آخر الأخبار

اليمن: بين أزمات الداخل وتدخلات الخارج

، او الاقتراب منها ، لأن فيها ما يؤرق ، ولأنها تلامس جوهر الاشتباك في عمقها ، ذلك الذي يمكن أن يشعل في ثناياها حقبا من الصراع السياسي المرير.

تؤجل الانتخابات وتبدو الانفراجات وهما قابلا للتكرار، وإبقاء الأوضاع وإنتاج نخب الفساد الحاكمة كما هي ، يتقاربون ، يتحاورون ، يتناورون ثم يبتعدون ليعودون من جديد ، حين تصل التوترات حد التماس مع فتيل انفجار ما ، ثم ترتخي تلك الوتيرة المرتفعة ، لتعاود أحزاب المشترك عملية تجديف حواراتية من جديد ، وهكذا دواليك ، لتبقى التهم عبر منابر الإعلام هي تردد موقف من تواليه ومن خلالها نجد أن كل واحد يرمي الآخر بالتنصل .

على الجانب الآخر تعقد المشاورات،والنقاشات ، بين نخب الأحزاب ، ويبدو كل شيء محسوما سلفا ، وعلى ما يرام ، تتكهن الصحف المستقلة بشيء ما يمكن أن يكون حاسما لحسم الوضع ، لكن لا شيء من ذلك يحدث ، فالنظام أجاد حسم الواقع الوطني بما يتناسب مع بقاءه ، وفرض إرادته.

وحده البؤس يتنامى، ووحدهم الطفيليون المنتفعون في اليمن يتبرجزون على حساب الشعب والوطن ، وقضاياه المصيرية الكبرى ، فيما جنوب الوطن يراكم ما ينبئ عن شيء ما ليس جيدا في جعبته ، المزايدة على وحدة ووحدوية الشعب في الجنوب لا يصح ، لكن وحدويته مرهونة بشراكته الفعلية ، تلك حقوق ، أغفلها الساسة المهيمنون ، الذي حبكوا اللعبة حتى في المعارضة كي تتسق مع تحقيق مبدأ المركزية المهيمنة جغرافيا وقبليا ، تلك المشبعة بها عقولهم ونفوسهم ، حتى نخاع التفكير.

ثمة ما يؤشر عن وجود يد خارجية في اليمن ، كما يبدو ، فترحيل القاعدة إليها ، والحديث المسهب عن وجودها ، تنسيقا خارجيا حبكته الولايات المتحدة الأمريكية ودول فاعلة في المنطقة كما يتكهن سياسيون ، لجعل ذلك مبررا كافيا لتنفيذ أجندات سياسية تصب في صالحها وتعيد صياغة البلاد وفق أهدافها ، فاستغلال خلل القدرات الأمنية في اليمن ، والإشادة بقدرات الأمن السعودي ، هو تعاقد مستتر ربما ، بين أميركا والسعودية التي منحت صك تفوق أمني من قبل الأخيرة يؤشر نحو ذلك ، فدوائر القرار الغربي ذات التأثير في المنطقة ترتأى أنه ربما الأضمن لمصلحها تفويت فرص صعود أحزاب مدنية ذات مشاريع وطنية حقيقية ، لا تحوي في إطارها إمكانيات خادمة لمشاريع الهيمنة الأمريكية أو العالمية والقوى الإقليمية المؤثرة ، فالبلاد ، تعيش في ظل أوضاع سياسية واقتصادية وأمنية عصيبة ومترهلة وتسير بخطى ثابته في ظل السلطة الحالية الحاكمة نحو الانهيار الوشيك ، كما تؤكد تقارير أبحاث غربية بذلك ، وهو ما يعني أن اليمن ستتوزع جغرافيا إذ لم يكن هناك عقلاء حقيقيون بين هذا وذاك ، الأمر الذي يقسم اليمن إلى" يمنات" متعددة ودويلات متحاربة فهدف اليد الخارجية هو هدف تجزيئي بالأساس لليمن ووحدته ، وإعادة صياغته بما يتلاءم مع أطماعها في المنطقة العربية ككل.

