ما من دين جهله الناس واختلفوا في شأنه وظهوره ومعرفة أصله كالدين الأيزيدي، رغم الأبحاث الهائلة التي قامت بها مجموعة كبيرة من الكتاب والباحثين الشرقيين والغربيين، ومع ذلك لم يتبلور رأي موحد في تحديد أصل الأيزيدية، وكل واحد أتبع رأياً ولم يتوصل الى قدر من الحقيقة. وينبع هذا الإختلاف باعتقادي من المسائل التالية:
1- كون الأيزيدية ديانة غير تبشيرية وقلة إحتكاكها بالعالم الخارجي.
2- ممارسة طقوسها الدينية بعيداً عن أنظار الغرباء، وهذا ما دفع الآخرين أن ينسجوا حولها الأساطير والألغاز البعيدة عن الواقع.
3- عدم تسجيل نصوصها الدينية وطقوسها وأصولها وعدم إطلاع الغالبية العظمى من الكتاب على ماهية هذا الدين.
4- قلة التحريات والتنقيبات الأثرية في مناطق سكنى الأيزيدية لمعرفة بعض جوانب تاريخهم المغيب.
5- غياب التسامح الديني بشكل عام، واستمرار الاسلام السياسي- باعتباره القوة المسيطرة ودين دولة- بين رفض وجود الأديان الأخرى أو عدم الاعتراف بحق الأديان المخالفة أو المختلفة معها في ممارسة طقوسها وتشويه سمعتها.
6- الموقف الديني أو القومي المسبق للعديد من الكتاب حول الأيزيدية، لذا جاءت آرائهم متباينة حول تعيين أصلهم من الناحية الدينية أو القومية. يوقع أولئك الكتاب والباحثون في إشكاليتين رئيسيتين:
أ- إشكالية التسمية. ب- إشكالية الإنتماء القومي.
وبسبب النقاط الواردة أعلاه والتشويش الكبير في أصل وتاريخ الديانة الأيزيدية، فانه من الصعب على الباحث الجاد، الجزم برأي واحد. لذا فان هنالك عدة نظريات أو فرضيات تطرح نفسها بشأن أصل هذه الديانة ومبادئها الأساسية:
* النظرية الأولى:
التي تقول أن الديانة الأيزيدية ماهي إلا فرقة إسلامية منشقة أو ضالة يعود تاريخها الى أواخر القرن السابع الميلادي، وتنسيبها الى( يزيد بن معاوية ) ثاني خلفاء الدولة الأموية (680-683ميلادية) الذي كان حواريا ( تلميذاً) لمحمد بن عبدالله.ولدعم نظريتهم هذا فقد ذهب أولئك الكتاب مذاهب شتى؛ فمن قال أن اعتقاد الأيزيدية ب ( يزيد) ليتخلصوا من إضطهاد السنّة الذين لا يجلون ( الحسين بن علي) ولرغبتهم في الانتساب الى شخصية شريفة وممتازة. وإفتكر باحث آخر بأن الأيزيدية إنتخبوا إسم ( يزيد - اليزيدية) لمسايرة تعصب الحكام المسلمين. ويقول باحث غربي آخر ؛ بأن اسم " اليزيدية " اعطي الى هذه القبائل من قبل المسلمين للإستهزاء والسخرية. ويؤيد الدكتور جوزيف الأمريكي الرأي القائل بانتساب الأيزيدية الى ( يزيد بن أنيسة الخارجي ) الذين كانوا على مبدأ " بأن الله يبعث رسولاً من العجم وينزل عليه كتاباً كتب من قبل وسيترك ديانة محمد ويتبع ديانة الصابئين المذكورة في القرآن".
