آخر الأخبار

بهيرة

بهيرة





فَرَغَ الإلـهُ وجندُهُ من قَتْلِ زَوجـتيَ الصغيــرَهْ
تجمَّعوا يتضـاحكـونَ ، وقـد تَـوارتْ فـي حَفيــرَهْ

هذا يقـولُ : تركتُهـا في القبـرِ هــامـدةً وحيــدَةْ
ويقـولُ آخـرُ : قد لـمـسـتُ التـرْبَ أبعثُ فيه دودَهْ

ويصيحُ ثالثُهـم : ومـاذا تبتغـي الـديـدانُ منهـــا ؟
أنا قد أذبتُ عظامَها ، وسلختُ حتى الجلدَ عنهـــــا

وأجابَ رابعُهم : ـ وكان اليومَ نشوانَ انتصـــــارِ ـ
ما أعذبَ الألحان ترسلُها عروسٌ باحتضـــــــارِ

ويقولُ خامسُهم : ما أحلى أغاريدَ اليتامــــــــى
ما سرَّني إلا سماعُ عويلِ طفلتِها خُزامــــــــى

وأحبُّ رؤيةَ زوجِها تنسابُ أدمعُهُ مَريــــــــرَهْ
إذ راحَ يلثُمُها وصاحَ : مع السلامــةِ يـا "بَهيـــرَهْ"

وأهابَ سادسُهم وهزَّ المأتمُ الدامي فـــــــــؤادَهْ
هذي السعادةُ ، ليسَ يُرضيني سوى هذي السعــــادَهْ

أصغى الإلهُ وقد تلمَّظَ بالأحاديثِ العِــــــــذاب ِ
هذا عذابي : مَنْ أردتُ شويتُهُ بلــظـى عــذابــي

اليومَ تمَّ مؤزراً نصري على فـرخَي حمـــــــام ِ
دمَّرتُ عشَّهما ، وَوَاريتُ الحَمَامة في الــرغـــــامِ

سجدَ الملائكُ خُشَّعاً ، واللهُ يرمقُهـــم بعيـــــدا
لو شاء حوَّلَهُمْ دُمى ، أو شاءَ صيَّرَهُمْ قــــــرودا

ورآهُمُ إبليسُ عن كَثَبٍ فشجَّعَهُمْ بنظـــــــــرَهْ
وعلى ذرى شفتيهِ ماتتْ بسمةٌ صفراءُ مُـــــــرَّهْ

كَمْ ثائرٍ للكبرياءِ ، بكَتْ عليهِ الكبريـــــــــاء ُ
الحقدُ مثلُ النَّارِ ، يأكلُهُ وتلعنُهُ السمــــــــــاءُ

ورمى الإلهُ إلى سوادِ الأرضِ نظرَتَهُ الرهيبــــــةْ
فإذا حبيبٌ ساهرٌ يرعى مريضتَه ُ الحبيبــــــــةْ

نادتْهُ ـ والآلامُ تَنْهشُها ـ حَنَانَــك يــا حـبـيبـي !!
نادتْهُ : تحسَبُ في اسْمِهِ الميمونِ أدويةَ الطبيــبِ . . . !!

سمعَ الإلهُ فغاظَهُ ـ في نوبةِ الحّمى ـ نداهــــــا
ما بالُها تَدَعُ الإلهَ ؟؟ ومالَها تدعو فَتَاهـــــــــا ؟؟

أنا قد خلقتُ الأرضَ لا ابغي طعاماً أو شرابــــــا
أنا لو دعاني الناسُ كانتْ رحمتي الكبرى جوابــــا

هيا انزعوها من يديهِ أو انزِعوهُ من يديهـــــــا
أنا لا أطيقُ معانيَ الإخلاصِ تملأ مقلتيهـــــــا

