آخر الأخبار

جيمي كارتر,, نقاط على الحروف,, ونقطة آخر السطر

هو رجل ليس بحمل وديع كما يدعي بأنه حبس دموعه لما شاهد من دمار في قطاع غزة، بل هو عجوز ماكر ويعي مايقول وخاصة اللعب على وتر العواطف الشعبية، والعزف على أوتار التناقضات الوطنية، جريء وتكاد تخاله ودود لكنه حذر لدرجة دقة كلماته عندما يأتي الأمر على ذكر مايتعلق بخطوط السلطة الفلسطينية وما يشوبها من خلافات في معمعان الشرعيات، حذر عندما يأتي الحديث على ذكر الخطوط الرسمية الأمريكية، حذر عندما يأتي الحديث على ذكر مسار التسوية والتهدئة بين الفلسطينيين والكيان الإسرائيلي، حذر عندما يمس الحديث أطراف القانون الدولي، هو ليس بمبعوث أمريكي بشكل رسمي، وغير مكلف بأي من قضايا الصراع بشكل معلن، حذر عندما يأتي ذكر القنوات الرسمية الأمريكية والفلسطينية والأمريكية، وحريص جدا على أن لايؤخذ عليه من أي جهة أي مأخذ سياسي، انه مجرد سياسي مخضرم ، وله مؤسسة سياسية في السوق السوداء، هي مؤسسة خاصة وتحمل اسمه ومهمتها المعلنة"فض المنازعات" ونحن لدينا مع الكيان الإسرائيلي صراع وليس نزاع، انه جيمي كارتر الرئيس الأمريكي المنصرف، وصاحب اكبر طعنة في الجسد العربي حيث فصل الرأس عن الجسد بانجاز اتفاقية "كامب ديفيد1" انه عراب التسوية وذراعه الأيمن مهندس تلك الاتفاقية المنعطف"هنري كيسنجر".

يصول ويجول مابين الكيان الإسرائيلي وغزة والضفة الغربية، وعلى رأس صولاته وجولاته ملف الجندي الأسير"شاليط" لمحاولة تحريك المياه الراكدة وهو يعلم جيدا أن حل هذا الملف في القاهرة لاغير، وهو يدفع بهذا الاتجاه، لكنه يجدنا هنا في غزة تحديدا ننظر إليه كحمامة سلام وقد أذاق الأمة العربية والإسلامية في عهد إدارته ويلات الدمار والحرب والانحياز الأعمى للكيان السرطاني الإسرائيلي، يجدنا نرحب به كرجل وداعية حقوق إنسان، فيذرف دموع التماسيح عندما يكون على الجانب الإسرائيلي على ماخلفته صواريخنا الباليستية من رعب ودمار لمستوطنين المغتصبين يصفهم بالمدنيين الآمنين ويستنكر ويدين العنف"المقاومة" بحقهم، فيأتينا بوجه أشهب تكاد الرحمة تمطر من عيونه التي حبسها دمعا، نستقبله وكأنه في غير زمانه رئيس تلك الدولة العظمى التي أذاقتنا ويلات القتل والدمار بأسلحتها الفتاكة، نصبغ عليه صفة الزعيم والرئيس والوسيط والمبعوث لدرجة تثير استهجانه وأحيانا احتجاجه على إلباسه رداءة ليست له في زمان غيره.

لقد جاء جيمي كارتر مجرد رجل عابر ولى زمانه، ليتفقد آثار الدمار الذي خلفه العدوان الصهيوني البربري ليقول لنا، أنهم قساة ويتعاملون مع شعبنا كالحيوانات، ولم يصفهم بالوحوش والحيوانات التي تتعامل مع بشر مغتصبة حقوقهم، لقد جاء ذلك الرجل الحذر وحرص على أن يكون زائر طليق بموكبه التابع للأمم المتحدة وحرسه الخاص دون أي دلالات تشير لسلطة الأمر الواقع بغزة،سواء في خط مسار موكبه أو في استقباله أو في اصطحابه مع فريق وكالة الغوث لمخيمات اللاجئين التي دمرت بفعل القصف الصهيوني على غزة،حريص على عدم توجيه نقد له من الإدارة الأمريكية أو من الحكومة الإسرائيلية أو حتى من السلطة الفلسطينية بالضفة الغربية، رغم انه ليس له أي صفة رسمية لا من بعيد ولا من قريب، لكنه حريص على مهمته الخفية بين سطور الصولات والجولات.

