آخر الأخبار

من أوراق اللواء صلاح جديد في السجن




لقد كان واضحاً منذ فترة طويلة ، وخاصة بعد الحرب الأهلية في لبنان أنٌ تشكيل الجبهة التقدمية أمر تقتضيه المصلحة العليا للبلاد ، ولا شكّ أنٌ التأخير الذي حصل في إنجاز هذه الجبهة الضرورية والملحّة عاد بالضرر على حركة الجماهير والوطن ، وأفسح المجال للقوى الرجعية ( الإخوان المسلمين ) على تعبئة الفراغ السياسي ، وانتزاع المبادرة الى حدّ ما من القوى التقدمية في طرح البديل الى الجماهير مستفيدة من التردٌي المتزايد للأوضاع على مختلف المستويات في القطر ، ومستغلّة غياب البديل الوطني التقدمي ، واستمرار تورّط أجزاء هامّة من الحركة التقدمية مع النظام ، والاستياء الشديد الذي يعمّ قطاعات واسعة من الجماهير ، لتطرح نفسها منقذاً وحيداً في الساحة ، والقادرة بأسلوبها في الكفاح وبتضحياتها على تصفية النظام ... ولا بدّ من الاعتراف أنّ هذه القوى الرجعية قد حقّقت في ظل هذه الشروط نجاحاً ملموساً ، وهي في تصميمها على الاستمرارية يتزايد انعطاف الجماهير نحوها لتبدو أنّها الأمل الوحيد الملموس في الخلاص ، والآن تبدو مهمة إنجاز الجبهة التقدمية ، والإعلان عنها أشدّ ضرورة من أيٌ وقت مضى ، بحيث يمكن اعتبار التقاعس عن تحقيقها بمثابة الخيانة الوطنية ، واعتبار التهرّب من تحمّل المسؤولية لأيّ سبب كان ، مهما كان موضوعيّاً بمثابة التعبير عن الإفلاس السياسي ... فإذا كانت أطراف الحوار راغبة في تحمّل مسؤولية تصفية هذا النظام الفاشي ، وقطع الطريق على ردّة رجعية ظلامية قد تستمرّ لفترة طويلة ، فليس هناك أي معوقات ، أو اختلافات لا يمكن التغلّب عليها بالحوار الديمقراطي المخلص والجادٌ ، وبروح عالية من المسؤولية تجاه الوطن ، ومستقبل حركة الجماهير .. فمع كلّ يوم يمرّ ، تزداد أهميٌة طرح البديل الوطني والتقدّميي ، الفاعل والقادر على إثبات وجوده في ساحة النضال ، وشدّ الجماهير بعيداً عن الشراك التي تُنصَب لها ،لتستأنف مسيرتها نحو استكمال تحقيق مطامحها في بناء المجتمع العربي الاشتراكي الديمقراطي الموحّد ، ولذلك ليس هناك أي مانع من إعلان تشكيل الجبهة من الأحزاب التي استطاعت الوصول الى اتفاق فيما بينها على برنامج محدّد ، ولو اقتصرت في البداية على حركتين فقط ، على أن تبقى مفتوحة لأيّ حزب يرغب في الانضمام اليها مستقبلاً ، وفي الوقت نفسه ، يبقى الهدف المطلوب تحقيقه مع الزمن ، وباستمرار النضال ، هو جبهة عريضة تستوعب كلّ الجماهير التي لها مصلحة في التغيير ، وكلّ حزب أو فئة وطنية أو تقدّمية راغبة في النضال وتقديم التضحيات ، فالتغيير لن يكون سهلاً ، وكذلك المهام المطلوب إنجازها بعد التغيير أكبر من قدرة أيّ حركة سياسية لوحدها . ( يتبع حول شروط تكوين الجبهة الوطنية العريضة ).

تنويه: مصطلح "الجبهة" لم يكن يقصد به اللواء الراحل صلاح جديد الجبهة الوطنية التقدمية التابعة للنظام، ومضمون وجهة النظر واضح أنّ هدف الجبهة التي تحدث عنها هو تغيير النظام، كما أنّ اعتماد هذه التسمية يبدو أنّ المقصود منها إنشاء جبهة وطنية تقدمية تستبعد الإخوان المسلمين، كما سيتم تفصيله.