سجدَ الملائكُ ثمَّ راحوا يركبونَ الليلَ خَيـْــــــلا
يا رُبَّ جُرمٍ ظنَّهُ الإصباحُ بعدَ الليل لَيـْـــــــلا





أ بهيرتي : هذا إلهُ الغابِ في العهدِ القديــــــــمِ
لا يرتضي لقباً يليقُ بهِ سوى الربِّ الرحيـــــــمِ

أ حبيبتي : خرفَ الإله ومات من زمنٍ بعيــــــدِ
فعلامَ تعبُدُهُ البهائمُ بالركوعِ وبالسجـــــــــودِ ؟؟

لو ذاقَ ربُّكِ لوعةَ السَّرطانِ في نَوْبَاتِـــــــــهِ
لو ذاقَ حُرْقَتَهُ وقدْ أعيا علاجَ أُساتِــــــــــهِ

لو كانَ مسلولاً يَمجُّ دماءَهُ عند السعـــــــــالِ
ويرى على منديلِهِ رئتيهِ تُنْثَرُ كالرِّمـــــــــالِ

لو كان مشلولاً يرى الأفعى تسيرُ ولا يسيـــــــرُ
لو كان مجنوناً يهيمُ فلا يُجَرُ ولا يُجيـــــــــرُ

لو ذاق أحلامَ الشبابِ وذاقَ آمالَ الصبايــــــــا
لو ذاقَ مصرَعَها الوجيعَ يموجُ فـي صـدرِ الضحايـا

لو ذاق ربُّكِ لذَّةَ الدُّنيا وأفراحَ الحيــــــــــاةِ
لو ذاقَ طعمَ القبلةِ الأولى على شفتـي فتـــــــاةِ

لو كان ربُّكِ والداً يحنو على الطفلِ الرضيــــــعِ
لو كانَ يدركُ ما يريدُ اللحظُ في الوجــهِ البديــــعِ

لو كانَ يفهمُ ثورةَ الأحرارِ في دنيا العبيــــــــدِ
هدموا السجونَ وشيَّدوا مستقبلَ الشعبِ السعيــــــدِ

لو كان ربُّكِ يقرأُ الألوانَ في سِفْرِ الصـبــــــاحِ
لو كان يَنْشَقُ طِيبَ أنفاسِ البنفسجِ و الأقاحــــــي

لو كان يشعرُ بالوجودِ بكلِّ أعماقِ الوجــــــــودِ
في الشمسِ ، في الأنسامِ ، في ترنيةِ النهرِ البعيــــدِ

لو ذاقَ هذا ، لم يَكُنْ يرضى بقتلِ الكونِ ظُلْمـــــا
لكنَّهُ ما ذاقَهُ .. لكنَّهُ ... ما كانَ يومــــــــــا





أبهيرتي !! لا تزعمي : أنْ قَدْ عرفتِ الحقَّ بعــــدي
أنا صُنْتُهُ وبذلتُ في تعليمهِ عَرقي وجهـــــــدي

أ بهيرتي : ما الحقُّ تحتَ الأرضِ أو بعدَ المـمـــاتِ
الحقُّ ، فوق الأرضِ ، في الإنسانِ ، في هذي الحيــاةِ

ما في القبورِ سوى الترابِ سوى الظلامِ ، سوى الصخورِ
والبعثُ بعد الموتِ كانَ – وما يزالُ – مِنَ الغُـــرُورِ

لا ترتَجي فَرَحَ النعيمِ وترهبي هولَ الجحيـــــــمِ
هذا وذلك أصبحا ذكرى من الماضي القديـــــــمِ

لا تطلبي الإيمانَ مني ، إنَّه ولَّى و راحــــــــا
قَتَلَتْهُ كارثَتي وكان مكابداً أمسِ الجراحـــــــــا

لا تزعمي أنَّ المماتَ سبيلُ عدلِ اللهِ فينــــــــا
لن أرتضي غيرَ الحياةِ وغيرَ دينِ العقـلِ دينـــــا

