150، 200، 280، 300، 350، هذه بعض الأرقام التي بقيت في ذهني من خلال متابعتي كما كل الناس هذه الأيام للقنوات الإخبارية المتسابقة لبث صور الموت و الدمار بغزة. أرقام تعبر عن حجم الكارثة الواقعة بغزة، عن عدد الشهداء، الضحايا، القتلى، ربما لا تهم تسميتهم هنا و لا اللون الإيديولوجي الذي ترتديه تلك التسمية بقدر ما يهم فعلا عددهم الرهيب المتصاعد، لأنّ ترمومتر الموت لا يعرف النقصان أبدا.
ما يهم أيضا، هو كيفية جعل الترمومتر ثابتا عند عدد معين، أو على الأقل جعله بطيئا، لأنه و للأسف حتى هذه المهمة صعبة جدا، إلا في حالة رضا الأسياد عنها. آلة الموت لن تتوقف إلا أرادوا هم.
الإعلام في زمن العولمة خلق لنا متعة جديدة و فرجة ممتعة و مؤلمة في آن واحد، تجعل من المشاهد إما ساديا أو مازوشيا. يسارع المراسلون و الصحفيون إلى الظفر بالخبر اليقين و تأكيد عدد الضحايا في كل مرة، يحسبون و يعدّون و نحسب و نعد معهم لعلهم يخطئون، نترقب و ندقق في كلامهم لعلّنا نجد تناقضا في العملية الحسابية البسيطة التي يقومون بها، 4 موتى جدد زائد 380 سبق و ماتوا يساوي 384 ميتا، يتوقع المحللون تزايد عدد الشهداء و يزيد فعلا، لأن الأمر لا يحتاج لمحلل ذكي يكلف القناة الفضائية مالا و تعبا و اتصالا بالأقمار الصناعية، ما دامت أسباب الموت مستمرة كما تم التخطيط لها.
أطفال غزة يمثلون أكثر من نصف سكانها، يا ترى كم سيكونون بالنسبة لهذه المدينة المنكوبة بعد انطفاء نار الجحيم التي اشتعلت لتوها؟ أكيد عددهم سينقص، لكن بالمقابل عدد الشيوخ و النساء والكهول و الشباب أيضا سينقص. الأمر بديهي. لكن من سينقص أكثر؟
الجواب على هذا السؤال سنسمعه من إحدى القنوات التي ستحقق السبق الصحفي بعد انتهاء ما يحدث، و تأتي لنا ببيانات و أرقام دقيقة بعدما يتوقف ترمومتر الموت عن الصعود.
ليس لنا إلا متابعة الفضائيات، و مساعدتها في تدقيق عدد الشهداء.
و لكن، أثناء هذه المتابعة، نكتم في أنفسنا حلما جهاديا يرفض الظهور إلا عند تحققه، نتمنى خلال مشاهدتنا لصور الموت و الدم، أن نسمع عن رد فلسطيني قبل كل شيء و ليس عربي، رد جهادي فلسطيني مهما كان لون عباءته أو اتجاهه السياسي، رد يجعلنا نرضى و نطمئن، و أكيد أن الأغلبية تتمنى توقف كل هذا، لكي نعود لحياتنا العادية كما كانت، و نرتاح من مشاهدة القنوات الإخبارية و التدقيق في عدد ضحايا العدوان الصهيوني.
**ناشط اجتماعي جزائري
djameleddine1977@hotmail.fr