شروط تكوين الجبهة الوطنية العريضة
واذا كان المطلوب هو جبهة عريضة ، فهل يمكن إشراك البرجوازية أو ممثّلين لها في هذه الجبهة؟إنّ الإجابة تستدعي معرفة مواقف مختلف شرائح البرجوازية من المسائل الأساسية التالية :
١ - الموقف من النظام الحالي منذ قيامه حتى الآن .
٢ - الموقف من حتميّة الاختيار الاشتراكي لتطوير المجتمع بشكل عام ، ومن التحوّلات الاشتراكية التي قام بها الحزب بعد ٨ آذار ، وحركة ٢٣ شباط بشكل خاص .
٣ - الموقف من  تحرير الأرض المحتلّة ، ومن قضيّة فلسطين ، لا سيّما بعد معاهدة السادات مع الصهيونية .
٤ - الموقف من التحالف( الإمبريالية - الصهيونية - الرجعية) في المنطقة .
٥ - الموقف من من التحالف الاستراتيجي مع السوفيت ، وقوى التحرٌر العالمية .
٦ - الموقف من الوحدة العربية وتعميق الشعور القومي على ضوء تجربة الانفصال ، وتحرٌك الأخوان المسلمين الحالي .
- إنّ البرجوازية الطفيلية ، والشريحة العليا من البرجوازية ، وجزء من البرجوازية الوسطى ، هذه الشرائح تشكٌل القاعدة الاجتماعية الداعمة للنظام منذ قيامه ، والمنتفعة منه ، والمسؤولة عن استمراره هذه المدّة الطويلة ، والتي ساهمت مساهمة كبيرة فيما وصل إليه القطر من أوضاع شاذّة وفساد سياسي واجتماعي ، وإذا كانت الآن استنفذت أغراضها من هذا الحكم ، أو بدأت تشعر بعجزه عن مواجهة الجماهير ومواجهة الجماهير وقرب نهايته ، فإنّها ستحوّل ولاءها بكل تأكيد الى الأخوان المسلمين والقوى الرجعية الأخرى ....ذلك أنّ ارتباطها الأساسي هو مع الرجعية العربية ( السعودية ودول النفط الأخرى ) ، وبالتالي مع الإمبرياية ، وهم الآن المستفيدون الى أقصى الحدود من أموال النفط ، والسمسرة لأفراد النفط ، ولهم مصلحة حقيقية في انتصار خط السادات الخياني ، وإنهاء حالة الحرب في المنطقة ، وتصفية قضيّة فلسطين ، ليُتَاح لهم المزيد من الفرص لتضخيم ثرواتهم ، وزيادة أرباحهم ، وبالتالي إقامة نظام أكثر رجعية من النظام الحالي تسود فيه قيم الاستغلال والتخلّف .. يبقى جزء هامّ من البرجوازية المتوسطة ( وهي البرجوازية المنتجة غير المرتبطة ) والتي يمكن تسميتها بالرجوازية الوطنية غير المستغِلّة ، ولهذه الشريحة ممثلون كثيرون بين الأطبّاء والمهندسين والمحامين ، وباقي المهن الحرّة الأخرى ، وبين المثقفين والتجار والعسكريين ، وحتى بين رجال الدين المتنوّرين ، فهذه الفئات لم تتناقض بعد مصالحها مع التحوٌلات الاجتماعية التي جرت بعد الثورة ، وهي تطمح أن تلعب دوراً وطنيٌاً في مرحلة التحرّر الوطني ضدّ الصهيونية والإمبريالية ، ولها مصلحة في قيام مجتمع متطوّر حديث ، وحكم ديمقراطي منفتح على الجماهير المستقلّة ، هذه الشريحة مع جماهير البرجوازية الصغيرة يجب أن يُفسَح لها المجال في الجبهة ، وتبذل محاولات جادّة وصادقة لشدّها الى تيّار الجماهير الكادحة ، ويمكن أن يتضمٌن برنامج الجبهة ما يشجّعها ، ويُغريها في الانضمام إليها تحت قيادة الأحزاب التقدّمية


ما هي صيغة الديمقراطية التي تتناسب مع هذا التحليل ، ومع مهام المرحلة الراهنة ؟

 

لا بدّ أوّلاً من الاعتراف بأنّ مطلب الحرية والديمقراطية في الوقت الحاضر هو مطلب ملحّ للجماهير أكثر من أيّ وقت مضى ، ويتجاوب مع أعماق تطلّعاتها العفوية والحياتية . ويمكن القول بدون مبالغة : إنّ التعطٌش للحرية ، والشعور العميق بفقدان أيّة ممارسة ديمقراطية قد ولّد لدى قطاعات واسعة من الجماهير مفاهيم عن الحرية والديمقراطية تكاد تكون طوباوية أو فوضوية . ولا شكّ أنّ ذلك أمر طبيعي كردّة فعل مشروعة وعفوية ضدّ الاستبداد والبطش والإرهاب ، وتكميم الأفواه ، والإذلال التي يمارسها هذا النظام الفاشي الذي لم يعرف القطر له مثيلاً إلٌا أيّام الاستبداد العثماني . وانطلاقاً من هذه الحقيقة بأن يُنظرالى مطلب الحرية والديمقراطية كأهمّ مطلب جماهيري ، بل يتقدّمها جميعاً كأساس للنهوض بالمهام الثورية الأخرى التي تعالج الأوضاع الاجتماعية ، أو معركة تحرير الأرض المحتلّة ، أو غيرها ....ولذلك يجب ألّا نستغرب إذا رأينا الجماهير تتجاوب الآن مع أكثر البرامج تطرّفاً في تطبيق مفهوم الحرية والديمقراطية ، حتى ولو كان العودة الى الديمقراطية اللييرالية كما يطرحها بعض الأطراف ، ولكن إذا ما فكّرنا بشكل عقلاني وعلمي ، هل هي الصيغة المطلوبة التي يمكن خلالها تحقيق مهام الثورة ، أو ضمان عدم عودة الاستبداد والاستغلال بأشكال أخرى ، وخاصّة ضدّ الكادحين ؟ ثمّ هل المقصود بهذه الصيغة استيعاب أو التحالف مع القوى الرجعية ؟ وفي ظلّ الشروط الراهنة ، والمواتية تماماً للقوى الرجعية ليس إلّا دعوة لهذه القوى لاستلام الحكم في هذا القطر . إنّ الشروط الراهنة من حيث :
١) - التخريب الواسع النطاق للإنجازات الاشتراكية ، وتشويهها في نظر الجماهير .
٢) - الأوضاع المعاشية البائسة للكادحين .
٣) - طغيان الثقافة والقيم الرجعية ، والفساد بكلّ أنواعه وصوره .
٤) - صعود القوى الرجعية في القطر بدعم من النظام نفسه ، وبرعايته ، الى درجة أنّها استطاعت أنْ تتحدّاه بشكل مسلّح لكي تتولّى أمورها بنفسها بعد أنْ استنفذت أغراضها منه.
٥) - انقسام الحركة التقدّمية في القطر وبقاء جزء هام منها حتى الآن متعاوناً مع النظام الفاشي .
٦) - الهجمة الامبريالية - الصهيونية - الرجعية في المنطقة ، وما حقّقته من نجاحات ملموسة .
٧) - الضعف والتمزّق اللذان تمرّ بهما حركة التحرّر الوطني العربي ، وانحسار المدّ الجماهيري في الوقت الحاضر على امتداد الوطن العربي .
٨) - النفوذ الكبير لأموال النفط داخل القطر ، وما أحدثه من تخريب وتعزيز لمواقع الرجعية ، وما يُتوقّع أنْ يُحدثه من تزوير لإرادة الشعب ، وتضليل للجماهير بأساليب متطوّرة وماكرة مستغلّا ظروفها المعاشية القاسية، وحاجة الكثيرين الكثيرين لفرص العمل في دول النفط . هذه الشروط وغيرها ، ستكون عاملاً حاسماً في عودة الرجعية الى حكم البلاد ، وربّما المتطرّفة منها ، ليبدأ من جديد تطبيق أقسى وأشرس ديكتاتوريات ذات طابع انتقامي حاقد ومتعصّب الى أبعد الحدود ، والسير على غرار خطوات السادات الماكرة والخادعة في البداية، ثمّ السافرة فيما بعد للإجهاز على التحوّلات الاشتراكية التي أقامها الحزب في مختلف المجالات ، ومن ثمّ التحالف مع السعودية والسادات نفسه والإمبريالية لإنجاز ما هو مطلوب من سورية تنفيذه في مخطط تصفية قضيّة فلسطين.

