نشرت مجلة اتلانتيك الأمريكية القريبة من صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية خريطة للشرق الأوسط الجديد يتم من خلالها تشكيل المنطقة وفقا للأهواء الأمريكية .
وكشفت الصحيفة في المقال الذي كتبه جيفري جولدبرج مصحوبا بخريطة المنطقة الجديدة عن الدويلات التي ستصير عليها المنطقة بعد عشرة أو خمسة عشر عاما أخطر ما فيها وجود دويلة في سيناء للبدو ، وكذلك اختفاء دول كلبنان والعراق الموحد الذي سيصير ثلاث دويلات واختفاء الكويت أو تعظيمها عن طريق ضم العراقيين السنة إليها ، وتمدد اليمن علي حساب السعودية وانفصال جنوب السودان ، واختفاء فلسطين العربية لصالح يهودية الدولة .. فإلي هذا التقرير :
منذ فترة قصيرة وفي أحد السجون الموجودة بكردستان العراق قرر أحد المحققين البارزين وأحد مسئولي الاستخبارات الكردية امتاعي بأن يقدموني علي انني ارهابي من القاعدة واختاروا لي شخصا اسمه عمر كي اتسلي معه حيث قال لي المحقق : هذا الشخص مجنون فلا تقترب منه انه سوف يضربك .
عمر شخص عربي مسلم من قرية خارج الموصل . قصير القامة يبلغ من العمر (٣0) عاما . التقيت به في حجرة التحقيق ، كان مقيد الأيدي ويلعن المحققين باستمرار بسبب تهديده باغتصاب والدته .
حيث كان يلعن الأكراد عامة ويطلق عليهم اسم أكلة الخنازير واتباع الأمريكان ، فكلما صرخ عمر ابتسم المحقق ويقول عمر : ' لقد قلت لك ان العرب لا يحبون الاكراد '.
بالنسبة للأكراد فإن العرب هم المتسببون في مصائبها الكبري ، فقد مرت عقود طويلة لاضطهاد أكراد العراق وصلت ذروتها أثناء حكم صدام حسين الذي سيطر السنة علي جيشه وارتكبوا جرائم إبادة جماعية ضدهم في أواخر الثمانينيات ، فإيمان الأكراد أنهم سيكونون في يوم ما أحرارا،* الاكراد أخيرا يقتربون من الاستقلال ، ربما تسفك الكثير من الدماء إذا فصلت كردستان نفسها من العراق .
وتركيا خائفة بشدة من فكرة استقلال الاكراد خشية الشعور القومي بين أكرادها غير السعداء . ولكن يبدو أن استقلال الاكراد إذا لم يكن علي الفور فهو سيأتي في الوقت المناسب .
وفي نواح كثيرة فإن الاكراد مستقلون بالفعل ، فالحكومة الاقليمية الكردية لديها جيشها الخاص بها وتقوم بجمع الضرائب وتتفاوض بمفردها من أجل صفقات البترول .
أعطت ادارة بوش العديد من الأسباب لغزو العراق ، ولكن لم يكن ارضاء الرغبة القومية الكردية بينها ، بل علي العكس تماما فإن الهدف كان ومازال عراق ديمقراطيا موحدا . ففي الواقع فإن مسئولي الادارة الرئيسيين لهم تاريخ من عدم الاكتراث والجهل بموضوع القومية الكردية . ففي مؤتمر عقد عام 2004 صرحت مستشارة الأمن القومي آنذاك كونداليزا رايس قائلة : ' إن ما أعجبني هو أن العراقيين سواء كانوا اكرادا أو شيعة أو سنة أو المجموعات العرقية الأخري في العراق أظهروا انهم يريدون حقيقة العيش ككيان واحد في عراق موحد '.
وكما لاحظ ' بيتر جالبريث الدبلوماسي الأمريكي السابق والمدافع عن الاستقلال الكردي . أن تصريح رايس منعزل عن الواقع الموجود فقبل تصريحها بفترة قليلة ، وقع (٨0) في المائة من الاكراد العراقيين علي عريضة تطالب بالتصويت علي الاستقلال .
