.
وصاحب الوعي المنحرف الواقع في نظريّة المؤامرة ربما حشد لرأيه كثيراً من الأدلة والأمثلة والشواهد التي تثبت وجهة نظره، وقد لايختلف معه غيره في وجود الأمثلة، ولكن يختلف معه في الربط بين ما أورده وفي علاقته بالواقع. وعند هذا الصنف من الناس لا يمكن أن تربط بين أدلته وشواهده وبين الواقع إلا بنظريّة المؤامرة، فإذا سلّمت له بها انتظم التحليل.
وبعض هؤلاء يبالغ في نظريّة المؤامرة فيحتجّ لها بأمثلة وحوادث متخيّلة أو يحتجّ لها بما في النوايا، فيعرض عن الأعمال الظاهرة، ويبحث فيما لا سبيل له إلى معرفته من أعمال القلب.
وهو لا يستطيع البحث في عمل القلب، ولا تطّرد عنده نظريّة المؤامرة إلا إذا جرّد خصمه من خصال الخير كلها؛ لأن النظر في أعمال القلب عنده قائم على سوء الظن.
وهذا النوع من التحليل التآمري هو أسوؤُها.
وهناك صفتان ملازمتان لمن يحلّلون الأحداث تحليلاً تآمرياً وهما الشكّ في الخصم والعجز عن الفعل. والشكّ يدفع صاحبه إلى التركيز على نيّة من يخالفه بدلاً من دراسة الأفعال الظاهرة، والعجز يدفعه إلى السلبيّة وعدم العناية بما يحسنه من عمل إيجابيّ. ومع الشكّ والعجز يلجأ هؤلاء إلى التحليل التآمريّ حماية لذاوتهم وتسويغاً لعجزهم.
وربما يكون من أسباب الوقوع في نظريّة المؤامرة غياب المعلومات وعدم الشفافيّة، ذلك أن الإنسان حينما يفكر يميل إلى ملء الفراغ المعلوماتي باستحداث معلومات جديدة إما بافتراضها أو استنتاجها. وعملية ملء الفراغ المعلوماتي إذا صاحبها الشك والعجز تقود إلى نظريّة المؤامرة.
ومع ذلك ليس غياب الشفافيّة أو فقد المعلومات هو السبب الوحيد لنظريّة المؤامرة، فربما أعرض الشخص عن المعلومات المتاحة لعدم ثقته بها، ولأنه يرى أنها جزء من المؤامرة لتضليله، ووقع في نظريّة المؤامرة وملأ
الفراغ المعلوماتي الذي تخيّله بمعلومات مختلقة.
وفي الغرب توجد عدد من المنظمات، ولاسيّما المنظمات اليمينيّة مغرقة في نظريّة المؤامرة، ولاتثق بما هو متاح من معلومات؛ لأنها ترى أنها جزء من المؤامرة.
والوقوع في فخ نظريّة المؤامرة قد يكون من الأفراد ومن الجماعات ومن الأنظمة السياسيّة. بل يظهر لي أن كثيراً من الأجهزة الأمنيّة في العالم الثالث تتعامل مع من يخالفها من خلال نظريّة المؤامرة.
والوقوع في نظريّة المؤامرة ليس خاصاً بمجتمع دون مجتمع، ولاثقافة دون ثقافة؛ فأينما وُجِد الوعي المنحرف وصاحبه الشكّ والعجز، وُجِدت نظريّة المؤامرة
wahed saker