*الحوثيون لن يستسلمون

الحوثيون لن يستسلمون ، فهم يرون ذواتهم مشروعا ناضجا ، قد يمثل بديلا أو وجودا مؤثرا فاعلا في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية في اليمن ، هكذا ربما يؤمن أتباع الحوثي ، الذين تتهمهم السلطة بالولاء لإيران ، ومحاولة تأطيرهم وتوصيف أزمة صعده كقضية وطنية من قبل القوى المعارضة في سياق حواراتها الوطنية ، عملا جيدا ويتناغم مع تطلعات الكثير ، لكنها أمنية لن تتحقق بهذه السهولة ، من يملك، أو من يمثل مشروعا ما ، يرى أنه قد ضحى من أجله من المستحيل أن يكف عن لغة الزناد ، أو يترك سلاحه ، في ظل وجود قوى كما يرى تتبع في نضالاتها طرقا دستورية وسلمية ، لأنهم يرونها غير مجدية في ظل تصلب صانع القرار اليمني وهنا -مكمن قوتهم - عن تقديم أي تنازلات تخدم الديمقراطية في البلاد ، وضمانات تجعل الانتخابات شفافة وتفرز تشكيلة حقيقية من التوازنات الهامة لاستمرار اليمن موحدا ، وآمنا.
في الحلقة النقاشية بمقر الحزب الاشتراكي اليمني الأحد الفائت و التي تحمل عنوان "قضية صعده كأحد مظاهر الأزمة الوطنية" قلت أن وصف قضية ما بأنها وطنية أو لا ، يستوجب وضعها أمام معيار قانوني ودستوري يحدد ما إذا كانت وطنية او خارجة عن كونها كذلك ، فأزمة صعده أزمة مركبة وعميقة لأنها أولا صنيعة نظام سياسيا أفلت زمامها من يده ، لتتحول إلى قنبلة متشضية في جسد الوطن ، وبالتالي فإن لغة السلاح لا تدل على ان ما حدث في صعده له مبررات قانونية ودستورية من قبل طرفي الدم " السلطة والحوثيون" .
هذه الحرب التهمت بحسب البعض 12 ألف جمجمة يمنية من الطرفين ، وبالتالي فإن التساؤلات الحقيقية والجوهرية التي تقول لماذا ومن أجل ماذا سقطت هذه الجماجم .؟
السلطة رفعت في معركتها الهلامية تلك ، شعارات مختلفة منها محاربة الإمامة ، وقوى التمرد والقضاء على الفتنة ، والحوثيون رفعوا شعارات مختلفة في معاركهم تلك التي حاربوا فيها بعقائدية أسطورية ورددوا في مجمل زواملهم " والموت دونك يا شعار" ، وبالتالي على الشعب وقواه السياسية أن يضعوا السطة والحوثيون أمام أسئلة كاشفة لا تعرف التمويه ، أن يسألوا السلطة لماذا عاد من أسمتهم بجحافل الإمامة بعد خمسون عاما من الثورة اليمنية ، وأن يسألوا الحوثيون ما هو الشعار الذي يستوجب الموت من أجله ، ويموت الشعب في سبيله في معركة لا ناقة للوطن فيها ولا جمل.

قد يدرك ذوي المساعي الوطنية الهامة في البلاد ، أنهم أمام تحديات ليست بسيطة ، لكن ذلك يتوقف على إرادتهم واجتماعهم على كلمة سواء ، فالبلاد لا تحتاج غلا ترهل ، والرضا بمكاسب لا يصب القبول بها مستقبلا في مصلحة الوطن ، هناك أزمتان حادتان يتخللهما وجود قوى متطرفة هي صناعة غربية سلطوية بامتياز ، الأولى احتقانات جنوب الوطن ، وإمكانية تحريك ورقة صعده من جديد ، وعليه بد من مواصلة لملمة الجهود الوطنية وتكثيفها ، لتصبح ثقافة مجتمعية يمكن أن تبني على أنقاض ثقافة الانقسام الراهنة وحدة وطنية حقيقية.
------------------------
Antwfe_25@hotmail.com