ويتحمس كاتب عربي مسلم آخر رابطاً الأيزيدية بالاسلام وب (يزيد بن معاوية) ويعتقد أن اليزيدية الذين ذكرهم السمعاني المتوفي سنة( 562هجرية- 1166 ميلادية) في كتابه " الأنساب " وإبن قتيبة في كتابه " الاختلاف في اللفظ"؛ هم نفس اليزيدية الحالية، ثم هاجر الى نواحيهم الشيخ (عدي بن مسافر) الذي نظمهم وأصلح حالهم. وعلى رأيه أن اليزيدية أقدم عهداً من مجئ الشيخ عدي. وكاتب تركي مسلم ، يربط هو الآخر تاريخ ظهور الأيزيدية بظهور الشيخ عدي بن مسافر بينهم.
وعلى الرغم من إلحاح نفر من الكتاب العرب والمسلمين على أن الأيزيديين أسلموا في زمن الشيخ عدي بن مسافر، ألا أنهم يعترفون بأن أجداد الأيزيديين الحاليين كانوا على دين مخالف "للتوحيد" - حسب رأيهم- أو أنهم كانوا من أصل مجوسي.
ان هذه النظرية لم تلق التأييد حتى من الكتاب المسلمين حيث لا يوجد دليل تاريخي أن (يزيد بن معاوية) أسس خلال الثلاث سنوات ونصف من حكمه ديانة جديدة أو إتبع ديانة محمد. وإذا كان الأيزيديون يذكرون بعض الأحيان إسم( يزيد- أيزيد) في أدبهم ونصوصهم الدينية فانه إضافة الى كونه يأتي بمعنى الله، فان الأسباب الأخرى تعود في إعتقادي الى:
1- بعد توسع دائرة الفتوحات الاسلامية شرقاً وشمالاً، لاقت الشعوب والأديان الواسعة النفوذ بشكل عام والأقليات الدينية والقومية بشكل خاص أنواعاً من الاضطهاد والتنكيل لترك أديانهم والقبول بالاسلام، وإذا كان الكثيرون قد قبلوا بذلك ألا أن مجموعات دينية رفضت، وخلال خلافة الدولة الأموية وبخاصة زمن حكم ( يزيد بن معاوية) أفسحت في المجال لتلك المجموعات الدينية أن تبقى على معتقداتها شرط أن تحتمي تحت لواء قبيلة عربية قوية أو تحت اسم قائد عربي أو إسلامي قوي وظهرت حينها ظاهرة ( الموالي ) أي أولئك الناس غير العرب وغير المسلمين الذين يحافظون على قومياتهم ومعتقداتهم بتبني اسم قبيلة عربية أو اسم قائد عربي. ولا يستبعد هنا تقبل الأيزيديين لاسم ( يزيد بن معاوية) وأسماء أخرى لإتقاء شر الاسلام.وهنا ربما يتفق المرء مع الشطر الثاني من رأي ( إمبسن) في رغبة الأيزيدية في الانتساب الى شخصية شريفة وممتازة.
2- بما أن الأيزيديون يؤمنون بالحلول وتناسخ الأرواح فأنهم اعتقدوا بأن جزءاً من القوة الالهية إنتقلت الى (يزيد) لأنه وحسب رأي العديد من الكتاب المسلمين والمصادر الاسلامية لم يتبع ديانة محمد ، وأعتقدت تلك المجموعات الدينية التي لالقت الاضطهاد على أيدي قواد الفتح الاسلامي بعد نشر الدعوة الاسلامية، بأن ( يزيد) هو منقذهم بوجه الاسلام وتخليصهم من الظلم والتنكيل.
3- ويري بعض الكتاب العرب أنفسهم بأن القريشيون و" العرب المستعربة" ومعهم إبراهيم الخليل القادم من اور حرّان " أورفه - الرها- الكاتب" هم من بقايا البابليين الذين تسنى لهم النجاة من المقتلة التي أقامها داريوس دارا إثر إحتلاله الثاني لبابل إنتقاماً لثورتها عليه وخلعها نير سلطانه، هم الذين بنو حضارة الحجاز. وفي حديث ينسب الى علي بن أبي طالب يقول: " من كان سائلاً عن نسبنا فإنا من نبط من كوثى" . والنبط عند العرب يعني العراق، أو البابليون الأقدمون. وعلى هذا يكون القريشيون بابلي الأصل فلما دخلوا بلاد العرب أدخلوا اليها لغتهم معهم. وإن صح هذا الرأي في كون القريشيون ليسوا عرباً بل من الشعب البابلي، آنذاك يكون لمسألة إلصاق اسم " يزيد بن معاوية" بالأيزيدية معنى آخر تماماً!.
