لا يمكن أن يُغفل التاريخ- و مهما كانت نتيجة الحرب التي يشنها الكيان الاسرائيلي منذ ستين عاما على أرض فلسطين الطاهرة و هذه الحرب الأخيرة التي لم يهدأ أوارها بعد على غزة- قدرة هذا الشعب الغريبة على الصمود و المقاومة و رفضه الركوع للغاصبين و إيمانه العظيم بقضيته حتى و إن كانت السلطة الفلسطينية في صورتها الشكلية تنحو منحى الأعداء في قراراتها و تستفيد من موقعها السياسي ضاربة عرض الحائط بتاريخ البلاد و جغرافيتها المحتلة . لقد استطاع هذا الشعب أن يصنع من ذاته و من تاريخه نواة كانت كفيلة لصنع أجيال و أجيال من المقاومين الباسلين وجدت في هذه الحرب الاخيرة أقوى تجلياتها. و إذا كانت وشائج هذه الحرب تجمع كل الشعوب العربية في مستوى اللغة و الدين قبل الحق في العيش الانساني فإن موقف الدول العربية جاء غريبا غريبا يفضح تواطؤها اللامشروط مع القوى المتحكمة في العالم و يثبت أن رؤساءها ليسوا سوى يد عاملة رخيصة لهذه القوى و أن هذه الشعوب التي وقع تسييسها لمجرد التصفيق وقفت موقف العاجز الذي لا يحير جوابا إذا دعي إلى الحلبة.
لقد أعجز هذا الشعب مجلس الأمن و فضح خوف رؤسائه على مناصبهم السياسية بل فضح كل العالم الذي صار مجرد مستهلك للبضاعة اليهودية ثقافية كانت أو غذائية او صناعية و جعل اسرائيل كالأفعى التي تأكل ذنبها فإذا كانت تحارب حماس فإنها هي التي صنعت حماس و إذا كانت تساوي بين المقاومة و الارهاب فقد صنعت المقاومة لأن الكيان الاسرائيلي هو الحامي الأول للارهاب و لا يمكن أن يقف شعب مكتوف الايدي و هو يرى أرضه تسلب منه.
إن القضية الفلسطينية تتقاطع مع الحق الانساني و تمثل دليلا واضحا على أن حوار الأديان في عصرنا كذبة كبرى يستفيد منها السياسيون ليبينوا سيطرة الدين الأول تاريخيا و انه سيبقى الأخير لا لأنه الأكثر وجاهة و لكن لأن لديه الوسائل الاقتصادية و العسكرية و الاعلامية للاستمرار في عصرنا- هذا العصر الذي صنع الانسان-العبد بعد أن صنع الانسان-الآلة و لو كان الأمر في عصرنا غير ذلك لكانت القدس عاصمة الديانات جميعا ملتقى الانسانية جميعا دون تمييز.
و لو أراد الشعب اليهودي أن يسكن أرض فلسطين على اساس من الدين لكان الأمر طبيعيا و لكن الاحتلال الاسرائيلي بأقلية من اليهود مقابل طرد شعب كامل و تشريده بتعلة الهولوكوست أو المحرقة اليهودية-و التي يعتقد عدد لا يستهان به من المؤرخين النزهاء بعدم صحتها- صنع طيلة ستة عقود من الزمن محرقة هي وصمة عار في تاريخ العرب و الانسان.