هل يمكن المقارنة بين الدكتور سعد الدين إبراهيم وممدوح إسماعيل؟ الأول تحول من عالم اجتماع إلى أشهر «منشقّ» عن نظام الرئيس مبارك، والثاني من «مخلص جمركي» إلى قاتل جماعي. كلاهما يقيم في ما يشبه المنفى (إبراهيم في قطر وإسماعيل في لندن). إقامة إجبارية ليست نتيجة قرار رسمي ولكنه «هروب» من فرض الأمر الواقع. التحولات والهروب جعلت سعد رمزاً للمعارضة وممدوح رمزاً للفساد القاتل. والمفارقة كانت كاشفة بإدانة الأول وبراءة الثاني. هذه صوة نظام مبارك كما كشفت عنها مسارات «الدكتور والجمركي».
الصورة تقول إن الجمركي يستقوي بالداخل ليفلت من جريمة الفساد ويكشف عن عورات في النظام القضائي المصري. والدكتور تهمته الاستقواء بالخارج، وهو تعبير يعني بالنسبة إلى جمهور واسع تعرّض لعمليات غسيل دماغ واسعة، أنه يقوم بعملية ترويج لدخول الدبابات الأميركية.
صورة ترى البحث عن قوة في مواجهة بطش النظام مجرد ألعاب «طابور خامس» وتحوّل فكرة المطالبة بالديموقراطية إلى عمالة أميركية. أسلوب قديم في الإلهاء، يعتمد على تصوير الديكتاتورية على أنها وطنية في مواجهة العدو الخارجي. والديكتاتور يتعامل بمنطق «شعبي وأنا حر فيه».
إبراهيم كشف في مقال أخير عن أن نظام مبارك حصل «عداً ونقداً من الخارج خلال حكمه على أكثر من مئة مليار دولار» ومعونات بمليارات خلال ربع قرن، شن بها حروباً داخلية متعددة وممتدة ضد إسلاميين في الصعيد وفلاحين في الدلتا وعمال في المحلة الكبري وبدو في سيناء. أي أنهم هم، وليس غيرهم من المصريين، الذين استقووا «بذهب الخارج وسيفه».
فكرة «استقواء» النظام على المجتمع و«استقواء» الفاسدين به مرعبة، وخصوصاً عندما تأتي من مستشار سابق للنظام مثل إبراهيم، وهو صاحب نظرية أثارت ضجة في الثمانينيات كان عنوانها: «تجسير العلاقة بين المثقف والأمير».
اختصرت نظرية التجسير عند سعد الدين إبراهيم في الإعجاب بدور المستشار. اختار أن تؤديه جهات عديدة تملك السلطة والمال: من الأمير حسن الأردني إلى الشيخة سعاد الصباح وحتى الشيخة موزة بنت مبارك، مروراً بالرئيس مبارك. مستشار مودرن في مجتمعات قديمة تملك الثروة والطموح.
وفي مصر كان يقف دائماً في منتصف الطريق. حتى تحوّل فجأة من مستشار للرئيس ومدرس جامعي لعائلته إلى معارض غاضب لمجرد أن النظام قرر الانتقام منه. وفتح ملفاته ليصبح عرضة لأحدث طرق الاستبداد الشرقي: القهر بالقانون.
ورغم هواية سعد الدين إبراهيم بالاقتراب من السلطة، إلا أن انسحاب مستشارين مثله من أروقة قصر الحكم في القاهرة يعني أنه لا بقاء إلا للفاسدين الباحثين عن قوة النظام في مواجهة المجتمع. البقاء للجمركي قاتل العبّارات.