ويود المرء لو أنه توقف عن انتقاد أوضاعنا المعكوسة ليبرز مدى تقدم بلاده وتفوقها فى صناعة أو إبداع أو ابتكار هنا أو هناك، كما يود المواطن منا أن تتقدم بلاده لا أن تسبقها دول كنا لا نأبه لها...ولكن فى ظل حكام دكتاتوريين فليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
يدرك العاقلون أن كثرة الوعود الزائفة تورث فقدان الثقة بين الأنظمة الدكتاتورية - مصر نموذجا- وبين شعوبها وهو أمر يبعث على التشاؤم فيما يتعلق بمستقبل العلاقة بين الحكام والمحكومين ومن ثم فلا يُرجى نهضة فى ظل هذا المناخ الذى يئد الاستثمار الحقيقى.
معاداة الجميع من القضاة حتى سائقى المقطورات
والحق أن مثل هذه الأنظمة لا سيما مع تغوُّل صبيان لجنة السياسات هى أكبر خطر يتهدد مصر ومستقبلها، ونظرة سريعة لما آلت إليه أحوال بلادى تنبئ أن المآل إلى ما هو أسوأ، ولسنا ننجم غيبا لكننا نقرأ مقدمات تشير حتما إلى نتائج بالغة السوء وانظروا مثلا إلى أحوال بلادى والاضطرابات فيها...نجد أن هذا النظام يعادى الجميع فهو يعادى النخب السياسية ويعادى الأحزاب التى تريد أن تكون جادة ويمنع الترخيص لها بمزاولة العمل السياسى ويعتقل النشطاء السياسيين ويحاكم المدنيين بمحاكمات عسكرية( الإخوان ومجدى حسين على سبيل المثال) ويعادى النقابات ( المهندسين/ الأطباء/الصيادلة/ المحامين/ المعلمين) ويخاصم عمال المحلة، وعمال السكة الحديد، ويعادى القضاة، ويغازل - بغباوة رائعة - الصحفيين، ويخاصم العاملين بالضرائب العقارية حتى سائقى المقطورات لم يسلموا من غباء هذا النظام.
والنتيجة الطبيعية لهذه المعاداة زيادة الاحتقان وقلة الانتماء وتأخر التنمية وبلغة موجزة فإن المواطنين هم الذين يدفعون ثمن هذه الخصومات من رخاء بلادهم وفرص نموها وتقدمها.
رب يوم بكيت منه فلما جاء غيره بكيت عليه
فى أمثالنا العربية مثل يعبر عن واقعنا السيئ - وما كان سيئا إلا بجهل أولى الأمر فينا- خلاصته " رب يوم بكيت منه فلما جاء غيره بكيت عليه" والحق أن مآلنا يسير من سيء إلى أسوأ بسبب الخطر الذى يتهددنا وأعنى به هؤلاء الدكتاتوريين انظروا لمآل مصر( مع حفظ الألقاب لكل):
من كمال الجنزورى رئيسا للوزراء بالأمس لأحمد نظيف حاليا.
ومن أبى غزالة وزيرا للدفاع بالأمس لطنطاوى حاليا.
ومن عمرو موسى وزيرا للخارجية لأحمد أبى الغيط حاليا.
ومن جاد الحق على جاد الحق شيخا للجامع الأزهر لسيد طنطاوى حاليا.
ومن أحمد جويلى وزيرا للتموين لمصيلحى حاليا.
بل من جمال عبد الناصر والسادات كرؤساء لمصر لمبارك (الأب اسما والابن فعلا حاليا)...وأمثلة ذلك واضحة للعيان لولا أن يكابر المنافقون.
إن بعض هؤلاء لم يكونوا مثاليين قدر ما واقعنا المعاصر يعبر عن هوة سحيقة انحدرت اليها مصر بفعل هؤلاء الصبية وحقا إن يوما بكيت منه فلما جاء غيره بكيت عليه.
إن هؤلاء- المعاصرين- خطر يتهدد مصر والإطاحة بهم واجب من أجل مصر، والكيفية منوطة بالقادرين، والكسل عن مد يد المساعدة لكل قادر معصية، وما زلنا نأمل فى المستقبل خيرا... ذلك أن استشراف المستقبل من الحاضر يدعو للتشاؤم لكننا نثق فى أن مستقبلنا قد يكون - ولو على البعيد - أكثر أملا.