فلم تهتم عقيدة المحافظين الجدد الذين وضعوا تصورا لعراق حر ديمقراطي بالقضية الكردية أو حتي لم يكونوا علي دراية تامة بتاريخها . فقبل ' انجاز المهمة ' بداية الحرب تحدثت عن كردستان أمام جمهور ضم* 'نورمان بودهوريتز ' أحد المحافظين الجدد الذي أصبح الآن مستشار رودولف جولياني للشرق الأوسط . وبدا 'بودهوريتز ' متحيرا وسألني : 'ماذا يكون الكردي ، علي أية حال؟ ' فكما أن أمريكا تقترب من الذكري الخامسة من غزو العراق فإن هناك قائمة من العواقب غير المتوقعة لا نهاية لها . وتضم هذه القائمة احتمال تحقيق الاكراد استقلالهم وأن تسلك العراق طريق الفرنسي ويتم تقسيمها إلي ثلاث مناطق .
ولكنها يمكن أن تضم هذه القائمة أشياء أكثر من ذلك فيمكن أن يتم تسليط الضوء علي دول عدة في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا من خلال الرد الأمريكي علي هجمات *١١ سبتمبر فلا يكون العراق وأفغانستان هما اللذين يبدوان متسمين بالمناطق والقبائل المتناحرة وقابلين للانهيار مثل باكستان ولبنان بالطبع .. غزو العراق عجل بذلك .
ولكن الحروب ضد القاعدة وطالبان ولاسيما ضد صدام حسين جعلت نظام الشرق الأوسط الحديث سؤالا مفتوحا ليس منذ سبع سنوات . فقد كان السؤال المعتاد عن الشرق الأوسط هو*: كم عدد دولة واحدة أو اثنتين - ' إسرائيل ' أو دولة فلسطينيية أو هل سيعيش الاثنان يوما ما علي أرض تنحصر بين البحر المتوسط ونهر الأردن ؟
أما اليوم فإن هذا السؤال يبدو تافها إذا ما قورن بأحد هذه الأسئلة وهي : كم عدد الدول التي ستكون يوما ما بين البحر المتوسط ونهر الفرات : ثلاث أم أربع أم خمس أم ست؟ ولماذا الوقوف علي الضفة الغربية لنهر الفرات ؟ ولماذا لا يذهب الجميع إلي النهر الصناعي ؟ فبين البحر المتوسط والنهر الصناعي اليوم تقع ' إسرائيل ' والمناطق الفلسطينية ولبنان وسوريا والأردن والعراق وإيران وأفغانستان وباكستان .
إن عدم الاستقرار طويل الأجل ممكن أن يؤدي إلي انهيار كثير من هذه الدول .
نتائج غير متوقعة
في محاولة لفهم شكل ماسيحدث في الشرق الأوسط قضيت عدة اسابيع اتحدث مع ما يزيد علي ٥٢ خبيرا ومعتادي السفر للعراق والأردن والضفة الغربية و'إسرائيل '.
العديد من المحادثات كانت تتسم بالعنصرية وهو أمر طبيعي نظرا لميل الاشخاص الذين تحدثت معهم إلي اتجاه ايديولوجي معين .
الواقعيون يمرون بحالة من عدم الاستقرار وهو ما يهدد ' بحسب رؤيتهم ' المصلحة الحقيقية الوحيدة في الشرق الأوسط والتي تتمثل في عدم انقطاع البترول العربي عنها .
المعادون لإيران يرون أن قوة هذا البلد والتهديد بالحرب السنية الشيعية من أهم أسباب القلق .
الاكاديميون المؤيدون للفلسطينيين يلومون ' إسرائيل ' واصدقاءها في واشنطن لمحاولة الضغط للتسبب في انهيار الأنظمة العربية بينما يرثي الوسطاء الليبراليون لحال الفقراء المعدمين ضحايا حرب العراق ويتمنون لو أن إدارة بوش قد عملت لتصدير الديمقراطية للشرق الأوسط بدقة أكثر وبالتفاف أقل فالمحافظون الجدد يستشهدون بالثورة الأمريكية كمثال علي الافكار التي يمكن أن تنتقل ولا يرون سببا* للأسف علي حالة عدم الاستقرار* (حتي مع الاعتراف بأنه من الصعب أن تتصور امكانية حدوث نهاية سعيدة للحرب علي العراق في أي وقت قريب*).