أ حبيبتي : العدلُ أنْ نبني الوجودَ كما نشـــــــاءُ
كم بائسٍ نادى السماءَ ، فَهَلْْ أجابتْهُ السمـــــــاءُ ..؟

صَمْتُ الفراغِ يلُّفها ، فاشرَبْ على نَغَمِ الفـــــراغِ
واعجَبْ فكَمْ خطُّوا لها كتباً وصاغوا من بـــــلاغِ

إن كنتُ جانبتُ الصوابَ – وما أظنُّ – فاخبرينــــي
ماذا لقيتِ لدى الترابِ ؟ وما حقيقةُ كلِّ ديــــــنِ .. ؟

ما لي أراكِ سَكَتِّ عن ردِّ السؤالِ ولم تجيبـــــي ..؟
قد كانَ معنى الصمتِ أمس : نَعَمْ فهمتُكَ يا حبيبـــي

الصَّمتُ أبلغُ منطقٍ يهدي النفوسَ إلى الحقيقـــــهْ
هل ضَجَّةُ الأمواجِ تُسمعُ أنفساً عاشتْ غريقــــــهْ

يا ليتَ بعدَ الموتِ بعثاً للجسومِ و للنفــــــــوسِ
لو كانَ مزّقتُ الحياةَ على ضريحـكِ يـا عـروســي

لكنني أحيا على سؤرِ الهوى و الذكـريـــــــاتِ
وأعيشُ أعصِرُ خمرةَ الأوهامِ من سُمِّ المَمَــــــاتِ

وأعيش كي تجدَ ابنتي كالناسِ فيَّ أبــاً و أمـــــا
نامي إذن يا أمَّ ابنتي ، واهنئي في القبر نَوْمــــــا





أ بهيرتي !! بلْ لستِ لي .. بلْ لأنتِ خائنةٌ أثيمــــهْ
حمَّلتِني عبءَ الهوى وتركتِ طفلَتَنا يتيمـــــــهْ

ما الداء ؟ لو لم ترتمي للداء خاضعةً إليـــــــهِ ..؟
لمَ لمْ تهبّي – حينَ حلَّ الداءُ – واثبةً عليـــــــهِ ..؟

ما الموتُ ؟ ليسَ الموتُ عذراً للخيانةِ في الخــــؤونِ
لمَ لمْ تثوري للحياةِ ؟ وتقطَعي كفَّ المنـــــــونِ ..؟

أَ زَعَمْتِ أنكِ متِّ ؟ لا ، ما ماتَ منكِ سوى الوفـــاءِ
ولقد شقيتُ وكنتُ فيه وحدَهُ ألقى عزائــــــــي

سنةً قضيتُ على فراشِكِ ساهراً بَرَّاً شفيقــــــــا
حينَ ارتميتِ ولمْ تري أهلاً ولمْ تجــدي شـقـيـقـا

كانوا – وكنتِ مريضةً – يرجونني بهوى خـــزامى
واليومَ أمسَتْ طفلتي نهباً كأموالِ اليَتامــــــــى

كانوا – وكنتِ مريضةً – يتنافسون علـــــى وِدادي
واليومَ باعوا ثوبَ عرسِكِ يا بهيرةُ في المــــــزاد

جاءوا بقمصانِ العروس و أبرزوا سربالَهـــــــا
فَشَرَتْهُ مومسةٌ لتحرقَهُ وتخسرَ مالَهـــــــــــا

غَضَبتْ لبيعِ كساءِ ميتةٍ ورأت فيــه عـــــــارا
وهي التي باعَتْ – لتأكلَ – عرضَها الغالي جهــــارا

جاءوا بمنديلِ الزفافِ عليهِ آثارُ الدمــــــــــاءِ
لما رأى السمسارُ حمرَتَهُ تلعثمَ بالنــــــــــداءِ

