أجرت جريدة بيلد تسايتونج الألمانية في يوم 8 آذار 2006 يوم المرأة العالمي حواراً مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وكان من بين الأسئلة التي وجهت اليها :
- كان هناك حملة على البغاء التعسفي في أثناء بطولة العالم لكرة القدم. ألا يجب أن تستمر هذه الحملة على الدوام؟ وكانت اجابتها :
- رأيي أن هذه الحملة كانت جيدة. إن البغاء القسري أمر بغيض. نحن عازمون على عدم الاستسلام له، ليس في بطولة العالم فحسب، بل أيضاً على الدوام. لذلك ستقوم الحكومة الألمانية بتقديم حماية أفضل لضحايا البغاء التعسفي بكل الوسائل التي يتيحها قانون العقوبات وتنظيم المُساءلة القانونية المتعلقة بزبائن فتيات الهوى اللواتي يرغمن على ممارسة البغاء.
ألمانيا إذن التي نظمت كأس العالم تجند كل قواتها لمحاربة سوق البغاء ، لاسيما وأنهم اكتشفوا أن القوادين هيمنوا على سوق العقارات المخصصة للمدد القصيرة ، مما ادى الى انتعاش تجارة العقارات ، والظاهر ان كأس العالم هو وراء هذه الإنتعاشة لكن الباطن هو المباريات التي لعبت على هامشه وملاعبها الآسرة. وتجارة البغاء وجدت سوقاً رائجة في مناسبة دولية كهذه حيث يتجمع ملايين السياح " الزبائن المحتملين " في مدة قصيرة وفي مكان واحد. انه موسم الحصاد بالنسبة لارباب اعمال هذه التجارة المربحة.
إن التجارة بالدعارة تدر أرباحا بمليارات الدولارات وتأتي بعد تجارة المخدرات من حيث الدخل ، وتضم في ثنياها ملايين النساء من كافة انحاء العالم ، حيث تقدر دراسة حديثة لمنظمة العمل الدولية بأنه في اندونيسيا وماليزيا والفليبين وتايلاند نسبة مابين 0.25 و1.5 بالمائة من السكان الأناث عملن كمومسات وأن قطاع الجنس يشكل مانسبته من 2 إلى 14 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي ، وأن الدعارة تكون أكثر شيوعاً في البلدان الأقل تطوراً، لكنها ليست غائبة في البلدان المتطورة .
وكذلك وجد ان حوالي 2 بالمائة من النساء الأمريكيات مارسن الدعارة والتخمين الحكومي لعدد المومسات في ألمانيا يقدر بـ 150,000 وفي أمستردام بحوالي 25,000 مومس.وكانت مجلة فوربس الأمريكية الشهيرة نشرت في شهر يناير العام الحالي مقالاً بعنوان الإقتصاد والدعارة لم تتناول فيه الأبعاد الإجتماعية والدينية والنفسية وغيرها لمهنة الدعارة وانما اكتفت بعمل مقارنة بين الارباح التي تحققها الفتيات اللواتي يمارسن هذه المهنة وبين الارباح التي تحققها الفتيات المماثلات لهن واللواتي يعملن في قطاعات خدمية او انتاجية اخرى وبينت المجلة في مقالها لماذا تحصل المومسات على ارباح اكثر مما تحصل عليه نظيراتهن اللواتي يعملن من اجل الحصول على لقمة العيش.
