ترجمة: شاهر أحمد نصر
في 16 تشرين الثاني / نوفمبر من عام 2002 ألقى المدير السابق لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية جيمس والسي (James Woolsey)، أثناء وجوده في المعهد العسكري الأمريكي، خطاباً تاريخياً، كما يبدو لنا. مع إعلانه بدء الحرب العالمية الرابعة، صرح: "إنني أتبنى تأكيد إليوت كوهان ـ الإنسان العبقري، بروفيسور مدرسة العلاقات الدولية المعاصرة باسم جون هوبكينس (حيث يحاضر زبيغنيف بجيزينسكي أيضاً، ملاحظة HAMAKOH) الذي يؤكد، أننا جُرِرنا إلى الحرب العالمية الرابعة. الحرب العالمية الثالثة ـ كانت الحرب الباردة. أعتقد أنّ تأكيد إليوت يوافق الواقع أكثر بكثير من الاسم الفضفاض لهذه الحرب، بأنها الحرب على الإرهاب.
من هم ـ أعداؤنا الحاليين؟ إنهم ثلاث مجموعات، على أبعد تقدير، ثلاثة أنواع، على الرغم من أنّهم يترعرعون في الشرق الأوسط، وأريد تبيان أنّهم يقاتلوننا منذ سنوات طوال. نبدأ من الشيعة. بلد المنشأ الأساسي ـ إيران. ممثلو هذه الحركة هناك ـ الجهات الحاكمة في البلاد، الحكام من رجال الدين، الملالي الإيرانيون، بعض الأقليات الشيعية الإيرانية. يشكلون جميعاً القوة الحاكمة في إيران. وهم يمولون ويدعمون حزب الله. جميعهم في حرب معنا منذ حوالي ربع قرن. لقد احتجزوا رهائننا عام 1979. في عام 1983 رفعوا في الهواء (فجروا ـ المترجم) سفارتنا، وثكنة القوات البحرية في بيروت. لقد قاموا بعدد من العمليات الإرهابية ضد الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذا الزمن.
المجموعة الثانية ـ الفاشيون، أستخدم هذه الكلمة من باب الاستعارة. حزب البعث في العراق وسوريا ـ من حيث الجوهر، هما حزبان فاشيان، بنيا وفق الطبعة الفاشية لسنوات الثلاثينيات. هما شموليان، ومعاديان للسامية بالعمق، إنهما فاشيان. يشن البعث في العراق حرباً علينا منذ 10 سنوات. بالنسبة لصدام الحرب في الخليج لم تنته أبداً. إنّه لا يكتفي بالكلام، بل يتصرف هكذا. نظم صدام محاولة فاشلة لاغتيال الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الأب في عام 1993 في الكويت. لديه علاقات واسعة، ويلعب دور المدبر والموجه لأفعالها. لديه تعاون طويل ومتطور مع مختلف المجموعات الإرهابية، بما فيها القاعدة. منظومات الدفاع الجوي العراقية، تقصف يومياً طائراتنا، التي تراقب منطقة حظر طيران طائراتهم. صدام مازال يحارب. 11 عاماً يحارب.
المجموعة الثالثة، التي تجبر لفت الانتباه إليها، ـ هم الإسلام السنة. وهم، على المستوى البعيد، القسم الأكثر خطراً وشراسة بين هذه المجموعات الثلاث، التي تحارب ضدنا اليوم وفي المستقبل، والمتضمنة حركة الوهابيين ـ أنصار التيار الإسلامي، المتجذر خاصة في العربية السعودية. ظهرت في القرن الثامن عشر، إلاّ أنها تعود في جذورها إلى عهود سابقة. نقلت الوهابية إلى العربية السعودية، بشكل أساسي، من قبل المهاجرين من مصر. إنها التعبير الفاقع لإيديولوجيا الإسلام الأصولي مع بعض الزركشات الجديدة. كانوا دائماً موجهين، كما يقولون بأنفسهم، ضد "أعداء الوسط القريب"، كالنظام المصري القاسي، من وجهة نظرهم، وفي درجة ما الأسرة المالكة في السعودية، ونتيجة لذلك جرت في عام 1979 عملية المسجد الكبير في مكة. إلاّ أنّهم توجهوا ضد "الأعداء القريبين" فقط حتى أواسط سنوات 1990. في عام 1994 تقريباً غيروا اتجاه أعدائهم، معلنين أنّ عدوهم الأساسي هو، كما يقولون، "المسيحيون" واليهود، قاصدين عملياً كل الحضارة الأوربية. بالتالي هم في حرب ضدنا منذ حوالي عام 1994. في عداد أهم الهجمات من جانبهم ـ تدمير حاملة الطائرات كول، والهجوم على سفاراتنا في أفريقيا، وطبعاً 11 أيلول / سبتمبر ـ علماً بأنّ ذلك ليس بتاتاً بدء حربهم ضدنا. إنّهم يحاربون ضدنا منذ سنوات كثيرة. الذي تغير واقعياً، أننا أخيراً وعينا وانتبهنا، بفهمنا في أي قسم أصبحنا من حالة الحرب معهم.
يمكن إجراء مماثلة مباشرة بين هذه المجموعات الثلاث، وثلاث عشائر مافوية من أسرة واحدة. كل منها تكره الأخرى، ومن وقت لآخر يقتلون بعضهم البعض في كميات كبيرة. إلاّ أنّ كرههم لأعداء "الوسط القريب" يقل بعدة درجات عن عدائهم العام لنا. إنّهم يكرهوننا بشكل فظيع، ومستعدون أن يساندوا بعضهم البعض، بما في ذلك العراق والقاعدة... إنّهم يكرهوننا بسبب حرية الكلمة لدينا، وبسبب الحرية الدينية، والحرية الاقتصادية، والمساواة، أو تقريباً المساواة لدينا، بسبب علاقتنا بالمرأة، بسبب جميع الأعمال الخيرة الجيدة التي نقوم بها. إنّها كالحرب مع النازية. حقدوا علينا لأننا موجودون. لكن، حتى ولو حقدوا علينا، فلماذا قرروا فجأة الهجوم، والبدء بالقتل؟ حصل ذلك، لأننا خلال الربع قرن الأخير نمشي مع يافطة "اضربني من الخلف"، التي علقناها بأنفسنا على أسفل الظهر. إننا نبدو في أعينهم، كما سمانا ابن لادن مقتدياً بماو "نمراً من كرتون"..
أعتقد، أننا أعطينا العدد الكبير من المسوغات، لصدام، وللشيعة في طهران مع حزب الله العائد لهم، وللسنة، ليعتقدوا أننا منذ زمن أصبحنا "بلداً غنياً، شبعاناً وضعيفاً"، لا يستطيع ولا يريد أن يحارب. في عام 1979 أخذوا كرهائن مواطنينا، ونحن ربطنا الشرائط الصفر على الشجر، واعتمدنا محاولة فاشلة جداً لإنقاذهم، بتحطيم طائرات الهليوكوبتر في الصحراء. في عام 1983 رفعوا في الهواء(فجروا) سفارتنا وثكنة قوات المشاة البحرية في بيروت. كيف أجبنا؟ غادرنا بيروت. خلال الثمانينيات 1980 نفذت ضدنا عدة عمليات، وجميعها من دون جواب. بالمصادفة اعتقلنا بعض البيادق الصغيرة ـ من المنفذين. كان هناك استثناء وجيه واحد ـ ربت الرئيس ريغان على طرابلس. إلاّ أننا بشكل عام قمنا بأعمال غير مجدية من المخاصمات الديبلوماسية، بدلاً من أن نجيب بصرامة على الأعمال الإرهابية في الثمانينيات.
في عام 1991 نظم الرئيس بوش ـ الأب تحالفاً رائعاً ضد صدام حسين. لقد أنهينا الحرب بمهابة، وتوقفنا فجأة، في تلك اللحظة عندما لم يمس بعد ما يسمى بالحرس الجمهوري (القطع الدفاعية لصدام). وفي نفس الوقت أمنا لصدام إمكانية القيام بالتنكيل بالانتفاضة التي قامت ضده من قبل الأكراد في شمال، والشيعة في جنوب العراق. لقد تراجعنا، تاركين الجسور سالمة، وتاركين القطع العسكرية كاملة سالمة، سامحين لطائرات الهليوكوبتر بإعادة نقل القوات، والقيام بالهجمات الصاروخية. وتفرجنا كيف نزفت الانتفاضة في 15 محافظة من أصل 18 من محافظات العراق، دماً في مسالخ حسين. وتفرج العالم علينا، وقال: "نعم، نحن نتفهم القيم الأمريكية. لقد دافعوا عن مصالحهم النفطية في العربية السعودية والكويت، ولا يهمهم أي شيء آخر". بعدئذ في عام 1993، نظم صدام عملية اغتيال ضد الرئيس السابق بوش في الكويت. جواباً على ذلك بصق الرئيس كلينتون زوجين من الصواريخ المجنحة، مدمراً في عتمة الليل بعض المنازل الفارغة في بغداد، مجيباً بهذا الشكل "الفعال" جداً على منظفي الشوارع الليليين، وحراس المدينة، وليس على صدام حسين. وفي نفس العام 1993 أسقطت طائراتنا الهليوكوبتر في مقديشو، وكما حصل في بيروت منذ عشر سنوات جلينا عن هناك. وخلال السنوات المتبقية من التسعينيات تابعنا تجربة الثمانينيات. بدلاً من إرسال القطع العسكرية، أرسلنا المدعين العامين وممثلي القضاء. إننا نقوم بالتحقيقات القضائية بشكل رائع عندنا في الولايات المتحدة. ونستطيع، حسب الحادث، أن نستولي على مدفع ـ إرهابي ما في الولايات المتحدة الأمريكية، أو في أي مكان ونعاقبه وفق الأنظمة القانونية. وأحياناً نستطيع أن نقذف من علو شاهق بعض القنابل، أن نطلق من بعيد زوج ـ أو ثلاثة صواريخ مجنحة.
