برز مصطلح يهودية الدولة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة بوتيرة متسارعة، وذلك على الرغم من أنه ليس حديث العهد، بل ظهر في أدبيات المؤتمر الصهيوني الأول الذي أنهى أعماله في نهاية أغسطس/ آب 1897 في مدينة بازل السويسرية.
فكرة يهودية الدولة كانت دائما إحدى ركائز الفكر الصهيوني، وبغض النظر عن أن درجة هذه اليهودية وبعض مضامينها قد كانت مثار جدل بين تيارات معينة في الحركة الصهيونية، فإن هذا الزخم الكبير لهذه المقولة المتجددة ينطوي على أبعاد هامة وجوهرية.
وفي المقدمة منها نفحات عنصرية ضد الأقلية العربية داخل الخط الأخضر واللاجئين الفلسطينيين في أمكانهم المختلفة، سواء داخل فلسطين التاريخية أو في المنافي القريبة والبعيدة.
محاولة تعميق فكرة يهودية الدولة مجددا
"
مصطلح يهودية الدولة يمكن الجزم بأنه يحمل في طياته توجها إسرائيليا لطرد أبناء فلسطين من وطنهم بزعم الحفاظ على نقاء الدولة اليهودية, يستوي في ذلك فلسطينيو أراضي 67 وأراضي 48
"
اتخذَّ الكنيست الإسرائيلي يوم الأربعاء 16/7/2003 قرارا بضرورة تعميق فكرة يهودية الدولة وتعميمها على دول العالم ومحاولة انتزاع موقف فلسطيني إلى جانب القرار المذكور.
لقد قدم مشروع القرار الأعضاء البرلمانيون لكتلة الليكود في الكنيست السابقة؛ وتمَّ تشريعه بعد التصويت عليه. وقد تضمن القرار أيضا إشارات إلى أن الضفة الغربية وقطاع غزة ليست مناطق محتلة، لا من الناحية التاريخية، ولا من ناحية القانون الدولي، ولا بموجب الاتفاقيات التي وقعتها "إسرائيل".
وقد دعا القرار إلى مواصلة تعزيز المستوطنات الصهيونية وتطويرها، وإلى التمسك بالخطوط الحمراء الصهيونية وفي مقدمتها السيادة المطلقة على القدس بشقيها الغربي والشرقي المحتلين في عامي 1948 و1967، والاحتفاظ كذلك بالمناطق الأمنية.
وفي قراءة متأنية للمصطلح المذكور يمكن الجزم بأنه يحمل في طياته توجها إسرائيليا لطرد أبناء فلسطين من وطنهم بزعم الحفاظ على نقاء الدولة اليهودية؛ ويستوي في ذلك فلسطينيو أراضي 67 وفلسطينيو أراضي 48 الذين فرضت عليهم الجنسية الإسرائيلية ومرّوا بمدد حكم عسكرية إسرائيلية عصيبة.
وقد كان رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق -الميت سريريا- أرييل شارون ممن عمموا المصطلح القديم الجديد، وذهب إلى أبعد من ذلك حين إشار في أكثر من حديث صحفي ولقاء إلى أن حدود إسرائيل هي من البحر الأبيض المتوسط في الغرب إلى نهر الأردن في الشرق، ولن تكون إسرائيل، على حد قوله، إلا دولة يهودية نقية.
وطرح شارون أفكارا لإسكان أهالي الضفة الغربية وقطاع غزة في العراق وتجنيسهم بالجنسية العراقية, وأكد مرارا أن إسرائيل دولة يهودية نقية وهي لليهود في "إسرائيل" وكل العالم.
تهميش الأقلية العربية وإنهاء حق العودة
إضافة إلى ما تقدم، ستعمل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في المدى البعيد على سن القوانين التي تؤمن لها عملية الإقصاء الدائمة والتهميش المستمر للأقلية العربية التي يبلغ تعدادها نحو 1.4 مليون عربي فلسطيني في العام 2007، وستعقد مؤتمرات بمسميات عديدة لطرح أفكار عن الهاجس الديمغرافي الإسرائيلي جراء التزايد الطبيعي المرتفع بين العرب, وهذا ما حصل فعليا في مؤتمرات هرتسيليا السنوية.
وفي هذا الإطار بالذات، تأتي دعوة ليبرمان لمبادلة الأراضي الفلسطينية التي تقوم عليها الكتل الاستيطانية الكبيرة في التجمعات الكبيرة داخل الخط الأخضر مع "الدولة الفلسطينية القادمة" لتشمل منطقة المثلث ومنطقة وادي عارة.
والثابت أن كافة الأطياف السياسية الإسرائيلية وكذلك قادة إسرائيليين كثيرين باتوا يتحدثون في السنوات الأخيرة عن يهودية الدولة، في مقدمتهم رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بنيامين نتنياهو وإيهود باراك وزير الدفاع في حكومة أولمرت، ناهيك عن العنصري المستحدث ليبرمان.
ومن الواضح أن مصطلح يهودية الدولة اليوم بات يمثل في الآونة الأخيرة جوهر ومضمون الغايات الأسمى والأهداف الكبرى لإسرائيل، وتحولت مقولة الدولة اليهودية بصورة غير مسبوقة ولا معهودة إلى القاسم المشترك بين مختلف التيارات والكتل والأحزاب والاتجاهات السياسية والاجتماعية والثقافية في إسرائيل على حد سواء.
و"اكتشفت" إسرائيل فجأة أن تعميم شعار يهودية الدولة هو الشعار الأنجع لإنهاء حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم (ستة ملايين لاجئ فلسطيني في العام 2007)، وتصفية وإزاحة الأساس القانوني لهذا الحق والحلم والأمل من أجندة الأمم المتحدة بدايةً لشطب الحق الفلسطيني.