أخفاهُ مذعوراً فرامَ النبشَ عنـــهُ أخٌ حــريـــصُ
يا لَلُّصوصِ !! لو أنّهم شهدوهُ لانتحرَ اللـــصــوصُ

سنةً قضيتُ أريقُ وجهي للصديقِ و للمرابـــــــي
وأموتُ من جوعٍ لأدفعَ عنكِ أهوالَ المصـــــــابِ

أسقيكِ من قلبي دماً وجعلتُ دمعَكِ لي شرابـــــــا
وأرى عذابي في رعايتِكِ السعادةَ لا العذابـــــــا

كَمْ قلتِ لي : صبراً فسوفَ تعيشُ مسروراً سعيــــدا
وأغضُّ أجفاني ليبصرَ قلبيَ الأمــلَ الشريــــــدا

أ هزأتِ بي ؟ وزعمتِ انَّكِ كنتِ في طُهرِ الحَمَــــامِ
ووعدتِني بسعادتي فجعلتِني أشقى الأنـــــــــامِ

لا تزعمي انَّ الهوى لم يستطعْ للموتِ دفعـــــــا
الحبُّ منتصرٌ ، فهل أحببتِني ؟ أو كنتِ أفعــــــى ..؟

إن خُنتِني فعلامَ خُنْتِ رضيعةً لمْ تُكْسَ لحمـــــا ...؟
لمْ تأوِ للصدرِ الرحيبِ ولمْ تَذُقْ للنَّهدِ طعمـــــــا

ستعيشُ لا تجري إذا سمعتْ نداءَكِ : يا خزامــــى !!
ستعيشُ تقتُلُني إذا نادَتْ – مع الأطفالِ – مـــامـــا

لا .. لن أكونَ ضحيّةً للغدرِ يا أختَ النســـــــاءِ
ستفورُ في قلبي – فتغسلُ كلَّ ما فيهِ – دمائــــــي

موتي : فإنّي خالدٌ ، هل يعرفُ الموتُ الخلــــــودا
سأُميتُ في قلبي الهوى وأعيشُ – في السلوى – وحيـدا

موتي ! فلا عاشَ الجبانُ فلو أردتِ العيشَ عشــــتِ
إن كنتِ أهلاً للحياةِ ومجدِها فعلامَ مُـــــــــتِّ ..؟

مصِّي ترابَ القبرِ واعتصِري جسومَ الدودِ خمــــرا
لا عاشَ في الدنيا سوى مَن كانَ فوقَ الأرضِ جَمــرا

موتي !! فما لكِ في فؤادي غيرُ جرحٍ سوفَ يشفــــى
الماردُ الجبَّرُ لا يأسى لميتٍ ماتَ ضَعْفـــــــــا





أ بهيرتي ! هذا الجنونُ فعفوَ قلبكِ عن جنونــــــي
لم أستطعْ فهماً لموتِكِ يا بهيرةُ !! فاعذرينـــــــي ..

ما زلتِ في نفسي تفيضينَ الهوى جسداً ونفســــــا
فإذا اِلتَفَتُّ – ولم أجدكِ – قضمتُ كأسَ الخمرِ يأســـا

ما كنتُ أحسبُ أن تموتي والصِّبا كالطَّلِّ ينــــــدى
فيرشُّ نهدَكِ زنبقاً ، ويبللُ الخديـــــــــنِ وردا

بيني وبينَ الموتِ حربٌ لمْ تزلْ حرباً عوانــــــا
وسقطتِ فيها فانثنيتُ أجِّعُ النفسَ الهوانـــــــــا

قد كنتِ أولَ ميْتةٍ أوحتْ إلأى نفسي الهزيمَـــــــهْ
ما أقتلَ الذلَّ الجديدَ لأنْفُسٍ عاشتْ كريمَــــــــهْ

قد كنتِ ينبوعاً من الإخلاصِ في صحراءِ غَـــــدْرِ
أطلقتِ لي روحي ورحتِ لتطلقي كالنسرِ فكـــــري