هكذا كان حتى 11 أيلول / سبتمبر. أعتقد أنّ جوابنا في أفغانستان، كان مشابهاً لجوابنا بعد بيرل هاربر، كان مفاجئاً لأعدائنا في الشرق الأوسط. أعتقد أنّهم كانوا مندهشين جداً، مما فعلناه في أفغانستان. لكنهم ـ الشيعة، والسنة، والبعثيون الفاشيون، والجميع في الشرق الأوسط ـ ما زالوا يعتقدون، أنّ أمريكا في بداية القرن الواحد والعشرين ـ هي "دولة غنية، منعمة مخنثة" ـ لن تحارب. لديهم نفس التفسيرات والبراهين المنطقية، كالتي كانت لدى اليابانيين في بداية الأربعينات..."
"تحتاج الحركات الإسلامو ـ فاشية الثلاث المذكورة آنفاً، كما أعتقد، إلى عدة أساليب تكتيكية في النضال ضدها. من وجهة نظر غير محددة، يبدو الوضع في إيران الآن ممتعاً، يتربع قادته الشيعة فوق برميل بارود. يشكل الملالي بالنسبة لمجموعة القادة الدينيين، القيادة العليا. إنّ وضعهم مستقر، كوضع قاطني الكرملن في عام 1988 أو حكام فرساي في عام 1788. لم تهب العاصفة فوق رؤوسهم بعد، لكنهم إذا ما نظروا في الأفق، سيرون الغيوم الملبدة تتراكم. لقد خسرت السلطات في إيران الطلاب. وخسرت النساء. لقد خسرت مدراء الصحف الجريئين والبروفيسورات، الذين يوجد العديد منهم الآن في السجون. حكم على العديد منهم بالموت، وعذب الكثيرون. تفقد السلطات دعم حتى القادة الدينيين الحائزين على احترام الجماهير. على سبيل المثال آية الله منتظري، هذا الإنسان الجريء ، صرح للملأ أنّه ضد الانتحاريين، للسنة الخامسة يعيش تحت الإقامة الجبرية. في بداية الصيف الماضي نشر آية الله طاهري، الذي دعم في البداية بقوة ملالي مدينة أصفهان، (نشر) مادة فاضحة ضدهم، متهماً إياهم، في أنّهم يساندون التعذيب واسع الاستخدام، يساندون الإرهاب وعدم المساواة العميقة بين السكان الأساسيين ومن في القمة الإسلامية. لدى السلطة في طهران مشاكل أكبر مع الطلاب. والعدد الكبير من المظاهرات طلابية. لمقارعة الطلاب تستورد السلطات القتلة ـ الخانقين من سوريا، الذين لا يتحدثون بالفارسية ويقمعون الاضطرابات الطلابية بتسلسل غبي. أعتقد أن تغيرات سريعة تنضج في طهران. النظرة السطحية تبين أنّ الملالي اغتصبوا عملياً السلطة كاملة. تحت تصرفهم الدولارات النفطية، الجيش وميزات السلطة الأخرى. إلاّ أنّّه في العمق، تحت السطح تجري حركات تكتونية (زلزالية). فيما يخص تصرف قيادة بلادنا بالنسبة لطهران، أعتقد أنّ الرئيس يقوم بأمور صحيحة بالمطلق. في بداية صيف (2002)، بعد مظاهرة طلابية دورية، صرح، بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية كانت إلى جانب الطلاب، وليس إلى جانب سلطة الملالي. مما استدعى ردة فعل صاخبة من قبلهم. لكنني أعتقد أنّ الرئيس أظهر فراسة وسعة أفق".
ثم عاد السيد بولسي لتحليل الوضع في العراق. صرح بأنه يعدّ حزب البعث الحاكم في العراق، المشكلة الرئيسية للعالم الحر في الزمن القريب. "لا أعتقد، ـ كما يقول ـ بوجود أي طريق لحل مشكلة العراق من دون إسقاط حسين بالقوة. كان بودي لو لم يكن ذلك، لكنني لا أرى طريقاً آخر. بما أن الوقت يجري، فسيحل الشتاء، والشتاء ـ هو الوقت المناسب لقيامنا بالحرب بنجاح في تلك المنطقة، لضرورة ارتداء لباس ثقيل مضاد للأسلحة الكيميائية. إذا انقضى فصل الشتاء علينا الانتظار حتى الشتاء القادم، حتى نتمكن من القتال مجدداً. وخلال عام سيكون صدام أقرب إلى السلاح النووي وسيمتلك وسائط أفضل للحصول على السلاح الكيميائي والبكتيري المحظور حالياً. شيء مؤسف. شيء تعيس. وهذه المعضلة التي علينا حلها، يجب على الرئيس أن يحلها. أعتقد أنه جدير بأن ندعمه، مهما كان القرار الذي سيتخذه".
المجموعة الثالثة ، الإسلام السنة ـ إنها القاعدة وكثيرون غيرها. هناك مجموعة من المؤشرات التي تدل على أن هذه المجموعة، ستكون أكبر وجع رأسٍ بالنسبة للعالم الغربي. لديهم تمويل ضخم من دولارت النفط من الخليج، بشكل أساسي من العربية السعودية. إنّهم بحد ذاتهم أغنياء، ويعيشون في وسط غني. في هذه المجموعة توجد 60 دولة. وفي نفس الوقت هم متعصبون ليس أقل من الوهابيين، الذين يعدون أقاربهم الأيديولوجيين المقربين. إنّهم جميعاً مرضى (باثالوجي) بمعاداة الغرب، معادة الحداثة، معاداة المسيحية، معاداة اليهود. إذا أردتم معرفة بنيتهم ـ الوبائية، بنيتهم العقلية، إذا استطعنا أن نسمي طريقة تفكيرهم بالنشاط العقلي، فادخلوا إلى مواقعهم في شبكة الإنترنت web-sets.لقد تعرفت على الخطب التي يلقونها أيام الجمعة في العربية السعودية. قبل مناقشة تكتيك واستراتيجية النضال ضدهم في مفاصل السلطة العليا لدينا، تفحصت بعض تلك الخطب، المقروءة في الأسبوعين الاثنين ـ الثلاثة الماضية. المواضيع الثلاثة الرئيسية التي نوقشت في ذلك الحين. الأول ـ جميع اليهود خنازير وقردة. الثاني ـ جميع المسيحيين واليهود أعداؤنا وعلينا كرههم والقضاء عليهم. والثالث ـ تقوم النساء في الولايات المتحدة بانتظام بسفاح القربى مع آبائهن وأبنائهن، وهذا أمر عادي ومتداول في أمريكا. يبدو الأمر وحشياً بالنسبة لنا، لكن بالنسبة لهم لا شيء فوق العادة. هذه هي وجهة النظر الوهابية العادية. منذ مدة قريبة أجري لقاء من قبل صحفي في "الواشنطن بوست" مع شخصية روحية وهابية في العربية السعودية. سأله الصحفي: "قولوا لي. أنا مسيحي. هل تكرهونني؟" أجاب ذلك القائد الروحي: "نعم، طبعاً، إذا كنت مسيحياً، أنا أكرهكم. لكنني لا أنوي قتلكم". هذه وجهة نظر عصرية. وعلينا أن نعي أن التعصب القومي الألماني الحاقد في أعوام 1920-1930 كان التربة التي نمت فيها النازية. وعلى الرغم من أنّ الألمان لم يصبحوا جميعهم نازيين، فإنّ ذلك كان التربة التي نما فيها. تماماً هكذا يعد شكل التعصب ـ الحاقد للإسلام عند الوهابيين الآن ، التربة التي ينمو فيها الإرهاب ضد ـ الغرب وضد ـ أمريكا..."
