اليوم الثالث: حوار مع الشرموطة نفسها و مع رئيس القسم.
عدت إذن للمشفى في اليوم التالي، الأحد الثاني من أيار. بمجرد وصولي قامت الممرضة بقياس نسبة السكر في دمي: 13.2 ميلليمول، يعني 2.4 غ بالليتر. ثم طالبتني بالإنتظار ريثما يدعوني الطبيب.
بعد قليل من الوقت دعاني الطبيب، و هو نفس الشرموطة التي أعطتني الفاليوم في اليوم السابق. بعد أن قامت بتكرار كل السخافات التي قالتها لي في اليوم السابق اقترحت علي أن تعطيني عنوان طبيب مختص بالسكري على أن أذهب لعيادته، ذلك أن المشفى إياه لا يتضمن قسما مختصا بهذا المرض (تذكر أنني أرسلت لهذا المشفى لأني كنت متهما أنني مريض بالقلب، و ليس بالسكر). قلت لها أن تلك فكرة ممتازة، فانهمكت بكتابة رسالة لهذا الطبيب المختص كي توجز له الحالة.
و بينما هي تكتب الرسالة التفتت إلي و سألتني عن اسم "طبيبي المعالج"، فقلت لها أنه لا يوجد: ليس لدي طبيب معالج!
خبطت الطاولة بقلمها الذي تكتب به و قالت: "ها قد عدنا لنقطة البداية!"
لاحظ معي: في العالم السحري للطب الحديث يجب عليك أن تكون مريضا و أن يكون لديك طبيب معالج! إن كنت بصحة جيدة و لا تحتاج لأي طبيب فأنت إنسان مشبوه!
ذهبت الشرموطة إياها و اتصلت برئيس القسم -قسم الإسعاف. بعد عدة دقائق جاء هذا الشخص و سألني إن كنت أصر على رفضي للبقاء في المشفى فأكدت له ذلك. فسألني:
"في هذه الحالة ماذا يمكننا أن نفعل؟"
قلت له:
"لديكم خيارات عديدة: أولها أن تأتوني بملفي فأمزقه هنا أمام عينيك و أرميه لسلة المهملات و أقول لكم وداعا و شكرا!"
طبعا لم أتابع بعرض الخيارات الأخرى، لم يكن هذا هو الهدف...
رئيس القسم جلس و بدأ يشرح لي خطورة السكري. يعني أعاد، و بالحرف تقريبا، ما قالته لي الشرموطة صباح الأمس و ما قاله لي الشاب رقيق المشاعر بعد ظهيرته. كلما كان رئيس القسم يقول لي جملة، كنت أجيبه -مشيرا باصبعي للشرموطة:
"هذا ما قالته لي زميلتك، و قد فهمته و حفظته جيدا!"
و كلما سألني سؤالا كنت أجيبه -مشيرا إليها أيضا:
"و كما أجبت زميلتك، فالوضع هو كذا كذا..."
أمام إجاباتي المتكررة هذه لم يسعه إلا أن يستنتج: "إذن القصة واضحة تماما! الآن سنعطيك الأنسولين. هل تناولت الإفطار هذا الصباح؟"
أجبته بالنفي. سألني لمه؟ أجبته لأنني لا أتناول الإفطار صباحا...
عندها تبادل هو و الشرموطة النظرات و قال لها بتعجب، كما لو أنني ﴿جئت شيئا إدا﴾: "إنه لا يتناول الإفطار صباحا!"
عندها "فقعت معي"، فقلت لهما:
"سأقول لكما الحقيقة!
"أنا لا أتناول الإفطار صباحا! أنا أشرب الكحول كما يشربه الثقب(*)! أنا أدخن كعامل الإطفاء(*)! أنا لا أمارس الرياضة! أنا أقضي كل نهاري جالسا أمام الحاسب! فإن كان هدفكما هو توبيخي فلا تتعبا نفسيكما بذلك: أختى طبيبة و هي توبخني بشكل أفضل مما تفعلان!
"زميلتك هذه قالت أنها ستكتب لي رسالة لطبيب اختصاصي، و قلت أنني سأذهب لعيادته!