ومن ثم قارنت الدراسة بين نظريتين نشرتا في أكبر مجلة متخصصة في العالم وهي مجلة الاقتصاد السياسي ، الدراسة الأولى نشرت في جزئين في عامي 1973 و1974 لمؤلفها البروفسور في جامعة شيكاغو والحائز على جائزة نوبل في الإقتصاد لعام 1992 تناول فيها نظريته الشهيرة " نظرية الزواج " والدراسة الثانية هي " نظرية الدعارة " لمؤلفيها لينا ادلوند وإفلين كورن والتي نشرت ايضا في مجلة الإقتصاد السياسي في عام 2002. في الدراسة الأولى استخدم بيكر تحليل السوق للإجابة عن اسئلة مثل : من ومتى ولماذا نتزوج ، واستطاع بيكر ان يبني نموذجا رياضيا للزواج قائم على فرضيتن الاولى تقول ان كل شخص يحاول ان يجد شريكا يساعده على الوصول بوسائل الراحة الى اعظم مايمكن والتي يمكن قياسها باستهلاك البضائع والخدمات في اطار العائلة ، والثانية تقول ان " سوق الزواج " هو في وضعية التوازن بمعنى أنه لايمكن لأي شخص ان يبدل شريكه وانه بذلك يحصل على وضعية افضل ضمن هذا الشرط ، وبرهن بيكر في هذه الدراسة بأنه بالنسبة لأي شخصين فأن الأرباح المحققة من الزواج مقارنة مع الارباح المحققة من العذوبية تتناسب طردا مع مداخيلهم ومع رأس المال البشري ومع الفرق النسبي بين دخليهما ، وتتضمن النظرية حقيقة ان الرجال المختلفين بما يتعلق برأس المال الفيزيائي ( الشكل ) والتعليم والذكاء " باسثناء تأثيراتها على دخولهم " والطول ، والعرق الذي ينتمي اليه بالاضافة الى صفات اخرى كثيرة تجعل الفرصة امامهم اكبر للزواج من نساء ذات مواصفات مماثلة ، ولم تتضمن نظريته تقسيم العمل بين الشريكين، واعتبرت ان ذلك يحصل من طبيعة توازن سوق الزواج ، وان هذا التقسيم كما في باقي الاسواق يتحدد بالإنتاجية الهامشية التي بدورها تتأثر برأس المال البشري والفيزيائي للأشخاص المختلفين وللعلاقة بين الجنسين والعدد النسبي للرجال والنساء بالاضافة الى بضع متغيرات اخرى. وفي الجزء الثاني من الدراسة توصل الى شرح السبب الذي يكون فيه احتمال ان يتم الزواج بين شخصين يميل احدهما الى الاخر اكبر منه بين شخصين لايوجد بينهما هذا الميل ، وهذه الحقيقة تشرح بدورها فرضية ان كل عائلة تعمل وكأنها تعظم وظيفة منفعة واحدة .
وشرح ايضا بأن تعدد الزوجات في حال السماح به يتواجد بشكل اكبر لدى الأزواج الأكثر نجاحا وان عدم التساوي بين الرجال والفروقات في عدد الرجال والنساء كانا مهمين في انتشار ظاهرة تعدد الزوجات . كما عرض تحليلاً للأنتقاء الطبيعي مع مرور الوقت والزواج المتوافق واهميتهما في فهم استمرار الفروقات بين دخول العائلات المختلفة بعد بضع اجيال. واخيرا عرض تحليلا للعائلات الأكثر تعرضاً للإنفصال أو الطلاق والطريقة التي يختلف فيها الزواج الموفق من المرة الاولى عن الزواج للمرة الثانية.
ووصل في استنتاجاته الى ان اختيار الشريك هي عملية اقتصادية تتم في سوق الزواج ، وتحدث هذه العملية اذا كانت مربحة لكلا الطرفين المعنيين. وبهذا فقد سمح بيكر للعوامل غير النقدية مثل الحب والعاطفة والمودة بين الرجل والمرأة والصحبة الرومانسية بالدخول في ميزانية الأرباح والخسائر. كما افرد دراسة خاصة تناول فيها نوعية وكمية الاطفال ، واعتبر ان الزواج يمكن ان يقدم " الارضاء الجنسي والنظافة والاطعام وخدمات اخرى وكذلك فانه يؤدي الى انجاب الأطفال وزيادتهم ".
من جهة ثانية فقد أثار الإقتصاديان لينا ادلوند وإفيلن كورن ، وهما اقتصاديين محترمين ، ضجة في الاوساط الأكاديمية قبل بضع سنوات عندما نشرا " نظرية الدعارة " في مجلّة الإقتصاد السياسي ذاتها. ويعتبر البحث جديراً بالملاحظة ليس فقط لانه تم قبوله للنشر من قبل مجلّة رئيسية وإنما لأنه إعتبر الزوجات والعاهرات كـ" سلع " إقتصادية يمكن أن تحل احداهما مكان الاخرى. حيث أن الرجال يشترون والنساء يبعن.
واعترف كل من ادلوند وكورن بأنّ الزوجات والعاهرات ليسا متشابهين تماماً. فالزوجات، في الحقيقة، هي أرفع من العاهرات في المعنى الإقتصادي أي لا يصبحن سلعة يزداد إستهلاكها حينما يرتفع الدخل كالنبيذ الفاخر مثلاً. وقد يوضح هذا لماذا تكون الدعارة أقل انتشاراً في البلدان الأكثر غنى. لكن النتيجة تبقى بأنّ الزوجات والعاهرات " إن لم تكن بالضبط مثل الكوكا والبيبسي " وإنما شيء مشابة إلى الشمبانيا والبيرة. أشياء من نفس الصنف.كما هو الحال مع بيكر، المفتاح الذي يميز نموذجه عن نموذج أدلند وكورن هو إعادة إنجاب الجنس البشري. الزوجات يمكن أن يقدمن الأطفال، أما العاهرات فلا يستطعن.