"تقترب حرب طويلة الأمد، فعلاً طويلة جداً. آمل أن لا تكون بطول الحرب الباردة ذات الـ 40 سنة، لكن بالتحديد أطول من الحرب العالمية الأولى أو الثانية. على أية حال أخاف أن تقاس هذه المرحلة بعشرات السنين. هل هناك أية طرق لحل هذه المشكلة المقتربة بسرعة متزايدة؟ هل هناك إمكانية لإنهاء الإرهاب؟ سأسعى الآن للتصريح بوجهة نظر أيديولوجية على الأرجح، وأعتقد بوجود شيء واحد يمكننا ويجب علينا فعله. إذا نظرنا إلى العالم كيف كان منذ 85 سنة مضت، في ربيع 1917، عندما انخرطت بلادنا في الحرب العالمية الأولى، كان عدد الدول الديموقراطية 10-12 دولة في العالم. الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، بريطانيا، فرنسا، السويد وبعض الدول في شمال أوروبا. الباقي كان عالم الإمبراطوريات، الممالك، المستعمرات ومختلف أنواع الأنظمة المتسلطة. الآن يعد بيت الحرية 120 من أصل 192 دولة من دول العالم. العالم منقسم تقريباً بالتساوي بين الطرفين، من في بيت الحرية يدعون أحراراً، كالولايات المتحدة الأمريكية، ومن يمكن تسميتهم بالأحرار جزئياً مثل روسيا. على أية حال توجد 120 دولة ذات أنواع مختلفة من البرلمانات، التنافس في الانتخابات، والتي تقاد تحت سلطة القانون. إنّه تحول عظيم خلال عمر إنسان واحد: من 10-12 حتى 120 دولة ديموقراطية في العالم. لم يحصل مثل ذلك خلال مجمل التاريخ العالمي. لا داعي للقول بأننا شاركنا في ذلك، وفي النصر في الحرب العالمية الأولى، متغلبين فيها مع بريطانيا، كما في النصر في الحرب العالمية الثانية، وأخيراً انتصرنا في الحرب الباردة.
كل ذلك على الرغم من أنّ العديد من الناس قالوا مقيمين محاولاتنا، كمشروع فارغ ـ ألمانيا لا يمكن أن تصبح مجتمعاً ديموقراطياً أبداً، اليابان لا يمكن أن تصبح مجتمعاً ديموقراطياً أبداً، روسيا لا يمكن أن تصبح مجتمعاً ديموقراطياً، لا أحد يستطيع أن ينظم مع الفلسفة الصينية الكونفوشيوسية مجتمعاً ديموقراطياً. على الرغم من أنّ ذلك تطلب بعض الجهد من طرفنا، إلاّ أنّ الألمان واليابانيين، والآن حتى روسيا والتايوانيين، فهموا على ما يبدو محاسن نمط الحياة الديموقراطية. وعلى الرغم من الاختلافات الهائلة في ثقافات الدول المذكورة، التي تختلف كثيراً عن العالم الأنكلوساكسوني ببرلمانه، وعن الولايات المتحدة القديمة، فإنّ الكتلة الأساسية من الناس، فهموا على ما يبدو أفضلية النمط الحر من الحياة.
في العالم الإسلامي باستثناء 22 دولة عربية، في التي لا وجود لأية مظاهر للديموقراطية، هناك دول، تحكم من قبل حكومات عقلانية وتتحرك ببطء باتجاه الديموقراطية. كمثال على ذلك يمكن أخذ البحرين وبعض الدول الأخرى. (البحرين عربية؟ ما هذا التناقض الناجم عن الحقد غير المبرر ـ المترجم). يمكن تسمية حوالي 24 دولة مسلمة غير عربية نصف ديموقراطية. هناك تدخل الدول الفقيرة. في نفس الوقت حيث تلك الدول مثل بنغلادش ومالي ـ هما دولتان ديموقراطيتان مثاليتان، هناك 200 مليون مسلم يعيشون في الهند الديموقراطية. باستثناء مقاطعة واحدة، إنهم يعيشون بسلام مع جيرانهم ـ الهندوس.
لأسباب تاريخية وثقافية وجدت حالة خاصة في الشرق الأوسط. باستثناء إسرائيل وتركيا، الشرق الأوسط ـ عبارة عن حشد من الأنظمة غير الديموقراطية. هناك، بشكل أساسي، نموذجان من الحكومات: دكتاتوريات مرضية (باثالوجية) شاذة، وحكومات استبدادية مطلقة غير مستقرة. إنّه ليس أفضل مزيج. 5 دول منها: إيران، العراق، سوريا، السودان، وليبيا، تساند الإرهاب بهذا الشكل أو ذاك. كل دولة منها تنتج هذا النوع أو ذاك من أسلحة التدمير الشامل. لا أعتقد، أنّ الحرب الإرهابية، المشتعلة في الشرق الأوسط، يمكن أن تختفي عن وجه الأرض، إن لم نغير وجه الشرق الأوسط. إنّها، حالياً، مهمة صعبة جداً. لكنها ليست بصعوبة تلك المهام التي قمنا بحلها سابقاً.
في عام 1917 كانت أوروبا ملكية مطلقة، إمبراطورية واستبدادية. الآن، باستثناء بيلوروسيا وأوكراينيا، أغلبها دول ديموقراطية، بما في ذلك حتى روسيا. التغيرات التي حصلت في الـ 85 سنة الماضية ـ إنجاز رائع. تلك الدول التي لا تنتمي بعد إلى القسم الديموقراطي من العالم، من لا يزال ينظر بحقد وشك لأية محاولة للتأثير في تقبل الواقع، يعد معضلة كبيرة. يتعلق ذلك بدرجة كبيرة في الشرق الأوسط العربي. لكن علي القول، بأنّه على الإرهابيين، مثلهم مثل الديكتاتوريات الاستبدادية، كصدام حسين، مثل الاستبداديين ـ البرابرة، لنقل، الأسرة الملكية السعودية، أن يفهموا، أخيراً، أنّه الآن ـ للمرة الرابعة خلال 100 سنة ـ نحن ننبه وبلادنا مضت في حملة. لم نختر هذه المعركة، لكننا نشارك فيها. ونظراً لأننا حشرنا في هذه الحملة، لدينا مخرج واحد ـ علينا الانتصار.
كسبنا الحرب العالمية الأولى، ونحن نقاتل في سبيل بنود ويلسون الأربعة عشر. كسبنا الحرب العالمية الثانية، ونحن نقاتل في سبيل الخريطة الأطلنطية لتشرشل وروزفلت، وكسبنا الحرب العالمية الثالثة، ونحن نقاتل في سبيل أفكار العدالة، التي كان أفضل معبراً عنها الرئيس ريغان، وقبله الرئيس ترومان. من الضروري تبيان، أنّ تلك لم تكن حربـنا ضدهم. لم تكن حربا بين دول. كانت حرب الحرية ضد القمع. علينا إقناع الناس البسطاء في الشرق الأوسط، أنّنا في جانبهم، كما أقنعنا ليش فالينسا، فتشسلاف هافل وأندريه ساخاروف. نحن في جانبهم. سيستغرق ذلك وقتاً. لكنني أعتقد، أنّه علينا أن نقول للإرهابيين، وللديكتاتوريين، وكلك الأمر للأنظمة الاستبدادية، التي نتصادق معها من وقت لآخر، أننا نعلم ونفهم أننا سنهز أعصابهم. نريد أن يعي السادة الإرهابيون المحترمون والديكتاتوريون من كل جنس ولون، أنّ بلادنا للمرة الرابعة خلال 100 عام في حملة حربية، ونحن في جانب الخائفين، والمقموعين ـ نحن في جانب شعبهم".
بسماعك الخطاب الناري "للمناضل في سبيل الديموقراطية وحرية المضطهدين" السيد فولسي، تشعر لاإرادياً بتأنيب الضمير ـ لماذا لستَ تحت علم تحالف "محرري" الشرق؟ إلاّ أنّ شيئاً ما يكبح الخطوات الانفعالية، على الرغم من حماسة الخطيب، ها هو مواطن من الولايات المتحدة الأمريكية، إنّه باري هاميش، يدلي بدلوه، مبدياً الشك في هذه "الوطنية"، مثل نفحة جيسكي ليتش. في 25 آذار / مارس من هذا العام نشر هاميش مقالاً في الانترنت تحت عنوان ممتع " من صنع التطرف الإسلامي؟". بين المؤلف فيها، أنّه "... خلال مئات السنين كان العرب هادئين وخدماً خانعين للإمبراطورية العثمانية. إلاّ أنّه في عام 1917 طرد البريطانيون العثمانيين، وأخذوا على عاتقهم السلطة في فلسطين، وصادقت "طاولتهم المستديرة" على بيان (وعد) يسمح لليهود إن يعيدوا بناء إسرائيل من جديد، وبذلك ساعدوهم في إيجاد مأوى من الاضطهاد في أوروبا، في البدء بحث في "ما وراء الكواليس العالمية" هذه الغاية. لاحقاً ألبّوا العرب على اليهود، مما خلق حالة العداء، التي حولت العرب في حلفاء للنازيين.