أما بخصوص رأي جوزيف، فانه لا يستند الى سند تاريخي أو فكري؛ إذ لا علاقة للأيزيديين برسول من العجم - إذا كان بمعنى الفرس أو من الشعوب الإيرانية- ولا وجود لمفهوم النبي بين الأيزيدية بل توجد علاقة روحية مباشرة بينهم وبين خالقهم، هذا أولا، وثانياً : فان مبدأ الخوارج لا ينطبق ومبدأ الأيزيدية الذين يؤمنون بالله وطاؤوس ملك ويقول بالحلول وتقديس الشمس والنار..الخ.
* النظرية الثانية / الأصل والتسمية:
التي تشير الى أن الديانة الأيزيدية واحدة من تلك الديانات القديمة المستقلة عن بقية الديانات، وربما المنحدرة منها والمتداخلة مع العديد منها، والمستمدة منها بعض الطقوس والعادات أو حتى الأساطير والحكايات القديمة. وتشير بعض المصادر المتوفرة أن الموطن الأصلي ( الأساسي) للديانة الأيزيدية يبدأ بمدينة " يزد" القريبة من خراسان شرق إيران القريبة من الحدود الأفغانية، ويمتد عبر كردستان الجنوبية( كردستان العراق حاليا) والغربية ( كردستان تركيا) والموصل في شمال العراق حتى حلب في الشام( سوريا). وحسب هذه النظرية فإن اسم " اليزيدية أو الأيزيدية " مشتقة من مدينة " يزد Yazd " بايران، وكان الأيزيديون الحاليون في الأصل زردشتيون يعتقدون بالثنوية Dualism وقد هاجر بعض هؤلاء من يزد الى نواحي الموصل هرباً من الضرائب الكثيرة واتخذوا من مناطق حلب، سنجار، الشيخان وبحيرة وان والقفقاس مواطن جديدة واطلق عليهم إسم منطقتهم التي رحلوا منها فسموا يزيديون أو يزديون. وقياساً على هذا الرأي ينقل لايارد عن " نوفانيس" المؤرخ اليوناني من القرن السابع الميلادي: " أن الامبراطور هرقليوس خيم بجنوده قريباً من مدينة - يزدم- من مدن " حدياب"- أي موصل حالياً./ الكاتب- ويقول " مارتان" قد تكون هذه المدينة أول مكان إنتشرت منه اليزيدية" من الصعب تسمية ديانة باسم مدينة؛ فهل سميت اليهودية باسم " أورشليم" أو المسيحية باسم " الناصرة" والاسلام باسم " مكة والمدينة" وهلم جرى!..بل أن أغلب الأديان تسمى باسم آلهتها أو أنبيائها.
وبناء على هذا الطرح يتفق أغلبية الكتاب والباحثين على أن تسمية الأيزيدية مشتقة من الكلمة ايزد Ized بمعنى ( الملك الإله) و يزاتا Yazata في الآفيستا= يستحق العبادة، ويزد Yazd باللغة البهلوية وياجاتا Yajata في السنسكريتية. وبذلك يكون معنى ( أزيدي Azidi وإيزيدي Izidi و إزيدي Izedi أو Izdi عباد اللة. ونجد اسم يزيد في اسطورة لملك ايزدا Ezda ويزدان Yazdan جد من أجداد اليزيدية، كما أن يزداني Yazdani قد أطلقت على اليزيديين الأولين.