بعض الخبراء لا يريدون التحدث عن الأمر فعندما دعوت* 'ديفيد فروكين*' وطلبت منه التكهن حول مستقبل الشرق الأوسط قال باقتضاب إن الشرق الأوسط لا مستقبل له وعندما تحدثت إلي ادوارد لاتواك المؤرخ العسكري في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن قال*: ليس هناك سبب يدعو إلي الانخراط في الموضوع فالغرب* غير قادر علي تحديد مستقبل الشرق الأوسط فلماذا إذن الانزعاج ؟*!!
إن الولايات المتحدة بإمكانها التخلي عن* 'إسرائيل*' أو أن تدعم العرب بنسبة مائة بالمائة وفي كل الأحوال فإن العرب سوف يجدون سببا جديدا ليصبحوا ضد الأمريكان*.
معظم الخبراء الذين تحدثت إليهم يجدون أنه من الحماقة أن نتوقع ما سيحدث في الشرق الأوسط الثلاثاء القادم وليس في عام 2081 أو عام 2082 على أنه من الحماقة أيضا ألا نكون نشطاء في التفكير والاعداد لما يمكن أن يحدث مستقبلا*.
فما الذي يمكن حقيقة أن يأتي مستقبلا ؟ أهم الأمور المتوقعة بالدرجة الأولي كنتيجة لغزو العراق هي إمكانيات حدوث صراع بين السنة والشيعة لتحقيق السيادة السياسية والعقائدية لأي منهما في الشرق الأوسط،* وهذه الحرب يمكن أن تقوم بها السعودية حاملة لواء السنة و'إيران*' الشيعية أو ربما تحدث عن طريقهما في ساحات القتال في جميع أنحاء العراق وفي لبنان وسوريا وفي المقاطعة الشرقية من الممكلة العربية السعودية حيث توجد أغلبية شيعية كما ترقد تحتها معظم المملكة البترولية للسعودية*.
في عام *2004 تحدث الملك عبدالله الثاني في الأردن* 'السني*' عن التواجد الشيعي الذي يشبه* 'الهلال*' في محاصرته للبلاد السنية حيث يمتد من إيران عبر العراق وصولا إلي سوريا ولبنان وهو ما يمكن أن يزعزع استقرار العالم العربي*.
والأردن الحليف المهم والضروري للولايات المتحدة هو بلد سني ولكن أغلبية سكانه ايضا من الفلسطينيين الذين يدعمون الإسلاميين في حركة حماس التي تعتبر إيران الشيعية واحدة من الرعاة الرئيسيين لها*.
وهناك عواقب علي درجة ثانية من الأهمية تبعا لنتائجها منها تفشي النزعة القومية في المناطق الكردية بإيران والعراق*.
الاعتماد الأمريكي علي الأنظمة المعادية للديمقراطية مثل مصر للمعاونة في حملتها ضد الإرهاب الإسلامي يمكن أن يعزز المعارضة الإسلامية في هذه الدول*.
كما أن قرار أمريكا بمواجهة إيران يمكن أن يكون له أثر دائم علي مبادرة السلام الإسرائيلية - الفلسطينية حيث يعتبر الأعداء الرئيسيين لهذه المبادرة هم الجماعات الإرهابية*: حماس وحزب الله المدعومان من إيران*.
ومن العواقب التي تعتبر علي درجة ثالثة من الأهمية ما قد يحدث في العشرين عاما القادمة حيث يمكن أن تظهر دول جديدة مماثلة للأخري القديمة التي انكمشت أو تكسرت أو اختفت*.
فيمكن أن تستقل الأغلبية العربية في المقاطعة العربية - الفارسية بكازاخستان،* كما يمكن أن تأخذ سوريا جزءا من لبنان هذا البلد الذي يعتبر وجوده أمرا لا يمكن تفسيره،* كما أن أخذها بواسطة سوريا هو أيضا أمر* غير مؤكد في المستقبل*.
فالعلويون الذين حكموا سوريا منشقون عن طائفة شيعية شكلوا أقلية صغيرة في بلدهم*.
