ذنب الكلب ( كيف انتحرت)
عزيز نيسن
بالرغم من أن نشر أخبار الانتحار في الجرائد شيء ممنوع، وبما أن الخبر
خاص بانتحاري أنا ، فأتوقع أن تفرح الأوساط الرسمية والجدية جداً ، لانتحار
إنسان غير جدّي.
في أحد الأيام كنت مصاباً بمرض الانتحار، حيث كان الانتحار يخطر ببالي دائماً.
انتحاري الأول كان هكذا.
قلت لنفسي أيها العاشق اختر نوعاً من أنواع الموت ، بالمسدس ، بالسكين؟
الموت واحد ... وحتى يكون الموت مميزاً قررت أن أنتحر بالسم كالملوك القدماء.
أخذت سماً مدهشاً. حبست نفسي في الغرفة ، ثم كتبت رسالة طويلة
رومانسية قلت في نهايتها : " الوداع أيتها الدنيا الفانية ، الوداع أيها الزمن
الملعون ، الوداع أيها الصدر الأعظم ..."
بعد أن قلت هكذا ، شربت كأس السم دفعة واحدة , ثم تمددت على الأرض .
وانتظرت ، الآن سيجف دمي وبعد قليل ستشل يديّ ورجليّ ، ولكن لم يحدث
شيء لي ، شربت كأساً آخر من السم ، ومرة أخرى لم يحدث شيء ,
و أخيراً علمت أن المواد المغشوشة في هذا البلد ليست الحليب و الزيت والجبن فقط،
بل السم مغشوش أيضاً.وهكذا فإن الانسان هنا لا يستطيع الانتحار حتى, كما يريد.
و من جهتي فإني إذا وضعت شيئاً في رأسي فسأعمله بالتأكيد ، وفي هذه
المرة قررت أن أطلق رصاصة على رأسي.
وهكذا وضعت فوهة المسدس على رأسي وإصبعي على الزناد
- طق.
حاولت مرة ثانية أيضاً : - طق.
مرة أخرى و أيضاً : - طق.
و لكن ظهر أن هذا النوع من المسدسات أتى من أمريكا على هيئة مساعدات،
و بدون قطع تبديل.
و بعد أن عرفت عدم إمكانية الانتحار بالرصاص ، فكرت بالموت بالغاز
لأن الموت بهذه الطريقة مضمون تماماً.
من المعلوم و حسب ما أعرف فإن التسمم بالغاز يؤدي إلى موت شاعري.
فتحت صنبور الغاز إلى آخر حد ، وكنت قد أغلقت جميع الثقوب في الغرفة،
و تمددت على الكنبة ، وأخذت وضعية بحيث يجدوا جثتي وهي في منتهى
الجدية ثم بدأت أنتظر عزرائيل
أتى الظهر ثم المساء ولكني لم أمت
في المساء دخل صديقي إلى الغرفة.
صرخت : - لا تدخل
- مالأمر؟
- أنا أموت.
- أنت لا تموت ، أنت مجنون.
شرحت لصديق عن المشروع ، ولكنه ضحك :
- حقاً ،إنك غبي جداً ،فهذا الصنبور لا يخرج منه غاز بل هواء.
و بعدها سألني :
- هل تريد أن تنتحر حقاً؟
- طبعاً.
- أرغب في مساعدتك .
وبعد ذلك طلب مني أن أذهب إلى محل السكاكين وأشتري سكيناً من
نوع بورصا ، ونصحني بأن أغمد السكين في بطني وأخرج أمعائي بيدي
كالأبطال اليابانيين. شكرت صديقي لمساعدته، وذهبت مباشرة واشتريت
سكين بورصا متينة، في الحقيقة إنه أمر غير جميل أن يمسك الانسان سكيناً
و يمزق أمعاءه، لأن الأطباء الذين سيفحصون جثتي في المشفى ، لن يجدوا
أي نوع من أنواع الغذاء في أمعائي وهذا بالطبع أمر محرج بالنسبة لي، ولكن
فليكن ما يكون، وضعت السكين في جيبي و بينما أنا عائد إلى البيت مسروراً
هجم علي شرطيان ، و بدأت أعرفهما عن نفسي:
- يا سادة ، توقفوا ، استمعوا إلي للحظة ، أنا أدفع الضريبة بشكل منتظم،
ولا أتكلم أي شيء بحق حكومتنا، رجل شريف مثلي..