ويعلل القس سليمان الصائغ تسميتهم بانتسابهم الى إله كانوا يعبدونه إسمه " يزد" أو " يزدان" مستنداً بذلك على ما جاء في تاريخ " كلدو آشور " نقلا عن " توما المرجي" في القرن التاسع للميلاد؛ الذي ذكر في كتابه " الرؤساء" عن أهالي مدينة " مورغان " إنهم كانوا يعبدون صنماً إسمه " يزد"
ويحاول بحاثة غربيون مرموقون ومعهم بعض البحاثة الشرقيين، أن يأخذوا من الديانة الثنائية منطلقاً لوجود بعض المشابهات بين الديانتين الايرانية والأيزيدية. ألا أنهم لم يجيبوا : فيما إذا كانت الديانة الأيزيدية عرفت في بلاد إيران أم كردستان؟ ويقول أحد الباحثين في الأديان الايرانية: أن كثيراً من الوثنيين الايرانييين عبدة النار و(ش) والزرادشتيين إنقادوا ودانوا بالديانة الجديدة كأنها ديانتهم الخاصة. ويدل من كلامه هذا أن الأيزيدية ظهرت بشكلها وتعاليمها في بلاد إيران ومن هناك إنتقلت الى سائر المواقع التي نجدها فيها الآن.
ويضيف " امبسن" الى نظرية البروفيسور جاكسن: أن الطرق الدينية اليزيدية والمجوسية القديمة نشأت من الزرادشتية، والتاريخ اليزيدي الحديث متأثر من إحتكاكهم بالمسيحيين وخضوعهم الجزئي للحكم الاسلامي الذي سبب بعض التغييرات في عقائدهم، ويقول: " لا نعلم إذا كانت الأبحاث في المستقبل سوف تعزز هذه النظرية، أو تظهر نظريات أخرى أصح منها، فلندع ذلك للمستقبل" ويقول أيضا: لأجل أن نصل الى نتيجة قطعية في أصل المذهب اليزيدي نحتاج الى دراسة وثيقة في أحوال الشعوب لأن ذلك هو الطريق المؤدي الى معرفتها في آسيا الصغرى أكثر من إتباع لغتها وديانتها(...) وأن اليزيدية الذين لا يعرفون إلا النزر القليل عن أنفسهم لهم تقاليد تنبئ بأنهم وفدوا من البصرة ( السومريين) وهاجروا الى سوريا وقطنوا أخيراً في سنجار. ويميل البروفيسور كراينبروك في أبحاثه أن يربط هو الآخر بين الزرادشتية واليزيدية وأهل الحق ويقارن بين آهورامزدا وبنيامين وطاؤوس ملك.
وإذا كان بعض الكتاب الشرقيون يرجعون الأيزيدية الى المانوية فان كتاب آخرون يجزمون بأن الأيزيدية خلف للوثنية وأن المانوية هي أساس الدين اليزيدي ومنها ولد وظهر للوجود، وقد بقي زمناً منصبغاً بصبغة الاسلام ليتخلصوا من الاضطهاد وكانوا يتجنبون دائماً المسلمين الايرانيين والعراقيين، ثم زالت عنه هذه الصبغة نتيجة الآحداث التي لحقت به، ألا أن لونها لايزال باقياً. ويستند هؤلاء الكتاب في رأيهم الى وجود الدين المسيحي والموجوسية في جبل هكار قبل ظهور الشيخ عدي. وكان يدين سكان الجبال بالمجوسية ( الزردشتية) على زمن المقتدر بالله ( 282- 320هجرية)، وفي عام (299هجرية) من حكم المقتدر بالله حيث كان المنصور الحلاج (858-922) ظهر بعده اكثر من قرن إنسان إسمه الشيخ عدي في جبل الهكارية والتف حوله مريدون وأتباع كثيرون، ويتساءل الدملوجي: هل كان الناس الذين التفوا حول الشيخ عدي بن مسافر مانويين أم يزيديين؟! ويجيب على سؤاله : إذا كان لأولئك إسلام من العرب والكرد ويدينون بحب يزيد بن معاوية، فلماذا ظهرت عليهم المانوية بكل صورها وأعادوا دور ( ماني) بشكله وصوره؟
إضافة الى هذه الآراء ، فان هناك من يرجع الأيزيدية من الناحية الدينية الى النصرانية وينفي علاقتها بالاسلام بحجة وجود بعض المظاهر المسيحية كالتعميد والاعتقاد بالمسيح وإحترام البيّع والكنائس. ويؤكد بعض الكتّاب بأن الأيزيدية من أصل صابئي أو كلداني أو آشوري.
