من المفارقات التي صنعها الإعلام العالمي و التي يرفض أكثر الملاحظين الاقرار بها هذه الحرب اللامنتهية التي تشنّها أمريكا على بلاد فارس و التي بدأت عسكرية نووية و انتهت سياسية اعلامية و لئن كان الموضوع يتطلب وجهات نظر متعددة لحصره فإن الانتخابات الأخيرة و التي وقعت احاطتها اعلاميا باهتمام غير مسبوق كشفت الوجه الأمريكي الحقيقي الذي يدلل في كل مرّة على أن هذا البلد هو "المُحاسِب" الوحيد في ما يتعلق بحقوق الانسان و لا يملك أحد مُحاسبته حتى باسم الشرعية الدولية فهذا المفهوم نفسه يخضع للأهداف الأمريكية و مصالح أمريكا في العالم و من خلال طبيعته المطاطة تبيح هذه الدولة لنفسها ما لا يُباح من التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد الأخرى.
لقد اعترض الكثير من الايرانيين على نتائج الانتخابات و إن لم يطالب أحد باسقاط نظام نجاد هذا الرجل البسيط المظهر بَعدي الرؤية، و لا بإسقاط نظام الجمهورية الاسلامية نفسه فهم لا يستطيعون فعل ذلك طالما أن علي خامنئي يملك الكلمة الأخيرة و لكنهم مع هذا يناوشون و يحدثون اضطرابات ما تزال في حدّها المسموح ما لم تتطور أكثر من ذلك و لكن هذا الحراك السياسي لا يخفي أطرافا خارجية متدخلة فيه متمثلة في الدعم الأمريكي لضرب استقرار البلاد و الجِِوار العربي الذي لم يعبّر عن موقفه في الساحة الاعلامية و إن كان موقفه يتأرجح بين الغيرة من العملاق الفارسي الذي بلغ في عصرنا الحالي بمتغيراته العنيفة سن النضج السياسي و هو ما لا تترجمه الشوارع العربية في مثل هذه المناسبات بقطع النظر عن التاريخ البعيد لبلاد فارس و بين الدور الذي تبدو الدول المحاذية أقزم من أن تلعبه خاصة في ظل علاقات القوى المتحكمة في المنطقة بوجه عام خارجيا و داخليا.
لم تستطع أمريكا أن تجعل من إيران نسخة من العراق لأن تاريخ البلدين مختلف و لأن النخبة السياسية التي تحكم البلدين مختلفة و لأن الشعبين مختلفان كما أن الاقرار بتزوير الانتخابات غير وارد رغم تراجع خامنئي عن تهنئته الفورية لأحمدي نجاد و موافقته على مراجعة جزئية لبعض الصناديق بسبب ضغط المعارضة، هذه المعارضة غير المتجانسة بأي شكل من الأشكال و إن كانت تتفق على رفض فوز نجاد بولاية ثانية.
و إن كانت شرائح المجتمع المدني في إيران تسجل مؤاخذات على نظام نجاد الذي ترى أنه يوجّه جزءًا كبيرا من الميزانية الايرانية نحو الانتاج النووي ضاربا عرض الحائط بالصعوبات التي تعانيها شريحة الشباب و التي تمثل أغلبية سَكَنية و تحتاج ككل شباب العالم إلى فُرص للعمل و للحياة الكريمة فإن هنالك أطرافا أخرى تهدف لإحداث البلبلة بقطع النظر عن بحثها عن بديل جِِدّي للرئيس المُنتخَب إظافة إلى أنها غير متأكدة من أن المرشحين الآخرين لرئاسة إيران أكفأ من الرئيس المنتخب . و لكن هل تقلّ السياسة الخارجية للبلاد أهمية عن الشأن الداخلي؟ لقد وعد نجاد في ولايته الثانية بأن يوجه اهتمامه الأكبر نحو السياسة الداخلية و المشاكل الاقتصادية و الاجتماعية بعد أن ركّز الواجهة الخارجية و حدد أركانها و الكل يعترف أن الرجل لم يغنم من أموال الدولة ما غنم غيره فمن المشروع أن يأخذ فرصته لإتمام دَوره كما يراه هو.
لقد صار الشأن الإيراني منذ السنوات الأخيرة أمرا متداولا في وسائل الإعلام بدءًا بالسينما الايرانية مرورا بالتجارب النووية وصولا إلى الانتخابات الرئاسية و هذه الإحاطة الإعلامية لا يمكن أن تكون مجانية فقد حرص الاعلام العالمي على وضع هذا البلد ذي الإرث العالمي تحت المجهر ليقف كل من هب و دبّ و يحاكم أسياد هذا النظام و يوجه إليهم أصابع الاتهام فمن يحاكم أمريكا، ابنة البارحة، هذه التي لا تتوقف مجازرها في كل منطقة من العالم و لا تنفك عن زرع بذور الفتنة في كل تراب عربي و كأن البلاد العربية ثور مريض ينتظر هذا الخفاش اللاحمُ سقوطه ليضمن استغلال ثرواته بشرا و نفطا و مواد خاما صالحة للتصنيع في كل المجالات و ما نفع القانون الدولي الذي ضبط خلال القرنين الماضيين مصطلح الدولة و الذي يتضمن في كل نقاطه مبدأ السيادة أم أن أمريكا تبرر لنفسها دون غيرها كل وسائل الحرب و هي سيدة الحرب الباردة بامتياز و هل سيدوم هذا الاضطراب الناتج عن الانتخابات أم أنّ الانتخابات هي القشة التي قصمت ظهر السياستين الداخلية و الخارجية و أفاضت الكأس و على كل الايرانيين التسلح بالوعي الكافي حتى لا يجعلوا من إيران حمّام دم بدأ بانفجار في مرقد الخميني و لا أحد يعلم أين سينتهي؟
20جوان2009