ولكي يكونا عادلين، ادلوند وكورن كانا يبنيان نموذجاً مجرّداً في الحقيقة بشكل إجمالي من السلوك البشري في محاولة للإجابة عن سؤال مزعج: لماذا يجمعن المومسات الكثيرا من المال؟ الدعارة كما ذكرا في دراستهما هي مهنة تحتاج الى مهارة منخفضة لكنها تعود بدخل عال نسبة الى التكاليف المصروفة عليها مقدما، فيكفي لبس فساتين قصيرة ودقيقة واحذية ذات كعب عال وأدوات تجميل ولربما شعراً مستعاراً او حاملتي صدر مستعار.
رغم ذلك وطبقا للبيانات التي تم جمعها من أنواع واماكن متنوعة وفي أوقات مختلفة تتراوح مابين فرنسا في منتصف القرن الخامس عشر إلى ماليزيا أواخر التسعينيات، فان المومسات يجمعن اموالا اكثر وفي بعض الحالات، اموالاً أكثر بكثير مما تجمعنه الفتيات العاملات اللاتي يعملن من اجل لقمة العيش. ويصدق هذا حتى في الأماكن حيث الدعارة فيها قانونية وآمنة نسبيا. باختصار فالمومسات لا يدفع لهن بالضرورة أكثر بسبب خطرهن المتزايد لتعرضهن للدخول الى السجن أو الى المستشفى.على الرغم من مزحة جيري هولس عندما كانت متزوّجة من ميك جاغر، بأنها جارية في غرفة الجلوس وعاهرة في غرفة النوم، " فالمرأة عادة لا يمكن أن تكون زوجة وعاهرة معاً. " وبدمج هذه الحقيقة مع حقيقة بأنّ الزواج يمكن أن يكون مصدر دخل مهم للنساء، يترتب على ذلك بأن الدعارة يجب أن تكون مدفوعة الثمن بشكل أفضل من الوظائف الأخرى للتعويض عن تكلفة الفرصة البديلة نتيجة للتتخلي عن الدخل الممكن الحصول عليه من " سوق الزواج " هذا ماوصلا ادلند وكورن اليه من استنتاج.قول آخر: "هذا يقود الى السؤال لماذا يذهب الرجال المتزوجون إلى المومسات (بدلا من <شراء> ذلك من زوجاتهم، اللواتي من المفترض ان يكن <موردات> اكثر رخصاً باعتبار أنّهن يمكن أن يبعن الجنس حتى بدون مساومة ذلك مع أزواجهن).
"بالطبع، من السهل نقد بعض الفرضيات الموجودة في نموذج ادلوند وكورن الرياضي. لكن مايدعى " بالحقائق التجريبية " التي من المفترض توقعها في السلوك البشري؛ فإنهما لم يدعيا بأنهما يعكسانها بالضرورة.
ان الفرضية بأنه ليس هناك "طريق ثالث" بين الزوجة والعاهرة هي فرضية صعبة، إن لم تشكل هجوم بشكل تام : "البديل الثالث، العمل في شغل منتظم لكن بدون زواج، يمكن أن يستثنى، كونهما يفترضان بأنّ الجانب السلبي الوحيد للزواج بالنسبة للمرأة هو التخلي عن فرصة الدعارة ." وذلك نابع من الفرضية التي اعتمداها بأن المرأة لايمكن ان تكون زوجة وعاهرة في آن معا. أيضا، التأكيد على منفعة الأطفال شيء محير. فقد هبطت معدلات خصوبة في أكثر الديمقراطيات الغربية في الوقت الذي ازدادت فيه الثروات .
ودلت التجربة على أن الرجال لا "يشترون" عاهرات أقل كلما ازدادوا غناً لكنّهم ينجبون أطفالاً أقل ايضاً. يوضح تحليلهما الإقتصادي للزواج ظاهرة قديمة : بحث المرأة عن الأموال والهدايا الثمينة لدى الرجال.
يقول الكاتبان "بشكل خاص، هل يعمل تحليلنا على تبرير الإعتقاد الشعبي بأن النساء الموهوبات والأكثر سحراً والأجمل يملن إلى الزواج من رجال أكثر نجاحا وأكثر غنى؟ "بكلمة أخرى، نعم، فعارضات ازياء جميلات يفضّلن اثرياء معمرين. وغاري بيكر أثبت ذلك رياضيا قبل عقود من زواج ميلانيا من دولاند. والخلاصة هي ان المومسات عموما شابات وغير متعلمات . ولا يحتاج عملهن الى مهارات وتكاليف كبيرة وهو عمل ذو عائد مادي كبير نسبة الى التكاليف الأولية . لكن المومسات يربحن اموالا كثيرة وفي بعض الحالات اكثر بكثير من نظيراتهن العاملات من اجل الحصول على لقمة العيش .