أما من الناحية القومية والدينية، فهناك من يقول بأن الأيزيديين يرجعون الى القبيلة ( التيراهية- ترياها) وأن والد عدي واسمه ( مسفر بن أحمد الكردي) تيرهي، وقد جاء ذكرهم فقط في تاريخ إبن العبري وأخذ عنه هذا الخبر الراهب ( راميشوع) في منتصف القرن الخامس عشر.
ويعتبر باحث عربي آخر ان الأيزيدية من الشعب الكردي ويعبر عن أيزيدية الشيخان ب " الداسنيين" والداسنيون هم من الأكراد الذين كانوا يوجدون في سلسلة جبال " داسن" وقد ذكرها ياقوت الحموي في معجمه وتطلق الآن على جبال المزورية.
وإذا صحت نظرية " اولمستيد" بأن عشيرة مزوري ترجع بالأصل الى عشيرة " مسوري- موسرى" الآشورية التي كانت في عهد " سنحاريب" فيما بين رافدي " الخازر" يمكننا القول بأن يزيدية الشيخان هم أحفاد تلك العشيرة الآشورية التي كانت تعيش في فجر التاريخ في هذه المنطقة.
أما أيزيدية سنجار ، طور عابدين، دياربكر، حلب، سعرد، وبدليس وماردين الى ما وراء حدود وان، فبلاد القوقاس لا جدال في أنهم يرجعون الى سلالات كردية وهم بالأصل من شعوب سلسلة جبال " زاغروس" الذين وجدوا في هذه الجبال منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة سنة.
* النظرية الثالثة :
كون الديانة الايزيدية من بين الديانات القديمة في منطقة وادي الرافدين والهلال الخصيب، تطرح فرضية وجود قرائن وعلاقات متعددة الجوانب بين الديانات العراقية القديمة كالسومرية والبابلية والآشورية من جهة، وبين الديانة الأيزيدية من جهة أخرى. ويمكن حصر جوانب الصلة بين الأيزيدية والديانات المذكورة أعلاه في:
1- بعض الطقوس والاحتفالات والأعياد وخاصة عيد رأس السنة الذي يصادف يوم الأربعاء الأول من شهر نيسان وكان يسمى بعيد ( أكيتو) عند السومريين و ( سرصال) عند البابليين والأيزيديين، وكذلك مهرجانات الربيع( إحتفالات آلهه المدن) ويسمى عند الأيزيديين ب (الطوافات)، ولكل قرية أيزيدية مهرجانها ( يبدأ بعد عيد رأس السنة ويستمر الى أواخر شهر حزيران)، ويوم الأربعاء من كل اسبوع هو اليوم المقدس لدى الأيزيدية مثلما كان الحال عند البابليين.
2- تحريم الزواج وكذلك العمل وغسل الملابس والجسم وحلاقة الرأس وحرث الأرض يوم الأربعاء وتحريم الزواج في شهر نيسان عند الأيزيديين كما كان الحال لدى البابليين،باعتباره شهر زواج الأنبياء والأولياء وشهر زواج الآلهة والملوك عند البابليين وقبلهم عند السومريين حيث كان يحتفل بزواج الإله( ننجرسو) بالالهة( باو) في مدينة جرسو.
3- التقارب الكبير بين الإله آنو السومري والإله نابو وطاؤوس ملك الأيزيدي في المجالات التالية:
أ- الإله الواحد؛ ذو الثنائية في الواحد؛ أي تتجسد في الاله الواحد قوى الخير والشّر، النور والظلام في آن واحد، والرمز المقدس الأعلى لدى الديانات الثلاث.
ب- إرتباطاً بقضايا التنجيم والفلك فان كوكب (عطارد) هو الرمز الذي يمثل هؤلاء الآلهة الثلاثة.
