"سأكتبُ عن الكائنات البشرية ، و كأنني أكتبُ عن الخطوط و السطوح و الاجسام الجامدة . وقد حرصتُ على ان لا اسخر أو العنَ أو أكرهَ الأعمال البشرية بل افهمها ، ولذلك نظرتُ الى العواطف ..لا باعتبار كونها رذائل و شرور في الطبيعة البشرية و لكن بوصفها خواص لازمة لها كتلازم الحرارة و البرودة و العواصف و الرعد و ماشابهها لطبيعة الجو . "" على الرغم من انّني أجدُ أحياناً بطلان النتائج التي جمعتها بعقلي و تفكيري الطبيعي ، و لكن هذا لن يزيدني إلاّ اقتناعاً ، لأنّني سعيد في التفكير و جمع المعلومات و لا أضيّع أو قاتي في التحسّر و الحزن ، بل انفقها في السلام و الصفاء والسرور . "
******
المادةُ والعقل " السرورُ و الألم هما ارضاءُ الغريزة أو تعطيلها ، وهما ليسا سببين لرغباتنا بل نتيجة لها ، اننا لا نرغبُ في الاشياء لأنها لاتسرنا ، و لكنها تسرنا لأننا نرغبٌ فيها و لا مناص لنا من ذلك. ويترتّبُ على ذلك ان لا يكون للانسان ارادة حرة ، لأن ضرورة البقاء تقرّر الغريزة ، و الغريزة تقرر الرغبة ، و الرغبة تقرّر الفكر و العمل . و قرارات العقل ليست سوى رغبات ، و ليس في العقل اردة مطلقة او حرة ، وهناك سبب يسيّر العقلَ في ارادة هذا الشيء او ذاك ، وهذا السبب يسيّره سببٌ آخر ، و هذا يسيّره سبب آخر و هكذا الى مالانهاية ، يظنُّ الناس أنّهم احرا لأنّهم يدركون رغباتهم ومشيئاتهم ، و لكنهم يجهلون الاسباب التي تسوقهم الى ان يرغبوا او يشتهوا .
يمكنُ مقارنة الشعور بالارادة الحرّة بحجر رُمي الى الفضاء و ان هذا الحجر لو وهب شيئاً من الشعور لظن ّ اثناء رميه وسيره في الفضاء انّه يقرّر مسار قذفه ، و يختار المكان والوقت الذي يسقطُ به على الأرض ."
******
العقلُ و الأخلاق
"ان اللذة هي انتقال الانسان من حالة كمال اقل الى حالة أعظمُ كمالاً . و الألمُ هو انتقال الانسان من حالة كمال أعظم الى اخرى أقلّ كمالاً . و انا أقولُ انتقال لأنّ اللذة ليست كمالاً في حد ذاته : فلو ولد انسان كاملاً لما شعرَ بعاطفة اللذة ، و نقيضُ هذا يزيدُ الأمرَ وضوحاً .أنا أفهمُ من العاطفة اوضاع الجسد التي تزيدُ فيه أو تنقصُ قوة العمل والتي تساعدُ أو تقيّد هذه القوة ، وأفهمُ منها في الوقت ذاته الأفكار التي ترافقُ هذه الأوضاع . و أنا أقصد بالفضيلة و القوة نفس الشيء. و كلما زادت مقدرة الانسان في الاحتفاظ ببقائه و البحث عمّا ينفعه كلّما زادت فضيلته .لا يهملُ انسانٌ شيئاً نافعاً له الا اذا كان يرجو خيراً أعظم منه . فإذا كان العقلُ لا يطلبُ شيئاً يتعارض مع الطبيعة ؛ لذلك يجبُ على كل انسان ان يحبَّ نفسه ، و يبحثُ عمّا يفيده ، و يسعى الى كلّ شيء يؤدّي به في الحقيقة الى حالةٍ أعظمُ من الكمال . و ان كلّ انسان يجبُ ان يحاول المحافظة على بقائه كلّما استطاع الى ذلك سبيلاً .إن محاولةَ الفهم هي الأساس الأوّل و الأوحدُ للفضيلة . و انّ العاطفة فكرةٌ ناقصة . بحيثُ أنّ الفكرة يجبُ الاّ تنقصها حرارةُ الرغبة ، كما أنّ الرغبة يجبُ أن لا ينقصها ضوء الفكرة . لأنّ العاطفة لا تظلّ عاطفة اذا ما تكوّنت في الذهن عنها فكرةٌ و اضحةٌ جليّة ."******
مُقتطفات ، " الأخلاق مؤيّدة بالدليل الهندسي" سبينوزا 1665م - ترجمة د. فتح الله المشعشع.
باروخ سبينوزا (بالهولندية: Baruch Spinoza) هو فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن 17. ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677.