"في البدء كان المثنى" هو العنوان الذي اختارته الأديبة والناقدة الأدبية خالدة سعيد لكتابها الجديد. وفي هذا العنوان بحد ذاته دلالات عميقة على أبعاد المشكلة الإنسانية الأزلية التي تحاول خالدة سعيد إلقاء الضوء عليها، والتي تبدأ بتزوير واقع الوجود الذي بدأ بالمثنى، بالمرأة والرجل، لأنه بدون الإثنين لا وجود أصلاً للوجود الإنساني ككل. وفي الحديث الذي خصت به موقع دويتشه فيله تقول خالدة سعيد إنها تريد التعبير من خلال هذا العنوان عن رفضها للتراتب في العلاقة أو في الحضور في العالم بين المرأة والرجل" باعتبار أن الوجود والحضور مثنى متكامل لا وجود فيه لأحد دون الآخر.
الكتاب مبوب في ستة فصول تستهلها بمقدمة مسهبة تحت عنوان" هوية أسطورية سابقة تخترق الأديان والحضارات"، تحلل فيها موقف الرجل السلطوي من المرأة الذي وجد استمرارية عبر العصور فكما تقول "إن منزلة النساء المتدنية لم تكن دائماً تابعة لدرجة التخلف والتقدم العلميين أو لدرجة الحضارة الصناعية." ثم تقارن بين وضع النساء منذ بدء الخليقة وحتى اليوم وتكتشف تشابهاً وتوازياً في معاملة النساء بين أجيال شتى العصور والأوطان. في معرض الإشارة إلى عمق جذور النظرة الدونية للمرأة تورد خالدة سعيد كثيراً من الأمثلة والنظريات والقوانين التي تتشابه إلى حد بعيد من حيث المحتوى والمضمون، من ذلك مثلاً قانون نابليون الشهير 1804 الذي سحب الأهلية القانونية والاقتصادية من النساء.
كثير من الرجال دافعوا عن حرية المرأة
الأديبة والناقدة خالدة سعيد في الوقت نفسه تشير خالدة سعيد الى الدور الكبير الذي لعبه بعض المفكرين الرجال في لفت الأنظار الى أوضاع المرأة والدعوة الى تغيرها، وخصصت الفصل الأول من كتابها للمفكر قاسم أمين والمساعي التي بذلها من أجل تحرير المرأة وإخراجها من غياهب ظلامها، وتستشهد بقوله "الاختبار التاريخي يؤيد التلازم بين انحطاط المرأة وانحطاط الأمة وتوحشها وبين ارتقاء المرأة وتقدم الأمة ومدنيتها".
في الوقت نفسه تؤكد خالدة سعيد على نظرة الرجل الدونية للمرأة بقيت متحكمة في عقول أعداد كبيرة من المتعلمين والمثقفين و المحامين وحتى رجال القانون وتضيف: "هناك رجال ثوريون وصلوا الى السلطة بفضل الثورة وكانوا أكبر رجعيين فيما يتعلق بالنساء" ولا تنسى خالدة سعيد في معرض بحثها الإشارة إلى دور المرأة نفسها في استمرار هذه الأوضاع وتقول: " لابد من الاعتراف بأن عامة الرجال ليسوا وحدهم من يتشبث بالوضعية الدونية للنساء بل تشاركهم في ذلك فئات وطوائف من النساء." وتفسر هذه المواقف بأن من بين النساء من تخضعن للواقع " تعتقد أن تحًكم الرجال في النساء وإقصاءهن عن ساحات الفاعلية هو الحكم الإلهي والوضع الطبيعي".
" المرأة العربية كائن بغيره لا بذاته"
العلم والمعرفة وتطوير الذات، الوسيلة المثلى لتطور المرأة في الفصل الثاني من الكتاب الذي يحمل عنوان " المرأة العربية كائن بغيره لا بذاته" تقول خالدة سعيد إن المرأة لا تزال في الغالب تابعة مضطهدة وملكاً خاصاً ينتقل بنوع من المبادلة أو التنازل من حوزة الرجل الأب الى حوزة الرجل الزوج"، ثم تنتقد التغني بضخامة المقدرات والطاقات الكامنة في المجتمعات العربية لتشير بالبنان الى لب المشكلة وتقول " نحن ننسى ملايين النساء الغارقات في ظلام الجهل ودوامات القلق وفوق رؤوسهن سيفان مسلطان بدأ بالطلاق وتعدد الزوجات" وتعبر عن رأيها القائل بأن مشكلة البنت تبدأ منذ ولادتها وأنها تنشأ في أرقى الأوساط العربية مدركة أنها زائدة وغير مرغوب فيها رغبة الأهل بالصبي"، وأن تزويج البنت في أبكر سن يشكل في نظر الكثيرين أفضل طريقة للتخلص منها. وتنتقد خالدة سعيد في كتابها الحيثيات التي يتم بموجبها الزواج في كثير من المناطق لتقول إنه "في كثير من المناطق العربية يبدو نوعاً من الاغتصاب الذي يحميه القانون والمجتمع".
في كتابها الجديد تقدم خالدة سعيد لمحة عن حياة ونضال وتجربة عدد من الروائيات والشاعرات والفنانات والباحثات ممن تحدين الموانع وقدمن مساهمة قيمة من شأنها أن تساعد على احتلال المرأة مكانها الطبيعي في المجتمعات الإنسانية. وفي الحديث الذي خصت به موقعنا تقول خالدة سعيد إنه لا توجد هناك وصفة جاهزة لإحداث تغير سريع لأوضاع النساء في البلدان العربية إنما توجد مبادئ وخطوط عامة أولها المعرفة بمعناها الواسع، " معرفة النفس والتاريخ ومعرفة العالم ومعرفة الفرص" ثانياً العمل" فالعمل هو باب الاستقلال والإسهام في الثروة الوطنية" ثالثاً التعبير "على المرأة أن تعبر عن نفسها بكل أشكال التعبير الممكنة"، أما المبدأ الرابع فأن تكون المرأة مواطنة مسيسة ومطلعة ولها رأي. وأشارت خالدة سعيد الى أنها كانت خلال اهتمامها بقضية المرأة على مر أكثر من نصف قرن شاهداً على كوارث ومآسي حصلت للنساء، وتذكر أمثلة كثيرة منها " إن صديقة لي أحرقت نفسها لأنها لم تستطع أن تختار شيئاً في حياتها وكان كل شيء مفروضاً عليها".
منى صالح -DW