ت- يوم الأربعاء هو يوم كوكب عطارد( رمز لطاؤوس ملك، نابو، آنو) وهو يوم مقدس لدى البابليين والأيزيديين.
ث- الرمز الذي يعبر عنه عطارد " وهو شاب راكب طاؤوسا بيمناه حيّة وبيسراه لوح يقرأه ، وصورته الأخرى رجل جالس على كرسي بيده مصحف يقرأه، وعلى رأسه تاج وعليه ثياب خضر وصفر.
وتلعب الحيّة دوراً كبيراً في ميثولوجيا الأيزيدية وكذلك في ميثولوجيا الشعوب المختلفة، وتحتوي الأحاديث التي تروي عن الحيّة تناقضات الحياة؛ فهي التي ترتبط بالحياة والموت وترمز للخير والشّر في آن واحد وتعبر عن الحكمة والدهاء وهي رمز تفاؤل حيناً وشؤم أحياناً أخرى، وحامية لخزائن المال والحكم، ويجري الحديث عنها بنوع من التبجيل والاحترام والخوف معاً.
ه- التراتبية الدينية( الطبقات الدينية) والالتزام بمبدأ الوراثة في المراكز الدينية هي ممثالة بين الأيزيديين والبابليين.
و- وجود شخصية الاله سن وتقديسه عن الأيزيديين والبابليين.
س- إضافة الى وجود مراسيم وطقوس أخرى مع وجود أسماء ومفردات مشتركة بين الأيزيديين الحاليين والسومريين والبابليين.
* النظرية الرابعة :
إن جهود الكتّاب والباحثين هي أولاً وأخيراً محل تقدير لما بذلوه من جهد فكري كي يكشفوا الستار عن بعض جوانب الديانة الأيزيدية، أو أن يتعرفوا على تاريخها ومنبع عقيدتها، ألا أنه بامكان الباحث الفطن، أو من له إلمام ولو بسيط بمعتقدات الأيزيدية والإطلاع على طقوسهم وأدبهم الديني، أن يحاجج- إن لم يفند- فرضيات بعض الكتّاب والباحثين ومسلماتهم ، كون الأيزيدية من بقايا المانوية أو الزردشتية. أنا لا أنكر وجود قرائن وعادات وطقوس متشابه بينهما، كما توجد عبادات متشابه بين الأيزيدية والديانة المصرية القديمة أو الأغريقية والسبئية فيما يخص تقديسهم الشمس مثلا؛ حيث أن البيئات الجغرافية المتشابهة تخلق عبادات وثقافات متقاربة دون أن يكون هنالك إحتكاك بين المجموعات البشرية المختلفة.
وإذا كانت الثنوية هي المرتكز العقيدي للديانة المانوية وأنه مبني على التطرف في الزهد والتنسك وتقديس الموت وإحتقار ماديات الحياة وتحريم الزواج وإعتبار مؤسسة ماني أساس التصوف فان الأيزيديون لم يحفظوا في تراثهم الديني ولا في حكاياتهم الشفهية نبياً باسم ( ماني) أو (زرادشت)، ولا يصوم الأيزيديون 30 يوماً في نيسان كما كان يفعله المانويون، كما أن رابطة الزواج مقدسة لدى الأيزيديين عكس المانوية التي حرمها،وأن قتل الطيور والحيوانات مباح لدى الأيزيدية وليس محرماً كما كان الحال عند المانويين...الخ
ولا تلتقي الأيزيدية مع الديانتين ( الزرادشتية والمانوية) في العقيدة الثنوية ، وبهذا الصدد يمكن أن نشير الى بعض نقاط الاختلاف الجوهرية بين الايزيدية والزرادشتية والتي تتجسد في:
1- لا وجود لإله للخير وآخر للشرّ عند الأيزيدية، بل أن قوة الخير والشرّ تجتمعان في الإله ذو الثنائية في الواحد ويأتي في أحد أدعيتهم:,, يا ره بى خيرا بده، شه را وه ركه رين,, بمعنى: يا رب امنح الخير وامنع الشرّ. وفي هذا الجانب تلتقي فكرة الأيزيدية مع المذهب الجبري أو القدري في الإسلام؛ كون مفهوم الخير والشرّ هو من عند الله، وأن الانسان مسيّر لا مخيّر.
