الحشر تهاجم "الأيديولوجيا" التي حولت المرأة إلى "حرمة"
صدر عن نادي أبها الأدبي كتاب فكري اجتماعي تحت عنوان" خلف أسوار الحرملك"
للكاتبة والتربوية عائشة عبدالعزيز الحشر، وحمل الكتاب الواقع في 233 صفحة من
القطع المتوسط؛ جرأة وشفافية غير مسبوقة في طرح قضايا المرأة السعودية
المعاصرة، حيث تقول الكاتبة في مقدمتها" أحاول أن أسجل ما حدث ويحدث داخل
المجتمع النسائي السعودي، وأن أتلمس الأسباب التي جعلته بالصورة التي هو
عليها مضيفة بعض المواقف التي مررت بها في مجال تعليم البنات الذي قضيت فيه
20 عاماًٍ حتى الآن".
ويأتي الكتاب على شكل فصول قصيرة هي أقرب للمقالات المكثفة الفكرة الموحدة
الهدف في حديثها عن المرأة التي ارتبطت بما اختارته الكاتبة عنواناً رمزياً
للكتاب وهو مصطلح "الحرملك" والذي شاع في فترة من الزمن إبان الحكم العثماني
حيث كانت المرأة فيه مضطهدة لدرجة الرق أو ما سمي بـ"الرقيق الأبيض".
وتستهل الكاتبة مؤلفها بسؤال يحمل إجابة ضمنتها سياق الحديث عن مواقف قديمة
تتجدد من قبل الرجل في حق المرأة، وتحديداً في مسألة الوأد، وقارنت الكاتبة
الوأد الجسدي القديم بما أسمته " وأد فكر وشخصية المرأة الحديث" حيث لا ترى
هنالك فرقاً بين الاثنين تحت أي ذريعة كانت.
وتذكر الكاتبة بين حين وآخر أنها لا تتحدث في كتابها عن فئة قليلة جداً تشكل
الشذوذ عن القاعدة حصلن _كما ترى الكاتبة_ على حقوقهن ونجحن في أن يكون لهن
شأن في المجتمع، أما القاعدة والأغلبية فتتشكل من نساء مضطهدات لم ينلن أبسط
الحقوق، ولم يحققن شيئاً يذكر بحكم سطوة الرجل وتسلط المجتمع وابتلاع بنات
تلك القاعدة لطعم الذل على أنه وضع طبيعي للمرأة والرضا به بل ومهاجمة كل من
يسعى لإيضاح الأمر لهن.
إن أغلب ما يميز الكتاب أنه إلى جانب طبيعته الفكرية البحتة، فإنه يمزج بين
الفلسفة والفكر الإسلامي من خلال نقد العقل الديني وقبله الاجتماعي العربي في
مجموعة مراجعات لتأويل النص وتتبع السياق التاريخي والأنثربولوجي لقارئ النص،
وتتبع مكامن الخلل في أن تصير المرأة إلى ما صارت عليه في بعض الذهنيات
الحالية التي تنطلق في مصادرتها لحقوق المرأة وحتى واجباتها من منطلق ديني،
وخاصة في السعودية.
وفي أكثر من فصل تتناول الكاتبة قضية حساسة وهي وجود التناقضات في النظرة
للمرأة من خلال بعض النصوص ولا تشكك الكاتبة في النص بقدر ما تشكك في النقل،
حيث نجد في أكثر من مرة نصاً يوافق العقل لينقضه نص لا يوافق العقل وهو ما
ذهبت إليه الكاتبة من أنه عدم دقة في النقل وخاصة فيما يتعلق بالمرأة، حيث
تتساءل كيف يرد حديث عن المرأة والحمار والكلب الأسود يقطعون الصلاة في صحيح
مسلم وفي نفس الصحيح يرد حديث عن أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي أمام
رجلي عائشة فإذا هم بالسجود غمزها كي ترفع رجلها حتى يجد لجبينه موضعاً على
الأرض.
وفي أكثر من فصل تخصص الكاتبة للمرأة الجنوبية وما طرأ عليها في الجانب
الديني من تغيير مساحة كبيرة من الحديث من خلال استشهادات ومقارنات وما إلى
ذلك، فتتحدث الكاتبة في أحد الفصول تحت عنوان" نساء الجنوب والهرولة إلى
الخلف" حيث تقول "في جنوب بلادنا كانت المرأة تعرف بالوجه وبالاسم، ولم يكن
يطلق عليها لقب "حرمة" قبل تغلل الأيديولوجيا المتأسلمة في كل تلافيف
العقول".
وتضيف أن الحياة في الجنوب كانت مختلفة لسبب بسيط وهو أن للفلاح حياة تختلف
عن حياة البدوي.
فكان يدعم المرأة ويزيد ثقتها بنفسها وحرية حركتها ما هو منتظر منها كمسؤولة
عن المنزل والحقل والماشية تماما كالرجل.
وتخلص الكاتبة في هذا الفصل إلى أن المجتمع الجنوبي قد تغير تماما في نظرته
للنساء بعد أن صار _ وحسب الكاتبة_ يخضع لفكر أيديولوجي دخيل يهيمن بطريقة
أخطبوطية على جوانب الحياة المختلفة فانقلبت المعاني وتغير وجه الصواب والخطأ
والفضيلة والرذيلة والكرامة والذل والحقوق والواجبات وكل شيء أصبح يحمل معنى
مختلفا عما كان عليه.
الكتاب شيق ويحمل الكثير والكثير من القصص الواقعية لما تواجهه المرأة
السعودية، كما حمل الكثير من المسائل التي تناقش أوضاع المرأة وحرياتها
وحقوقها وواجباتها المعطلة تجاه الوطن بسبب وصاية العقل الجمعي الذكوري.