هذه الملاحظة تبقى صحيحة حتى في الأماكن حيث الدعارة فيها قانونية وأكثر أمناً وبالتالي لايمكن تفسير ان العاهرات يكسبن اكثر بسبب المخاطر الكبرى التي تحيط بمهنتهن سواء بدخولهن السجن أو المستشفى.إذن المومسات يربحن كثيراً من المال، لكن ما مقدار هذا المال الأكثر؟ المقالة التي نشرتها فوربس تعرض هذا الفرق في سبع اوقات وسبع اماكن مختلفة.
فرنسا: القرن الخامس عشر كانت الدعارة قانونية ومربحة. وكان العامل العادي في الزراعة يكسب 2 بلانك (العملة في ذلك الوقت) في يوم عمل كامل. بينما كانت المومس يُمْكِنُ أَنْ تحصل على ذلك المبلغ بساعة على اغلب الأحوال.
الإمبراطورية اليابانية : في عام 1934 كانت فتاة غيشا " راقصة يابانية " تربح أكثر مِنْ أربعة اضعاف المبلغ الذي كانت تحصل عليه بنت عاملة في المصنع. حتى أن المومسات تكسبن تقريباً سبع مرات أكثر ممن يعملن في العمل المضني. بالاضافة الى ذلك فقد كانت الراقصات اليابانيات والمومسات مجهزات بغرف ولم يكن يخترقن اي من القوانين.
دار الدعارة نيفادا، بداية سبعينات القرن العشرين : كانت الدعارة ولاتزال قانونية في مُعظم نيفادا، ولكنها محصورة في دور البغاء. في 1973, كانت المومس تجني مايعادل 350 دولاراً في الإسبوع ولا تدفع إيجار، بينما كان عامل مثالي في قطاع الخدمات يحصل على 3.36 دولار بالسّاعة أَو 135 دولاراً في الإسبوع.
ألمانيا الغربية، بداية الثمانينات : في 1981، كانت المومسات في ميونخ يحصلن على ارباح تتراوح مابين 50,000 و110,000 مارك ألماني سنويا. متوسط الأجور السنوية في ألمانيا الغربية في ذلك الوقت 25,175 مارك ألماني، وبالتالي فقد كانت المومسات يعشن حياة لطيفة جداً في الحقيقة. وماتزال الدعارة قانونية في ألمانيا.
لوس أنجلوس، بداية التسعينيات : كانت مومسات الشارع يكسبن اموالا أقل من تسعيرة الفتيات اللواتي يدعين بالهاتف للترفيه لكنهن بقين يحصلن على اموال أكثر من الشابّات ذات المؤهلات والمهارات المماثلةِ اللواتي يعملن في العديد مِنْ الوظائف في قطاع الخدمات. احصائية أجريت على عيّنة مؤلفة من 1,024 من مومسات الشوارع بين 1990-1991 أظهرت بأن المومسات يكسبن 23,845 دولار بالسّنة، بينما عاملات الخدمة يكسبن 17,192 دولاراً بالسّنة.
كويبيك في كندا 1993: المومس الذكر اقل شيوعاً من المومس الأنثى ويكسبون أقل بكثير منهن ، وطبقاً لدراسة اجريت في مونتريال تم مقارنة مايحصل عليه المومس الذكر مع ممرضي المستشفى، تبين أن 75 % من العاهرات وفقط 35 % مِن العاهرين يكسبن أكثر من 50,000 دولار سنوياً. ويبقى أفضل من بعض الأعمال الطبية؛ ولم يوجد ولا واحد من ممرضي المستشفيات الذين شملتهم الدراسة يكسب أكثر من 50,000 دولار سنوياً.
إسبانيا، 1995 : أنواع مختلفة من المومسات يحصلن على دخول مختلفة في برشلونة في منتصف التسعينات حيث يمكن لفتاة ترفيه راقية تدعى عن طريق الهاتف والتي تبقى فقط مع زبون واحد باللّيلة ان تكسب 1,000 دولار. أما في دار للدعارة ذو مستوى منخفض فقد تكسب المومسات الصغيرات 300 دولار باليوم مع عدد من الزبائن. حتى العاهرة الأقل مستوى كانت تحصل على اموالا معقولة في الوقت الذي فيه الدخول السنوية للعديد من الإسبان في عام 1994 تعادل فقط 18,799 دولار امريكيا.
_____________بوخارست