آخر الأخبار

الجنيداتي :صائد الأفاعي العجائبي في قرى الساحل

تميزت القرية الساحلية قديما و قبل انتشار البيوت الإسمنتية في أرجائها المختلفة بحضور لافت و مهم لرجل يلقب بالجنيداتي مهمته صيد الأفاعي و استخراجها من أوكارها في أسقف و جدران البيوت الطينية آنذاك فكان الجنيداتي في ما مضى يطوف على القرى و الأرياف حاملا معه طبلته التي يدق عليها طوال الطريق معلنا وصوله إلى الضيعة فيتلقفه في كل مرة عدد من الأهالي طالبين منه تفحص بيوتهم لصيد ما يشكون في وجوده من أفاع في مكان ما من المنزل.

وذكرالباحث التراثي حيدر نعيسة أنه قد درج على تلقيب صائد الأفاعي بـالجنيداتي نسبة إلى أحد الرجال الأتقياء الذي كان يقوم بهذا العمل في ما مضى و اسمه جنيد السايح و قد توارث آخرون عن الرجل هذه المهمة التي كانت تشكل آنذاك مصدر رزق أساسيا لصاحبها إلا أن هذه المهنة انقرضت اليوم بسبب انتشار البيوت الإسمنتية التي يندر أن تبني الأفعى لنفسها وكرا فيها .

و لم يتبق منها إلا بعض الهواة و المغامرين ممن يحاولون استعراض قدراتهم التي تبدو اليوم عجائبية في نظر جيل لم يعايش تلك المرحلة.

وأضاف أن الجنيداتي كان يدخل البيت المقصود لوحده بعد أن يعري صدره تماما حاملا بيده ما يشبه آلة الدف التي يبدأ بمجرد إغلاق الباب وراءه بالطرق على سطحها الجلدي مرددا الأدعية و المقولات و الأغاني التي بات يحفظها عن ظهر قلب و ما هي إلا دقائق قليلة حتى تبدأ الأفاعي في حال تواجدها بالتدلي من الأسقف و السقوط على الأرض أمامه ليلتقطها من أعناقها و يضعها في كيس جلدي سميك يربطه بإحكام ثم يخرج ليتلقى أجره و يتابع نحو بيت آخر.

ومضى نعيسة يقول أنه في كثير من الأحيان كان الجنيداتي يخرج من المنزل خالي الوفاض ليؤكد أن المنزل خال من الأفاعي .

و في أحيان أخرى كان صائد الأفاعي يستطيع و بمجرد تخطيه لعتبة المنزل تأكيد وجود أفاع في الداخل من عدم ذلك اعتمادا على رائحة المنزل التي لا تخطئها حاسة الشم لديه.

وأوضح نعيسة أن الجنيداتي كان يقوم ببعض الأفعال التي باتت لاحقا أشبه بطقوس خاصة به كأن يقوم بملاعبة الأفاعي و لفها على عنقه أو ساعده و الإمساك بلسانها المتفرع كما كان في بعض الأحيان يملأ طاسة بماء يتمتم عليه بعض الكلمات ثم ينفخ فيه و يسقيها لبعض الحاضرين فمن شرب منها بات جسمه منيعا ضد سم الأفاعي و إن عضته.

ويتابع أنه كان يصادف أحيانا أن يهمس للأفعى ببعض الكلمات التي تجعلها وديعة مأمونة الجانب فيعمد حينها إلى لفها على خصر أحد الحاضرين و كأنها زنار حقيقي دون أي ردة فعل منها و ربما يقوم باقتلاع أنيابها و الضغط على رأسها ليسيل سمها دون أن تأتي بأية حركة.

وأكد الباحث إنه بالرغم من أهمية ما كان يقوم به هذا الرجل من عمل و مدى الطمأنينة التي كان يزرعها في نفوس أهل البيت بعد استخراج الأفاعي من عنابر و طاقات و أثاث البيت العتيق إلا أن العديد ممن كانوا يراقبون ما يفعله بكثير من الدهشة كانوا يتهمونه بالسحر و الشعوذة وخاصة أنه يطلب الدخول إلى المنزل وحيدا ما يدفعه لخلع قميصه حتى لا يشك أحد بأنه يخبىء الأفاعي فيه لإخراجها لاحقا و ادعاء اصطيادها.

وأشار نعيسة إلى أن أجر الجنيداتي آنذاك كان في غالب الأحيان عبارة عن مقدار من حبوب الحنطة أو الشعير أو العدس يتفق عليه مسبقا مع صاحب البيت و من النادر أن يقبض أجره نقدا نظرا لضيق ذات اليد في ذلك الزمن .

ولذلك فقد كان من المألوف أن يشاهد الجنيداتي و هو يجر بحبله كيسا من الحبوب من على ظهر الدابة التي يركبها و يتجول بها في القرى منذ بداية الصيف عندما يشتد الحر فتنهي الأفاعي سباتها تحت الأرض و تخرج إلى الأراضي و البيوت الطينية.

سانا: رنا رفعت