تعد عادات وتقاليد القدماء كتاب يحكي في صفحاته سيرة حياة مضت لانستطيع الغوص فيها الا بوجود اشخاص من ذلك الزمن يتذكرون قليلا من تلك العادات التي اندثر عدد منها عبر الزمن.
ولاتزال هذه العادات والتقاليد قائمة مع اشراقة كل صباح في قرى ساحلنا الجميل حيث يعود كبار السن لايام خلت وتعود بهم الذاكرة الى تلك الطقوس والعادات القديمة التي كانت قائمة لتزيد الناس محبة وتآلفا وتدل على طبيعة الحياة التي كانوا يعيشونها وكيف كانوا يفكرون ويعتقدون.
تقول احدى المعمرات من قرى اللاذقية انه عندما كان يتأخر هطول المطر كان صبية القرية وبناتها يحملون بعض الدمى التي تصنع من القماش ويبدؤون بالتجوال في ارجاء القرية ويمرون بمنازلها لاعطائهم ما تيسر من قمح وبرغل ونقود وطحين وهم يغنون لكي يستجيب لهم الباري عزوجل وينزل المطر. وتضيف ان اهالي القرية كانوا يحتفلون بعيد راس السنة الهجرية بذبح الذبائح التي يشوى بعضها ويسلق الباقي ويطبخ عليه البرغل بالحمص وتطبخ كبة اللبن والكبيبات والاقراص باللحم وتقلى وتوزع على الفقراء ويخبز الخبز مع الفليفلة والسمسم ويتبادل الناس التهاني والزاد بقدوم العيد ويأكلون الحلويات.
وفي اول ايام شهر آذار كانت العائلات التي تملك حيوانات حلوبة تطبخ الرز بالحليب وتوزعه على الفقراء وفي اليوم التالي تطبخ العائلات كفايتها من الرز بالحليب وفي ليلة القدر يغتسل الناس باكرا بالماء البارد ويسبح الرجال والشباب في الانهار وتقطف اغصان من اشجار الزيتون وتوضع على الحائط تيمنا بشجرة الزيتون المباركة ويتم وضع حجارة على جذوع الاشجار كي يكون الموسم جيدا.
ومن العادات التي كانت سائدة ايضا في الساحل انه لايجوز كنس البيت وراء المسافر خوفا من عدم رجوعه بل يكنس قبل ذهابه حتى ولو كانت مدة السفر تستغرق عدة ايام ولا يكنس حتى يقدر اهله انه وصل الى المكان المقصود في حين يكنس وراء الجنازة وكانت النسوة تقوم لدى مرور اسرابا من طيور الحوم الكبيرة البيضاء المهاجرة في الربيع بقلب كتل التراب فان كان تحتها عدد وفير من النمل كانوا يعتقدون بان المواسم ستكون جيدة والوقت مؤاتيا لزيادة عدد الدجاج الذي يوضع للتفريخ وتذهب النسوة الى اقرب مكان ويبدأن في تقليب التراب مع الاطفال وبناءعليه يعقدون الامال او يفقدونها في عدد الصيصان المقبلة او قلتها لما للدجاج من قيمة في حياة القروي الغذائية.
وكانت النسوة تعتقد ان قص الشعر يجب ان يتم في النصف الاول من الشهر القمري كي يطول ويزداد غزارة وحين يراد تجفيف الخضروات والبامية واليقطين وسواها يتم تجفيفها في نصف الشهر القمري الاخير حيث النقصة لئلا تفتك بها الجراثيم والحشرات بل تقل وتنعدم وكذلك الامر بالنسبة لتجفيف الحبوب ربما لان لتلك الفترة من الشهر تأثيرا في زيادة الرطوبة او الجفاف.
كما لايجوز على الانسان عند هطول المطر ان يمتدح رائحتها ذلك لانها الشيء الوحيد الذي يملكه الموتى في حين يتمتع الانسان الذي على قيد الحياة بكل شيء وهذا اعتقاد غريب.
تلك قلة من عادات كثيرة كانت متبعة قديما استعرضنا بعضها على لسان معمرة لم تسعفها ذاكرتها الا باليسير من الذكريات عن التقاليد التي اندثرت على مر السنين وبعضها الاخر ربما ما يزال سائداحتى وقتنا الحالي .
سانا