وعند حدوث مثل هذه الصورة ، ألا نكون قد قدّمنا للرجعية ثمرة نضال مرير ، وتضحيات غالية لتُوّجٌه ضدّ الجماهير ، وخاصّة ضدّ طلائعها الثورية ؟ بل ، ألا نكون قد قضينا على كلٌ رصيدنا الجماهيري ، وحكمنا على أنفسنا بالإعدام السياسي ، وعلى وطننا بعودته الى أحضان الإمبريالية ، وتحت هيمنة الصهيونية ؟ أليس من حقّ الجماهير بعد فترة معقولة من تسلّط الرجعية المتطرّفة على هذا القطر أنْ تنظر الى حكم حافظ أسد بشكل مشابه تقريباً لما يُنظَر الآن لحكم عبد الناصر بالمقارنة مع السادات ، أو لحكم الوحدة بالمقارنة مع الانفصال ؟ وبذلك نساهم في تقديم صكّ البراءة لهذا النظام ليُدرَج كحكم تقدّمي لم يضرب مكتسبات الجماهير ، وكوطني لم يفرّط بتراب الوطن ، ولم يساهم في تصفية قضيّة فلسطين . إنّ النظرة المتفحّصة والمخلصة لصورة المستقبل ما بعد التغيير تجعلنا نهتّم أشدٌ الاهتمام بكل خطوة نخطوها عندما يكون الموضوع يتعلّق بمصير الوطن ، ومسار الثورة وكفاح الجماهير مستقبلاً ، لذلك يجب علينا أنْ نكون صريحين وواضحين مع كلّ أطراف الجبهة ( التجمّع ) بأنّنا لن نشارك في أي عمل سياسي أو كفاح تكون نتيجته :

١ - ضرب التحوّلات الاشتراكية في القطر وقطع الطريق نهائيّاً ، أو لفترة طويلة على إمكانية إنجاز مهام الثورة الاجتماعية ، أي التحويل الاشتراكي للمجتمع .
٢ - عودة القطر الى أحضان الرجعية والامبريالية لتنفيذ مخطط تصفية قضيّة فلسطين ، وترسيخ الوجود الصهيوني ، وهيمنتها عل مقدّرات الوطن العربي .
٣- تصفية الحركة التقدمية الوحدوية في القطر ولمدّة طويلة .