زعموا الكمالَ – ولمْ نَعِشْ لسواهُ – في الدنيا مُحـــالا
وأراكِ أدركتِ الكمالَ – فَلَمْ يغرَّكِ – و الجمـــــالا

لهفي على تلكَ الليالي الواثباتِ على السريـــــــرِ
ما بينَ تمتمةِ الشفاهِ وبينَ عربدةِ الصــــــــدورِ

لهفي على ثلجِ الجبالِ يذيبَه لَهَبُ الصحـــــــارى
لهفي على الوعْيِ الذكيِّ يمجُّهُ هَزْلُ السكــــــارى

لهفي على العشرين يحفرُ قبرَها زوجٌ جريـــــــحُ
فتَّانةٌ كالوردِ لو يسطيعٌ فدَّها الضريــــــــــحُ





يا أمَّ أحلامي !! تعاليْ نُحْصِ أحلامي القتيلَـــــــهْ
كمْ بتُّ أسقيها فماتَ الزهرُ وامَّحَتِ الخميلَـــــــهْ

قد كنتُ أرجو في هواكِ الأمنَ من نُوَبِ الزمـــــانِ
فغدوتِ أنتِ مُصيبتي الكبرى وقاتلةَ الأمانـــــــي

قد كنتُ أرجو أن أرى في صدرِكِ الفوّاحِ واحَـــــهْ
آوي إليهِ من الزمانِ وأتَّقي فيهِ جراحَـــــــــهْ

فغدوتِ والسَّرطانَ يفتكُ فيهِ لا أسطيعُ مسَّـــــــهْ
يمتَصُّ نضرتَهُ ويُنمي فيهِ – رغمَ الموتِ – حسَّــــهْ

الدمعُ والزفراتُ قد جَّربْتِ حرقتَها جميعــــــــا
في وَجْنَتَيكِ وقلبِكِ الواهي بَنَتْ وَكْراً منيعــــــــا

يا صرخَةَ السَّرطانِ تسمعُها الجبالُ ولا تميـــــــدُ
لو أنَّها دَهَتِ الحديدَ لذابَ – كالثلجِ – الحديـــــــدُ

كم غفوتِ على يدِ " المورفين" بينَ يديَّ ساعــــــهْ
وأراكِ نائمةً فأخنُقُ – في دمي – صوتَ المجاعَــــهْ

يا زندَها لمْ يَبْقَ فيهِ موضعٌ ما ذاقَ إبـــــــــرَهْ
قد كانَ أبيضَ ناصعاً فغدا من الوخزاتِ جَمْـــــرَهْ

قد كانَ أمسِ لرأسيَ الواهي – إذا أغفو – وِسَـــــادا
واليومَ أصبحَ زندها كالشوكِ يمنعُني الرقـــــــادا

أثوابُ عرسِكِ يا عروسَ العامِ قد كُفِّنْتِ فيهـــــــا
لمْ تلبسيها في الحياةِ ولمْ تَمِسْ برضاكِ تيهـــــــا

قد صارَ عرشُ الحبِّ – منذُ الليلةِ العذراء – نعشــــا
واليومَ قد أكلَ الترابُ كليهما : نعشاً وعرشـــــــا





أ بهيرتي ! – ذاتَ الشعورِ الحُمْرِ – قد طلعَ الصبـــاحُ
والدِّيكُ صاحَ ، فكيفَ لمْ يوقظْكِ للحبِّ الصيــــــاحُ ؟

ما بالُ طَرْفِكِ لا يفيقُ مرنّقاً يرعى الحبيبــــــــا ؟
ما بالُ ثَغْرِكِ لا يرنُّ بقبلةٍ تححي القلوبـــــــــا ؟

قومي بنا نرتع ، فقد طالَ الرقادُ على السريــــــرِ
قولي ألا يؤذيكِ لمسُ الترابِ ، لا لمسُ الحريـــــرِ ؟

