أسرحدون Asarhaddon أحد ملوك آشور الكبار استطاعت أمه «نقية» السورية الأصل، البابلية المولد أن تؤثر في والده ليجعل منه ولياً للعهد. اعتلى العرش (681ق.م) إثر مؤامرة داخلية في البلاط الملكي تزعمها أخوه «آرادملكات» وراح ضحيتها والده سنحريب. ولكن أسرحدون تصدى للمتآمرين وحاربهم وانتصر على أخيه وأعلن نفسه ملكاً.
أعاد أسرحدون النظر في سياسة والده تجاه بابل، فأعاد إعمارها واسترضى كهنتها وشيد فيها معابد كثيرة، وبحكم علاقاته الودية مع بابل، عندما كان ولياً للعهد، استطاع أن يوفق بين العاصمتين بابل وآشور.
كانت تعتمل في ذهنه منذ زمن طويل فكرة القضاء على عدوه الرئيس تهاركا (طهرقة) Taharka ملك الحبشة، الذي أحكم سيطرته على مصر، واستطاع أن يجمع حوله كل أعداء الدولة الآشورية من ملوك وأمراء في فلسطين وسورية وفينيقية، وكان هؤلاء يترقبون الفرصة المناسبة للتخلص من حكم آشور ونفوذها. وبعد أن تمكن العاهل الآشوري من فرض هيبته على الساحل السوري توجه إلى محاربة تهاركا في مصر، وفي طريقه إليها قضى على أشد خصومه السوريين عداوة «عبدي ملكوتي» ملك صور الذي هرب إلى البحر كما يذكر أسرحدون في كتاباته الملكية، كما أخضع صيدا لسيطرته، وبذا يكون أسرحدون قد أحكم قبضته على سورية كلها وعلى القبائل العربية المتمردة، واستطاع أن يلحق بالقوات المصرية التي يقودها تهاركا هزائم متتالية. وانسحب تهاركا جنوباً، واستولى أسرحدون على مدينة منف، ثم انسحب منها عائداً إلى سورية.
واصل أسرحدون، في الشمال والشرق، فتوحاته للقضاء على أعدائه من القبائل المتحكمة في كل من إيران وجبال القفقاس، وخلّد أسرحدون نفسه تصويراً وكتابة في نقوش بارزة على عدد من المسلات الضخمة التي نصبها تخليداً لذكراه، وقد كشف منها في تل برسيب (تل الأحمر) اثنتان وهما معروضتان في متحف حلب، وعثر على أخرى في زنجرلي في جنوبي تركية تكاد تكون صورة طبق الأصل عن مسلتي تل برسيب، وهي معروضة في متحف الآثار الشرقية القديمة في متاحف الدولة ببرلين.
وفي المسلة صوَّر الملك نفسه عملاقاً يركع أمامه تهاركا ملك الحبشة وملك صور طالبين الرحمة والمغفرة منه، وحجمهما في المسلة لا يتجاوز ثلث حجم الملك مشدودين إلى يده بحبل من منخريهما. وتظهر في هذا المشهد الغطرسة الآشورية، فكلا الملكين لم يقعا أسيرين في يده في حقيقة الأمر.
اختار أسرحدون مدينة كلخو Kalhu (نمرود) لتكون عاصمة لمملكته، وهو وإن كان محباً للعمران كأسلافه إذ شيد معابد كثيرة، ولم يهمل بناء القصور، إلا أنه لم يعر النحاتين اهتماماً يذكر. إذ لم يعثر المنقبون على منحوتات من عصره تضاهي الأعمال الفنية الرائعة التي خلفها أسلافه باستثناء المسلات الضخمة السالفة الذكر.
توفي أسرحدون في سورية أو فلسطين في أثناء قيامه بحملة تأديبية إلى مصر لإخماد حركة تمرد جديدة كان وراءها الملك الإثيوبي تهاركا. وخلفه على العرش ابنه الأصغر آشور بانيبال[ر].