صال وجال وغادر غزة، ثم عاد وصال وجال، وقال في مؤتمر صحفي بالعراء انه حبس دمعه على آثار الدمار، كما يحبس دمعه على مشارف المغتصبات في الجهة الثانية حيث قال هناك مشيدا بالنزعة الإسرائيلية للسلام، بأنه لايكاد يصدق أن يتم إخلاء بعض المستوطنات ولم يتصور أن ذلك سيحدث، وكأن خدعة تفكيك بعض حجارتها طعنة في حق إدارته البائدة حيث ذروة الاستيطان الصهيوني، وما يدر الدمع ولا يحبسه عبر عدسات الكمرا وفي ميادين الكارثة التي خلفتها الطائرات الصهيونية، صراخ موطني العراء واحتجاجهم على بضع الدقائق والثواني لتكحيل عيونه الدامعة بآثار الدمار، مهللين وهل جاء فقط ليلقي نظرة ويغادر، وكأننا نجمع على أن نعطيه دورا اكبر من دوره وحجما اكبر من حجمه، ومهمة غير مهمته، ليقول هناك في مؤتمر العراء انه قابل السيد / خالد مشعل في سوريا واخبره شخصيا بأنه ملتزم بما التزم به السيد الرئيس/ أبو مازن من التزامات دولية حول حل الدولتين، ثم تجهز له صالة وخشبة مؤتمر صحفي داخل مقر رئاسة الوزراء في غزة، ويعقد بصحبة رئيس الوزراء في الحكومة المقالة السيد/ إسماعيل هنية مؤتمرا صحفيا ليضع النقاط الرسمية على حروفها المناسبة، وليس كما نصوره رئيسا وزيارة تاريخية نحملها دلالات اكبر مما تحتمل فرحين بهذا العراب الصهيوني غزير الدمع، حيث خلفية خشبة انعقاد المؤتمر، العلمين الفلسطيني والأمريكي، علما بان فضائية الجزيرة عندما عرضت ترتيبات المكان قالت وعلى لسان مراسلها في غزة / تامر المسحال بأنه من غير المؤكد انه سيأتي لعقد مؤتمره في هذا المكان وهذه إحدى دلالات الحذر التي يلمسها الجميع في خطوات هذا الزائر المرحب به،وكأن قدومه إلى حيث دلالات دوائر الضوء السياسية، رافدا لتأكيد شرعياتنا المتطايرة في فضاء الانقسام بين شطري الوطن، لكنه آتى وعندما رحب به السيد/ إسماعيل هنية كرئيس سابق وشخصية مرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية، واستعراض تحركه وعلاقاته الدولية، ثم الترحاب به كوسيط لإنهاء صفقة تبادل الأسرى، ثم استعراض موافقة حركة حماس والحكومة الفلسطينية المقالة على حل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران بسيادة كاملة وحقوق كاملة وعاصمتها القدس، وأي حل للقضايا النهائية يعرض للاستفتاء العام، وكذلك تحدث عن الالتزام بالتهدئة المتبادلة والمتزامنة مع الكيان الإسرائيلي.

فجاء دور كلمة الماكر الحذر الحريص، العجوز المخضرم"جيمي كارتر" قائلا بنقاطه فوق الحروف، أنا جئت لزيارة غزة بصفتي الشخصية ولا امثل أي جهة رسمية لدى الإدارة الأمريكية، وربما في بطانة حديثه بالإشارة إلى الدلالات السياسية الموضوعة خلفه بالعلمين الفلسطيني والأمريكي، وهو الحريص على أن تكون تلك الخلفية رموز وكالة غوث وتشغيل اللاجئين بما يتناسب مع مهمته الإنسانية المعلنة كجهة وحيدة لاستقباله الرسمي ووداعه،وما يتخللها من لقاءات مع قيادة حركة حماس كجزء أساسي من مكونات المجتمع الفلسطيني وأحزابه بما يخدم مهمته الغير رسمية الضبابية، وأثنى على دور صانع السلام العراب الجديد "جورج ميتشل"، ونقطة أخرى وضعها على حروفها في مؤتمرات صولاته وجولاته قائلا"لقد سبق وان عرضت حماس تهدئة كاملة متزامنة ومتبادلة في غزة والضفة، ولكن الحكومة الإسرائيلية رفضتها، وتحدث عن ضرورة فك الحصار عن غزة، وضرورة وقف العنف من غزة ضد الكيان الإسرائيلي، كما عرج في حرصه عندما يتناول شقا سياسيا خاصة الانقسام الفلسطيني، ودعا لإطلاق سراح معتقلي حماس في الضفة، واستدرك بضرورة إطلاق سراح معتقلي "فتح" في غزة، مبررا وكأنه يستبق غضب احد من تصريحه، معللا بان في ذلك توخيا لمعايير العدالة والقانون الدولي.