ما زلتُ الثمُ ثغرَكِ الوضَّاءَ في الرّسْمِ الصغيــــــرِ
قُبَلَ الأماسي لستُ أنساها ، ولا قُبَلَ البكـــــــورِ

قولي : أما يفترّث ثغرُكِ في ظلامِ القبرِ فجــــــرا ؟
فتنيرُ بسمتُهُ الضريحَ وتملأُ الديدانَ ذُعــــــــرا

قولي : أليسَ يردُّ لي قُبَلي وكانَ بها ولوعـــــــا ؟
كم ثرتِ بي إنْ أنسها يوماً .. فأذكرها سريعــــــا

وهمٌ أريدُ لهُ البقاءَ – ولا بقاءَ – لكيْ أعيشَـــــــهْ
أُحييهِ في قلبي فيصبحُ – في مهبِّ الريحِ – ريشَــــهْ

ويردُّني هولُ المماتِ إلى الحياةِ إلى الحضـيــــضِ
ألوانُ حُمّى هازئاتٌ بالطبيبِ وبالمريـــــــــضِ





أ حبيبتي لا تطلبي مني الوفاءَ ولا الأمانَــــــــهْ
أصبحتُ " شيئاً " ليسَ يَدري : ما الوفاءُ و ما الخيانـَـهْ

الروضُ والأطيارُ والأنهارُ قد نسيت هوانــــــــا
ومضتْ – كما كانتْ – تفيضُ منَ الحنانِ على سوانـــا

والشمسُ ما زالتْ – كما كانتْ – تغيبُ و تشـــــرقُ
والغصنُ يزهرُ حينَ يلثُمُه الربيعُ و يُـــــــــرِقُ

والأرضُ كَفَّنَها الشتاءُ فعادَ يُحييها الربيــــــــعُ
والنهرُ أطلَقَهُ فراحَ وكانَ يسجنُهُ الصقيـــــــــعُ

ما زالتِ الأزهارُ عاطرةً تميسُ على الغصــــــونِ
ما زالتِ الأطيارُ تشربُ لحنَها أُذُنُ السكـــــــونِ

ومضتْ تريدُ الحبَّ أسرابُ العذارى والبغايـــــــا
ويقلنَ لي : مازال في الدنيا – فلا تجزَعْ – صبايــــا

ما زالتِ الشقراءُ يَخْجِلُ جيدُها زهرَ الأقاحـــــــي
وتودُّ تسرقُ شعرَها لشعاعِها شمسُ الصبـــــــاحِ

ما زالتِ السمراءُ تنبضُ شهوةً وتبضُّ فتنــــــــهْ
ما بينَ نهدَيْها تثورُ وتنطفي نارٌ و جَنَّــــــــــهْ

ويرينني أذوي أسىً فيقلْنَ : ويحَكَ يا غبــــــــيُّ
الناسُ كلُّ الناسِ في فرحٍ وأنتَ بنا شقـــــــــيُّ

مشتِ الحياةُ على المماتِ فلا يَلُمْها مَنْ يَمــــــوتُ
يحيا وكلُّ دقيقةٍ من عمرهِ عُمُرُ الخلــــــــــودِ

لا يستطيعُ السَّيْلُ إيماناً بشحًّ في السحــــــــابِ
فيضٌ من الخيراتِ تفزَعُ من تدفُّقِهِ الروابـــــــي

فتركتُهنَّ ورحتُ أسعى نحوَ أرْزَتنا الوحيـــــــدَهْ
فوجدتُها لمْ تَرْعَ مفجوعاً ولمْ تَنْدُبْ فقيـــــــــدَهْ

أغصانُها امتدَّتْ – على غيظٍ – لتطردَني و حزنــــي
وحفيفُها غضبانُ يهتفُ : يا شقيُّ إليكَ عنْـــــــي