في المرحلة التالية أجج في "ما وراء الكواليس العالمية" الهولوكوست (المحرقة)، وعندما انتهت نقلت الفاتيكان بموافقة حلفائها مجرمي الحرب الكبار إلى جميع زوايا العالم عبر الطريق الذي سمي بشكل عادل "ريتلاين" (طريق هروب الفئران). أرسل يهود أوروبا إلى إسرائيل، هناك اشتعلت الحرب، التي كان على اليهود أن يخسروها ـ وهكذا كان عليهم أن يدخلوا في المرحلة الثانية من الهولوكوست. لكن رغم جميع التوقعات، صمدت إسرائيل. من ذلك الحين حاول الحكام السريون للكرة الأرضية بكل قواهم، أن يحولوا الإسلام إلى صيغة نازية عصرية. رتب في المرحلة الأولى لقيام أمة مصطنعة، تقوم على إرهاب ـ "الشعب الفلسطيني". بعد جيل، أقاموا على نفس الأساس "الطالبان" وأسامة بن لادن. من الذي أنشأ "الطالبان"؟ اعتمد الخطوة الأولى في هذا الاتجاه الرئيس جيمي كارتر من مجلس العلاقات الدولية ( CFR أحد بنى الحكومة العالمية ـ ملاحظة HAMAKOH). بدأ الحرب ضد القوات السوفيتية في أفغانستان. من الذي مول "الطالبان" منذ البداية؟ قائد وكالة المخابرات المركزية الأمريكية جورج بوش من "وسام الجمجمة والعظمة" فرع CFR. من الذي أمن "للطالبان" جميع مستلزمات وسائل الاتصال، الضرورية للهجوم على البنتاغون و"التوأمين". الرئيس كلينتون من CFR! وهو الذي صادق على بيع سوريا أحدث منتجات الهاي ـ تيك، التي حتماً كان يجب أن تقع في أيدي الأصوليين الإسلاميين. من أعطى "الطالبان" 48 مليون دولار للقضاء على (كما يدعون ـ ملاحظة HAMAKOH ) الخشخاش، وهو يعلم سلفاً، أنّ الأموال ستذهب أدراج الرياح؟ من، إن لم يكن رئيسنا الحالي! التفاحة لا تسقط بعيداً عن شجرة التفاح. بوش الصغير ـ أيضاً خريج "الجمجمة والعظمة". من هو شريك بن لادن في الأعمال (البزنس)؟ إنّه بارسي روكفلر من عائلة الروكفلريين ـ مؤسسي مجلس العلاقات الدولية! من مالك قطعة الأرض التي انتصب عليها البرجان "التوأمان"؟ يا للمفاجأة ـ ثانية أسرة روكفلر سيئة الصيت! حتى إنّهم أرادوا تسمية "التوأمين" ـ "برجي روكفلر".
من أنشأ التيارات الإسلامية في الولايات المتحدة الأمريكية؟ نفس العصابة، التي صدرتها إلى أوروبا. ما هي الأسس التي، تجعل الأمريكي من أصل أفريقي يطابق نفسه بالإسلام؟ احتلت هذه الديانة في القرون الوسطى مساحات واسعة من أفريقيا، وحولت سكانها إلى عبيد. لولا تجار العبيد العرب ـ لكان من غير المحتمل أن تتطور الصناعة الأوروبية. حتى اليوم يستخدم المسلمون عمل العبيد الأفارقة المسيحيين من السودان وموريتانيا. تبنى الأمريكان من أصل أفريقي الإسلام في أواخر الخمسينات. لاقت هذه الديانة الانتشار في السجون بين أولئك، الذين التفوا على القوانين، وفي المرتبة الأولى، على القوانين المتعلقة بالمخدرات. ضمن ذلك أنّ العديد من الأمريكيين من أصل أفريقي، الذين قضوا فترة محددة في السجون، تبنوا الإسلام ـ وإلاّ تعرضوا لمضايقات معينة. أوجد حكام العالم السريون في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة إسلامية قوية، بهدف، أنّه في حال عدم مشاركة الولايات المتحدة الأمريكية في هذه الحرب، فستحصل على حرب عرقية في عقر دارها. كل ما قيل أعلاه يرتبط بالمسلمين في أوروبا: جلبوا إلى هناك بشكل جماعي خصيصاً لهذه اللحظة التاريخية. لقد ورطونا في هذا العصر الفوضوي الإجرامي، المفعم بالدم. يا لحسن حالنا! نحن بحاجة إلى نظام عالمي جديد ـ كما يقلون. احذروا، من سيقف على رأسه؟ و، إن لم تقم مجموعة غير كافية من الناس في الأخذ على عاتقهم عملية البحث، في كيف بدأت هذه الحرب، فالحكومة العالمية الجديدة ستحل علينا كعقوبة على غبائنا!".
وتبرد أكثر همة الوقوف تحت لواء السادة بولسي، بوش، وبلير عند قراءة المقال المنشور منذ أيام لعضو برلمان بريطانيا العظمى عن حزب المحافظين السيد إندريو تايري، مؤلف سلسلة من الكتب في القضايا السياسية. الذي عنونه بلا لبس: "محور الفوضى: بريطانيا العظمى، أمريكا والنظام العالمي الجديد بعد العراق". يحاول المؤلف الإجابة على سؤال: هل ستقود الحرب في العراق إلى نظام عالمي جديد أم أنها ستسبب الفوضى العارمة؟ وما الدور الذي تلعبه في ذلك سياسة بريطانيا العظمى وأمريكا، المعتمدة من قبلهما بعد مأساة 11 أيلول / سبتمبر؟ يبين الكاتب: " قيل الكثير حول التهديد الذي واجهه النظام العالمي الموجود من قيل "الإسلام المقاتل". ولا أحد تقريباً يعير انتباهاً، إلى أنّ هذا النظام رمي بدعوة باسم الولايات المتحدة الأمريكية ولحد ما ـ بريطانيا العظمى. جميعنا معنيون باستقرار منظومة العلاقات الدولية، التي يكمن في أساسها حق كل دولة بالاستقلال، والدفاع عن حدودها والمحافظة على القوانين والأنظمة الداخلية . المبدأ المفتاحي في العلاقات القانونية الدولية هو شعار ـ لا تقتحم داري، وأنا لن أهاجم بيتك".
يتابع الكاتب: "... في سنوات الحرب الباردة لعبت الولايات المتحدة دوراً مرموقاً في قضية المحافظة على "التناول المتعدد الأطراف" في العلاقات الدولية. لقد عملت أمريكا الكثير ليس فقط لدعم النظام العالمي، بل ولعبت دور الضامن للاستقرار، مما أمن تطور وازدهار أوروبا الغربية واليابان.إلاّ أنّه بعد 11 أيلول / سبتمبر وضعت أمريكا بالتحديد "التناول متعدد الأطراف" لمعالجة المشاكل الدولية تحت الشك. أخذ الرئيس بوش الصغير يحاجج كثيراً حول "النظام العالمي الجديد". نستنتج من كلامه فكرتين أساسيتين: الأولى ـ إمكانية استخدام القوة لتغيير النظام في "الدول ـ المارقة"؛ الثانية ـ توجيه ضربات استباقية لهذه الدول، حتى في حال غياب الأدلة على وجود تهديد حقيقي لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية و / أو حلفائها. إنّ تطبيق مثل هذه الأفكار يمكن أن يقود إلى عدم استقرار النظام العالمي الموجود. يضرب المبدأ الأساسي في العلاقات الدولية ـ يمكن تبرير استخدام القوة فقط للدفاع عن النفس.
باتباع أفكار بوش يمكن تبرير أية عمليات مسلحة ضد الأنظمة غير المرغوب فيها، أو قادتها. وهذا ما يحصل عملياً. باستخدامه اللغة الخطابية للرئيس الأمريكي، حاول الرئيس بوتين أن يبرر الضربات الجوية على الأراضي الجورجية، وتصعيد القمع في الشيشان. حول الضربة الاستباقية تحدث وزير خارجية كوريا الشمالية. يمكن انتظار مثل هذه التصريحات من قبل دول أخرى، كالصين أو إسرائيل، على سبيل المثال. للإنصاف ينبغي التنويه إلى أنّ بداية وجهة النظر هذه وضعت من قبل مادلين أولبرايت، لكن في أيام بوش صيغت وجهة النظر هذه كمذهب محدد في السياسة الخارجية، والتي وجدت انعكاساً رسمياً في تقرير "استراتيجية الأمن القومي".
فيما يخص رئيس الوزراء بلير، فإنّ نظرته لـ"النظام العالمي الجديد" تعارض مجمل نهج سياسة بريطانيا العظمى الخارجية ما بعد الحرب، من جهة، ولا تتطابق مع وجهة نظر الرئيس بوش، من جهة أخرى. حسب بلير، العالمية تعني أنّ أي نزاع داخلي يمكن أن يلامس مصالح المجتمع الدولي برمته، وبالتالي، أي (عمل)، حتى التدخل العسكري في الشؤون الداخلية للدول الأخرى يمكن تبريره. وجد مذهب بلير تطبيقه لأول مرة في كوسوفو. ذهب رئيس وزراء بريطانيا إلى الأبعد وأعطى لأفكاره طابعاً قدسياً. "هذا النضال في سبيل الحرية العامة والعدالة... يجب علينا نشر القيم الديموقراطية والحرية في العالم أجمع... من صحارى أفريقيا الشمالية حتى جبال أفغانستان... يجب أن يؤسس النظام العالمي الجديد على قيمنا ويدعم بقدراتنا الاقتصادية، الدبلوماسية، والعسكرية إن اقتضى الأمر".