وعلى ضوء ذلك ، علينا أنْ نرفض إشراك القوى الرجعية في الجبهة إذا كانت مثل هذه النوايا عند الآخرين ، بل إنّ المطلوب هوعكس ذلك تماماً : تشكيل جبهة عريضة جماهيرية ذات برنامج تقدّمي واضح تملأ الفراغ السياسي لتقطع الطريق على تلك القوى الرجعية من العودة الى الحكم ، كما علينا أن نرفض صيغة لتطبيق الديمقراطية تمكّن نفس تلك القوى ( من مواقعها القويٌة الحاليّة ) من العودة الى الحكم ، ولكن هذه المرّة عن طريق نضالنا نحن نتيجة أخذنا بأساليب لا تتناسب مع الظروف الراهنة ، وتحت تأثير مفاهيم خاطئة عن الديمقراطية تظهر كردود فعل للواقع المعقّد المأساوي الذي يعيشه القطر . آنّ التحوّلات الاجتماعية التي أنجزها الحزب منذ ٦٣ وبعد حركة ٢٣ شباط ، والتطوّرات الجارية على القضية الفلسطينية بعد توقيع ( معاهدة السلام ) بين السادات والصهيونية ، والتضحيات الجسيمة التي قدّمها الشعب الفلسطيني ، ولا يزال يقدٌمها ، والأحداث التي جرت وتجري في المنطقة : لبنان ، اليمن، المغرب ، القرن الأفريقي ، أفغانستان ، وأخيراً إيران ثمّ تركيّا ، والنتائج التي أحرزتها أموال النفط على امتداد الوطن العربي ، هذه القضايا الهامّة ، وغيرها من القضايا الأساسية جعلت المعركة تتجاوز مرحلة الديمقراطية البرجوازية ، كما تتجاوز مرحلة التحرّر الوطني بصيغتها التقليدية العادية الى معركة تحرّر وطني ذات توجّه اشتراكي ، أي دمج الثورة الديمقراطية مع الثورة الاجتماعية . هذا ، ويجب أن يكون واضحاً أنّ معركة تحرير الأرض ( بما فيها فلسطين ) ، وتحقيق الوحدة القومية لأمتنا ، معركة قاسية متعدّدة الجوانب ، وطويلة الأمد ، وهي تحتاج الى تضحيات جسيمة شبيهة بتضحيات الجزائر وفيتنام ، وستكون الجماهير الكادحة هي الأداة الرئيسية التي ستقدّم هذه التضحيات ، فإذا لم تكن الثورة في مصلحة هؤلاء عمليّاً عن طريق تطوير التحوّلات الاجتماعية ، وتعميقها بما فيها الديمقراطية ، وإنهاء جميع أنواع الاستغلال والاضطهاد والإذلال ، فلا يمكن النهوض بأعباء هذه المعركة الشرسة ، ولا ضمان استمرار الثورة . وتأسيساً على ذلك فإنّ الصيغة الملائمة للمرحلة الراهنة والمقبلة هي الديمقراطية الثورية للعمًال والفلاحين والعسكريين الثوريين ، والمثقفين الثوريين ، وجماهير البرجوازية الصغيرة ، يُضاف إليها الشرائح المنتجة وغير المستغِلّة من البرجوازية المتوسطة ، مشكّلة جبهة عريضة بقيادة أحزابها ومنظماتها الشعبية والمهنية ، آخذة على عاتقها تصفية الحكم الحالي ، واستئناف إنجاز مهام الثورتين الديمقراطية والاجتماعية في آن واحد ، وفق مراحل وبرامج مدروسة علميّاً تعزّز إمكانيّات القطر للنهوض بأعباء معركة تحرير الأرض المحتلّة ، وتحقيق الوحدة العربية . غير أنّه اذا كانت الأطراف الأخرى ترفض هذه الصيغة ، فعلينا أنْ نكون مرنين في حوارنا ، وإلّا سنظهر بمظهر المتشنّج المعرقل لمشروع إنجاز الجبهة ، ذلك لأنّ وجود الجبهة يشكّل البداية التي لا بدّ منها لبدء مرحلة نضالية جديدة تستهدف إنقاذ القطر ، وصدّ الهجمة الامبريالية الرجعية ، وإحباط مخططاتها في المنطقة . وفي مثل هذه القضايا المصيرية والمعقّدة لا بدّ من تعميق الحوار الديمقراطي الجادّ ، والمسؤول ، واستخدام المرونة التكتيكية بهدف الوصول الى برنامج حدّ أدنى يرتضيه الجميع ، ولا يتناقض مع المسيرة الخاصًّة لكلّ حزب . وعلى اعتبار أنّ الحريّة والديمقراطيّة تشكّل في الظروف الراهنة محرّكاً أساسيّاً في النضال ضدّ الحكم الفاشي القائم في القطر ، بل هي محرّك ومطلب جماهيري على امتداد الوطن العربي الذي يعاني من نفس المظالم ، والاستبداد ، لذلك من الأمور الضرورية ، والجوهرية الملحّة أنْ يكون برنامج الجبهة متضمّناً تركيزاً خاصّاً على مفهوم الحريّة والديمقراطية ، مقدّماً صيغاً تتجاوب مع هذه التطلّعات المشروعة لتُستخدم كرافعة في كسر جدار الخوف والرعب ، وفي استنهاض قوى الجماهير للتصدّي ببسالة وجرأة في معركتها الشرسة ضدّ النظام . وفي هذا الصدد يمكن أن أطرح مجموعة من الأفكار الرئيسية للمناقشة حول تشكيل الجبهة ، وحول صيغة للديمقراطية يمكن أن تكون شكلاً متطوّرا).

مجموعة من الأفكار الرئيسية للمناقشة حول تشكيل الجبهة، وحول صيغة للديمقراطية يمكن أن تكون شكلاً متطوّراً عن الديمقراطية الشعبية :
ا - تكوين الجبهة : تشكيل جبهة عريضة تضمّ الأكثرية الساحقة من الشعب ، تتألّف من القوى الاجتماعية التالية : العمّال والفلاحين ، والعسكرين الثوريين ، والمثقفين الثوريين ، وجماهير البرجوازية الصغيرة ، يَضَاف إليها الشريحة المنتجة غير المستغِلّة من البرجوازية المتوسّطة ، والتي لم تتعاون مع النظام القائم ، ولم تساهم في الفساد السياسي والاجتماعي ، تتمثّل هذه القوى في الجبهة من خلال :
(١) - الأحزاب السياسية المعارضة الممثّلة لها حاليّاً ، أو التي يمكن أن تنشأ مستقبلاً وترغب في الانضمام الى الجبهة ( باستثناء الأحزاب ذات البرامج الرجعية ، حتى ولو كانت في تنظيماتها تضمّ أعداداً من القوى الاجتماعية المذكورة سابقاً )
(٢) - الأحزاب التقدّمية الداخلة الأن في الجبهة المشكٌلة من قبل النظام القائم إذا ما تخلّت عنه ، وأعلنت على الشعب نقداً ذاتياً جدّيّاً ، وليس شكليّاً ، وأجرت تعديلات ملائمة في قياداتها ( إنّ هذا الموضوع هام على ما أعتقد جدير بالمناقشة مع الآخرين ) ، وذلك كي يتم رفع الغطاء التقدّمي الذي يظهر به هذا النظام ، والمستفيد منه كثيراً على الصعيد الداخلي ، والقوى التقدمية العربية والعالمية ، وبالتالي تعريته كنظام رجعي عسكري فاشي .
(٣) - المنظمات الشعبية : العمّال ، الفلاحون ، الطلبة ، النساء ... الخ .
(٤) - المنظمات المهنية الحرّة : المحامون ، الأطبٌاء ، المهندسون ... الخ .
(٥)- المنظمات الاجتماعية وتشمل : الجمعيات الخيرية ، والفنّية ، والثقافية ، والدينية ( ذات الاتجاهات المتنوّرة ) وغيرها . " إنّ هذا الموضوع أيضاً جدير بالمناقشة مع الآخرين إذاً المقصود زجّ كلّ قطاعات الشعب في المعركة ضدّ النظام ، والتي ستكون قاسية ومريرة شبيهة الى حدٍّ ما بمعركة جماهير إيران ضدّ الشاه ، بالإضافة الى أنّ كسب جماهير مثل هذه المنظمات والجمعيات الى المعترك السياسي تعبير واضح عن شمولية سخط الشعب ، ممّا سيؤثّر على الرأي العام العربي والعالمي ، ويعزل النظام عن حلفائه ، ويعجّل في انهياره بأقلّ التضحيات الممكنة ".