ومعظمهم من البلاد السنية* 'العلويون حكموا دولة مستقلة في الجبال علي البحر المتوسط*'.
ويوجد في سوريا حوالي *٢ مليون كردي من أصل تعداد سكانها البالغ* ٢0 مليون نسمة وهم في الغالب* غير موالين وفي بعض الأحيان معادون لحكومة دمشق*.
الكويت دولة أخري يبدو مستقبلها* غير مستقر فعلي كل حال قد تم تقسيمها مرة ويمكن أن يحدث ذلك مرة ثانية وإن كانت عن طريق سيناريو آخر يمكن أن تكتسب أراضي وسكانا إذا سعي أهل السنة في العراق إلي التحالف معها كوسيلة لحماية أنفسهم من الشيعة الذين قويت شوكتهم حديثا في بلادهم*.
البحرين بلد أغلبيته شيعية وتحكمه السنة ويمكن أن يتبع إيران التي ترعاه بالفعل كما يمكن أن تتوسع اليمن علي حساب أراضي المملكة العربية السعودية*.
وفي خلال العقود القادمة قد نري ولادة واحدة أو اثنتين من الدول الفلسطينية وربما نهاية* 'إسرائيل*' كدولة يهودية وهو الحلم المفضل لمعظم المسلمين في العالم*.
ودعنا لا ننسي باكستان المصطنعة التي أذكرها بالديكتاتور برويز مشرف*.
ففي مقابلة معه منذ سنوات قليلة ماضية في مدينة عسكرية في روالبندي حيث وضع استثناء في نقطة واحدة عن شبه البدو* والبلش الذين يقطنون الصحراء الكبري في باكستان الغربية وجنوب شرق إيران حيث قد يشعر هولاء أنهم* غير مرتبطين بالحكومة في إسلام أباد وبفعل هذا فقد قوض برويز فكرة باكستان كدولة متوحدة طبيعية وقال *: ' أعرف أن كثيرين من سكان بلوشيستان يفضلون باكستان ويفضلون أن تكون باكستان لبلوشيستان *' .
وهو بقوله هذا قد أشار إلي واحدة من الولايات التابعة لباكستان وكأنها موجودة في بلد آخر حيث استمر قائلا*: لماذا تفكر في باكستان كدولة مصطنعة وليس في الآخرين؟ أليست بلادكم هي التي تضع نفسها داخل حرب أهلية ؟ أنتم تواجهون مشاكل أكبر من تلك التي نواجهها وقد أشار مشرف أيضا إشارة عابرة إلي الحدود الباكستانية الأفغانية وهو ما يسمي بخط دوراند الذي أجبر الإنجليز الأفغان علي قبوله عام *1893 كخط محدود لهم مع الهند البريطانية وكان هذا الخط دائما مكروها حيث حذر مشرف من مخاطر التفكير في الخط قائلا* 'لماذا يكون هناك مثل هذه الرغبة في تغيير الأوضاع القائمة*'.
مضيفا أنه سوف تكون هناك حالة من عدم الاستقرار تنتج عن هذا الوضع*. هذا التساؤل يجب أن يوضع علي مائدة المفاوضات ومن الأفضل أن نترك الحديث عن الحدود بمفرده*.
كل هذه الأمور مربكة جدا* والعديد من الأمريكيين بما في ذلك،* وحتي وقت ليس بالبعيد الرئيس بوش لا يعرفون الفرق بين السني والشيعي ناهيك عن السندية والبنجابية*.
رسم خريطة الشرق الأوسط
لقد قال لي* 'رالف بيترز*' قائد سابق في الجيش وخبير في الاستخبارات الأمريكية الذي ينتقد دائما* الاستراتيجية الأمريكية في العراق*:'لا أحد يفكر فيه إذا ما كانت الخريطة الحالية قابلة للحياة أم لا*' وأضاف قائلا* 'ليس السؤال في أنه كيف تريد أمريكا أن تكون الخريطة ،* إذ أن السؤال الآن كيف ستكون الخريطة سواء حبذت أو لم تحبذ أمريكا ؟
ففي يونيو *2006 نشرت جريدة القوات المسلحة خريطة رسمها بيترز يعتقد أنها الخريطة المنطقية التي من المحتمل أن يتم رسمها في الشرق الأوسط*. فبدلا* من اتباع الحدود التي رسمها الأوروبيون جعل خريطته ترسم* 'حدودا دموية*' للمنطقة وهي خطوط* غير مرئية ستفصل الجماعات الطائفية والعرقية والمتناحرة عن بعضها البعض حيث رسم بيترز في خريطة كردستان المستقلة وتركيا المصغرة*.