لولا السعادةُ لمْ أعشْ عمراً يحَرُ بِهِ الزَّمــــــــانُ
أنا للهناءَةِ عشتُ لمْ أُخْلَقْ ليقتلَني الهـــــــــوانُ

والغرفَةُ الزرقاءُ في هضباتِ " إخْدِنْ " لا تبالـــــي
ساءَلتُها عنَّا وعنْ أسرارِ هاتيكَ الليالــــــــــي

فوجدتُها خرساءَ مدَّتْ في غباءٍ ساعديْهـــــــــا
كالمومسِ العمياءِ مَنْ تسمعْ تَخَلْهُ رَنَا إليهــــــــا

مرآتُها لمعتْ تريدُ لوجهها وجهاً جديـــــــــدا
وسريرُها متوثِّبٌ مترقِّبٌ عرساً سعيــــــــــدا

ومضيتُ لا حجرٌ ولا شجرٌ ولا بشــــــــرٌ أراهُ
وشربتُ وحدي لوعتي ودفنتُ في قلبي أســــــاهُ

وهناكَ قامَ على الصخورِ الصمِّ زوجَكِ كالصخــــورِ
أقوى مِنَ الدنيا وأسمى من تصاريفِ الدهــــــورِ

جبلٌ مِنَ الفولاذِ تلطُمُهُ البحارُ فلا تكــــــــــلُّ
لا الطَّوْدَ مُنْهَرٌ ولا الأمواجُ مِنْ عَبَثٍ تَمِــــــــلُّ





أ بهيرتي : لا البومُ ناحَ ولا هزارُ الروضِ غنـــــى
ماتتْ تعابيرُ الوجودِ فما لها في النفسِ معنـــــــى

إن كنتِ من موتى الفناءِ فإنني ميْتُ الوجـــــــودِ
البيتُ قبري ، والدُّجى يأسي ، وهذي النــــاسُ دودي

قالوا : " العزاءَ " فقلتُ : قد ماتَ العزاءُ معَ الحبيبَـــهْ
ستعيشُ نفسي – بعدَ أختِ النفسِ – واحدةً غريبــــهْ

قد كنتُ ارجو أن نسيرَ معاً ونمضيَ في الطريـــــقِ
لكن طلبتِ " الراحةَ الكبرى " فسرتُ بلا رفيــــــقِ

ما كانَ أحلانا لَوَ أنَّا لمْ نَزَلْ بينَ الرفـــــــــاقِ
إيمانُنا في قلبِنا خفقٌ ونورٌ في المآقــــــــــي

أ بهيرتي : إني لأسمَعُ صرخةً في أرضِ شعبـــــي
أنا واجدٌ في بعثِهِ سَلوايَ بعدَ مَمَاتِ حبّــــــــي

أسعى إلأى نبعِ الحياةِ بجرّةٍ مُلِئَتْ دموعــــــــا
هل ينقذُ الماءُ القراحُ فتىً يموتُ ضنىً وجوعــــــا ؟؟





أ بهيرتي : قالوا لنا : .. ما هكذا عُرِفَ الرثــــــاءُ
قولي لهم : بلْ إنّهُ نارٌ بها احترقَ البكــــــــاءُ

صورٌ ملونةٌ تهزُّ بلغزِها أعماقَ نفســــــــــي
من ثورةٍ وتمرُّدٍ أعمى ومن ضَعْفٍ ويــــــــأسِ

الموتُ – ماتَ الموتُ – وحشٌ كاسرُ الأنيابِ قــــاسِ
يلهو بأعراسِ الحياةِ فتستحيلُ إلى مآســـــــــي



ونظلُّ – رغمَ الدَّاءِ – رغمَ الموتِ – نَفرَحُ بالوجـــودِ
ونظلُّ – رغمَ الدَّاءِ – رغمَ الموتِ – نحلمُ بالخلــــودِ

حمص 1 / 8 / 1947