و لكنهما قطعا حديثي في منتصفه ، عندما وجدوا السكين في جيبي وصاحا:
- ما هذه ؟
إذاً ، أنا تورطت مع دورية من دوريات قسم مكافحة الجرائم، قلت لنفسي:
- يا ربي ، نتيجة القرارات الصائبة في هذا البلد ، فإننا لا نستطيع أن
نعيش ، ولا نتسطيع أن نموت أيضاً؟ هل سنبقى نتعذب دائماً هكذا؟
و لكن صاحب الإرادة والعزم يجب أن يكون مثلي ، فإذا قلت أنني
سأموت فهذا يعني أنني سأموت حتماً.
أخذت من الدكان حبلاً ثخيناً ، ولوح صابون ، صوبنت الحبل جيداً
و ربطته في الحلقة الموجودة في السقف و أدخلت عنقي في عقدة المشنقة الزلاقة
كمن يدخل إلى مصلحة الضرائب وأوقعت الكرسي من تحت قدمي ولكني
سقطت أرضاً قبل أن أتأرجح مرة واحدة.
الحبال أيضاً كانت تالفة ، وإيجاد حبال سليمة أمر غير ممكن ، قال لي
صاحب المحل:
- وهل يعقل أن تكون البضاعة سليمة ويبيعونها, لقد فهمت تماماً، أنه لا
يوجد إمكانية للموت ، و قلت لأعيش إذاً على الأقل . و كما تعلمون ، فالحياة
تبدأ من المعدة أولاً و هكذا أكلت بسطرما بالبيض و بعض المعلبات و المحاشي
الكاذبة ، و بالإضافة لذلك أكلت المعكرونة وبعد ذلك ذهبت إلى محل
حلويات وأكلت 5 ، 6 قطع من المعمول.
و دخل إلى المحل بائع جرائد وبدأ يصرخ:
- 16 صفحة ، إذا لم تقرأها غلف بها.
لم يكن من عادتي قراءة الصحف المؤيدة للحزب الحاكم، قلت : لأقرأها
و بينما أقرأ العناوين وجدت نفسي نائماً، شعرت بألم في بطني ، كطعنة
السكين، ولكن كيف ... ألم لا يوصف ... لم أستطع التحمل أكثر من ذلك
فبدأت أصرخ و أولول ، و بالكاد أخذوني في سيارة الاسعاف إلى المشفى
مغمياً عليّ.
لما فتحت عيني وجدت الطبيب فوق رأسي يسألني:
- أنت مصاب بالتسمم ، لا يخفى شيء على الطبيب ، هل انتحرت؟
- أين تلك الأيام السعيدة يا دكتور ؟ أين هي؟
- أنا أقول أنك مصاب بالتسمم ، ماذا أكلت؟
- بسطرما.
صرخ الطبيب:
- ماذا ؟ هل أكلت بسطرما؟ أنت مجنون؟ و هل تؤكل البسطرما؟ ألم تقرأ الجرائد؟
إنها مليئة بأخبار المتسممين من البسطرما... ولكن هذا لا يشبه تسمم البسطرما،
ماذا أكلت غير ذلك؟
- ذهبت إلى المطعم.
- أنت مخبول.
- في المطعم أكلت معلبات.
- هكذا إذاً؟ و ماذا أكلت بعد؟
- معكرونة ومعمول...
- طبعاً سوف تتسمم . معلبات، معكرونة ،معمول!.. و ماذا أيضاً؟
- و الله لم آكل شيئاً آخر ، بينما كنت أقرأ الجريدة المؤيدة للحكومة ...
صرخ الطبيب:
- ماذا؟ توجه بالدعاء إلى الله لأنك لم تمت , لقد مرت هذه المشكلة
ببساطة هذه المرة.
عندما خرجت من المشفى كنت أفكر : طيب نحن ماذا سنفعل ، لا
يتركوننا نموت ولا يتركوننا نعيش... ولكن بإمكاننا أن نزحف بكل سهولة إلى القبر.