يلمح في كلماته إلى سياسة "السوط والكعكة". مثل هذه الأحاديث يمكن أن تستقبل في العديد من الدول الأفريقية والشرق أوسطية، التي لا تنسجم مع القيم الغربية، كتهديد مباشر. والأسوأ من ذلك، أنّ أية دولة أكثر قوة يمكن أن تجد في هذه السياسة تبريراً لاستعمالها القوة ضد جيرانها الأضعف. إذا تابعنا تحت اسم القيم الغربية القيام بـ "السياسة أحادية الجانب من موقع القوة"، فهذه الطريق ستقودنا ليس لبناء "نظام عالمي جديد"، بل للفوضى العارمة في العلاقات الدولية. نحن نزعزع استقرار الدول الضعيفة، التي لا تشاطرنا قيمنا، ونسمح بتبرير القوة في عملياتنا العسكرية، لـ"حماية مصالحنا". انطلاقاً من ذلك من الضروري ملاحظة، أنّه حسب بلير يقوم النظام العالمي الجديد على "الأممية" والخطاب البليغ حول حقوق الإنسان، أما "مذهب بوش" ـ الطريقة أحادية الجانب لمعالجة المشاكل الدولية، الممهد لظهور قدرة الولايات المتحدة الأمريكية. إلاّ أن وجهتي النظر تناقضان "الطريقة متعددة الأطراف" في منظومة العلاقات الدولية، التي نادت بها أغلبية الدول الأوروبية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، خلال السنوات الخمسين الماضية.
يمكن أن يعترض أحد، بأنّ "مذهب بلير ـ بوش" ـ خطاب سياسي فحسب. عملياً يراعي الغرب بثبات الحقوق الدولية ويعزز النظام العالمي. يلاحظ آخرون، أننا نعيش في عالم جديد وحيد القطب، حيث تبني قوة عظمى واحدة "النظام العالمي الجديد"، أكثر أمناً لنا ولقيمنا. بالطبع يمكن تأويل "مذهب بوش" كخطاب سياسي، ناجم عن ميل الرأي العام في الولايات المتحدة الأمريكية لصالح العمل العسكري. وبذلك أيضاً يمكن تفسير الفرق في آراء بوش وبلير؛ كل "مذهب" مخصص "للسوق القومي الداخلي". إذا كان هذا المنطق منصفاً، فلم يعد من شيء يقلقنا، بخصوص النظام العالمي الموجود، واستقرار منظومة العلاقات الدولية. بعد 11 أيلول / سبتمبر، وعلى الرغم من خطاب بوش في ذلك الزمان بالنسبة "للدول المارقة"، ذهبت الولايات المتحدة لتأسيس تحالف (يضم أنظمة غير محببة، على سبيل المثال، في إيران والعربية السعودية وما شابه) للنضال ضد الإرهاب. بناء على ذلك، كانت العملية العسكرية في أفغانستان، من وجهة نظر القانون الدولي، مبررة..
العراق موضوع آخر. هل يمكن تبرير العمل العسكري بالتوجه لدعم القانون الدولي، الذي تم خرقه في العراق؟ أو الإجراءات الاستباقية، حتى مع غياب البراهين القاطعة حول التهديد الحقيقي لمصالح الغرب؟ أو ضرورة "الإطاحة بنظام صدام المقيت"؟ تعرض هذه الحجج استقرار منظومة العلاقات الدولية للخطر. بذلك، عند تبريره للحرب على العراق، يستند بلير على "خرق حقوق الإنسان"، أما بوش فيعلن صراحة أنّ "هدفه هو إعادة بناء الأرضية السياسية كلياً في الشرق الأوسط". من دول الحديث صراحة، بأنّهم بدأوا تفحص النظام العالمي الموجود، تعلن الولايات المتحدة الأمريكية بثبات عن الاستعداد "للعمل بمفردها مهما قرر ثرثارو الأمم المتحدة. مهما كانت النتائج، إلاّ أنّ أمريكا في البداية فضلت العمل بموافقة الأمم المتحدة. حان الوقت اليوم للاقتناع بشكل نهائي، لأن تمضي للمقاطعة النهائية لهذه المنظمة الدولية، التي تعد محور منظومة العلاقات الدولية بمجملها، أو متابعة " سياسة القرارات أحادية الجانب" القاتلة.
توجد فكرة مضادة، تصر على أنّ هذه ليست ألاعيب لفظية (مجرد خطابات)، بل سياسة راديكالية (حذرية) مضبوطة، جواباً على تغيرات الوقائع الدولية. في الواقع بعد انتهاء الجرب الباردة بقيت في العالم دولة عظمى واحدة ـ الولايات المتحدة الأمريكية، أما الأفكار حول تعدد الأقطاب أو ازدواجية القطبين فقد أصبحت من قيم الماضي. المطلوب استراتيجية تطور جديدة، وأمريكا تقدمها. إنّها تعلن ضرورة استخدام الإمكانية التاريخية الفريدة ونشر الديموقراطية في العالم أجمع. وبما أنّ الشرق الأوسط مصدر الإرهاب، فيبدو أنّه أكثر مكان ملائمة للبدء في تحقيق استراتيجيتها الجديدة. المقصود، أن تحقيق السلام والديموقراطية هنا بالتلازم مع الأفكار الاقتصادية ذات المغزى الغربي، تفضي ليس إلى ازدهار الشعوب التي تعيش هنا فقط، بل تبني المقدمات لإقامة نظام عالمي جديد أكثر أمناً.
يعلن البعض أنّ النتيجة الرئيسية من مأساة 11 أيلول / سبتمبر هي أنّ "الأمميين" في السياسة الخارجية الأمريكية انتصروا بشكل نهائي على "الانعزاليين". من الإنصاف ملاحظة أنّه، إذا كان كذلك، فإنّه لسبب ما حصل ذلك ،مع الانقلاب الجذري من "تعدد الأقطاب" إلى أحادية "القطب" في العلاقات الدولية. وكأنّه من المنطقي، أنّ هذه المذاهب والإمكانيات التي لا سابق لها للولايات المتحدة الأمريكية "لاستعراض" قدرتها العسكرية والدبلوماسية في أية منطقة من العالم، يجب أن تجعل حياة جميع الأمم أكثر أمناً وازدهاراً. في واشنطن لا يفهمون لماذا بقية العالم الديموقراطي تعارض جهود الولايات المتحدة الأمريكية. تعتبر أمريكا بصدق أنّ سيطرتها على الشرق الأوسط والصحراء الجنوبية في خير شعوب هذه الدول، أما "النظام العالمي الجديد" فسيكون أكثر استقراراً وسلماً، من البنية السياسية الموجودة للعلاقات الدولية.
يتهم مؤيدو "السياسة الجديدة" في واشنطن أوروبا في أنّها هلعة من تاريخها المليء بالحروب المتواصلة خلال قرن من الزمن، واليوم تبدي الوجل وعدم الثقة بالنفس، بمحاولتها التصالح مع الأنظمة الرجعية. لمثل وجهة النظر هذه نقاط ضعفها. أولاً، أمريكا ليست قوية كما يصورونها، ثانياً، لا يشاركها عدد ملموس من دول العالم آراءها وقيمها. وثالثاً، القول بأنّ الديموقراطية تجلب معها السلام والازدهار يثير كثيراً من الجدل. من الواضح أنّ أمريكا اليوم باستطاعتها أن تفرض إرادتها، لكن من المشكوك فيه أنّها تستطيع إجبار العالم أجمع أن يعتمد قيمها. يبدو أحياناً، أنّ كل هذا "الخطاب الحماسي" ليس إلاّ محاولة لتحقيق لأمن "الشمولي"، أو بكلام آخر، يعد محاولة لإقامة ذلك النظام العالمي، في الذي لا تستطيع أية دولة أن تهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية. إن محاولة تحقيق مثل هذه الأفكار تعد خطأ خطيراً. لأنّ وجود سلاح نووي عند الدول الأخرى يوازي قدرة الولايات المتحدة الأمريكية. يفترض أنّه لو وجد لدى ص. حسين مثل هذا السلاح ووسائط نقله القادرة على الوصول إلى الأراضي الأمريكية ، لكانت السياسة الأمريكية بالنسبة للعراق غير هذه. يؤكد ذلك علاقة الولايات المتحدة الأمريكية مع كوريا الشمالية، التي يحتمل أنّها تمتلك السلاح النووي. على الرغم من أن واشنطن تربط النظام الكوري الشمالي بـ "الدول المارقة"، إلاّ أنّها تتصرف في علاقتها مع بيونغ يانغ بحذر وضبط نفس أكبر. تعد "سياسة الكيل بمكيالين" الأمريكية هذه حافزاً لإيران، التي تحاول إنتاج سلاح الدمار الشامل. بهذا الخصوص لاحظ دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى: "سيكون من الصعب علينا تفسير، لماذا هاجمنا ص. حسين الذي سمح للجان التفتيش التابعة للأمم المتحدة دخول العراق، ونحاول إيجاد الحل الدبلوماسي للمشكلة الكورية الشمالية، في الوقت الذي طرد فيه كيم تشن إير المفتشين الدوليين من بلاده".