(٦) - العناصر والشخصيات الوطنية والتقدميّة التي ترغب في المشاركة ، مهما كان هذه المشاركة محدودة، وأعتقد أنّ هذه العناصر المفردة ، أو المستقلّة كثيرة بين صفوف الشعب ، ولا ترغب في الانضواء تحت الأطر المذكورة سابقاً ، ويمكن إيجاد الأشكال المتنوّعة ، والمناسبة لتجنيدها ، وتعبئتها ،أنْ تشكّل جمهوراً واسعاً من المواطنين كسياج حول الجبهة ، وأنْ تساهم في خلق رأي عام فاعل ومتعاطف مع الجبهة ، كما تساهم في عزل النظام وخنقه . قد تكون الأعداد المساهمة في البداية محدودة ، ولكنْ مع تصاعد عمل القوى الفاعلة في الجبهة ، واستخدام النفس الطويل مع هذه العناصر ، وتطوير أساليب تعبئتها ، ومع تزايد سخط الجماهير سنرى انجذاب أعداد متزايدة منها الى المعركة .

إنّ وصول الجبهة إلى هذا المستوى من الاتساع والتأثير ، والتفاف الجماهير حولها ، من الطبيعي أنْ يحتاج إلى فترة زمنية تتوقّف مدّتها على الجهد والجدّية والتضحيات التي ستقدّمها أحزاب الجبهة الطليعية التي تشكٌل العمود الفقري لها ، ولكنّه هدف ممكن التحقيق تماماً ، وتجارب الشعوب الأخرى التي مرّت بحالات متقاربة مع وضعنا تعطينا الدليل على إمكانيّة السير في هذا الطريق . كذلك فإنّ الجبهة العريضة ليست مطلوبة فقط من أجل تصفية النظام ، وإنّما هي مطلوبة أصلاً لإنجاز مهام أكثر تعقيداً وإلحاحاً ، وهي مهام تحرير الأرض المحتلة ( بما فيها فلسطين ) ، وبناء المجتمع الاشتراكي ، وتحقيق الوحدة القوميٌة لأمّتنا ، وغيرها ، أي أنّ الجبهة العريضة ليست لحالة طارئة ، أو عارضة ، وإنّما هي في الأساس حلّ تفرضه الظروف الموضوعية التي لا يمكن معالجتها إلّا بمثل هذا الأسلوب من العمل السياسي .

تضع الجبهة ميثاقاً للعمل الوطني والقومي يعبّر عن المطامح الراهنة ، والمستقبلية للقوى الاجتماعية التي تمثّلها الجبهة ، ويقتصر الميثاق على الخطوط العريضة فقط الموجّهة للعمل السياسي ، والتي تعبٌر عن اختيارات المجتمع الأساسية دون الدخول في التفاصيل ، وينبثق عنه برنامج حدّ أدنى تتفق عليه أطراف الجبهة يتناول بشيء من التفصيل مهام المرحلة الراهنة في مختلف المجالات ، وكيفيّة معالجتها بما لا يخرج عن إطار الميثاق ، بمعنى أنّ الميثاق يعبّر عن المنطلقات النظرية والاستراتيجية بعيدة المدى للجبهة ، بينما يمثّل البرنامج النواحي التطبيقية ، وتكتيك الجبهة ، كما أنّ الميثاق موضوع بالأساس لفترة زمنية طويلة ، ولكنْ يمكن إعادة النظر فيه بعد استلام السلطة ، وعلى ضوء الممارسة ، واستبداله فيما بعد بدستور دائم للبلاد .

