صدر عن الدار العربية للعلوم "ناشرون" رواية "شغف شمالى" للروائى السعودى فارس الهمزانى.
وتنتمي الرواية إلى هذا النوع من الروايات التي تخترق كافة التابوهات، إضافة إلى غوص المؤلف في الكشف عن عالم المخدرات، ومن المتوقع أن تثير هذه الرواية الجدل داخل المجتمع السعودي، إذ لم يكتف المؤلف بالمطالبة بالديموقراطية، ولكنه يكتب على لسان إحدى الشخصيات الروائية أن "القرآن فُسر تاريخياً على هوى فقهاء السلطان الذين حكمونا بفكر ديني زعموه ديناً، والدين منه براء" بحسب النص الذي جاء في الرواية، كما يرصد المؤلف مغامرات الشاب "حمد بطل الرواية" مع بعض النسوة ذوات السلطة والمال الوفير والجاه، وعالمهم الملئ بالفسق والرذيلة والتحكم في مصير البطل، بل وإذلاله في بعض المواقف.
الرواية تتناول واقع مجتمع الشباب السعودى من خلال البطل القادم من الشمال ليكشف معه خبايا بيئته، ويعانى من رؤية وجه الحقيقة المؤلمة بكل تكويناتها البشعة الفاسدة. ويهتم الكاتب بإطار العمل السردى، ويجعله شيقا لتبدو أحداث هذا الواقع المظلم الذى يرويه وكأنه من صنع خيال شرير ومريض.
نشأ "حمد" فى بيئة شمالية متوسطة من أب "اكتفى بالتعليم الثانوى وعمل موظفاً فى وزارة الزراعة"، وكان العم "فريح" الأقرب إلى قلبه، يعيش على شعارات مثل الحرية والشفافية، وعمل فى شركة الزيت و"ذاق المر وعاش تجربة لعينة مع الغرباء فالشركة كانت تعطى الغريب ضعف راتب المواطن".
تمر فى رأس الراوى تداعيات وأفكار متنوعة، فيتساءل مثلاً عن العمليات الانتحارية: "أشياء لا تصدق ولا تعقل، كيف استطاعوا أن يمزجوا بين الخرافة والأساطير والدين؟ كيف لوثوا أفكار الشباب والزجّ بهم إلى موت مجانى؟". يفتح صندوق ذكريات حبه لـ "مها الضاحي"، ليكرر استغاثته فيما بعد وفى أكثر من مكان:" أين أنت يا مها؟"، كلما ضعف أمام الإغراءات، وكلما خاب أمله أو صُدم أو أهين.
يروى تجربته مع شرب الكحول والجنس أو بحسب تعبيره تجربته فى "استراحة مع البنات" التى ستوصله إلى أحداث مذهلة، تبدأ بأن "فتاة من المنطقة الوسطى تتصل بى، وتأمرنى أن أذهب لها، وكل تكاليف السفر عليها، أية هدية مجانية هذه؟"، هى تعرف كل شىء عنه وهو لا يعرف أى شىء عنها. تجارب غريبة ستجبره عليها سارة ابنة "سالم بن غريب" رجل الأعمال الملياردير صاحب الجاه والسطوة، فى قصرها وأمام خدّامها ومع صديقاتها وأصدقائها، والتى سيخرج منها "بحزن كبير وإذلال ومهانة"، متساءلاً: "هل من قابلتهم فعلاً من أبناء وطنى؟ ومن أين أتت هذه الوحوش بكل هذه الأموال؟".
يخبر قصة ذلك الرجل الغريب الغامض "عوّاد النهار" التى يكتشفها هو نفسه شيئا فشيئا ويكتشفها القارئ معه، ذلك الذى يظن الجميع أنه مجنون لأنه صادق، فهو الثورى الذى يعرف أن "الشعب جائع"، وهو الذى يدعو إلى الممارسة الديمقراطية والذى يعتقد أن "القرآن فُسر تاريخياً على هوى فقهاء السلطان الذين حكمونا بفكر دينى زعموه ديناً، والدين منه براء". تقود معرفة الراوى لعوّاد، إلى تجربة ذل من نوع آخر مع الأمن السرى، لا يخلصه منها إلا غوصه مجدداً عن طريق سارة، فى عالم "الأموال"، والفحش والرذيلة والمخدرات. فللسلطة أبواب كثيرة تستطيع فتحها متى تشاء، لتمدّ أيديها وتمسك وتذلّ وتخنق من تشاء.
صراحة ملفتة فى هذه الرواية الجريئة بكشفها للحقائق، المتينة ببنيتها وبتركيبتها الروائية، والمشوقة بأسلوبها السردى المميز، وبخصوصية أحداثها ومواقفها وحالات أفرادها