آخر الأخبار

طالبان من القرون الوسطى!

لقد نموا وترعرعوا في كنف المدارس القرآنية , يحكمون المنطقة الواقعة على طول الحدود الافغانية - الباكستانية المشتركة, ويسعون الى اقامة دولة اسلامية, ويحاربون الكفار. لم تؤد ثماني حروب الى اضعافهم, ولم تمنع تغلغلهم داخل مجتمع فاقد للثقة بالسلطات الفاسدة, فاستسلم للعيش وسط الخوف والفزع.

بيشاور لا تعدو كونها فقط نهاية, لشريط ارضي مطعم بالجبال الصخرية والصحاري القاحلة التي تمتد لالاف الكيلومترات نحو الجنوب على امتداد خط دوراند, الذي يمثل الحدود التي رسمها الانجليز في القرن التاسع عشر, لكن لم يتم الاعتراف بها من قبل سكان المنطقة, فهو يعمل على تجزئة القرى, تفريق القبائل, تقسيم اناس كثيرين من شعب الباشتون, العرق الذي يتحدى بعيونه الخضر, واللحّى المشذبة, العقول المتطلعة للتقدم.

قفزة في العصور الوسطى من غير دولاب الزمن, وقت ان يخدم التفكير فقط للبقاء على قيد الحياة, القتال, الدفاع عن الارض, لا مكان في عقولهم للصور والاحتفالات, والتذكارات السعيدة, باستثناء ما هو متعلق بتحقيق الانتصار.

يبدو كل شيء في بيشاور متحجرا فكريا, وهي التي تمثل آخر الاستحكامات الباكستانية المحصنة قبل اجتياز الحدود الى افغانستان, حيث يتوقف جميع ما هو سياسي وعقلاني. المكان الذي تختلط فيه ابتهالات المؤذن بقرقعة المدافع الرشاشة الصغيرة, انها نهاية الحضارة حيث يجعل الخوف الطرق آمنة. خوف من اله لا يرحم, تتم ترجمته وفقا لاهواء هؤلاء الرجال; لا يرتدون بزات رسمية, لا سلطان لهم, انهم فقط, بل قبل كل شيء الناتج المتغير من الحرب.

ان سوات, والحدود الشمالية, ووزير ستان, وفاتا, هي التي تشكل مجتمعة مملكة طالبان. ففي سوات فقط, بعد عام من العمليات العسكرية التي نفذها الجيش الباكستاني, كانت الاراضي الخاضعة لسيطرة الطالبان قد ازدادت مساحتها بنسبة تتراوح ما بين 25-75%. وادى الغزو الامريكي الى تشتيتهم, لكنهم كما قطرة الزئبق التي تسقط من الاعلى; فقد تضاعفوا, توسعوا, وانتشروا واصبحوا اكثر قوة كانوا قبل كل شيء قد عثروا على حجة جديدة من اجل مقاتلة الكفار الاجانب, فهم نكرات ان لم يكن لديهم ما يخربونه. على العكس من الطالبان الاوائل الذين كانوا ينحدرون من عائلات فلاحية, نراهم غير قادرين اليوم حتى على بذار احد الحقول. هذا ما يحدثنا به الكاتب والمحلل الباكستاني, وحيد مجدي الذي كان يعمل ايام النظام مستشارا لطالبان.

ويتحدث الينا احد الشباب من بيشاور, فيقول: قبل عام مضى كان ابن عمي شيراز, 16 عاما, قد غادر للالتحاق بأحد معسكرات التدريب العسكري في وزيرستان. لم نعد نعرف عن اي شيء الآن, كما كان واحد من ابناء عمتي قد قُتل خلال اشتباك مسلح في كشمير; لم تعد المرأة تحتمل فقدان ابن آخر. عندما يقرر الفتية المغادرة, لا توجد طريقة لايقافهم. ولا توجد وسيلة للبحث عنهم في المناطق الجبلية, في الشمال, وفي وزيرستان, حيث يغامر القليلون بدخولها; انها ارض الباشتون التي أُعلنت امارة اسلامية من قبل الطالبان.

يقومون على حراسة الطرقات من خلال نقاط التفتيش المجهدة, المزدحمة بالرجال والسلاح, ونظرات الاستعطاف. يسيرون قدما على امل العودة الى عهد الرسول, وقت ان لم يكن هناك وجود للموسيقى ووسائل اللهو. وعلى اية حال, انهم لا يرفضون الحداثة ان كان الامر يتعلق بالهواتف الخلوية, وبنادق الكلاشينكوف التي يمسكونها بشدة في ايديهم. يعظون, ويفرضون اسلوب حياة بدائية تبعا للتعاليم التي تلقوها في المدارس القرآنية, التي لعبت بعقولهم وهم في سن الطفولة, حين اودعهم آباؤهم المدقعون في الفقر, من اجل الحصول على كسرة خبز ممعوسة, وقصعة من الارز.