يمكن لمثل هذه السياسة غير الثابتة لواشنطن أن تتضمن آثاراً سلبية. يصبح جلياً بالنسبة للدول غير النووية، بما فيها الأنظمة الديكتاتورية، أن امتلاك السلاح النووي يعد نوعاً من "صك الأمان" ومؤشر الحماية من التدخل الخارجي. بالإضافة لذلك، فإنّ محاولة الولايات المتحدة الأمريكية فرض القيم الغربية في العراق، يمكن أن تفسر كتهديد لمجمل العالم الإسلامي، مما سيقود بدوره بالتأكيد لإشعال الإرهاب الإسلامي. مثل هذا "النزاع الحضاري" لا يمكن حله بمساعدة القوة العسكرية. من الضروري كسب "عقول ورؤوس" المسلمين المسالمين في جميع دول العالم. إن الولايات المتحدة بتبريرها تصرفاتها بأيديولوجيا القيم الإنسانية، من حيث الجوهر، تتطابق مع الاتحاد السوفيتي السابق، الذي حاول فرض أفكار الشيوعية على باقي العالم. إن الرأي العام العالمي الموجود غير مجمع على وجهة نظر واحدة، كما كان في القرنين 18 و 19 ، عندما وحدته الثقافة المسيحية. إنّه متمسك بالاعتراف بحق كل دولة في السيادة والاستقلال. إن إعادة بناء هذه "البنية السياسية" بمساعدة القوة، ولو كان ذلك باسم انتصار القيم الغربية، يؤسس التربة لتعزيز الإرهاب الدولي، وخاصة الإسلامي.
لا مفر للولايات المتحدة الأمريكية ، كأي دولة عظمى أخرى في التاريخ، من الحساب والموازنة بين مراكز القوى العالمية، مما يجبرها على إقامة الأحلاف، والإقدام على التنازلات. تشير الولايات المتحدة بإنصاف إلى تدقيق عدد من الدول الأوروبية فيما يتعلق باستخدام القوة. يمكن أن تكون حياديتهم الكاذبة نوعاً من الهروب من المسئولية. إلا أنّه في الولايات المتحدة ذاتها يوجد تحفظ معين ضد العمل العسكري، المؤدي للضحايا البشرية. استدعى11 أيلول/ سبتمبر "المشهد الفيتنامي" إلاّ أنّه لم يستطع أن يشفي المجتمع الأمريكي منه. يشعر أنّه غرس بثبات في رؤوس بعض السياسيين الأمريكيين، أنّه "لو كان الجميع مثلنا، لحل السلام في العالم أجمع". هكذا بالضبط أخطأ الشيوعيون، ومناصرو الإسلام المتعصبون. مثل هذه المبادئ المضللة يمكن أن تحفز فقط محاولات فرض أفكارنا وقيمنا الذاتية على الشعوب الأخرى بالقوة. تمكن الصحوة من هذه الأمزجة العامة للديموقراطيين القوميين والمناضلين الأشاوس، فقط بفهم حقيقة أن سياستهم يمكن أن تكون شرارة لحريق عالمي المقياس، إن لم تكن حرباً عالمية. لجأ الديموقراطيون في التاريخ البشري أكثر من مرة إلى القوة العسكرية لتحقيق مصالحهم. إلاّ أنّه من الضروري التذكير، بأنّه من السهل بدء الحرب، إلاّ أنّه يصعب إنهاؤها.
يكمن في أساس السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية شعور المناعة تجاه التحديات الجديدة، والإحساس بالتفوق الذاتي على باقي العالم. يجب على العالم الغربي برئاسة أمريكا أن يعود إلى السياسة، التي يقع في رأس زاويتها استقرار النظام العالمي الموجود والقانون الدولي، المعترف به من قبل جميع الدول. إنّ العالم الذي يمكن فيه للدول أن تلجأ حسب رأيها إلى العمليات المسلحة المسبقة، وتعمل على إسقاط الأنظمة غير الملائمة، وتبرر ذلك كله بحماية منظومة القيم الخاصة بها، من غير المحتمل أن يصبح أكثر أمناً للناس الذين يعيشون فيه. أساس النظام العالمي هو مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. لا يجوز استخدام القوة أو التهديد باستخدامها في العلاقة مع أية دولة، عند غياب الأدلة القاطعة، حول ما يشكل تهديداً حقيقياً للمجتمع الدولي. لا يجوز اللجوء إلى التدخل العسكري بهدف "تغيير النظام" الذي يخترق حقوق الإنسان من دون تفويض عريض من قبل المجتمع الدولي، الذي تتحدث غالباً باسمه هيئة الأمم المتحدة. هناك مفهوم في المجتمع الدولي ـ "مبدأ التعايش السلمي"، الذي يعني احترام وحدة أراضي الدول الأخرى، احترام حدودها واستخدام القوة فقط على أساس القانون الدولي. يجب على العالم الغربي أن يساند ويدعم احترام القانون الدولي والنظام الدولي الموجود، واستخدام الأمم المتحدة لهذه الغاية. طبعاً، كل دولة تتعرض للتهديد المباشر بالتدخل، تملك الحق في الدفاع عن النفس، من دون انتظار قرار الأمم المتحدة.
هناك ثلاث مشاكل، تتطلب العمل المشترك من قبل مجمل المجتمع الدولي. الأولى، الخطر العام من جانب الإرهاب الدولي، والذي يعد هدفه الرئيسي زعزعة والقضاء على النظام الدولي الموجود. للنضال ضده من الضروري إقامة أوسع تحالف، بما في ذلك جذب الدول، التي لا نشاطرها نفس القيم. وهنا علينا التأكيد على عدم اكتشاف أية براهين تؤكد العلاقة بين العراق والقاعدة. على العكس، هناك تنافر عميق بين النظام العلماني في العراق و"الإسلام الجهادي" . الشيء الوحيد الذي يمكن بثقة "اتهام" العراق به، هو التعاطف مع فلسطين، وهذه عملياً ميزة عامة لجميع دول الشرق الأوسط.
إنّ النزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، وليس العراق إطلاقاً، هو التهديد الرئيسي لمصالح الغرب ومصدر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط. هذه هي المشكلة التي كان من الضروري على الولايات المتحدة الأمريكية أن تلقي بجهودها ومكانتها لحلها، إن كانت مهتمة في كبح الإرهاب العالمي، الصادر من هذه المنطقة. التهديد الثاني من حيث الأهمية بالمقياس العالمي، هو انتشار السلاح النووي. كلما ازداد عدد "اللاعبين النوويين"، كلما ازدادت مخاطر نشوء حرب نووية، ووقوع السلاح النووي في أيدي الإرهابيين. على الرغم من أنّ الغرب يقدم جهوداً كبيرة لتعزيز الأمن في مجال الرقابة والحد من انتشار السلاح النووي، فإن المحافظة على "النادي النووي"بتوليفته الحالية تعد مهمة صعبة. على الأرجح، من الإنصاف تسمية العالم الحالي "وحيد القطب"، لكن من وجهة نظر وجود التهديد النووي، يصبح أكثر فأكثر "متعدد الأقطاب". على الرغم من أنّ الحرب الباردة قد انتهت، نحن نتابع الحياة في أيام "الضبط (الرعب) النووي".
يصبح وقف نشر السلاح النووي أصعب فأصعب. تقيد إمكانية الدول ـ الداعية لحظر الانتشار، في التأثير على خارقيه. اليوم على سبيل المثال من غير الممكن إعادة عام 1981، عندما قامت إسرائيل، بغرض وقف برنامج السلاح النووي ، بتوجيه ضربة جوية إلى المواقع النووية في العراق. اليوم لا يستطيع المجتمع الدولي بأي شكل أن يوقف البرنامج الصاروخي ـ النووي في الهند وباكستان. من الصعب، بل تقريباً غير ممكن، وقف نقل التكنولوجيا والمواد النووية. على العالم الغربي أن يضع كامل الجهد، كي تستطيع أي دولة أن تشعر بالأمن، وألاّ تتجه للحصول على السلاح النووي كـ"أداة ردع". بالتالي فالمذهب الأمريكي الجديد بـ"التدخل المسبق" يمكن فقط أن يسعر مشكلة انتشار السلاح النووي والتكنولوجيا المتعلقة به. الوضع يتعقد والسياسة الأمريكية أحادية الجانب بالنسبة للعراق، تقود إلى التباين في صفوف الدول أعضاء "النادي النووي" نفسها. نعلم تاريخياً كيف سارت عملية انتشار السلاح النووي ـ من الاتحاد السوفيتي إلى الصين، من فرنسا إلى إسرائيل. (مع العلم أن كل من فرنسا والاتحاد السوفيتي كانا وما يزالان عضوين في مجلس الأمن الدولي).
المشكلة الثالثة ـ تصادم القيم الحضارية. يجب أن يكون لدى كل دولة ضمانات من قبل المجتمع الدولي، بأنّه لن تستخدم ضدها القوة المسلحة، فقط لأنّها لا تشاطر القيم الغربية، ولا تلائم المقاييس الغربية. وسيلة التأثير هي الإقناع وليست الحرب ولا التهديد باستخدام القوة تجاه النظام غير المرغوب فيه. إن "انتصار المثل الغربية ونماذج الإنتاج الغربية" هو بالتحديد، وليس العمل العسكري، ما أدى منذ 10 سنوات خلت إلى أن ترفض تقريباً نصف أوروبا قيم وأفكار الشيوعية. فضلاً عن ذلك على الغرب أن يبذل كل الجهود، لتطبيق كل الوعود والضمانات المقدمة. تخدم أفغانستان كمثال سلبي، حيث اليوم، كابول فقط تقع تحت مراقبة القوات الدولية، وفي باقي الأراضي تقود المجموعات العشائرية المسلحة بلا منازع. في هذه الحالة من غير المحتمل القول، بأنّ وضع حقوق الإنسان في البلاد أفضل مما كان في حال الطالبان، علماً بأنّ الهدف من التدخل في أفغانستان، كما هو الحال، في العراق، ليس فقط تدمير المنظمات الإرهابية، بل وتحرير الشعب من النظام القمعي. إنّ السياسة الحالية المتبعة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبشكل أدق جزء من إدارة بوش الصغير، على الأرجح ستساعد في تحفيز، وليس ضرب الإرهاب العالمي وستحث عملية انتشار السلاح النووي. العديد من الدول ترى فيها نوعاً من "الإمبريالية الثقافية"، التي ستفرض بالقوة القيم والمثل الغربية.