وقلص إيران* 'بعد أن أعطي خوزستان لدولة شيعية عربية مازالت في الخيال بعد،* حيث ضمر ما يعرف الآن بجنوب العراق*' ووضع الأردن واليمن في ظل حكومة حماية و تجاهل السعودية لأنه يراها عدوا أساسيا للاعتدال الإسلامي *.
ثم شرح بيترز كيف رسم هذه الخريطة فقال إن* 'قسم الفن أعطاني خريطة فارغة ثم أخذت بالألوان ورسمت عليها وبعد أن انتهيت من الرسم،* بدأ الناس يناقشونني علي الإنترنت بأن هذا الحد يجب أن يكون في الحقيقة لمسافة* (50) ميلا وأن ذلك الحد يجب أن يمتد لمسافة* (50) ميلا* في هذا الطريق*. ولكن عرض هذا الرسم بلغ* (200) ميل*.
فبسبب الحساسية المتأصلة في الشرق الأوسط تجاه الغرب الذين يرسمون صورهم بالطباشير،* فلم يكن من المذهل أن تثير خريطته القلق*. حيث إن هناك اعتقادا* سائدا* في الشرق الأوسط بين الأكاديميين الأمريكيين المؤيدين للفلسطينيين بأن إدارة بوش لها هدف حقيقي وهو تغيير الخريطة الحالية للشرق الأوسط لمساعدة* 'إسرائيل*'.
ولكن المحافظين الجدد داخل الإدارة ينكرون ذلك حيث قال لي* 'دوجلاس فيث*' النائب السابق لسياسة الدفاع*: 'لم يكن لدينا هدف خلق دول جديدة*. وفي الحقيقة لا يوجد دليل يشير إلي أن الإدارة تسعي لتقسيم العراق وعلي النقيض بعد* غزو العراق بفترة وجيزة ،* رأيت بول وولفوتيز*.
الذي أصبح نائب وزير الدفاع بعد ذلك*. في اجتماع علي العشاء بالبيت الأبيض ،* وأخبرته أنني كنت في كردستان ثم شعر بالغضب فقد كان في شجار مع الفرانكلين قبلها بدقائق وانتهي بقول وولفويتز له* 'اللعنة عليك*' بمزاح ولكن وولفويتز نظر إليى* وقال* 'نحن نسميه عراق الشمال وعراق الجنوب*' ولذا ماذا يدور في عقل المحافظين الجدد أكثر مدارس السياسة الخارجية المؤثرة في عهد بوش؟ ففيث الذي ألف كتابا* عن الغزو وما بعده* 'سينشره في مارس القادم*' أخبرني أن المحافظين الجدد علي الأقل هؤلاء الذين داخل الإدارة لا يأملون في خلق حدود جديدة*. ولكنهم يرون فائدة في* 'عدم الاستقرار*' خاصة* 'في رأيه*' منذ أن تمت زعزعة الاستقرار من خلال وجود صدام حسين*.
وأضاف قائلا* إن* 'الاضطراب اسوأ من الظلم،* نحن لدينا مصلحة في الاستقرار بالطبع ولكن لا يجب أن تعاني في التأكيد علي قيمة الاستقرار عندما تكون هناك الفرصة لجعل العالم أفضل أو آمن مكان لنا*.
فعلي سبيل المثال أثناء رئاسة نيكسون ورئاسة جورج بوش الأب كان التأكيد علي استقرار العلاقات مع الاتحاد السوفيتي*. وخلال إدارة ريجان كان الهدف هو وضع الشيوعيين في مزبلة التاريخ* 'فهؤلاء الأمريكان الذين اختلفوا بشأن قضية الاستقرار حاولوا الحفاظ علي الاتحاد السوفيتي*. ولكن كان ريجان علي حق*'.
