آخر الأخبار

خبز التنور

ألوان مختلفة من الأطعمة وأصناف متعددة بنكهات مختلفة تزين أطباق المنازل والمطاعم هذه الأيام ولكن إذا مر أحدكم بجانب تنور اعتمرت ناره وفاحت في المنطقة المحيطة به رائحة الخبز الطري والفطائر المتنوعة المحشية والمغمسة بزيت الزيتون الطبيعي لابد أن يستوقفه مشهد أصبح بالنسبة للبعض منّا من ذكريات الماضي لأن صناعة خبز التنور أصبحت نادرة ولكننا نلاحظ هذه الأيام انتشاراً كبيراً للسيدات اللواتي يخبزن على التنور على الطرقات العامة حيث يقومون بصناعة الخبز وفطائر أخرى متنوعة ويبيعونها للمارة.

«كان أهل القرية يزرعون القمح في أراضيهم ومن لم يكن يزرعه كان يحرص على تأمين مؤونته السنوية من القمح الذي يطحن جزءاً منه ليتحول إلى طحين من أجل الخبز وكانت صناعة الخبز تمر بعدة مراحل فبعد عملية الطحين، كانت هنالك عملية العجن وكانت نساء القرية يعجن العجين في أوان نحاسية كبيرة يسمى الواحد منها معجن وتوضع الخميرة مع العجين من أجل عملية اختماره ولم تكن الخميرة في تلك الأيام سوى قرص عجين من عجنة سابقة كانت النساء في الحي الواحد يقرضنها لبعضهن وكانت المرأة أثناء عملية الخبز تحرص على ترك قرص عجين بدون خبز لتكون خميرة للعجنة التالية.

تقوم المرأة بعملية العجن وهي جاثية على ركبتيها ويديها داخل المعجن تعجن العجين وقد شمرت أكمامها إلى أعلى ساعديها وشمرت تنورتها وربطتها إلى خصرها وتستخدم المياه الفاترة لصب الماء على الطحين شيئاً فشيئاً وعندما تكتمل عملية العجين يغطى وجه المعجن بقطعة من القماش الأبيض النظيف ثم شرشف نظيف فوقه وبعد ذلك يوضع المعجن في زاوية حتى يختمر العجين ويصبح جاهزاً لعملية الخبز.

وكانت المرأة التي تقوم بعملية الخبز وهي صاحبة التنور تستعمل أثناء عملها عصى طويلة حوالي متر ونصف لتحريك الجمر وتقليبه في جوف التنور وأمام المرأة التي تقوم بعملية الخبز بلاطة حجرية مصقولة ونظيفة تنثر على سطحها قليلاً من الطحين قبل أن ترق العجين وهي تضرب رغيف الخبز بكلتا يديها بحركة إيقاعية سريعة تستخدم فيها أصابع وباطن كفيها ثم ترفعه بيديها وتلوح به في الهواء مرات ومرات لتكبر مساحة الرغيف وتقل سماكته وبعد ذلك وبحركة خفيفة تضعه على "المكمدة" وهي عبارة عن حشوة من القماش مبطنة بقماش أبيض على شكل دائرة قطرها خمسون سنتيمتراً

وبعد وضع الرغيف على "المكمدة" تنحني قليلاً باتجاه حفرة التنور وتلصق العجين على جدار التنور الداخلي الساخن ليبدأ العجين ينضج شيئاً فشيئاً ثم تمد يدها لتخرج رغيفاً ناضجاً وتضعه في صدر التنور وهو مكان في زاوية الغرفة من الداخل وضع عليه شرشف نظيف لتوضع فوقه أرغفة الخبز الناضجة التي خرجت لتوها من التنور وهكذا تتم عملية الخبز.

وأضافت السيدة "أم مدين" كانت عملية الخبز على التنور تتم بالدور وهناك من يخبز على البارد وهو مصطلح يعني بأن عملية الخبز تتم بعد أن تكون جمرات التنور قد خف توهجها وقلت حرارتها وكانت النساء حريصات على إشعال النار والانتظار إلى أن يخبو لهبها وتتحول إلى جمر مشتعل قبل البدء بعملية الخبز ويكون هناك تعاون بين الجارات من النساء في الحي الواحد في عملية الخبز وتقطيع العجين بشكل أقراص ومن ثم رق هذه الأقراص المرقوقة بدرجة قليلة إلى الخبازة لتتم عملية ترقيق
الخبزفي التنور
هذه الأقراص وضربها بكلتا اليدين بباطن الكفين بحركة ايقاعية ثم تحويلها إلى أرغفة عجين تمهيدا لخبزها وكانت النساء في آخر العجنة تصنعن الفطائر المحشوة بأصناف متعددة من الأطعمة فكانت هناك فطائر الزعتر والقريشة والكشك والسلق والجبن واللحم والبطاطا المسلوقة بعد أن تتبل بالملح والفلفل وكانت هذه الفطائر رغم بساطتها شهية جدا، وبناء على طلب الأطفال وإلحاحهم كانت الأمهات تصنع لهم خبزاً مدوراً على شكل حلقة مفرغة يقال لها كعكة أو ربما قطعة خبز بشكل مستطيل يقال لها "مكوك».

وفي نهاية عملية الخبز كانت صاحبة الخبز تترك لصاحبة التنور عدة أرغفة هي أجرتها وتترك أيضاً رغيفا في فرشة الخبز على صدر التنور كنوع من البركة للمرأة التي ستخبز بعدها وهي عادة متبعة وذلك للتدليل على استمرارية البركة والخير بين الناس وبعد وصول الخبز إلى البيت يتم إخراجه من المعجن وتوزيعه في أرض الغرفة على شراشف نظيفة ليجف قليلاً قبل أن يعاد للمعجن ويغطى بقطعة قماش نظيفة.