أم أن هزيمة المشروع الأميركي في المنطقة هي من جعلته يتخبط ويترنح في مواقفه, ويعيد حساباته من جديد؟
فزعيم المختارة الذي أسبغت عليه وسائط الإعلام الكثير من الأوصاف والنعوت. ومنها تمتعه بحواس شم وسمع وبصر, يتفوق فيها على غيره, بحيث تجعله السباق في الإحساس والتنبؤ بما ستحمله الأحداث من متغيرات. فبصره الثاقب يقرأ بدقة ووضوح المتغيرات الدولية والإقليمية مهما كانت المسافات بعيدة. فيسارع ليتلاءم بموقفه معها. فهو من كان يطالب بوجود عسكري سوري على غرار الوجود الأميركي في ألمانيا. وهو من كان يفاخر على انه سيبقى جنديا من جند كل من القائد صلاح الدين الأيوبي, والزعيم كمال جنبلاط وجمال عبد الناصر والرئيس حافظ الأسد. وهو من تحالف مع حركة أمل, وهو من دخل في صراع مرير مع من يتحالف معهم الآن كالجميل وشمعون وجعجع, ولم ينجوا من نقده حتى الشهيد رفيق الحريري حين كان رئيسا للوزراء حين طغى على وليد جنبلاط وهمشه بعلاقاته العربية والدولية المتعددة, وبحجم أمواله وقوة شركاته.
إلا أنه بعد غزو واحتلال العراق , أعتقد بأن المشروع الأميركي سيكون هو الرابح فقرر أن يلتحق بالمشروع الأميركي. وبدأ قصائد المديح والغزل للولايات المتحدة الأميركية والتبرم بالمشروع الوطني والقومي. ووجد في الحادث الإجرامي لاغتيال الشهيد الرفيق الحريري مناسبة لينضم للمشروع الأميركي في المنطقة. فاستل سيفه ليحارب سوريا بشعبها ورئيسها وقيادتها وحزبها, ويتحفنا بأناشيده وموشحاته وهو يشدوا بها على أنغام الادارة الأميركية وألحان جورج بوش ورايس وتشيني. بحيث لم يعد يبصر شيئا في العالم من أجهزة أمن سوى الأجهزة الأمنية السورية, ولا سجونا سوى السجون السورية,ولا يلمس قمعا أو انتهاكا للحرية وحقوق الإنسان سوى في سوريا. وحتى الرجعية العربية لم يعد لها من وجود سوى في سوريا. فالحرية والديمقراطية والعدل والتنوع والمحبة والسلام والخير بنظر وليد جنبلاط راياتهم ترفرف خفاقة في أرجاء الوطن العربي بإستثناء سوريا. وبلمح البصر تحول موقفه المنتقد للأسلوب الأميركي القاسي في إسقاط نظام الرئيس صدام حسين , إلى موقف مناقض يجاهر ويفاخر بإعجاب بدور جورج بوش بإسقاط نظام الرئيس صدام حسين. حتى انه كان يناشد كل من يلقاه من المحافظين الجدد وصقور إدارة الرئيس جورج بوش إلى تكرار غزو العراق بغزو واجتياح سوريا من جديد, وإسقاط نظامها كما أسقط النظام في العراق.وبدل موقفه المؤيد للمقاومة الوطنية في العراق, إلى موقف نقيض وصنفها في خانة الإرهاب, وراح يطالب بنزع سلاح المقاومة في لبنان. وكل ذلك لكي يثبت للإدارة الأمريكية ومحافظيها وصقورها على أنه حليف لهم وصديق موثوق. ولكي يتفوق على أقرانه من باقي حلفائها.