مدارس خصصت على الدوام للذكور, وصل عدد المدارس القرآنية في باكستان عام 1947 الى 245 مدرسة. ويبلغ عددها اليوم 7 آلاف. يوجد في البنجاب حوالي 3 آلاف مدرسة, 1280 في المنطقة الشمالية الغربية. اقدم الطالبان في العام الماضي على تدمير 122 مدرسة للاناث في سوات. واصبح السكان متشككين بشأن قدرة الدولة على حمايتهم, بحيث باتت اصواتهم مدجنة مع وجود الطالبان, الذين لا يهتمون كثيرا بتعلم القراءة والكتابة. ماهرين في رسملة الكراهية واحباط الناس.

يوم 15 كانون الثاني الماضي, بعد انقضاء العطلة الشتوية, كان من المقرر ان تفتتح المدارس, الا ان الطالبان كانوا قد اقدموا قبل ذلك بعدة ايام على التهديد بقصفها. فلم تعد اي من 400 مدرسة اناث تفتح ابوابها, وبقيت 80 الف صبية حبيسات البيوت, كما اضحت تبعا لذلك 8 آلاف مدرسة متوقفة عن العمل.

لم يكن هناك ارهاب قبل وصول الامريكان. ومن واجبنا العمل على تجهيز الفتية للجهاد, ومحاربة الاجانب. يقول لنا هذا بينما يتسلق ولده ابن الثلاثة اعوام على ظهره, وهو جالس امام كوب من الشاي وقطع البسكوت. انه مولانا سعيد يوسف شاه, مدير مدرسة اكورا كاتّاك القرآنية القريبة من بيشاور, المسؤول عن 3 آلاف صبي.

لا يتصرف الطالبان وحيدين, يعيش ما نسبته 90% من المقاومة بفضل ما يقدمه الناس; فهو يعطون الطعام والفراش يخبرنا بذلك عبر الهاتف من احدى المناطق المجاورة لقندهار, الملا عبدالجليل, احد رواد حركة طالبان في تلك المدينة, ومقرب من الملا عمر, القائد الذي هو عصي على الفهم والاستيعاب. المتبوع من قبل مجلس المللة والقادة العسكريين, الذين يتساقطون كالذباب المفغوص بفعل الانقاض التي تخلفها غارات الطائرات من دون طيار الامريكية. يتصلون فيما بينهم عبر الاقمار الصناعية. لكن بوساطة كلمة السر بالمقام الاول. يعيشون من العدم. وينفقون من اجل الحصول على السلاح, الاموال التي يحصلون عليها من تجارة المخدرات, ومن عمليات الاختطاف, والتبرعات التي ترسلها لهم بعض المراكز الاسلامية.

غالبا ما تنقصهم الاحذية, لكنهم يحملون باستمرار قاذفات الار. بي. جي. المضادة للدروع, حيث تعلموا استخدامها في معسكرات التدريب المنتشرة في المنطقة, التي تستضيف الصعاليك الذين يزرعون الرعب, الباحثين عن مكان آمن يأويهم.

على سفوح الجبال, في بيشاور المضطربة يوجد سوق, او ما تبقى من مدينة في طور الاحتضار, مفتقرة لاشعار شعرائها, وذكرياتها, واقفال حوانيت dvd, كانت قد اقتلعت بفعل التفجيرات الاخيرة. لن يعود اي شيء كما كان عليه في السابق. واكثر ما يدلل على ذلك تلك الطرق المتشققة والازقة القذرة, الافق المطفأ, دوي محركات السيارات, حيث لا يتوارى الطالبان, يعرضون بعجرفة الاسلحة.

ثلاثي مكون من طالبان وامراء الحرب المطلقة, يتوجب التفاوض معهم, ذلك كل من باكستان وافغانستان. ربما امريكا بعهد اوباما كذلك. لا يدخل الثلاثة في منافسة, لكن يراقب احدهم الآخر; بمقتل زعماء القبائل المزعجين, مالكي القرى (150 منذ عام 2005).

اصبح كل شيء تابعا لهم, للملا عمر, لقلب الدين حكمتيار (المتطرف الاسلامي الذي شغل منصب رئيس الوزراء لفترة قصيرة باعوام التسعينيات), ولجلال الدين حقاني (طالبان ورئيس القائد الدموي بيت الله ميهسود). تعمل تنظيمات القادة الثلاثة في منطقة الحدود; فكل من حقاني وحكمتيار يعمل حول وداخل كابول, ويحاولان اعادة تنشيط العمل الفدائي في المنطقة الشرقية حيث يتمركز الامريكيون; في حين يمتد نفوذ الملا عمر في الجنوب, في قندهار, قلب الباشتون الخافق. القلعة الحصينة حيث يتحرك الطالبان من خلال زحف لا يرحم عبر ضمائر الناس والخوف من التفكير.