كلنا عملاء فمن هم الشرفاء يا غزة؟
وَهم هذا الذي نعيش فيه ، والوهم الحقيقي أن نفكر للحظة واحدة أن تستل قلمك من غمده، وتتركه ليسيل بمداده على ورق أصم ، ليخاطب عقول صماء ، وقلوب عمياء ، وأنت تحت النار ، تترقب أن يحتضن منزلك صاروخ أو قذيفة ، أو يأتيك خبر استشهاد أخ أو إبن أو قريب أو صديق ، أو جار أو عزيز ، أو عائلة تُدفن تحت ركام منزلها المتفجر بجثامين الأطفال .
الوهم أن تكتب وأنت تشاهد حفلة شواء للأجساد الحية ، وبقايا القطع البشرية تبحث عن مدفن مع جسدها الأصلي ، وأناس تترقب الموت بسماء ملبدة بالقاذفات المتنوعة من أنواع التكنولوجيا الطائرة .
كل هذا الوهم وأنت تبحث عن عودة التيار الكهربائي لترى الشجر والبشر والحجر المتناثر في غزة لتحاكي الزمان والمكان ، ولتشهد نكبة أخرى أشبه بنكبة أولى مر عليها ستون عاماً ، لم تمحوها بعد ذاكرة الشهود الذين لا زالوا أحياء . هذه الذاكرة التي استرجعت من كل الألم مشهداً واحداً هو المشهد الخياني فقط ، دون النظر إلى الإجرام الصهيوني ، ومآسي الشعب المكلوم ، المفجوع .
والوهم الأكبر أن تصمت أكثر وأنت ترى الحناجر وسط الضوضاء ، ووسط الركام لا تزال تسجل مواقف مخزية ، تشارك بها بفعل الجريمة كشريك فعلي ومؤثر ، وتخط سير المعركة الحربية والنفسية .
فالشرفاء عند المآسي والكوارث دورهم شحذ الهمم ، ورفع المعنويات ، والعزف على الجرح بالكلمة إن لم يستطع التضميد ، فالكلمة سلاحُ معنوي يعيد النصر للنفوس المتألمة الشهيدة تحت ركام القهر والموت والاستنزاف ، شعبُ يموت حربياً وعسكرياً ، ونفسياً ، وينتظر بريق من الأمل أن يسطع من هؤلاء المتفذلكين بأقلامهم وحناجرهم ، أو بصيص من الشرف يعيد للأنفس النشوة بالنصر ، ولكن تأبى تلك الأقلام إلا أن تؤكد سطور الهزيمة التي أعلنوها منذ أن صفقوا للانقسام وهللوا للوهن الفلسطيني ، بتوزيع شهادات الشرف على فئة ، والعمالة على فئة أخرى حتى كانت هذه النتيجة التي خططوا لها ، والنكبة التي قادها الطابور المختبئ خلف ستار الوطنية تارة ، والقومية تارة أخرى ، والدين تارة ثالثة ...الخ من مسميات العولمة التي نعيشها ، ومن رحم الهزيمة التي غرسوها بعقولهم وأقلامهم الفاسدة وحناجرهم النتنة .
إذن فمن الوهم أن تكتب وجرحك ينزف ، وعقلك مشتت ، وذهنك غير نقي ، ووضعك غير سوى ، ولكن ليس من فعل الطائرات الهادرة بسماء غزة ، ورائحة الجثث المتناثرة تحت الأنقاض ، والمشاهد الصاعقة التي تراها بأم عينيك ، ولكن الوهم ينبع من هؤلاء الذين لا زالوا يساومون بأقلامهم وحناجرهم على الجثث الفلسطينية ، والدم الفلسطيني المتدفق كنهر في وادي الألم.
فإن كانت الدول العربية ( الأنظمة ) خائنة وعملية وسأسلم فعلاً وجدلاً بذلك تحت تأثير الفعل الحقيقي لما يحدث في غزة ، فأين الشرفاء من هذه الأنظمة الذين أرهقونا بشعارات المقاومة ودعم المقاومة ، ودول الممانعة ، وساقوا علينا الشرف مراراً ، أين هم الآن من الحقيقة ؟ فهل الشعب الفلسطيني يحتاج ثرثرة فارغة ؟ وهل الموت يقابل بتصريح هنا وآخر هناك ؟ وهل تطفئ المحرقة بالمزاودات على الفضائيات ؟ وهل حركة حماس (إن فرضت إنها تواجه المذبحة لوحدها ) تحتاجكم بوقت غير هذا الوقت ؟ أليس هذا وقت نجدتكم وتطبيق شعاراتكم ؟ أليس الآن الآن نحتاج لمواقفكم ، وترسانة أسلحتكم ، وجيوشكم التي أكلها الصدأ وكساها الغبار ، وتجمدت أطرافها ؟!
أيها الوهم المعشش في عقولنا هل لنا أن نصطدم لحظة واحدة بالحقيقة وننفض الغبار عن هذه العقول المتكلسة لنفهم ونعي إننا نشارك في الجريمة ، فعودوا لرشدكم ، فأنتم البلهاء الدهماء الأغبياء ، تشاركون بالمذبحة فعلاً وقولاً ولا ينقصكم وينقص خيانتكم سوى ارتداء بدلة رجال الاستخبارات الصهيونية التي تخوض حرباً نفسية بجانب الحرب العسكرية وتقوموا بدوركم علناً .
إن الشعب الفلسطيني لا يحتاجكم ولا يحتاج أقلامكم التي فرقتنا ومزقتنا وجعلتنا فريسة سهلة المنال للعدو ، فأنتم بنظري عملاء بكل ما تحمله الكلمة ، ومشردون تبحثون عن ستر بقميص خياني نجس قذر ، تبحثون عن ضالة في فضائية تسترزقون منها ، وصحيفة تنشر مفاسدكم وعمالتكم ، وأنتم تتسامرون بعروشكم العاجية توزعون التهم جزافاً على شعب يقتل .
فالوهم أن هناك من يصفق لهؤلاء ويروج لهم وكأنهم شرفاء أتقياء .
فغزة صامدة وستبقي صامدة بأهلها حمساويين ، فتحاويين ، جبهاويين ، جهاديين ، وكل طفل بها لا زال يرفع لواء التحدي الموشح براية فلسطين ، تاركاً لكم عار لن تغسله من أبدانكم وعقولكم كل الاعتذارات .....
30/12/2008