"بانتظار ذلك، خلال الأيام المقبلة، لا أرى ما يزعجكم في أن نحافظ على الصيغة الحالية، أن أعود للفحص كل يوم -و ربما لأخذ الأنسولين حين الضرورة؟
"ما المشكلة في أن يتعامل البشر فيما بينهم بطريقة متحضرة؟"
عندها كفا عن محاولاتهما للظهور بمظهر منقذي الإنسانية المعذبة، و تم الإتفاق على ما اقترحت...
فقط أن الطبيب -رئيس القسم- شرح لي أهمية تناول الطعام بشكل منتظم حين تعاطي الأنسولين: الهدف هو ألا ينحدر مستوى السكر كثيرا فيصل منطقة الخطر (تحت 0.7 غ/ ل).
عندها لم أستطع منه نفسي من إبداء ملاحظة ساخرة: لم يقل لي أحد هذا بالأمس وقت خروجي من المشفى... مع أنني كنت أخذت ما يقارب خمسين وحدة من الأنسولين! (الجرعة اليومية العظمى هي 40 وحدة).
المهم...
أعطوني حقنة أنسولين تتضمن 20 وحدة. خرجت من المشفى و أنا أتفكر بقضية تناول الطعام تلك: كانت الساعة هي حوالي الثانية بعد الظهر و ما كنت قد تناولت أي طعام. و تذكرت أنهم حين كانوا يضخون الأنسولين عبر ذراعي كانوا يضخون أيضا سكر العنب... فوصلت للإستنتاج -الخاطئ طبعا- أنني يجب أن آكل شيئا سكريا...
على باب المشفى كان هناك محل مكدونالدز. دخلت إليه و أخذت أصغر صندويشاته و أصغر عبوة كوكاكولا...
يعني واذلاه! عن جد يا لتغلب!
أنو هالعرصات مش بس عقدوا ربي، لأ و فوق هيك جعلوني، أنا، عمرو، أدخل لمحل مكدونالدز... فلا نامت أعين الجبناء!
طبعا استنتاجي كان خاطئا: ما يجب أكله عند تعاطي الأنسولين هو السكاكر البطيئة: الخبر، الرز، المعكرونة... و الخبز الأسود أفضل من الخبز الأبيض -لأنه أبطأ امتصاصا...
خطئي هذا دفعت ثمنه في اليوم التالي ارتفاعا في السكر... و هو ما سأرويه في الحلقة المقبلة.
اليوم الرابع : حوار مع شابة مفعمه بالأمل و التفاؤل، و تأملات حول الفرق بين الشباب و الشيخوخة.
بدأت يوم الإثنين بمحاولة أخذ موعد مع الطبيب الإختصاصي الذي كتبوا اسمه لي، لكنه لم يكن موجودا في دليل الهاتف. فما كان مني إلا أن بحثت عن طبيب اختصاصي آخر و أخذت معه موعدا لصباح الخميس ثم ذهبت للمشفى.
حين وصلت للمشفى قامت الممرضة بقياس السكر في دمي فاتضح أنه 15.3 ميلليمول، يعني ثلاثة أضعاف الطبيعي... طبعا هذا كان نتيجة الكوكاكولا و الهمبرغر الذين التهمتهما يوم الأمس، و هو ما دفعني للتفكير و لإدراك أن السكاكر السريعة غير مرغوبة.
لكن كان هناك حادث ظريف: لقد قامت الممرضة بقياس ضغطي بواسطة جهاز إلكتروني قرر أن ضغطي هو 19/12. هذه القيمة دفعت الطبيب لقياسه مجددا بجهاز آخر فكانت القيمة هي 14/9.
الفرق بين القيمتين هائل: شخص ضغطه 19/12 هو شخص على وشك أن يتفجر كما في الرسوم المتحركة، أما القيمة 14/9 فهي القيمة الطبيعية لشخص في عمري.
سألت الطبيب -و هو شابة مفعمة بالأمل و بالتفاؤل و مقتنعة بأنها و بأن الطب و بأن كلو على كلو، لما تشوفو قلو- سألتها إن كان هناك ما يبرر هذا الفرق باستثناء عطل الجهاز فأخبرتني أن هناك الكثير من الأشياء التي يمكن أن تبرر ذلك: التعب، الإنزعاج، إلخ...