لقد أمل فيث في أن القضاء علي النظام البعثي العراقي من شأنه أن يأتي بنوع جديد من الحكم علي الدول العربية*.
وأضاف قائلا*: 'لقد أدركنا أن القيام بعمل كبير مثل إقالة صدام،* من الممكن أن يأتي بجميع أنواع العواقب لم نتوقع الكثير منها وربما يحدث ما هو جيد وربما تقع أشياء سلبية*'.
وحتي الآن ما يحدث يعتبر سلبية*. فلقد كان اعتقاد للمحافظين الجدد هو أن الديمقراطية الأمريكية ستتحقق بسرعة في العراق،* وتنتشر عبر الشرق الأوسط العربي،* ثم يعقبها انهيار القاعدة التي لم تعد بإمكان الولايات المتحدة الأمريكية حشد الأنظمة العربية ضدها،* ولكن الديمقراطية أصبحت سلوكا ليس من السهل* غرسه وفكرة أن الثقافة السياسية العربية قادرة علي استيعاب مفاهيم الحكم الديمقراطي قد فشلت لحد الاستياء منها*.
وفي ديسمبر من عام *2006،* ذهبت إلي السفارة الإسرائيلية في واشنطن لحضور الاحتفال بتكريم* 'ناتان شارانسكي*' المنشق السوفيتي السابق الذي أصبح مرشد الرئيس بشأن أهمية الإصلاح الديمقراطي في العالم العربي وخلال الحفل أشاد بالرئيس بسبب اتباعه سياسات* غير مألوفة ففيما كان يتحدث همس رجل بجانبي وهو أحد كبار المسئولين الأمنيين قائلا* 'ما هذا الفعل*!'
فسألته* ' ماذا تعني ؟ *'
فقال* 'هذا ليس من الذكاء*.. إنه يريد أن تكون الأردن أكثر ديمقراطية،* فهل تعلم ماذا يعني ذلك بالنسبة لإسرائيل وأمريكا؟ فإذا كنت مكاني،* ستفضل أن يكون من هناك عاهل علماني ثابت لديه خدمة استخبارية جيدة خاصة بك علي الحدود الشرقية من أن تكون لك دولة تديرها حماس هذا ما سوف يحدث لو لم يكن هناك ملك في الأردن*'.
وبعد الحفل تحدثت مع* 'شارانسكي*' بشأن هذا الانتقاد،* اعترف أنه المفكر الوحيد في* 'إسرائيل*' الذي ينتمي للمحافظين الجدد وواحد من القليلين الذين مازالوا يؤمنون بأن الديمقراطية يمكن تصديرها للعالم العربي عن طريق القوة أو من خلال سبل أخري*.
حرب حول لا شيء
صحيح أن حلم المحافظين الجدد عن الديمقراطية في الشرق الأوسط قد ثبت أنه سراب ولكنها ليست من أوراق المحافظين الجدد الرئيسية،* دعاة الواقعية في السياسة الخارجية الذين يرون الاستقرار كفضيلة سامية قاموا لتغطية أنفسهم بالمجد فيما بعد أحداث *١١ سبتمبر*.
برنيت سكوكروفت مستشار الرئيس بوش الأب لشئون الأمن القومي ومن أبرز دعاة الواقعية في السياسة الخارجية أخبرني منذ فترة ليست ببعيدة عن محادثة أجراها مع كونداليزا رايس قالت فيها* 'سوف نذهب لتحقيق الديمقراطية في العراق*' وقلت* 'كوندي لن تنهبوا لتحقيق الديمقراطية هناك*' فقالت* 'أنت تعلم أنك فقط عالق في الأيام القديمة*' ثم عادت إلي الحديث عن تسامحنا مع* 'الأوتوقراطية*' في الشرق الأوسط لمدة خمسين عاما وإن كنا عشنا بالطبع خمسين عاما من السلام*.
برينت سكوكروفت يشير هنا إلي أن القاعدة هاجمت أمريكا لأنها حليف لاعدائها من الحكومات الاستبدادية في مصر والسعودية ومن الممكن تصور مفارقة أن النتيجة الفعلية للاضطرابات الأخيرة في الشرق الأوسط يمكن أن تؤدي إلي خلق عهد جديد من الاستقرار يعززه واقعيون في هذا البلد وفي المنطقة نفسها وهو ما لايمكن أن يكون أحد نتائج* غزو العراق وهو ما يعيدنا إلي أنها حرب من أجل لا شيء ما عدا بالطبع الخسائر في الأرواح والأموال*.