ب – "صيغة الديمقراطية السياسية ": تنطلق هذه الصيغة من :
١ - الارتباط العضوي بين بين الديمقراطية والاشتراكية .
٢ - تلازم مفهوم الحرية مع إنتمائنا القومي .
٣ - إعطاء أوسع الحريات للجماهير الكادحة ، ورفع كلّ القيود التي تعيق مبادراتها الخلّاقة ، وتطبيق أشكال الديمقراطية التي تعزّز هذه الحريات ، وتفتح مواهب المواطنين ، وتُطلق إمكاناتهم الحبيسة .
٤ - احترام حقوق الإنسان الأساسية ، وإيجاد الضمانات المختلفة التي تحميها وتعزّزها ، والتي تعاقب بشدٌة كلّ مَنْ يستخدم أساليب التعذيب والإكراه والاعتقال الكيفي ، وغيرها من الأمور التي تُمارس حاليّاً على نطاق واسع ........
إنّ الأفكار التالية تركّز على النقاط الأساسية في تطبيق الديمقراطية ، والتي يمكن أن تكون مجال اختلاف مع الأطراف الأخرى في الجبهة ، أمّا الأمور التفصيلية ، أو التي لا اختلاف عليها فقد اعتبرت بحكم المتفق عليها :
ا) - يحق للقوى الاجتماعية التي يمثّلها الميثاق أنْ تؤلّف الأحزاب أو المنظمات الاجتماعية على مختلف أشكالها : الثقافية ، الخيريّة ، الإنسانية ، الرياضية ...الخ على أنْ تُعلِن التزامها المسبق :
ا- بميثاق العمل الوطني والقومي ، وتسترشد به في برامجها .
ب- باستخدام الوسائل السلمية في تغيير السلطة عن طريق الاحتكام الى الشعب بانتخابات ديمقراطية حرّة ونزيهة يكفلها القانون .
ج - في عدم الدخول في أيّة تحالفات مع القوى الرجعية التي يحظرها القانون ، وهذه الشروط تُلزم الاحزاب فقط ، دون المنظمات الاجتماعية . ويُحصَر حق تكوين الأحزاب بهذه الطبقات والفئات الاجتماعية التي يمثّلها الميثاق دون غيرها ، ويصدر قانون للأحزاب ينظّم هذا الموضوع ، ويجب أنْ يكون مفهوماً أنّ هذه الفقرة تعني أنّه يحقّ تأليف حزب وفقاً للقانون في أيٌ وقت .
٢ ) - ضمن إطار الميثاق يُسمح بتكوين المعارضة السياسية بما يضمن حيوية العمل السياسي ، والتنافس بين الأحزاب على كسب الجماهير ، وهذا يعني أنّ الأحزاب يمكن يمكن أنْ تدخل في تحالفات مع بعضها ، أو يبقى بعضها مستقلّاً خارج إطار الجبهة ، سواء كان في خوض الانتخابات التمثيلية المختلفة ، أو تشكيل الحكومة المعارضة ، كما يجوز للحزب الذي يحوز على الأغلبيّة في مجلس الشعب القطري أنْ يشكّل الحكومة لوحده إذا رغب في ذلك .
٣ ) - يُسمح لأيّ حزب أو منظّمة داخل إطار الجبهة أنْ ينسحب منها في أيّ وقت يشاء ، ويضع البرنامج الذي يتلاءم مع تصوٌره للميثاق ، وينتقل الى صفوف المعارضة .
٤ ) - ينظٌم قانون الأحزاب الموارد الماليّة لهذه الأحزاب ، وكيفيّة التحقّق من مصادرها ، ويُحظَر تلقّي المعونات أو الهبات من أيّ مصدر خارجي . ولحلّ مشكلة تمويل الأحزاب ، ولا سيّما في الانتخابات يمكن الأخذ بأسلوب تقديم إعانات لها من موازنة الدولة وفق مبادئ محدّدة في القانون ، وهذا ما تأخذ به الكثير من دول العالم .
٥ ) - الحزب ( أو المنظّمة )الذي يخرق الميثاق ، أو يدخل في تآمر مع قوى خارجية أو رجعية ، على الجبهة ممثٌلة بالسلطة التنفيذية ، أو التشريعية نشر الموضوع مع كامل حيثيّاته على الرأي العام والطلب الى الحزب صاحب العلاقة ممثّلاً بقواعده أنْ يطهّر صفوفه ، فإذا استجابت هذه القواعد تتابع الدولة محاسبة المسؤولين وفقاً للقانون ، وآذا لم تستجب ، وبقيت متمسّكة بقيادتها تتولّى الحكومة الأمر وفقاً للقانون .
٦) - تُعامَل المنظمات الشعبية والمهنية كمعاملة الأحزاب تماماً ، من حيث ممارسة النشاط السياسي ، ويُحظر على السلطة التدخّل في شؤونها بنصّ ملزم في القانون ، وتقوم على مستوى القطر منظّمة واحدة فقط لكلّ قطاع شعبي ، أو مهني ، أي يُحظر تعدٌد التنظيم ( اتحاد عمال واحد للقطر ، وكذلك للفلاحين ، والطلبة والنساء والمحامين ..الخ ) .
٧ ) - المنظمات الاجتماعية ، الخيرية ، الفنيّة ، الثقافية ، الرياضية ، الدينية ...الخ حرٌة كامل الحريّة ضمن مجال عملها ، ولا قيود عليها طالما تمارس عملها وفقاً للقانون .
٨ ) - يُسمح بإصدار الصحف والمجلّات من جميع الأنواع للأحزاب والمنظمات الشعبية والمهنية ، .
٩ ) - يُحظر على الأفراد والمنظمات الاجتماعية إصدار المطبوعات السياسية ، ويُحصر حقّهم في إصدار المطبوعات الأخرى : الثقافية - الرياضية - الدينية ...الخ .
١٠) - تتمتّع الصحافة بحريّة واسعة دون قيود ، أو أيّ نوع من الرقابة ضمن إطار الميثاق ، وينظّم قانون المطبوعات هذه الحريّة بما يحمي الصحافة ، ويحمي المواطنين أيضاً من التجاوزات والافتراءات .