من هذا المستوى بالتحديد ينظر إلى الحرب في العراق، التي تضعف احترام القانون الدولي والنظام العالمي الموجود. منذ بداية الأزمة العراقية استعرضت الولايات المتحدة الأمريكية تجاهلها وعدم احترامها للرأي العام العالمي، والقانون الدولي، المعبر عنه من خلال الأمم المتحدة. من دون شك، ستؤثر الحرب في العراق سلبياً على حل المشاكل الثلاث الرئيسية، التي تمس مصالح المجتمع الدولي برمته ـ الإرهاب العالمي، انتشار أسلحة الدمار الشامل، و"صراع القيم الحضارية".
عند تحليل مشكلة انتشار أسلحة الدمار الشامل، من الصعب القول، أي سلاح اليوم يمكن أن يشكل الخطر الأكبر. للوهلة الأولى ـ إنّه بلا شك السلاح النووي. لكن يجب عدم نسيان، أنّه لدى الدول الثلاث (إسرائيل، مصر، سوريا) التي يمكن أن تجر إلى الحرب في العراق، سلاح بيولوجي وكيميائي. نعم إنّ الحرب عينها بدأت تحت شعار تدمير أسلحة الدمار الشامل الموجود في أيدي صدام (على الرغم من أنّه في البداية جرى الحديث حول "تغيير النظام القمعي"). إنّ حقيقة كون الولايات المتحدة الأمريكية أشعلت الحرب في العراق، من دون الحصول على تفويض من المجتمع الدولي، وبتجاهلها الرأي العام العالمي، أجبرت العديدين في أوروبا على اتهام واشنطن بالميركانتالية (التجارية). البعض يعتقد، يمكن أن يكون خطأً، أن الدافع الحقيقي للسياسة الأمريكية الخارجية المتبعة حالياً هو السيطرة على مصادر النفط. آخرون يسمون ذلك "إتمام القضية التي بدأها الأب"، مصدر ذلك مجموعة صغيرة من المساعدين المقربين لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
خلال القرن العشرين بكامله حافظت أمريكا، في طريقها لقيادة العالم، على السياسة المحافظة للمحافظة على الاستقرار والنظام العالمي، قيمت بتبصر مغامرات استخدام القوة العسكرية. طبعاً حصلت انقلابات مختلفة على هذه الطريق، التي عرضت "السياسة الدولية" للاختبار. نتذكر الدعوات للعزلة والنشر أحادي الجانب للسلاح النووي في نهاية الأربعينات. أو التخلي المفاجئ عن "سياسة الردع" في صالح مذهب "الضربة الانتقامية المركزة"، التي دعا إليه جونسون فوستير دالاس عام 1954. من ثم ـ سلسة كاملة أجبرت المجتمع الدولي أن "ترتجف أعصابه" ("لإنقاذ الحضارة العالمية"، "النضال في سبيل حقوق الإنسان"، "طوباوية ويلسون" وما شابه). فبوش الصغير ليس أول من تُسمع في رئاسته الدعوات "للنظام العالمي الجديد"، لكنه الأول من بين الرؤساء الأمريكيين، الذي أصبحت بالنسبة له idée fix مشادة في مرتبة السياسة الخارجية الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية.
واضح، أنّه من الخطأ إجراء موازاة تاريخية بين السياسة الحالية للولايات المتحدة الأمريكية ، على سبيل المثال، والتوجهات الديكتاتورية لنابليون أو أفكار الشيوعية الشمولية. إلاّ أنّه من المشكوك فيه أنّ أمريكا تفهم، كم هو خطابها الحالي غير مقنع للمجتمع الدولي. على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعي أنّ المجتمع الدولي لا يقبل أبداً مذهب التدخل العسكري المسبق واستبدال الأنظمة "غير المرغوب فيها". مثل هذه المذاهب، حتى ولو تبعتها خطوات عملية، تزعزع استقرار النظام العالمي الموجود. إنّها تعد تهديداً للمبدأ الأساسي "للتعايش السلمي بين الدول ذات الأنظمة السياسية المختلفة". إنّها السياسة القاتلة للقوي تجاه الضعيف. على بريطانيا العظمى كحليف قديم وقريب للولايات المتحدة الأمريكية أن تسعى لإقناع واشنطن بتغيير سياستها المزعزعة للنظام العالمي. بذلك لا يترتب علينا لعب دور الوسيط بين أمريكا والدول الأوروبية المناوئة للولايات لمتحدة. على بريطانيا العظمى أن تتقدم بمبادرة دبلوماسية، هدفها هو عودة سياسة الولايات المتحدة الأمريكية إلى المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية. يمكن للحرب في العراق أن تقود العالم إلى آثار غير متوقعة وغير حميدة. يمكن أن تدمر حلف شمالي الأطلسي وتنتشر في مناطق أخرى. إذا وافق المجتمع الدولي بصمت على هذه "السياسة الخارجية الجديدة" للولايات المتحدة الأمريكية، فإنّ الآثار طويلة الأمد لمثل هذا "التغيير في الوقائع" ستكون كارثية على العالم أجمع".
وهكذا فمن غير المحتمل أن يعبر عن "محور الفوضى" المتكون حالياً في العالم، بشكل مقنع أكثر من إندريه تايري. خاصة وأنّه من وجهة نظرنا، يبدو بشكل آخر. مع أخذ "ظلال" ما قاله مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق في تشرين الثاني / نوفمبر من العام الماضي، "محور الفوضى" الحقيقي هو محور "تل أبيب ـ لندن ـ واشنطن"، لأنّ في أساس الصراع، الملتهب في منطقة الشرق الأوسط الكبير، تكمن بالدرجة الأولى، سياسة إسرائيل المعادية للعرب، وليس غياب "الديموقراطية والحريات" في البلدان العربية. هناك سبب أساسي آخر، الذي لم يكشفه بل أشار إليه عضو البرلمان البريطاني ـ "مركانتلية الولايات المتحدة الأمريكية". ويتلخص كما نفترض في أنّه مع استبدال منظومة قيم الشريعة الإسلامية المالية، التي تحرم الربا، ستجري بثبات محاولة إدخال "العالم المتحضر" الذي يبلع كل شيء حتى "بنوك التسليف" الجائعة المعروفة في روسيا.
بهذا الخصوص، اقترب كثيراً، من وجهة نظرنا، موظف جامعة الشرق الأدنى (East coast university) في الولايات المتحدة الأمريكية، غير المعروف للجميع وليام كلارك، من تفسير سر الحملة الصليبية الجديدة للاتينية على الشرق. في عمله المنشور قريباً "الأسباب الحقيقية للحرب في العراق. الدولار ضد اليورو، أو هيمنة العملة الأمريكية" يكتب: "بالنسبة للموظفين في البنك الاحتياطي الفيدرالي للولايات المتحدة الأمريكية، أفظع ليلة رعب هي انتقال الدول أعضاء الأوبك للحساب باليورو. قام العراق بذلك عام 2000 عند إجراء الصفقات الدولية على النفط. السبب الحقيقي، الذي يدفع الولايات المتحدة الأمريكية الآن للجلب إلى السلطة في العراق حكومة عميلة خاضعة لسيطرتها، هو رغبتها في إعادة هذه البلاد إلى "المقياس الدولاري" في حساب الصفقات على النفط. وهي تأمل أن تخدم العملية العسكرية كتهديد بليغ للدول الأخرى (إيران والعربية السعودية)، التي تتطلع لإمكانية الانتقال للحساب باليورو".
من وجهة نظر الكاتب "الوجود العسكري للولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة ضروري، للحصول على الإمكانية في الوقت المناسب لوضع اليد" على الموارد النفطية في الدول الأخرى للخليج الفارسي. "من الممكن التأكيد بثقة ـ ينوه ـ أن المشكلة المفتاحية بالنسبة للإدارة الأمريكية الحالية هي دور ونهج الدولار، وكذلك الوصول إلى الموارد النفطية. إنّه ستذهب على المغامرة بالركود الاقتصادي، أكثر من انهيار عملتها مع انتقال دول الأوبك للحساب باليورو. بالتالي، السياسة الأمريكية الحالية ـ هي جزء من "اللعبة الكبيرة"، التي ستمس مصالح روسيا، الهند، الصين. فيما يخص نظام صدام، فإنّه مع انتقال العراق عام 2000 للحساب باليورو، ولاحقاً حول جميع احتياطاته في الأمم المتحدة إلى هذه العملة، أصبحت الحرب حتمية".