2- دفن الموتى عند الأيزيدية وإعتبار القبر البيت الحقيقي والأبدي للجسد، بينما الزرادشتيون يضعون الجثث على مرتفع عال لتأكله الطيور. وأن للروح عندهم بداية ونهاية، أما عند الأيزيدية فليس للروح بداية ونهاية بل أنها سرمدية خلقها الله قبل كل شئ ووضعها في( القنديل ) قبل أن تنتقل إلى جسم الكائن وتخرج منه بعد مماتته.
3- وإذا كان التدخين محرماً لدى الزرادشتيين فأن للتبغ مكانة خاصة عند الأيزيديين وإله يرعاه.
4- الموقف من الحيوانات المقدسة ومسألة تقديم الحيوانات كقرابين فهي محرمة لدى الزرادشتيين، أم عند الأيزيديين فان القرابين تقدم في جميع الأعياد والمناسبات ( ما عدا عيد خدر-الياس المصادف في شهر شباط).
5- لو كان زرادشت نبياً للأيزيديين، لكانوا على الأقل يذكرونه ولو مرة واحدة في صلواتهم وأدعيتهم وأقوالهم الدينية...، بينما يجري ذكر أنبياء آخرين مثل: نوح وإبراهيم الخليل وموسى وعيسى ودانيال...الخ.
6- ولو كانت الأيزيدية إمتداداً للزرادشتية، لأحتفظوا في بيوتهم على الأقل كتابي ,, زند آفيستا,, و ,, كاتها,, ووفروا على أنفسهم عناء البحث عن كتابي ,, جلوة ومصحف رش،،!
وهنا كان " امبسن" مصيباً عندما قال: " لأجل أن نصل الى نتيجة قطعية في أصل المذهب الأيزيدي نحتاج دراسة وثيقة في أحوال الشعوب- خاصة في آسيا الصغرى- أكثر من اتباع لغتها وديانتها..."
ربما بامكان المرء أن يؤسس نظرية - أو فرضية- على رأي " امبسن" . وهنا يمكن القول بأن على الباحث الذي يبغي التعرف بشكل واقعي على تاريخ وأصول الديانة الأيزيدية عليه أن يصغي جيداً لما يقوله الأيزيديون عن أنفسهم من خلال قصصهم وما يحتويه أدبهم الديني من مفاهيم ومصلحات ، وما تعنيه طقوسهم وعاداتهم وأعيادهم، ولا ينسى الباحث أن يتوقف عند أركانهم الدينية والتراتبية الطبقية ودراسة أسمائهم وأسماء عشائرهم ونوع ملابسهم. والأهم من كل ذلك أن يجد الرابط بين كل تلك الشخصيات والأفكار التي تبدو وكأنها متناثرة على مساحات واسعة من الأرض وزمن من الصعب تحديد بداية ونهاية له.
أحاول أن أعطي هنا اشارات على بعض أفكار المعتقد الأيزيدي وما يرد في أدبهم الديني الشفاهي أو في نصوصهم الدينية : الايمان بطاؤوس ملك والأربعاء المقدس- تقديس الظواهر الطبيعية- ايزيدا في بابل وعلاقته باسم الأيزيدية- قصة خلق آدم بلالش وطوفان نوح على أرض الأيزيدية( عين سفني= الشيخان)- إبراهيم الخليل- فرعون- تقديس القمر والشمس- الملائكة السبعة- الأجرام والنجوم- الحيوانات المقدسة- الشيخ آدي- حسين الحلاج- موسى وعيسى- مكة - القدس- لالش- البحر- هكار- هوري كأول أم للأيزيدية- هوري أو حوري- خالتي- دوملي-...الخ)
لقد كتبت موضوعاً باسم" ألغاز وأسئلة مخفية: نحو كيفية فهم ودراسة فلسفة الديانة الأيزيدية." أطرح فيها منهجية جديدة لفك رموز تلك الألغاز وإيجاد أجوبة لها وللعديد من الأسئلة التي لم تتم الاجابة عليها لحد الآن، وبدون ذلك فمن الصعب معرفة أصول الديانة الأيزيدية وفلسفتها تجاه الكون والخليقة.