وبالطبع فإن كل شيء سيتغير إذا هاجمت أمريكا المواقع النووية الإيرانية ولكن أحدث تقديرات الاستخبارات الوطنية التي تم الافصاح عنها في أوائل ديسمبر سجلت أن إيران أغلقت برنامجها للتسليح النووي في *2003 وليس من المتوقع أن تأخذ إدارة بوش أو الرئيسان القادمان بهذا الاحتمال حيث ستكون أمامهم حقيبة كل من العراق وأفغانستان للتعامل معها*.
ومن الممكن أن يحدث تردد في مهاجمة بلاد إسلامية أخري ومن* غير المستحيل تخيل هذا،* وخلال عشرين عاما ستبدو مثلما تبدو اليوم*.
روبرت ساتلون مدير معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدني قال لي*: 'النظرة التكنولوجية للقرن ال *21. من خلال اللاعبين الآخرين* غير الولايات المتحدة الأمريكية وهم القاعدة وحزب الله والفوضي العامة سوف تستعيد الولايات المتحدة كمتحكم أساسي في الشرق الأوسط ولكن الدولة أكثر قدرة علي البقاء من ذلك*: وأضاف أن الخوف الذي تولد حديثا من عدم الاستقرار قد يدعم الدولة القائمة*.
الأردن هي مثال مثير للاهتمام لتلك الظاهرة في حين أنه يبدو بشكل بارز عرضة للفوضي*. حيث تقع العراق إلي الشرق منه وفلسطين وإسرائيل في الغرب*. وسوريا في الشمال*.
فالأردن تقريبا هادئ ويرجع ذلك جزئيا إلي أنه محكومة بملك داهية سليل الأسرة الهاشمية كما يرجع جزئيا أيضا إلي أن معظم شعبه يريد الهدوء بعد أن شاهد من مقاعد المتفرجين ما حدث للعراق من فوضي حتي وإن كان ذلك يعني التخلي عن أحلام الديمقراطية الغربية وقد تكون حالة الأردن هذه مجرد استثناء ولكن النظرة العابرة علي بلد مثل السعودية تشير إلي إمكانية حدوث تغييرات داخلية في مصر حيث يسعي النظام إلي التوريث ولا يبدو مرجحا في هذه اللحظة نجاح هذا الأمر وقد كانت مصر ذات يوم هي البلد القادر علي توظيف قوته لصالح سوريا*.
أما الآن فإن قيادتها أصبحت تواجه مشكلة في السيطرة علي شبه جزيرة سيناء*. حيث بضعة مئات من آلاف البدو الذين يشبهون قبائل الباشتون في تصلبهم الذي يبدو جليا في عدم تقبلهم لحكم القاهرة*.
أمريكا بطبيعة الحال مازالت تحتضن النظام حيث لا تجد بديلا عنه سوي الأصولية الممثلة في الإخوان المسلمين وهذا النمط مألوف في الدبلوماسية الأمريكية حيث يتبادر إلي الذهن نموذج احتضان الرئيس الأمريكي الطويل لبرويز مشرف وهناك نماذج مختلفة من السابقين وعلي الأخص جيمي كارتر ودعمه لشاه إيران*.
بعيدا عن الواقعيين والمحافظين الجدد :*
منذ سنوات تعرض مشروعه في العراق للتلف وأصبح بحاجة إلي ترميم كان بوش يتصرف كالواقعيين بينما يتكلم كنموذج لأحد المحافظين الجدد،* لقد التمس التأييد لفضائل الديمقراطية للشعوب الخائنة من الديكتاتوريين الموالين لأمريكا وهو ما لايمكن أن يكون جيدا* للسياسة طويلة الأجل لإدارة الفوضي في الشرق الأوسط والمشكلة هي أن العراق قد أثبت بالفعل - وإيران - لا يزال يثبت أن الأمريكيين لا يمكن أن يجعلوا الشرق أوسطيين يعملون لصالح أمريكا*.