يعد كلارك أحد السيناريوهات الممكنة لظهور الأزمة الاقتصادية العالمية الثالثة، التي تحاول الولايات المتحدة الأمريكية منع تطورها، ما يلي: " تنتقل دول الأوبك للتعامل باليورو، مما يجبر جميع الدول المستهلكة للنفط، أن تتخلص من احتياطاتها المالية المحفوظة بالدولار، باستبدالها بالعملة الأوروبية. سيؤدي ذلك إلى انخفاض الدولار بنسبة 20-40%، يرتفع التضخم بحدة وبالنتيجة تظهر الأزمة، المشابهة للأرجينتينية. سيتعزز هروب الرساميل الأجنبية من اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وباقي النشاطات بالدولار، مما يقود إلى عدم القدرة على تغطية العجز في الميزانية. من المعروف أنّ مجمل الاقتصاد الأمريكي متعلق بالدولار، الذي يلعب دور العملة الاحتياطية في العالم. هذا لا يعني أنّه في ظروف أخرى لا يستطيع أن يؤدي وظيفته بفعالية. علماً بانّ الولايات المتحدة الأمريكية مهتمة إلى درجة كبيرة، في أن تجري عملية الانتقال الجزئي للعملة الاحتياطبة إلى اليورو بالتدريج وعلى أسس طويلة الأمد. بهذا الخصوص، من الواضح أنّه بعد سقوط نظام صدام ستحافظ الولايات المتحدة على تواجدها العسكري في هذه المنطقة، بما في ذلك بحجة "حفظ النظام". إلاّ أنّه إذا طالت الحرب، أو جرت ليس كما خططت واشنطن لها، فهناك احتمال، أن يحصل ما تريد الولايات المتحدة منع حصوله ـ تبدأ إيران ودول الأوبك بالتحكم بصادراتها النفطية باليورو.
بالإضافة إلى مشاكل الشرق الأوسط، تثير قلقاً كبيراً لإدارة بوش ـ الصغير "الصفقات التبادلية" في فنزويلا (رابع دولة في العالم في إنتاج النفط) مع دول أمريكا اللاتينية وكوبا، لأنّ الدولار كعملة محاسبة لا يوجد في العملية بشكل واضح. في حال توسع عملية الصفقات التبادلية سيتعرض الدولار لخطر تخفيض قيمته. لذلك من غير المستغرب ظهور مقالات في وسائل الإعلام تحت عناوين مناسبة: "اكتشاف مؤامرة للإطاحة بالرئيس الفنزولي، شاركت فيها أجهزة المخابرات في الولايات المتحدة الأمريكية" (كانون الأول / ديسمبر 2002) إلخ.. أدركت النخبة الأمريكية الحالية الحاكمة أن الدولار يبقى عملة قوية، ليس بفضل المؤشرات الاقتصادية المتفوقة (يصل عجز الميزان التجاري إلى حوالي 5%) وهذا بحد ذاته يناقض "القاعد القديمة والقوانين الاقتصادية". تتلخص قوة الدولار في أنّه يبقى العملة الحسابية المعترف بها دولياً في صفقات مصادر الطاقة (بما فيها النفط) في الأسواق الدولية. مئات المليارات من الدولارات الورقية غير المؤمنة بالذهب من الدول المشترية تقع في قبضة الدول المنتجة للنفط (باستثناء العراق وجزئياً فنزويلا)، ومن ثم من دول الأوبك تعود إلى الاقتصاد الأمريكي، متحولة إلى أسهم، أموال غير منقولة، وغيرها، مرة أخرى نشاطات دولارية.
تأسست "القواعد القديمة"، الفاعلة في علاقة العملة الأمريكية، على مفاهيم ـ السوق المرن، إنتاجية العمل، عجز الميزان التجاري، تيارات التجارة الحرة، شفافية المحاسبة والحساب البنكي، الدخل، الانتقال باتجاه الأموال المسددة وما شابه. خلال العشرين سنة الماضية شوهت أو حطمت البنية الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية العديد من المبادئ الفاعلة سابقاً. لكن، على الرغم من "الضعف التكنيكي" للاقتصاد الأمريكي، بالأخذ بالحسبان عجز الميزان التجاري وما ينجم عن ذلك من نمو الدين الفيدرالي، فإنّ الدولار الورقي، لم يحافظ على قوته فحسب، بل كون "قواعد جديدة". لا يتوقف الجدال حول "الشر" (بالنسبة لمن) الناجم عن سيادة الدولار الورقي. منذ ذلك الحين في عام 1971، في عهد الرئيس نيكسون، عندما حصل رفض اتفاقية بريتونفودسك لتأمين الغطاء الذهبي للدولار بحساب 35 دولار للأونصة، تحول الدولار الورقي، الذي يحق للولايات المتحدة الأمريكية فقط طباعته، من حيث الجوهر، (تحول) إلى وسيلة مالية في التعاملات في الأسواق الدولية. هذا مع أنّ الدولة خلال 16 سنة تعيش في عجز الميزانية الفيدرالية وتعد المدين الأول في العالم (بلغ الدين القومي للولايات المتحدة الأمريكية في نيسان / ابريل من هذا العام 6.021 ترليون دولار).
تحولت التجارة العالمية في لعبة خاصة، في التي تنتج الولايات المتحدة الأمريكية الدولارات، وباقي العالم ينتج مختلف أنواع البضائع والخدمات، التي تباع بهذه الدولارات. تعمل الاقتصاديات الوطنية على اقتناء كميات كبيرة من الدولارات، لتسدد ديونها الخارجية (التي تحسب ثانية بالدولار) وتكوين الاحتياطي الداخلي بالدولار، الضروري لدعم مستوى عملتها المحلية. في سبيل تفادي الهجمات الاستغلالية، على العملات الوطنية، تجبر البنوك المركزية الوطنية على حماية احتياطيها النقدي بالدولارات (بذلك يجب أن يقابل حجم هذه الدولارات حجم العملة الوطنية الموضوعة في التداول). هذا الوضع للقضية يعمل على دعم الدولار ويكون وسطاً متيناً يجبر البنوك المركزية الوطنية في جميع الأوقات زيادة احتياطاتها الدولارية، وبنفس الوقت تعزيز موقع الدولار مجدداً. ظهرت هذه الظاهرة الشاذة المعروفة بـ "هيمنة الدولار"، بسبب أنّ الأسعار على البضائع والمنتجات المصدرة الأساسية وضعت بشكل تقليدي بالدولار (النفط، الذهب، الحبوب وما شابه). بالدرجة الأولى يمكن شراء النفط بالدولار، والدولار النفطي الذي تحصل عليه دول الأوبك يودع بشكل أساسي في الاقتصاد الأمريكي. مع عودة الدولار النفطي إلى الاقتصاد الأمريكي يحصل نمو رصيده الفعال، هذا ما تشهد به القيمة المستقرة لسوق البورصة الأمريكية خلال 25 عاماً. والرصيد الفعال بدوره، يقود إلى تخفيض العجز في الميزان التجاري للبلاد. فضلاً عن أنّ أية فعاليات، تجرى بالدولار في أي بلد وجدت فيه، من حيث الجوهر تعد نشاطاً أمريكياً. بامتلاكها إمكانية طباعة الدولارات الورقية، ومع شرط تحديد أسعار النفط بالدولار، تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية الحصول على احتياطي النفط العالمي كأنه مجاناً.
ينتج، انّه كلما طبعت الولايات المتحدة الأمريكية "الخضر" أكثر، كلما ازدادت أكثر رأسمالية النشاطات الأمريكية. بالتالي، فسياسة "الدولار القوي" تجلب فائدة مضاعفة. مثل هذه الاتفاقات الجيوسياسية، الموجودة بين الولايات المتحدة الأمريكية والعربية السعودية منذ 30 عاماً، تعمل في صالح الاقتصاد الأمريكي، لأنّ أسعار النشاطات تحدد بالدولار. هذا الوضع المربح للولايات المتحدة الأمريكية في العالم سيبقى طالما هناك حاجة للنفط، ووسيلة الدفع الوحيدة في صفقات الشراء والبيع هي الدولار. إنّ ظهور عملة جديدة، اليورو، تحولت في الواقع إلى تهديد للسيادة الاقتصادية للولايات المتحدة الأمريكية. إنّ الحقائق والتوجهات الاقتصادية في الزمن القريب تتحدث عن أن الانتقال من الدولار إلى اليورو كوسيلة دفع في صفقات مصادر الطاقة ، لم تعد بعيدة. يبقى السؤال مفتوحاً حول، كيف ستؤثر الحرب في العراق على مستقبل السياسة النقدية لدول الأوبك وفنزويلا. يمكن لقرار الأوبك بالانتقال للتعامل باليورو أن يحدث "أثراً في الدومينو" ويقود إلى نهاية حقبة "هيمنة الدولار" مخلفاً اقتصاد القوة العظمى في العالم في دور "الملك العاري". ما هي الخطوات الممكنة للإدارة الأمريكية الحالية في العلاقة مع أوبك بعد سقوط نظام ص. حسين؟ أول ـ الأوائل ـ ستعيد الولايات المتحدة تصدير النفط العراقي وفق "المقاييس الدولارية" وستحاول مضاعفة إنتاج النفط مما يقود إلى انخفاض السعار، "إيقاظ" أوبك وإجبارها على الامتناع عن إعادة النظر في سياستها النقدية لصالح اليورو".