وبعد شعور السيد وليد جنبلاط بأن المشروع الأميركي في المنطقة هزم ووئد إلى غير رجعة , وإدارة الرئيس جورج بوش تئن وتصرخ من شدة هزائمها وأوجاعها. وأنها لم تعد في العير أو النفير بعد أن خذلت فريق الموالاة وحكومة فؤاد السنيورة. راح يتخذ مواقف مناقضة لمواقف السابقة بعد التاسع من آبار. وأسهم بدور إيجابي في مؤتمر الدوحة.وراح يتخذ مواقف بعضها متباين أو حتى مناقض لحلفائه في فريق الموالاة. ومنذ ما يقارب الشهر طل السيد وليد جنبلاط من على شاشة تلفاز الجديد, ليحدد ويوضح ويبرر موقفه الجديد:
1. إصراره على الاستمرار بتحالفه مع فريق الرابع عشر من آذار وتيار المستقبل. والسيد وليد يعرف أن تيار المستقبل يمثل الليبراليين الجدد في لبنان. ولكنه راح يعدد الخطايا والأخطاء التي أرتكبها هو حلفاءه في فريق الموالاة وتيار المستقبل. والتي ذكر الكثير منها. وهذا بعض مما قاله السيد وليد:
o أخطأنا في 14 آذار بسياستنا, ولا يمكن لمشروعنا أن ينجح في ظل تخلينا عن العروبة.
o صيغة البيان الوزاري للحكومة يجب أن تكون صيغة كلامية ترضي جميع الفر قاء. وعلى قاعدة عدم إستبعاد دور الدولة,مع بقاء دور المقاومة. فصيغة البيان أشبه بالسهل الممتنع.
o أذكر فريق 14 آذار بالعروبة وفلسطين, والتي هي قدس الأقداس بالنسبة إليها, والتي أستشهد لأجلها كمال جنبلاط ورفيق الحريري وسمير القصير.
o تقوقعنا بكلام سيادي نسي العروبة وفلسطين. وأننا في خطابنا السياسي نسينا فلسطين والعروبة وذهبنا بعيدا.نسينا الشهيد رفيق الحريري وذهبنا على الإنتقام تحت شعار العدالة , وهذا يجعل جمهور 14آذار إنعزاليا , وهو خطأ مميت. وعلينا أن لا ننسى أن الحلم الصهيوني هو تفتيت المنطقة إلى قبائل.
2. نقد السيد وليد جنبلاط لذاته خلال مسيرة السنوات الثلاث الماضية رغم استمراره بتحالفاته, حين قال:
o أقوم بنقد ذاتي لكل المرحلة الماضية منذ 3 سنوات, وأن ضربات الدم المتواصلة, جعلتنا نخرج عن ثوابتنا الوطنية والقومية.
o ليس هناك أي مكان للبنان دون العروبة وفلسطين, وكذلك لا حياة للدروز دون فلسطين والعروبة.وعلى شباب الحزب القومي الاشتراكي أن يفهموا ذلك وأن لا ينسوا فلسطين.
3. إقرار السيد وليد جنبلاط بخطأ موقفه من المقاومة اللبنانية, وكشفه عن موقفه الجديد, حين قال:
o إعادة الأسرى وجثامين الشهداء هي نصر لبناني وعربي وإسلامي وقومي وهذا فخر لنا.
o قلت للذين اتصلوا معي من عدد من قادة الاشتراكية الدولية مستنكرين أستقبالي لسمير القنطار في عبيه: إن إسرائيل هي المسئولة عن كل الجرائم. وعوتبت من حلفائي عندما تحدثت عن المقاومة في عبية.
o سلاح المقاومة لا يعالج بالقوة بل بالحوار.
4. سعي السيد وليد جنبلاط لفتح صفحة جديدة مع سوريا. ومحاولته إصلاح ما أفسده خلال السنوات الثلاث الماضية بهجومه الشرس والغير مبرر على سوريا وقيادتها, واتهاماته المفبركة لها, حين قال:
o مصلحة سوريا ولبنان أهم من أدبياتي.
o الطائف قال بعلاقات مميزة مع سوريا دون النظر على أدبياتي.
o في هجومنا الشرس على سوريا تناسينا الثوابت العربية ولابد من العودة إليها.
o لا علاقة لي بربيع دمشق مطلقا, ولا اعرف عارف دليلة أو ميشيل كيلو. بينما كان يعتبر سابقا أن ميشيل كيلو هو السجين السياسي الوحيد في الوطن العربي.
o إننا نحمي كل جار ولو جار.