إذا ما كان الشرق الأوسط لا يمثل أهمية أو يمثل أهمية قصوي فإن المشكلة تكمن في أننا عندما يتعلق الأمر بفعل شيء فإن الإجراءات المتخذة تصبح كلها* غير فعالة أو تعطي نتائج عكسية*.
أخبرني إدوارد لاتواك أن الشرق الأوسط لا يساعد علي أن تكون لطيفا معه أو أن تفجرهم*.
الخطوة الأولي لاستعادة نفوذ أمريكا في الشرق الأوسط هو أن تقبل بتواضع فكرة أن أمريكا مثل بريطانيا من قبل لا تستطيع إعادة تنظيم المنطقة تبعا لمصالحها الخاصة* 'الأيديولوجيات في المواقف المتغيرة تميل إلي اقتباس ما يناسبها*'.
بالطبع فإن المكسب في العراق أو علي الأقل عدم الخسارة من شأنه أن يساعد في تدعيم قوة أمريكا الرادعة والتحقق من تورط إيران في لبنان وغزة وأماكن أخري*.
الوضع الأمريكي في العراق ليس أليما كما كان في العام الماضي ، القوات في العراق عملت كثيرا لقمع العنف وكانت هناك خطوات موفقة من جانب كل من الشيعة والزعماء السنيين لمنع حرب مذهبية شاملة .
ولنكن متأكدين أن عددا قليلا من توقعات الخبراء حمل تأكيدات متفائلة لمستقبل العراق .
' عشر سنوات هي فترة زمنية معقولة*. للاعتقاد بأن الصراع الطائفي سينتهي بعدها ' مايكل إنديك مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد بروكينجز قال لي : ' الأطراف سوف تستنفد نفسها في النهاية ، ربما هم جاهزون لذلك الآن وإن كنت أخشي القوات التي يتم بها تدعيم كل من السنة والشيعة ليحسنوا مواقعهم لمزيد من الصراع عندما يتم جلاء القوات الأمريكية '.
المرحلة القادمة
ثمة طريق للذهاب إلي أبعد من مجرد تخيل عدم الاستقرار الحالي والاستفادة من ذلك . فإنني علي علم أن هذه ليست اللحظة المناسبة في التاريخ الأمريكي لنبش مثالية الوليسونيين ' أتباع وليسون ' ولكن هل لدي أمريكا الفرصة الآن لتساعد في تصحيح الأخطاء التاريخية ، من أجل شيء واحد وهو الأخطاء التي ارتكبت في حق الأكراد ' وهناك شعوب أخري : وبطبيعة الحال في الشرق الأوسط تستطيع الولايات المتحدة الوقوف من أجلها ولو لم تكن ملتزمة بالحفاظ علي شكل الخريطة الحالية : وهم السود في جنوب السودان وهي واحدة من أكثر البلدان الكارثية التي خلفتها أوروبا - الذي يفضل ' جنوب السودان ' بالتأكيد أن يكون خارج سيطرة الحكومة العربية التي تحكمه من الخرطوم '.
لقد كان العراق ومازال غير مستقر منذ إنشائه لأن أكراده وشيعته لا يريدون أن يتم حكمهم من بغداد بواسطة الأقلية السنية*.
فلماذا لا تتم إزالة أحد مصادر عدم الاستقرار الأكراد المضطهدين من هذه الصيغة ؟ فلقد كان الاستقلال الكردي أحد نقاط وليسون الأربعة عشرة المشهورة . وكانت قضية أخلاقية ويوجد هنا خطر بالطبع فإن الحرية الكردية ربما تشعل دوافع الانفصال بين الجماعات العرقية الأخري المنتشرة عبر الشرق الأوسط . ولكن تلك الدوافع موجودة بالفعل وهناك درس تم تعلمه من الإدارة الفرنسية والبريطانية للشرق الأوسط وهو أن هذه الشعوب لا يمكن قمعها إلي الأبد .
فالأكراد في العراق يلعبون اللعبة الأمريكية ، فهم يؤيدون الولايات المتحدة رسميا ورؤيتها المعيبة للفيدرالية العراقية يرجع جزئيا إلي خشية الأتراك من الاستقلال الكردي .