فقلت لها ساخرا: "يعني برأيك أنني حين اكتشفت أن ضغطي 19 فإني انزعجت فانخفض ضغطي و صار طبيعيا؟"
أنا أحترم الشباب المتفائل بالحياة! لكن بالمقابل أطالب هذا الشباب المتفائل بأن يحترم كوني عجوزا ساخرا و من يعش ثمان و ثلاثين حولا لا أبا لك يسخر!
حاولت هذه الفتاة المتفائلة بالحياة أن تقنعني أنني يجب أن أبقى في المشفى و بذلت كل جهدها لإقناعي إلا أنني رفضت، عندها طالبتني بالتوقيع على ورقة "إخلاء مسؤولية" للمشفى. كان يجب أن أكتب في خاتمة الورقة: "قرأت و أوافق" و من ثم أوقع.
سألتها: "هل يحق لي أن أكتب: "قرأت و كس أخت الرب أوافق شديدا و أوقع مرتين"؟" فأجابتني بأن هذا ليس ضروريا و أن الصيغة الأولى كافية.
فعلت ذلك و أعطوني حقنة تحتوي 20 وحدة أنسولين على أن أعود في اليوم التالي.
اليوم الخامس: حوار مع عجوز تمتلك أفكارا متحنطة.
عدت للمشفى يوم الثلاثاء. تم قياس السكر في دمي و كان 13.2، يعني بانخفاض قدره 2.2 ميلليمول عن الأمس.
عندها قررت أن لا آخذ الأنسولين: هدفي كان إجراء تجربة علمية دقيقة و ذات هدف (تعدذه): هل انخفاض السكر في دمي ناتج عن عودة جسمي للعمل بشكل طبيعي أم أنه بفضل الأنسولين الذي به يحقنون؟
كان الطبيب عجوزا، أو لنقل سيدة متقدمة في العمر، و بدأت تشرح لي خطورة قراري و إلخ كالعادة. ألحيت ألح إصرارا. عندها سألتني إن كنت سأمتنع عن أخذ الأنسولين غدا، فقلت لها أن ذلك يعتمد على مستوى السكر: هل سيرتفع أم أنه سينخفض...
قالت لي -و هي تبتسم ساخرة- أنه سيرتفع طبعا...
شو قالت؟ قالت أنه سوف سيرتفع طبعا!
و منه قولنا: كذب الأطباء و لو كذبوا!
و هو ما سنراه غدا...
اليوم السادس: لقاء بطبيب لا يعلم لم كان هناك، و لا أنا أعلم.
عدت، و كانت آخر زياراتي للمشفى، يوم الأربعاء. قامت الممرضة بقياس السكر في دمي، و كانت النتيجة 12.1 ميلليمول، يعني بانخفاض 1.1 عن الأمس، و ذلك رغم ادعاءات العجوز الشمطاء أنه سيرتفع...
ثم قامت الممرضة بقياس ضغطي، مجددا كان 19/12.. الممرضة نفسها لم تقتنع بذلك، فأعادت قياسه على نفس الجهاز... فكانت النتيجة 14/9...
بعدها استقبلني الطبيب، طالبته بتأكيد هذه القياسات فتمت إعادتها بأجهزة أخرى و تم تأكيد قياس السكر و أن ضغطي طبيعي. عندها أردت العودة لمنزلي إلا أن الطبيب طالبني أن أنتظر ريثما يطلع على ملفي... فانتظرت... و ذهب الطبيب لمعالجة حالة مستعجلة.
ثم انتظرت...
ثم انتظرت...
ثم عاد الطبيب، فسألته عن سبب انتظاري و أخبرته أنني لن آخذ الأنسولين و أني أرغب بالخروج، فقال لي أنه يرغب أن ينظر لملفي -يعني هكذا للإستئناس، و أنهم يبحثون عن ملفي لكنهم لما يجدونه... ثم ذهب لحالة مستعجلة أخرى.
فانتظرت... ثم انتظرت... ثم انتظرت...
ثم ضجرت. فخرجت و عدت لمنزلي، و لدي موعد يوم الغد مع الطبيب الإختصاصي.
-----------------
(*) تعبير فرنسي يعني "كثيرا جدا".