١١) - لا قيود على حرية الفكر والتأليف والنشر . " أعتقد أنّ هذا الموضوع حسّاس للغاية ، ذلك أنّ القيود التي تكبّل الفكر هي بالأساس قيود رجعية ، وخاصّة من الناحية الدينية ، تُفرَض في الحقيقة على الفكر التقدٌمي فقط ، وتمنعه من مناقشة ما يعتبر من مقدّسات المجتمع ، يُفضّل أنْ تُقيّد في حدود الميثاق ."
١٢ ) - يحقّ للمواطنين التعبير عن آرائهم بمختلف وسائل التعبير السلمية ، بما فيها الاحتجاج عن طريق التظاهر السلمي .
١٣ ) - نظراً لتعاظم دور الإذاعة والتلفزيون في التأثير على الجماهير ، فلا بدّ من وضعها في خدمة الشعب ، ولمصلحة جميع القوى الاجتماعية المعبّر عنها بالميثاق ، ولذلك أرى تشكيل مجلس أعلى للإشراف على الإذاعة والتلفزيون من أعضاء مجلس الشعب ( يحتوي على ممثلين من أحزاب الحكومة والمعارضة ، ومن المنظمات الشعبية والمهنية الأساسية ) بشكلٍ يتمّ فيه تقليص دور السلطة ، وهيمنتها على هذه الوسيلة الحيويّة من الإعلام الجماهيري ، ومن جهة أخرى تُعطي جميع القوى السياسية والمنظمات فرصة التعبير عن آرائها من خلال الإذاعة والتلفزيون بما فيها الأحزاب المعارضة ، ولترسيخ الطابع الديمقراطي الشعبي على هذه الأداة الجماهيرية . يُمكن الأخذ بمبدأ الانتخاب للمسؤوليين الأساسيين عنها من قبل مجلس الشعب ، أو من قبل العاملين في أجهزة الإعلام ، والصحافة ، والكتاب .
١٤) - يُعطى للمنتجين من عمّال وفلّاحين ، وغيرهم حقّ الإضراب الاقتصادي " ولا مانع أنْ يشمل هذا الحقّ الإضراب السياسي ."
١٥ ) - الحريّة الشخصيّة لكلّ مواطن يكفلها القانون ، ويُمنَع على أيّة جهة ممارسة الرقابة ، أو التصنّت ، أو التوقيف والاعتقال والملاحقة ، أو منع الإقامة ، والتنقّل ، أو تفتيش المنزل إلّا بموجب أمر قضائي ، وتُوضع عقوبات مشدّدة على مَنْ يمارسها .
١٦ ) - كرامة الإنسان مقدٌسة ، وفي هذا الصدد تُشدّد العقوبات على مَنْ يمارس التعذيب الجسدي ، أو النفسي أو الإكراه المادّي أو المعنوي .
١٧ ) - حريّة الاعتقاد والعبادة مصانة ( وفي هذا الصدد لا أعتقد أنٌ المرحلة تسمح بإعلان مبدأ علمانية الدولة ) .
١٨ ) - إنّ تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص " وهو جزء متمّم للديمقراطية يجب أنْ يُفسّر دائماً لمصلحة الفقراء والكادحين بما يعزّز رفع مستوى معيشتهم ، ووعيهم ، وقدراتهم ، وتواجدهم في مختلف مؤسسات الدولة. إذ لا معنى لتطبيق هذا المبدأ في ظلّ شروط غير متكافئة ، حيث تنعكس لمصلحة الطبقات المستغِلّة والقادرة على حساب المحرومين .
١٩ ) - يُنتخب مجلس للشعب على مستوى القطر لمدّة أربع سنوات بتنيجة انتخابات ديمقراطية وحرّة ونزيهة ، ولمّا كانت الانتخابات والاحتكام الى الشعب هي الوسيلة الوحيدة الشرعية لتغيير السلطة ، فلا بدّ من إعطاء أهميّة بالغة لهذه العمليّة ، من حيث إيجاد الضمانت اللازمة والمقنعة التي تكفل حريّتها ونزاهتها ، وفي الوقت نفسه ، تحويلها الى مدرسة لتعليم وترسيخ أسلوب الحوار الديمقراطي بين الجماهير ، ورفع وكفاءة وحيويّة العمل السياسي . على ضوء ذلك ، فإنّ مجلس الشعب هو محور الحياة السياسية في البلاد ، وتخضع لإرادته وقراراته كلّ السلطات الموجودة ، ولكي يُتاح له القيام بهذه المهمة الخطيرة تُوضع جميع الضمانات لأعضائه ، وتُوّفّر كلّ الوسائل ليقوم بدوره خير قيام ،خاصٌة من حيث الصلاحيات اللازمة.
٢٠ ) - ينتخب مجلس الشعب رئيساً للجمهورية لمدّة أربع سنوات ، ولا يتمتّع إلّا بصلاحيات محدودة جدّاً ، كما هو الحال في الدول الليبرالية أو الشعبية ، فهو رمز للبلاد أكثر من أيّ شيء آخر .
٢١ ) - يتمتّع مجلس الوزراء الحائز على ثقة مجلس الشعب بكلّ الصلاحيات اللازمة لإدارة السلطة التنفيذية على أفضل وجه ، وفي الوقت نفسه ، تخضع أعمال الحكومة للرقابة المباشرة من مجلس الشعب ، وتبقى الوزارة في الحكم طالما هي حائزة على ثقة المجلس .
٢٢ ) - فيما يتعلّق بالسلطة القضائية يكفل الدستور استقلاليتها ، وتُوضع الضمانات التي تعزّز ثقة الجماهير بهذا الجهاز الحسّاس ، من حيث النزاهة والعدالة ، وترسيخ سيادة القانون ، وفي هذا الصدد تُلغى كافّة المحاكم الاستثنائية ، والخاصّة ، وتُحال جميع القضايا الى المحاكم المختصّة التي يجب أنْ يتوفّر فيها حق الدفاع والعلنية.


