تصطدم الرسوم الكاريكاتورية التي تتناول موضوعات سياسية واجتماعية بآفاق ضيِّقة في وسائل الإعلام العربية بسبب سلاح الرقابة المسلط على العمل الصحفي. غير أن فناني الكاريكاتير يحاولون الالتفاف على ذلك بالتلميح لا بالتصريح. منى سركيس تلقي الضوء على العمل الكاريكاتوري في العالم العربي.
مسرح السخرية....الريشة والبسمة الساخرة في مواجهة الألغام السياسية والثقافية
يقول أبرز رسَّام كاريكاتور في لبنان، ستافرو جبرا إنَّه يرسم الجميع وكلَّ شيء. وفي الواقع تُظهر الرسومات المتراكمة فوق مكتبه كلَّ ما يشيع في لبنان والشرق الأوسط؛ من فتيات لبنانيات بملابس شبه عارية، ورؤساء عرب مهووسين بجمع الدولارات، بالإضافة إلى شيوخ العشائر الذين يغيِّرون في كلِّ بضعة أشهر توجّهاتهم من الناحية الجيواستراتيجية.
وهذا الفنان الكاريكاتوري البارز، المفعم بالطاقة والنشاط والمعروف باسم ستافرو والذي يبلغ من العمر اثنين وستين عامًا لا يعرف أي محرَّمات؛ إذ يقول: "أنا أرسم بكلِّ تأكيد الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، إلى أن يتوقَّف عن ممارسة السياسة. وأنا لا أعاديه شخصيًا. فالمفروض أنَّه يعمل بصفته سياسيًا أكثر من كونه رجل دين".
رسومات ساخرة
ويكشف ستافرو من خلال ذلك عن أنَّه يفضِّل عدم التدخّل في دور رجل الدين الذي يلعبه الزعيم الشيعي حسن نصر الله. وعندما يقوم ستافرو بتسليط الضوء على حسن نصر الله في عمله السياسي، فإنَّ هذا الأخير يبدو على هذا النحو: رجل جاد برأس حجمه أكبر من الحجم الطبيعي وبجسم صغير. وبمثل هذا الأسلوب الساخر يرسم ستافرو الأمراء السعوديين الأقوياء.
ولكن عملية نشر الرسوم الساخرة لا تبدو بمثل هذه البساطة - ولا حتى في الصحف اللبنانية التي من المفترض أنَّها صحف حرَّة. وفي هذا الإطار، رسَّامة الكاريكاتور السورية، سحر برهان لا تخفي شيئًا من ذلك؛ حيث تقول متذكِّرة تجاربها في احدى الصحف اللبنانية: "الجميع يقولون إنَّه لا توجد محرَّمات. ولكن على أرض الواقع تبدو الممارسة مختلفة تمام الاختلاف. ففي احدى المرَّات رسمت سياسيًا عربيًا بصورة دمية تحرِّكها يدّ. ورئيس تحرير الصحيفة رفض هذا الرسم. وبدوري سألته لماذا؟ طالما أنَّني لم أكتب أي تعليق على هذا الرسم؟ وقال لي إنَّ هذا أسوأ بكثير".
[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/stavro-20hu...
التلميحات الجنسية
ويتم إلى حدّ بعيد تجنّب التلميحات الدينية أو الجنسية وكذلك شن حملات شخصية - أو ما يمكن تفسيره بما يشبه ذلك. ولكن على الرغم من ذلك فإنَّ سحر برهان تعتقد أنَّ لدى الكاريكاتوريين في لبنان حريَّات أكثر من الصحفيين. وتقول إنَّ الحكَّام الديكتاتوريين لا يفهمون في الغالب إلاَّ الكلمات المباشرة، وتضيف: "لكن الكاريكاتوريين يستخدمون في الغالب الرموز ويفلتون من خلال ذلك من الأنظمة القمعية".
"الكاريكاتوريون يستخدمون في الغالب الرموز ويفلتون من خلال ذلك من الأنظمة القمعية"
وهكذا لا يندر أن تستخدم هذه الفنانة الشابة الموهوبة جدًا لغة الرموز، على سبيل المثال عندما ترسم التهديد المستمر الذي يمثِّله الحكَّام المستبدون لرعاياهم في شكل مشنقة تتدحرج باتِّجاهها كرة صغيرة صفراء؛ والحبل المتدلي من هذه المشنقة مرسوم على شكل مضرب تنس. ويبدو هذا الرسم الكاريكاتوري ذكيًا وأنيقًا، ومع ذلك جريئًا جدًا، كما أنَّه قبل كلِّ شيء من دون كلمات. وسحر برهان تتعمَّد الامتناع عن استخدام فقاعات الكلام والتعليقات الساخرة والمضحكة.
يد تزرع وردة بمطرقة
وهي لا تفعل هذا فقط من أجل مواجهة القيود التي تفرضها سلطات الرقابة على الكاريكاتوريين؛ بل كذلك لأنَّها في الحقيقة تجد المبالغات البسيطة في الرسم الكاريكاتوري مضحكة، ولكنَّها تحقِّق من خلال الكاريكاتور السياسي أبعادًا مختلفة تمام الاختلاف. "يمكنك مثلاً رسم يد تزرع وردة، ولكنَّها تزرع الوردة من خلال دقِّها بمطرقة. وهذا يحمل بعدًا سياسيًا"، مثلما تقول وتضيف ضاحكة: "ومن دون شكّ نحن لا نتحدَّث هنا عن الزراعة".
الرسوم الكاريكاتورية في لبنان مليئة بالرموز وخالية من فقاعات الكلام
ولكن لا يمكن العثور في العالم العربي على كثيرين مثل سحر برهان؛ وذلك ليس بسبب وجود نقص في المواهب - بل بسبب الحكَّام الدكتاتوريين العرب، مثلما يقول جان مشعلاني الذي يعدّ واحدًا من أقدم خبراء المشهد الكاريكاتوري اللبناني. ويقول مشعلاني متأسِّفًا: "مصر على سبيل المثال تراجعت بشكل كبير إلى الخلف. بينما كان رسَّاموها الكاريكاتوريون أفضل رسَّامي الكاريكاتور في الشرق الأوسط؛ مثل عبد السميع وألكسندر صاروخان وصلاح جاهين والكثيرين غيرهم ... ونحن كنَّا دائمًا نتصفَّح الصحف المصرية بعناية. أما اليوم فلم يبقَ أي شيء من ذلك".
وسحر برهان تتَّفق مع جان مشعلاني في أنَّه من المحزن كثيرًا أن تكون الحال كذلك، إذا نظرنا إلى نقاط ومواطن الضعف الموجودة في الشرق الأوسط. وتقول برهان قال لي ذات مرة رسَّام كاريكاتور سويدي: "أنتم في الشرق الأوسط تحسدون، لأنَّ لديكم هذا العدد الكبير من الموضوعات التي تثير الفزع". منى سركيس-قنطرة)