروس على التدخل السوري في لبنان، ولا بد أنه قصد، منطلقا من استقلالية تفكيره، وأفق استرضاء الانتقادات السعودية، أن يظهر للروس باب الدخول فيما هناك كثيرون في حزب البعث ممن يعارضون خلافا كبيرا مع موسكو (والعرب، وليس مجرد سورية، سيحتاجون للسلاح الروسي لسنوات قادمة كثيرة إذا لم تكن هناك تسوية سلمية في الشرق الأوسط، ولقطع الغيار والذخيرة حتى بحلول تسوية). ومن هنا فالأسد احتفظ بحالة اعتدال هنا، ولكن الروس بقابلية للجرح في سورية اليوم أكثر من أي حالة كانوا عليها لسنوات ماضية كثيرة، فقد أفقدتهم تكتيكاتهم في الضغط شعبيتهم، وسد الفرات اكتمل، فيما ليس هناك مشاريع حيوية لا يمكن للسوريين أن يديروها بمفردهم، وعدد الخبراء الروس قليل، وبحساب اللحظة يكون السوريون على معرفة جيدة بنظم صواريخ سام وطائرات «الميج 23». والأسد هنا أخذ الدعم السوفييتي بالتجزئة بدون أن يستسلم لرغباتهم.
8 ـ والآن، وبالعودة للنتوءات، فسيكون من المدهش إذا كانت دوافع الأسد للتدخل في لبنان مبرأة من الأنانية كما أوحيت في الفقرة الثانية أعلاه. وبوسعنا أن نفترض، أنه ومثل معظم القادة السياسيين، يفكر أحيانا في سلطة وتأثير بلده ولن يحزن إذا كان بوسعه زيادتهما. والتنافس التاريخي بين مصر وسورية ليس ذا جانب واحد، وكون السادات قد تغلب على الأسد في محور اتفاقية سيناء الثانية، وفق وجهة نظرك، فللأسد أسبابه الشخصية والسياسية ليظهر أنه لا يزال يمتلك بعض أوراق اللعبة. والى ذلك فقدرته المتزايدة في السيطرة على الأحداث اللبنانية، والتأثير الحقيقي على كل شخصية لبنان وتقوية عروبته، كلها تواكب الطموحات الاستراتيجية والتقليدية للسياسة السورية، برغم وعوده بمغادرة لبنان إذا طلبوا منه ذلك. ولكن، وفي واقع الأمر، وعلى وجه الخصوص، فلبنان ممزق سيسهل مهام سياسة الأسد (مع أنها أطلقت قبل الحرب اللبنانية) لجهة فتح الاقتصاد السوري والاستيلاء على بعض الفوائد التي طالما تمتع بها اللبنانيون من خدمات عبور تجارية واقتصادية.
وفي النهاية، هناك شكوك بأن الأسد لم يكن كارها لحصد الروابط المسيحية في لبنان كوسيلة لكسب التأييد المسيحي داخل سورية، وهو ما يحتاج اليه كونه نظام أقلية، ليوازن به الأغلبية السنية. ومع ذلك، فوجهة النظر القادمة من دمشق تقول إنه يقف على منزلة جديدة ورفيعة الآن، فهناك تقبل واسع له، رغم أنه ليس بصورة عالمية، كصانع سلام، والقائد الذي رفض أن يحيد عن هدفه بفعل من معارضين صارخين، ورجل الدولة الذي أظهر أن العرب يمكن أن يحرسوا الخلافات العربية فيما اعتقد آخرون في التدخل الفرنسي، ثم الجنرال الذي، وبرغم اضطراره لاستخدام القوة بمهارة، أبقى على فواتير المذابح والموت في حدها الأدنى. ولكنه الآن يواجه مشاكل جديدة، فمحاولة ركوب موجة مد الرأي العام المحبوبة، والمشي وراء العواطف السورية، ربما يكونان أكثر أغراء وضغطا أيضا، فيما المهمة التي أمامه في لبنان غير مرغوب فيها، ولكنه أدى بصورة رائعة، وأداؤه، فيما أحسب، يرشحه لنا. ففي وقت ما، ليس في الماضي البعيد، يوم أن رفضت الحكومات الغربية بحزم الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية فيما بذلت ما في وسعها لتجنب اعتقال إرهابيي فتح، وتتركهم يذهبون عاجلا إذا ما اضطرت لاعتقالهم، ولكن الأسد شنقهم. وكان هناك وقت لم تكن فيه حكومة عربية لتضع نفسها في موقف تهاجم فيه هجمات فتح حتى على أطفال المدارس، ولكن الأسد أرسل دباباته ضد فتح، فقال الإسرائيليون إن توجهه نحو تجديد تفويض الأندوف UNDOF (قوات فك الاشتباك التابعة للأمم المتحدة) سيكون مفتاح نواياه. وقد تطوع بتجديده بلا شروط، أولم يظهر أن حكومته حكومة مسؤولة وأنه يتوقع من حلفائه العرب أن يتصرفوا بمسؤولية أيضا ؟ أوليس هذا هو الوقت المناسب لنقدم على إيماءة ما نحوه ؟.
9 ـ أعتذر عن المشي على أراضي وحدود مستر موريس. أرسلت له نسخة من هذه الرسالة، وكذلك نسخا الى سفراء حكومة جلالة الملكة في عمان وبيروت وجدة والكويت وواشنطن وموسكو وتل أبيب .
ولي عظيم الشرف في أن أكون، سيدي، خادمك المطيع .
* توقيع ـ جيمس كريغ