o مخاطبة السيد وليد جنبلاط البطل سمير القصير في مهرجان تكريمه في عبية, بقوله: يا سمير نحن الدروز لا حماية لنا ولا شرف لنا ولا مستقبل لنا بعيد عن الشام. وما حصل في السنوات الثلاث الماضية سببه سؤ فهم تفاقم إثر العصبية المتبادلة والشتائم التي وجهت إلي فرددت عليها. هذا أنت وهذا تيمور, وكلاكما تشكلان مستقبل الجبل ومستقبل الدروز في المنطقة. وما حصل يمكنكما أنتما الإثنان إصلاحه, وجل من لا يخطأ من هنا أو هناك. يا سمير إن لك دورا تاريخيا لا يقل أهمية عن دورك في المقاومة, وهو يتمثل بإعادة المياه إلى مجاريها بين قصر المختارة والشام. فأفعل ما يمليه عليك ضميرك , وهذا تيمور حاضر للقيام بما يجب,إن لم يكن بالإمكان ترتيب الأمور معي مباشرة. وحين أجابه البطل سمير القنطار: بأن شخصيات إعلامية في محافظة السويداء وجهت لي دعوة , وأنه سيكون من دواعي سروري إصطحاب تيمور معي. تدخل السيد وليد جنبلاط بالقول: لماذا في السويداء فقط, عليك أن تذهب إلى دمشق أيضا ففيها الحل والربط.
5. محاولة السيد وليد لفت انتباه حلفائه إلى جملة من الحقائق حتى لا يقعوا في المحظور, حين قال:
o إن ما يسمى بالانعزال في العام 1976م طالب بالفيدرالية والكونفدرالية مع سوريا.
o يحملونني مسئولية القرارين ماشي الحال, وسأكشف كل تفاصيل الموضوع لاحقا.
6. محاولة السيد وليد جنبلاط فتح صفحة جديدة مع حزب الله تكون مقدمة لتحالف انتخابي جديد,حين قال:
o الطلاق بيني وبين حزب الله مستحيل.
7. توجيه السيد وليد جنبلاط رسالة إلى إدارة الرئيس جورج بوش يقول فيها بوضوح واختصار, بأن: المشروع الأمريكي في المنطقة سقط. وأن تحركات البوارج الحربية لن تغير شيئا من واقع الحال. وأنها تتحمل نسبة كبيرة من المسئولية على ما آل إليه حال فريق الأكثرية أو الموالاة.لأن تأييدهم اللامحدود لإسرائيل, وعدم وضوح السياسة الأميركية بالنسبة لقضايا المنطقة هي أصل الداء والبلاء.
8. حسم موضوع مطالبة فريقه بضرورة تقديم اعتذار لمدينة بيروت وأهلها, وذلك حين قال:
o لا أطالب السيد حسن نصر الله بالاعتذار من بيروت, بل بتوجيه التحية إلى بيروت التنوع والديمقراطية, بيروت الحركة الوطنية.وأعتبر أن الجميع أساء إلى بيروت.
9. إعلان رفضه القاطع لما يقوم به تيار المستقبل من تفجير للأوضاع في طرابلس والشمال, حين قال:
o الجراح التي أصابت بيروت لا تعالج بالانتقام في مكان آخر.
فزعيم المختارة السيد وليد جنبلاط على ما يبدوا قرر أن يحسم الصراع الذي يعانيه , أو ربما التخفيف من وطأته وثقله عليه. فانبرى من على شاشة الجديد, في التنفيس عن همومه وأحزانه وما يعانيه. وراح يتناول الجميع دون أن يوفر أحدا من حلفائه. مع إصراره على بقائه في تحالف مع فريق الموالاة, كي لا يشمت فيه معارضيه. وبهذه الخبطة الإعلامية,قرر أن يقدم نفسه على انه الرقم الصعب في فريق الموالاة, وأنه لا يقبل أن يكون كغيره زعيم صغير , أو حليف مغمور. فهي صاحب تاريخ كبير, وهو من يملك الدور والقرار في قوى الموالاة,وليس سعد الحريري أو سمير جعجع أو أمين الجميل أو فؤاد السنيورة أو ميشال المر أو دوري شمعون. مذكرا الجميع بطيب أصله وبالدور الوطني والقومي الكبير لأبيه الشهيد. وانبرى لينتقد الجميع ويبين لهم:
1. أن أبن الشهيد كمال جنبلاط قد يخطأ أو لا يجانبه الصواب أحيانا..إلا أنه لا يمكن له الاستمرار في طريق الخطأ والضلال الذي ينتهجه البعض. وعليهم أن لا يخطئوا في حساباتهم جمعا وطرحا وتقسيما وهم يعتبرونه وكأنه رقم مساو أو معادل لغيره من الزعماء الآخرين. فهو من يملك الثقل والدور.
