يعتبر رسام الكاريكاتير السوري حسن إدلبي أول من رسم صورة كاريكاتيرية للرئيس بشار الأسد، مع هذا فأن شهرته في البلدان العربية أكثر منها في بلده. حتى أن الكثيرين يعتقدون أنه فنان لبناني، وقد دُعي أكثر من مرة إلى معارض دولية على هذا الأساس، وذلك نظراً لعمله فترة طويلة في الصحف اللبنانية. 'القدس العربي' إلتقته وأجرت معه هذا الحوار.
أنت معروف من قبل الكثيرين، لكن كيف تقدم نفسك، وكيف كانت البداية؟
بدايتي مع الكاريكاتير والفن عموماً كانت متأخرة. فلقد رسبت مرتين في مسابقة الدخول لكلية الفنون الجميلة. ثم دخلت قسم الإعلام وتخرجت الأول على دفعتي، حيث كان مشروعي عبارة عن وجوه كاريكاتورية للأساتذة والعاملين في الكلية، اعتمدت فيه أسلوب الدمج بين الواقع والكاريكاتير وعناصر اللوحة (ظل، نور، كتلة) بأسلوب فيه سخرية ومبالغة. بعد تخرجي استقريت في بيروت وعملت في صحافتها. هناك انتقلت إلى رسم المواضيع الكاملة وإدخال الفكرة وليس رسم اللوحة وحسب، فكانت هذه نقلة نوعية في عملي خاصة في مجلة 'النقاد' الأسبوعية حيث كنت أرسم الغلاف وبعض الرسوم الداخلية. أخيراً، انتقلت إلى الرسم اليومي السياسي في جريدة البيان الإماراتية في دبي، وهذا تتويج لتجربتي.
ما هي المواضيع التي تحب أن تركز عليها في رسوماتك؟
أحب التركيز على المواضيع الإنسانية (ظلم، معاناة، قمع، مجاعات، حروب، الخ). لكن في الكاريكاتير اليومي أنا مطالب بمتابعة الحدث وتحويله إلى رسم كاريكاتيري بعيدا عن التعليق. كما يجب أن يكون فيه الكثير من التركيز والاختصار.
كيف تبحث عن فكرة الكاريكاتير؟
من خلال قراءتي للصحف ومتابعة الأحداث، أركز على الحدث الأبرز، وأحاول إيجاد عناصر مشتركة ومفهومة للآخرين. أعيد صياغة هذا الحدث بلغة كاريكاتيرية تعتمد على المفارقة والاختصار واللغة البصرية بعيداً عن الكتابة والشرح الذي يضعف الرسم.
كيف ترى اهتمام الناس بفن الكاريكاتير في العالم العربي؟
الناس تحب النكتة والسخرية من الأشياء واستقبال الفكرة أو الحدث بأسلوب كاريكاتيري سهل الهضم والفهم. لكن كما يقال من السهل أن تبكي الناس لكن من الصعوبة إضحاكهم. في الخمسينات كان الكاريكاتير مؤثراً أكثر، فلقد كان هناك مجموعة من المجلات الساخرة مثل 'صباح الخير' و'روز اليوسف' في مصر، 'المضحك والمبكي' في سورية، بالإضافة إلى 'الدبور' و'الصياد' في لبنان. كانت هذه الصحف تضم جيوشاً من الرسامين على عكس الوضع الآن.
ما هي السمات التي تميز رسامي الكاريكاتير عن بقية الرسامين؟
رسام الكاريكاتير يجب أن يتصف بسرعة البديهة البصرية، وحس السخرية، والقدرة على المبالغة ضمن الموضوع. كما يجب أن تكون قدرته على الرسم والاختصار كبيرة. يجب أن يبقى أيضاً على إطلاع دائم بما يجري حوله. فالكاريكاتير يعتمد على الفكرة أولاً، والرسم ثانياً دون إهمال أي منهما. هناك الكثير من الفنانين التشكيلين أما الكاريكاتيريون فهم قلة، ورسامي الوجوه الكاريكاتيرية هم قلة القلة.
ما هي أهم مدرسة عربية في فن الكاريكاتير؟
المدرسة المصرية هي الأهم، لأنها الأقدم وفيها عدد من الرسامين أكبر بكثير من المدارس العربية الأخرى. ذلك يعود لطبيعة الشعب المصري المرحة، والذي يتميز بروح السخرية وإطلاق النكت. كان الراحل صلاح جاهين يقول 'نحن نرسم لسبعين مليون رسام كاريكاتيري'. ثم هناك المدرستين اللبنانية والسورية اللتان تضمان مجموعة جيدة من الكاريكاتيرين.