وكما أوردت وكالة معا الإخبارية لتصريحات"جيمي كارتر" بحرص الموازنة بين الضحية والجلاد((وقال كارتر أثناء تفقده للمناطق المدمرة: "إنني متأثر جدا، ولا بد أن أمسك دموعي حين أنظر إلى الدمار الذي أصاب شعبكم".

وأردف قائلا: "أتيت لزيارة المدرسة الأمريكية التي كان يتعلم فيها أولادكم. بلادي هي التي أقامت هذه المدرسة، وها أنا أشاهد أنه تم تدميرها عمدا بالقنابل التي ألقتها طائرات "إف- 16" التي هي من صنع بلادي. أشعر بتحمل جزء من المسؤولية ويجب على جميع الأمريكيين والإسرائيليين أن يشعروا بنفس الشعور".

ولم يغفل الرئيس الأسبق موضوع الصواريخ الفلسطينية محلية الصنع التي تطلق تجاه البلدات الإسرائيلية حيث قال: "رؤية هذا الدمار ليست بالأمر الجيد، وكذلك رؤية الصواريخ التي تسقط على سديروت، يجب أن يتوقف كل هذا العنف".

ودعا كارتر في حفل استقبال اقامته له "الأونروا" حركة حماس لوضع حد للعنف واحترام الاتفاقات الموقعة والاعتراف بحق اسرائيل بالوجود ووقف إطلاق الصواريخ نحو المستوطنات الاسرائيلي.))

والحقيقة من بين كل هذا، أن جيمي كارتر ركز زيارته في مهمة الجندي الصهيوني الأسير"شاليط" حيث جاء حاملا رسالة من أهل الجندي الأسير، تحت عنوان مؤسسة كارتر لفض المنازعات، في محاولة لتحريك ملف القضية مع الحرص بان لايضع نفسه ومؤسسته كبديل لمفاوضات القاهرة لإنهاء ذلك الملف، وربما حركة حماس والفصائل الآسرة اشد حذرا حيث قال القيادي في حركة حماس/ الدكتور محمود الزهار،كما جاء في وكالة معا للأخبار((وفي تعليقه على الرسالة التي يحملها كارتر لشاليط قال القيادي في حماس محمود الزهار في حديث مع صوت اسرائيل باللغة العبرية، ان حماس تدرس امكانية نقل الرسالة الى الجندي شاليط.

واضاف الزهار انه اذا كانت اسرائيل معنية بطي ملف شاليط فيجب عليها اطلاق سراح الاسرى الذين تطالب حماس بالافراج عنهم، مؤكدا ان اسرائيل ليست معنية باتمام صفقة التبادل وانما باستيقاء معلومات حول مكان تواجد الجندي لتحريره في اطار عملية عسكرية.))

وهنا ورغم بعض نقاط الحروف الايجابية التي تخللت صولة وجولة جيمي كارتر، إلا انه حرص على عدم صبغتها بأي صفة رسمية أو تمثيلية له غير الصفة الشخصية الإنسانية، على عكس مبعوث الرباعية رئيس وزراء بريطانيا الأسبق"توني بلير" والذي يصول ويجول في غزة بصفة تكليفية رسمية دون أن يقع في محضور فجوات اللعب على المتناقضات التي تفسد مهمته كمبعوث للرباعية في الشرق الأوسط، والذي أتم زيارته الثانية لقطاع غزة يوم أمس"الاثنين" التقى خلالها ممثلين عن المجتمع المدني، ومسئولين عن المنضمات التابعة للأمم المتحدة، فكما قلنا سابقا في مقالة بعنوان" لا أهلا ولا سهلا بالمجرم توني بلير"، نقول كذلك لا أهلا ولا سهلا بجمي كارتر الذي كتبنا بصولاته الأولى بعنوان"جيمي كارتر كلاكيت"2" "، وأي قول من قبل الصهاينة في كارتر بأنه"عميل للعرب" إنما هو تلميع وغطاء على إكمال دوره التاريخي بالولاء والإخلاص للصهيونية ودولة الاحتلال.

فما يغنينا عن التشبث بوهم دلالة الشرعيات من هذا وذاك، سوى استعادة لحمة جناحي الوطن، واستعادة صمام أمان وحدة الخندق والقرار والمصير لشعب واحد مهما تعددت مسميات أحزابه التي يفترض أن يكون جل همها معاناته وليس اللهث خلف شراك وحبائل السلطة الاوسلوية التي سرعان ما تنقلب إلى تسلط ونقمة على شعب هو صاحب السلطة الحقيقية ومانح الشرعية الوطنية.

greatpalestine@hotmail.com