آخر الأخبار

الموزاييك اللبناني: أي هوية؟ أي قضية؟

من بين جميع دول العالم العربي، يبقى لبنان أكثرهم جدلا وإثارة لعلامات الاستفهام.

فالبلد الصغير، الذي لا تتعدى مساحته 10452 كيلومترا مربعا، تنمو فيه الانقسامات حول هويته كالفطر.

فمن اللبنانيين من يرى أن لبنان، مهما كان من أمر مميزاته وخصائصه التاريخية هو عبارة عن بلد عربي قلبا وقالبا.

وفي تقدير البعض، تعتبر الكتلة الرئيسية المتمسكة بعروبة لبنان هي ذات أغلبية إسلامية، على مختلف المذاهب من سنية وشيعية ودرزية وعلوية، مع بعض الأذرع المسيحية هنا وهناك، من الذين يرون البلد متصالحا مع العروبة.

بينما يرى آخرون، أن لبنان عبارة عن قطعة من الغرب الأوروبي، وقعت في الشرق بالصدفة أو غير ذلك، وأنه عبارة عن بلد أوروبي يولي وجهه نحو المتوسط باتجاه أوروبا، وأنه ليس له من العرب والعروبة إلا اللغة، وحتى هذه يراها بعض غلاة هذا الفريق غير موجودة، خصوصا وأنهم يعتبرون أن هناك لغة لبنانية منفصلة عن العربية.

ويأتي تبرير هذا الافتراض عادة عبر الزعم أن اللبنانيين من أصول فينيقية لا عربية، حيث يرى البعض أن جملة الممالئين لهذه النظرية هم من الكتل المسيحية، وتحديدا من المذهب الماروني.

ويقودنا هذا الأمر إلى مسألة التكوين السكاني اللبناني، وهو أمر مثير للإشكالات بحد ذاته، خصوصا وأن آخر إحصاء رسمي لعدد السكان وانقساماتهم الطائفية والمذهبية كان أجري عام 1932، أي قبل 11 عاما من استقلال لبنان.

وتبين من هذا الإحصاء أن نسبة مسيحي البلاد بلغت 55 في المائة، وأكبر مجموعة منهم كانوا من أبناء الكنيسة المارونية المرتبطة بالفاتيكان، حيث بلغت نسبتهم، بحسب الإحصاء 29 في المائة من عدد السكان، وبناء على ذلك تولوا جل المناصب الرئيسية في الحكم، قبل أن تندلع الحرب الأهلية اللبنانية عام 1975، منهية ذلك العهد.

وبعد انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، برز اتفاق الطائف، الذي وقع سنة 1989 ليعيد رسم الخارطة السياسية اللبنانية، حيث حد من صلاحية رئيس الجمهورية، الذي عده البعض قبل الاتفاق ملكا غير متوج، وزاد من السلطات الممنوحة لمجلسي الوزراء والنواب.

ولم يكن مثل هذا التوزيع للصلاحيات أمرا يدور في الفراغ، إذ أكد بشكل قطعي إعادة توزيع للحصص بين الطوائف اللبنانية، حيث بات من المتعارف عليه أن يكون الرئيس اللبناني مسيحيا مارونيا، وأن يكون رئيس الوزراء مسلما سنيا، بينما يكون رئيس مجلس النواب شيعيا.

ولا يخفى أن المتبقي من مناصب يتم توزيعها على باقي الطوائف، فيما يعرف بنظام المحاصصة الطائفية، خصوصا وأنه في لبنان توجد 17 طائفة معترف بها، والتي تضم مجموعات مثل الروم الأرثوذكس والكاثوليك، والعلويين والسريان الأرثوذكس وغيرهم، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين إلى تشبيه الحالة اللبنانية بأحجار الفسيفساء، أو الموزاييك.

ورغم عدم وجود إحصاءات رسمية عن التوزيع السكاني اللبناني حالياً، إلا أنه بحسب افتراضات موقع World Factbook، التابع لوكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، فإن نسبة مسيحيي لبنان باتت تقدر بـ39 في المائة من السكان، في الوقت الذي بلغت فيه نسبة الطوائف الإسلامية على تفرعاتها 59.7 في المائة.

ووفق اتفاق الطائف، يتم توزيع مقاعد مجلس النواب، الذي يعاد انتخابه كل 4 سنوات، مناصفة بين المسيحيين والمسلمين على اختلاف مذاهبهم، على عكس ما كان يجري قبل الحرب الأهلية، حيث كان مقابل كل 6 نواب مسيحيين 5 نواب مسلمين.

والثابت في قوانين الانتخابات البرلمانية اللبنانية هو عدم الثبات، حيث أنه في كل انتخابات تقريبا، منذ اتفاق الطائف، جرى تغيير الدوائر الانتخابية والتقسيمات الإدارية التي تخضع لها الانتخابات، وذلك ضمن التوازن القائم بين القوى والأحزاب اللبنانية والأطراف الخارجية، وتحديدا سوريا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية (حسام طوقان -cnn)