ونقصد هنا العمل على شطب القرار 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948، والداعي إلى عودة اللاجئين الفلسطينيين في أقرب فرصة ممكنة والتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم جراء اللجوء القسري.
يهودية الدولة بين خطابين
أخذ الخطاب السياسي الإسرائيلي يتمحور وينتشر بسرعة حول يهودية الدولة الإسرائيلية، والإلحاح على مضامين الخطاب في الداخل الإسرائيلي وفي المؤتمرات الدولية.
وقد تأكد التوجه الإسرائيلي عبر محاولة استصدار وثيقة إسرائيلية فلسطينية مشتركة في مؤتمر أنابوليس يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 تتضمن موافقة فلسطينية على فكرة يهودية الدولة، الأمر الذي يعتبر محاولة إسرائيلية لكسب ليس فقط مشروعية التطهير العرقي الذي مارسته إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في السابق، بل الذهاب إلى أبعد من ذلك، عبر وضع مخططات إسرائيلية لتنفيذ "ترانسفير" إضافي بحق ما تبقى من الفلسطينيين في داخل الخط الأخضر.
وفي مواجهة الخطاب السياسي الإسرائيلي بشأن يهودية إسرائيل، ثمة رفض فلسطيني من كافة الأطياف السياسية الفلسطينية للمصطلح المذكور، وقد توضّح الموقف الفلسطيني في مؤتمر أنابوليس حيث رفض الوفد الفلسطيني المشارك القبول بطرح الوفد الإسرائيلي فكرة يهودية إسرائيل أو التوقيع على وثيقة تتضمن هذه الفكرة.
الرفض الفلسطيني لفكرة يهودية الدولة الإسرائيلية جاء انطلاقا من أن الاعتراف بيهودية إسرائيل يغلق الباب أمام حق العودة للاجئين الفلسطينيين ويساعد من جهة أخرى في تنفيذ سياسة اضطهاد عرقي بحق الأقلية العربية داخل الخط الأخضر.
واللافت أن الوفد الإسرائيلي الذي حضر مؤتمر أنابوليس تقدَّم باشتراط أساسي للتوقيع على وثيقة مشتركة مع الوفد الفلسطيني بحيث تتضمن موافقة فلسطينية على فكرة يهودية الدولة، وذلك بغية إحداث وحدة موقف في المجتمع الإسرائيلي، لأن هذه الفكرة تحظى بإجماع إسرائيلي، خاصة مع الوضع الضعيف لأولمرت وحكومته الناتج عن تداعيات حرب يوليو/ تموز 2006.
فكرة يهودية الدولة وأهمية المادة البشرية
من الأهداف الأخرى التي تتضمنها عملية تعميم فكرة يهودية إسرائيل، محاولة جذب مزيد من يهود العالم إلى إسرائيل، فالحركة الصهيونية وإسرائيل تعتبران اليهود في جهات الأرض الأربع بمثابة المادة البشرية لتحقيق أهداف إسرائيل التوسعية من جهة، وركيزة لاستمرار المشروع الصهيوني برمته في المنطقة العربية من جهة أخرى.
وفي هذا السياق يذكر أنه على الرغم من مرور نحو ستة عقود على إنشاء إسرائيل، فإن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لم تستطع جذب سوى 40% من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة، ولهذا يستغل قادة إسرائيل كافة المناسبات للتأكيد على أهمية جذب مزيد من يهود العالم إلى فلسطين المحتلة.
وثمة أسباب كامنة وراء نضوب الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة في السنوات القليلة الماضية، واحتمالات تراجعها في المستقبل، وفي مقدمة تلك الأسباب تراجع عوامل الطرد لليهود من بلدانهم الأصلية، فضلا عن تراجع عوامل الجذب المحلية الاقتصادية والأمنية بسبب الظروف التي مرت وتمر بها إسرائيل.
وتبعا لأزمة الهجرة اليهودية بفعل تراجع العوامل الطاردة والجاذبة، ستسعى إسرائيل بالتعاون والتنسيق مع الوكالة اليهودية إلى تمويل حملات كبيرة ومنظمة في المستقبل من أجل جذب نحو 200 ألف من الأرجنتين، وعدة آلاف من يهود الفلاشا في إثيوبيا، فضلا عن محاولات حثيثة لاجتذاب نحو 80 ألفا من يهود الهند وجنوب أفريقيا، هذا في وقت باتت فيه أبواب هجرة يهود أوروبا وأميركا الشمالية في حدودها الدنيا بسبب انعدام عوامل الطرد منها.
تجدر الإشارة إلى أن يهود العالم يتركزون بشكل رئيسي في الولايات المتحدة، فمن بين 13 مليون يهودي في العالم في العام 2007 هناك 5.6 ملايين يهودي في الولايات المتحدة ، و5.6 ملايين يهودي في إسرائيل، و560 ألفا في فرنسا ، و400 ألف في روسيا، و360 ألفا في كندا، و280 ألفا بأوكرانيا، و280 ألفا في بريطانيا، و220 ألفا بالأرجنتين.
وتشير الإحصاءات إلى أن نسب الزواج المختلط بين اليهود وغير اليهود في العالم وصلت في السنوات الأخيرة إلى ما بين 50 و80% خاصة في بعض المدن الأميركية، الأمر الذي سيؤدي إلى تراجع مجموع اليهود في نهاية المطاف إلى أقل عدد ممكن.
ومن بين مجموع اليهود في إسرائيل، هناك 40% أشكناز, أي من أصول غربية، و36% سفارديم, أي من أصول شرقية من ضمنهم يهود الدول العربية، إضافة إلى 24% من يهود الصابرا, أي لأب يهودي مولود في فلسطين المحتلة.(نبيل السهلي-الجزيرة)