ففكرة طاؤوس ملك قديمة قدم ظهور الأفكار الدينية، والأيزيديون يربطونها قبل خلق الكون. السؤال الآخر: ماهي علاقة الأيزيديين بابراهيم الخليل الذي خرج من حرّان ( أورفه- الرها) أو ( أور كلدان) كما يسميه البعض الآخر. هل أن ابراهيم الخليل هو نفسه موسى ( أخناتون) الذي دخل مصر وخرج منها الى سيناء وبعدها سكن أرض كنعان؟!..وهل من خيوط تربط بين عشيرة الهكارية ( الكارية ) وشعب الهكسوس الهندو -أوربي الذي انحدر من مناطق ( وان وآرارات) وحكم مصر زمن الفراعنة وإنسحب منها مع العبريين الى أرض كنعان؟! وإذا كانت حرّان هو محرف لكلمة (هق) بمعنى الإله، أو الإله الراعي، كما تذكره بعض المصادر، فهل أن العشيرة الهكارية هي نسبة الى إله تلك المدينة الإبراهيمية؟!
ولماذا يقول الأيزيديون: أن نبوخذنصر ( بخت نصر كما يسميه الايزيديون) كان أيزيدياً وذهب ليدمر أورشليم ويأخذ منهم مقدسات الأيزيدية المسروقة ( السنجق أو رمز الطاؤوس القديم- كبش إبراهيم الخليل" الصنم"- كتاب مصحف رش- والمصباح ذات الرؤس التسعة)؟!
لماذا يقدس الأيزيديون الشمس والقمر سوية؛ إذا علمنا أن عبادة الشمس خاصة بالمجموعات الحضرية الزراعية، وعبادة القمر خاصة بالمجموعات البدوية الرعوية؟...هل أن عبادة الظاهرتين( الشمس والقمر) متأصلة لدى الأيزيدية أم أنها شمس- آتون الفراعنة- أم شمس سبأ أم شمس بلاد الرافدين وميثرا والأغريق؟!
هل أن اسم الأيزيدية هو نسبة الى (ا يزيد) معبد الاله نابو في بابل أم نسبة الى ( يزدان - الخالق) أم نسبة الى ( يزيد بن معاية) أو ( يزيد بن أنس الخارجي)؟! ..هل العشيرة الهكارية والخالتية التي ينتمي اليها قسم من الأيزيدية والتي أعطت إسمها الى منطقة واسعة من كردستان تمتد من شرقي إيران الى وان والى شمال الموصل، هل هذه العشائر الأيزيدية كانت تسكن هذه المنطقة منذ فجر التاريخ وإن بأسماء أخرى، أم قدمت اليها من مناطق الجنوب؟!
إذا كان الأيزيديون " عرباً مسلمين" حقاً ومن أتباع يزيد بن معاوية، فلماذا يأتي أدبهم الديني من أقوال وأبيات وأدعية باللغة الكردية؟.
وإذا كانوا من بقايا الديانة الزرادشتية والمانوية، فلماذا يفتش الأيزيديون عن كتاب مقدس لهم ولم يحفظوا " زه ند آفيستا و كاتها " في بيوتهم؟! ولماذا لم يمجدوا زرادشت وماني في صلواتهم؟
بين أكوام هذه الأسئلة وغيرها يتم البحث عن اسم وتاريخ ومعتقد الأيزيدية. وهم بحق مرآة تعكس من خلالها عبق التاريخ وعراقة التقاليد والطقوس بحيث أصبح موزاييك رائع للتراث الديني والقومي يربط أكثر من قارة مع بعضها.
o محاضرة الى مركز الدراسات الآسيوية الأفريقية /جامعة كيل في 27 /6/2001
Zentrum fuer Asiatische und Afrikanische Studien ( ZAAS) der Universitaet Kiel