2. وأنه وقوى الموالاة وتيار المستقبل بتخليهم عن العروبة وخروجهم عن الثوابت الوطنية والقومية. وبكلامهم الخشبي عن السيادة ومعرفة الحقيقة, واستغراقهم في هجومهم الشرس والغير مبرر على سوريا , وبمراهنتهم على إدارة الرئيس جورج بوش ,يتحملون مسئولية ما آل إليه فريقهم من هزائم.
3. وأراد أن يصدم بعض زعماء فريق الموالاة ليعودوا إلى رشدهم, بتذكيرهم أنهم وهم يطالبون بقطع كل الوشائج مع سوريا. أنهم هم من كانوا خلال فترة الحرب الأهلية يصرون على علاقات مميزة مع سوريا, وحتى أنهم كانوا يطالبون بالوحدة الفيدرالية أو الكونفديرالية مع سوريا.
4. وبأسلوب لبق حذر حلفائه من تحميله مسئولية ما لحق بهم نتيجة إصدار الحكومة للقرارين المشئومين. أو الخروج عما تم إقراره في الدوحة, أو المزايدة لكسب الأصوات الانتخابية بمواقف خلبية. حتى لا يضطر لكشف المستور, وعندها سيجعل من فريق الموالاة أثرا بعد عين.
5. ونبه حلفائه على انه باق في فريق الموالاة بهذه المواقف. ومن لا يعجبه عليه الرحيل من الفريق, لا أن يفكر بإقصاء أو تجميد عضوية وليد.لأن ما ينهجه هو نفس ما كان ينهجه الشهيد رفيق الحريري.
6. ولفت نظر الجميع على أن المطلوب منهم دعم وتأييد ومساندة رئيس الجمهورية في كل ما يراه.
7. وأنه سيبقى الرقم المؤثر, فمواقفه وجهة اصطفافه هي من تحدد من يكون فريق الأكثرية أو الأقلية.
وننتظر أن تبلغ الشجاعة بحلفائه من باقي زعماء فريق الموالاة أن يقروا بما أقر فيه السيد وليد جنبلاط, وهي ليست على الشرفاء والأحرار والوطنيين بكثير.وكم سيكون رائع ذاك اليوم الذي نرى فيه الشيخ سعد الحريري على إحدى الفضائيات, وهو يقول ما سبقه في القول إليه زعيم المختارة وليد جنبلاط, ليكون بارا بأبيه الشهيد رفيق الحريري, وان يعود لمدرسة أبيه بدل المدرسة المشبوهة التي أنشأها مع المجرم سمير جعجع والتي لا تشرفه, وتسيء لروح وذكرى وسمعة أبيه الشهيد رفيق الحريري. ولن يكون ذلك مفاجئا لأي من العرب والأحرار والوطنيين والشرفاء رؤية الكثير من زعماء فريق الموالاة أو فريق 14 آذار وهم يسلكون سلوك السيد وليد جنبلاط, ويقتدون بما سبقهم إليه السيد وليد جنبلاط, لأنه دليل صحة وعافية لكل من هو وطني وشريف.فالاعتراف بالخطأ فضيلة. أما من يتخلف عما فعله السيد وليد فهو إما هو ضال أو خائن وعميل,أو أن الادارة الأميركية أحكمت القيد على عنقه ويديه, وبات يخشى إن حاول الفكاك منه أن تعمد إلى فضحه ورفع كل ستر أو غطاء عنه, أو يلاقى على يديها سؤ المصير. فبات مجبرا أن يرضخ لها صاغرا, لينفذ لها كل ما تريد.
الثلاثاء: 12/8/2008م
.bkriem@gmail.com