يواجه رسامو الكاريكاتير مشاكل ومتاعب في بعض الأحيان، ما هي أهم هذه المشاكل برأيك؟
أهم المشاكل هي المنبر الذي يرفع سقف الحرية التي يرتبط بها فن الكاريكاتير. فالحرية هي الأكسجين الذي لولاه لما تطورت الكثير من الفنون. أما الممنوعات أو الخطوط الحمراء هي أكثر ما يعيق فناني الكاريكاتير، فرسم الكثير من الأشخاص ممنوع منعاً باتاً في معظم بلادنا العربية. وكلما يزداد هذا المنع كلما لجأ الفنانون إلى التورية والتلميح خوفاً من البطش. أما في الدول التي تتمتع بالحرية كالدول الغربية، فالفنانون يرسمون الأحداث بأبطالها الحقيقيين من رؤساء وصناع قرار دون اللجوء إلى الترميز.
يأخذ فن الكاريكاتير حيزاً كبيراً من واقع حياة الناس الاجتماعية والسياسية، لكن لماذا يقترن أكثر بالأحوال السياسية؟
لأن السياسة تدخل في حياة الناس وتؤثر في مجريات الأحداث التي تنعكس سلباً أو إيجاباً عليهم. فالغلاء، والحروب، والفساد، والرشوة، الخ كلها تتعلق بالسياسة وبالتالي بحياة الناس، لهذا لا يمكن الفصل بينهما. ما يجري الآن في غزة انعكس بشكل واضح على كل الناس، فترى التأثر والحزن والغضب في مسيرات الاحتجاج، فالسياسة هي خبزنا اليومي.
ما هي وضعية فن الكاريكاتير في سورية ألان؟
الكاريكاتير في سورية تطور بشكل واضح. كما أن ظهور عدد كبير من الرسامين الشباب كماً ونوعاً أعطى الكاريكاتير مساحة كبيرة في الصحف السورية والعربية. فكثير من الرسامين السوريين يعملون في الصحف الخارجية، لأن الصحافة السورية لا تستوعبهم كلهم. لكن الفنانين السوريين لم يؤسسوا مدرسة خاصة بهم على عكس المصريين.
كرسام كاريكاتير سوري هل أخذت حقك في بلدك؟
لم آخذ حقي كغيري من الرسامين، فالحفاوة التي اُستقبِلتُ بها في مصر وتونس ولبنان أكبر بكثير من التي لاقيتها في بلدي سورية، لأن الاهتمام بالصحافة أكثر في تلك البلدان. فتطور الصحافة يعطي مجالا أكبر للاهتمام بالفنانين من خلال نشر أعمالهم وتكريمهم. هناك سبب آخر، هو أنني لم أنشر في سورية أو أعمل في صحفها، فكل من يعرفني في بلدي يعرفني من خلال صحافة الخارج وخاصة لبنان والآن في دبي. كما أنني دُعيتُ أكثر من مرة إلى معارض كفنان لبناني نظراً لإقامتي الطويلة في بيروت، حتى الكثير من السوريين يظنون أنني فنان لبناني.
أنت أول رسام سوري رسم كاريكاتير للرئيس بشار الأسد، هل كان هناك أي تردد قبل أن تنجز هذا العمل؟
لم أتردد لأنني رسمته في لبنان وفي مجلة لبنانية، وقد دخل العدد إلى سورية ولم يمنع. لكن لو كنت موجودا في سورية ورسمتها لمجلة سورية فمن المستحيل ان تنشر.
بعد ذلك، رسمته أكثر من مرة ولم يمنع الرسم من الدخول إلى سورية وهذا برهان على أن السلطة لا تمنع بالمطلق. لكن هناك من هم حول السلطة يمنعون تلك الرسومات، ليس دفاعاً عن النظام إنما خوفاً على مناصبهم.
هل ترددت في رسم بعض اللوحات، ولماذا؟
ترددي يكبر حسب سياسة المطبوعة التي أعمل فيها خوفاً من الاصطدام بالممنوعات. أما إذا وجدت الحرية، فلا مكان للتردد.
من أكثر فناني الكاريكاتير في عالمنا العربي ترك فيك أثراً برسوماته ؟
ناجي العلي، محمد الزواوي (ليبيا)، مصطفى حسين ـ طوغان ـ بهجوري (مصر) وكثير من الأسماء. فالتأثر والتأثير شيء طبيعي بين الأجيال. كما أن هناك العديد من الفنانين الأجانب تعجبني أعمالهم أيضا. فالكاريكاتير لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة.
(القدس)