٢٣ - تُنتَخَب مجالس شعبية في كلّ الوحدات الإدارية من القرية الى المحافظة ، وتُعطَى صلاحيات فعلية والإمكانيات التي تسمح لهذه المجالس بأنْ تطوّر مجتمعاتها ، وتخفّف من مركزية الدولة ، وتحدّ من بيروقراطية الأجهزة وتعقيدات الروتين ، ولا مانع من أنْ يكون لها حقّ فرض ضرائب بحدود معيّنة يرتضيها الجمهور عن طواعية ، كما لها حقّ الرقابة والإشراف والمحاسبة على الجهاز الإداري الموجود ضمن نطاق عملها . وتعزيزاً لهذا الدور تُعطَى صلاحية تعيين بعض الموظّفين الإداريين ، وسحب الثقة منهم ، كالمحافظ، ومدير المنطقة والناحية ورئيس الشرطة ، وغيرها من الوظائف الحسّاسة التي لها مساس مباشر بحياة المواطنين .
٢٤ - يجب أنْ تكون نسبة العمّال والفلاحين في كافة مجالس الشعب لا تقلّ عن ( ٥٠ ٪ ) ، وفيما يتعلّق بالمرأة ، من الضروري تخصيص نسبة معيّنة في حدود ( ٢٥ ٪ ) ، أو أيّ نسبة أخرى يتمٌ الاتفاق عليها مع أطراف الجبهة .
٢٥ - من الأفضل الأخذ بأسلوب الانتخاب للمجالس الشعبية المختلفة على أساس الاقتراع للأحزاب ، والمنظمات الشعبية ، والمهنية ، وليس بأسلوب الاقتراع للأشخاص ، فهذا الأسلوب أكثر فائدة لتطوير الحياة الديمقراطية في البلاد ، وأكثر التزاماً بقضايا الجماهير ، واذا ما طُبّق هذا الأسلو ب يمكن الأخذ بمبدأ التمثيل النسبي للأحزاب في المجالس الشعبية وفقاً لنسبة عدد الأصوات التي يحوزها كلّ منها في الانتخابات .
٢٦ - تُنتَخب مجالس إنتاجية في كلّ المنشآت الاقتصادية من قبل العمّال مباشرة ، وتُعطى صلاحيات واسعة في إدارة شؤون هذه المنشآت ، بما فيها وضع الخطط الاقتصادية الخاصّة بها ، والمساهمة في وضع الخطة الاقتصادية للدولة .
٢٧ - يُنتَخب مدير المنشأة الاقتصادية ، وبعض الوظائف الأخرى فيه من قبل العمٌال مباشرة ، ويحقّ لهم سحب الثقة وانتخاب البديل .
٢٨ - يّشكّل اتحاد عام للمجالس الإنتاجية على مستوى القطر ، من مهماته التنسيق وتبادل الخبرة ، وتعميم التجارب الناجحة ، وتلافي السلبيات والظواهر المرضية التي تعيق عمليّة الإنتاج . ولمناقشة الخطة الاقتصادية للدولة وزيادة الانتاج .
٢٩ - تُعطَى الجامعات استقلالاً إداريّاً وماليّاً ، ولا يحق للسلطة التدخّل في شؤونها إلٌا بطلب من الجامعات نفسها ، ويُنتَخب مدير الجامعة ، ومجلس الجامعة بطريقة مناسبة تخلق التفاعل والحوار الديمقراطي بين الأساتذة والطلّاب .
٣٠ - هذه الصيغة لتطبيق الديمقراطية السياسية يجب أنْ تتلاءم مع برامج تطبيق الديمقراطية الاقتصادية أي (المساواة ) للقضاء على الاستغلال والتفاوت الطبقي ، والامتيازات الموروثة ، وذلك لمصلحة الفقراء والمستَغَلين ، الأمر الذي يرسّخ الديمقراطية السياسية ، ويحول دون تحوّل هذه الأخيرة الى شكل فارغ المحتوى وفي مصلحة الطبقات المستغِلّة، وفي هذا الصدد نحن مع أيّ تعميق للتحويل الاشتراكي للمجتمع مهما كان مداه ، وعلينا في حوارنا مع الأطراف الأخرى التمسّك بالحدّ الأدنى التالي :
ا ) - الاستمرار في السير على الطريق اللارأسمالي التي كانت تنتهجها الثورة قبل عام ١٩٧٠ .
ب ) - الحفاظ في المرحلة الراهنة على مكتسبات الجماهير ، والتحوّلات الاشتراكية التي تحقّقت بعد ٨ آذار ، وحركة ٢٣ شباط مع تعزيزها ، وإصلاح مسارها بالقضاء على التشوّهات والسلبيات التي لحقت بها ، مع خلق الممهّدات والشروط الضرورية لاستئناف التحوّلات الاجتماعية في مرحلة لاحقة قريبة .
ج ) - وفي كلّ الأحوال يجب ألّا يبدو برنامج الجبهة الاقتصادي رجعيٌاً بالنسبة لمسيرة النظام القائم ، أو متجاهلاً تقديم الحلول الجذرية لمشاكل الجماهير الكادحة التي ترزح تحت وطأة التضخّم النقدي ، والغلاء وسوء الأحوال المعاشية . إنٌ هذه الفقرة بالغة الأهمية ، وبرنامج الجبهة يجب أنْ يوليها أقصى اهتماماته .
إنّ هذه الخطوط العريضة لتطبيق الديمقراطية والتي تبدو ذات ملامح ليبرالية ، قُصٍد منها أنْ تكون مقبولة في اتجاهاتها الأساسية من الأطراف الأخر ى في الجبهة ، وليس بنصٌها الحرفي ، ولذلك يجب اعتبارها أفكاراً للمناقشة يُستَأنف على ضوئها الحوار الديمقراطي البنّاء بمرونة ، ورغبة صادقة مخلصة في ضرورة الإسراع للوصول الى اتفاق حول برنامج الجبهة . ولكنْ علينا التمسّك في الوقت نفسه بالجوهر وهو :
- ١- عزل القوى الرجعية ممثّلة بالفئات المذكورة آنفاً عند العمل السياسي ، وعدم الدخول معها في تحالفات ، أي عدم إشراكها في الجبهة .
- ٢ - رفض الديمقراطية الليبرالية المفتوحة دون قيود أو شروط ، والتي تمكّن القوى الرجعية في ظل الظروف الراهنة من العودة الى الحكم .
- ٣ - حتميّة الحلّ الاشتراكي بالنسبة لمجتمعنا ، أي ارتباط الديمقراطية في تصوّرنا بالاشتراكية .
- ٤ - إنّ أيّ صيغة يجب أن تحوي ضمانات حقيقية لمصلحة الكادحين ، وترسيخ حقوق الإنسان بشكل تستطيع الجماهير متابعة كفاحها ضدّ مستغلّيها في ظلّ شروط ملائمة لها ، وصولاً الى المجتمع الاشتراكي الديمقراطي الموّحّد ، وأعتقد أنّ الصيغة المقترحة بمحصٌلتها توفّر مثل هذا المناخ للجماهير الكادحة ، وتفسح الطريق أمامها واسعة لاستلام زمام أمورها بيدها ، وإقامة ديمقراطيتها الثورية مستقبلاً في ظلّ دولة العمّال والفلّاحين والفقراء.

إضافة تعليق جديد