مما يعني تراجع واشنطن عن سياسات 40 عاماً من حظر نشر المواد النووية. يذكر أن القانون الأميركي, وكذلك مجموعة الموردين النوويين البريطانيين, قد تضافرا معاً لمنع الهند من تبادل التكنولوجيا النووية السلمية, بسبب رفض الهند التوقيع على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, إلى جانب رفضها فتح منشآتها النووية السلمية أمام المراقبين والمفتشين الدوليين. لكن اليوم وعلى رغم تجاهل الهند للمعاهدة الدولية المذكورة, والمضي قدماً في تطوير برامجها النووية السلمية والحربية معاً, فقد أصبح في مقدورها تبادل التكنولوجيا السلمية مع الولايات المتحدة الأميركية, شريطة موافقة الكونجرس الأميركي على خطة الرئيس بوش الأخيرة.
والسبب الرئيسي وراء هذا التحول المفاجئ في الموقف والسياسات الأميركية إزاء الهند, هو رغبة واشنطن في تحسين وتطوير علاقاتها مع قوة آسيوية عظمى, يتوقع لها أن توازن الصين إقليمياً. بيد أن هذا الحفز الأميركي من جانب إدارة بوش, لعلاقات التعاون والتبادل النووي مع الهند, في ذات الوقت الذي تتشدد فيه هذه الإدارة ضد مطامح كل من كوريا الشمالية وإيران -مع ملاحظة أن كلتيهما آسيويتين- ينظر إليه الكثيرون على أنه النفاق السياسي بعينه.
أما الحدث الثاني الذي أشرنا إليه آنفاً في صدر هذا المقال, فيرتبط بمجريات الزيارة الأخيرة, التي قام بها الرئيس الزيمبابوي روبرت موجابي إلى الصين. والمعلوم أن الغرب ينظر إلى روبرت موجابي وإلى جانبه رئيس حكومة السودان, باعتبارهما أسوأ زعيمين سياسيين إفريقيين على الإطلاق. ويأخذ الغرب كثيراً على موجابي, الفوضى السياسية التي زج إليها بلاده, وتقويضه لاقتصادها الوطني, الذي كان يعد نموذجاً يحتذى في المنطقة ذات يوم, بسبب سوء إدارته وجنون العظمة السياسية الذي أصابه مؤخراً. يذكر أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية معاً, قد حولا روبرت موجابي إلى شخصية غير مرغوب فيها إلى جانب الشجب الذي تعرض له من جانب الأمم المتحدة نفسها, بسبب برنامج تحديث حضري, يعمل موجابي على تنفيذه, نجم عنه تشريد ما يزيد على 700 ألف من مواطنيه, من ديارهم وتحويلهم إلى لاجئين. وكانت هذه السياسات قد وصفت من جانب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان, بأنها سياسات جائرة .
لكن ومع ذلك فقد احتضنت الصين موجابي, ومنحته درجة الأستاذية الفخرية, مع ترجيح تعزيز علاقاتها به, سعياً وراء الحصول على ما تريده من زمبابوي من مواد خام, هي في أمس الحاجة إليها في ظل النمو السريع الذي يشهده اقتصادها القومي. كما وقعت الصين مؤخراً, عدة اتفاقيات تبادل تجاري واقتصادي مع كل من السودان وإيران وأوزبكستان, إلى جانب عدم إخفاء رغبتها في إبرام اتفاقيات وإقامة علاقات مماثلة, مع عدد من الأنظمة المثيرة للخلاف والجدل, سعياً لتحقيق مصالحها الاقتصادية القومية الخاصة.
وكما نرى ففي كلا المثالين المذكورين أعلاه, تضع الولايات المتحدة الأميركية والصين, مصالحهما القومية, فوق أي مصالح واعتبارات دولية أخرى, سواء فيما يتعلق بحظر نشر الأسلحة والمواد النووية, أم ما يتصل بالتعاون التجاري والاقتصادي, مع دول وحكومات مثيرة للجدل, بسبب سوء سجلها في مجال حقوق الإنسان. ومما لا شك فيه أن مثل هذه الممارسات من قبل الدول العظمى مثل الولايات المتحدة والصين, تثير قدراً كبيراً من الشكوك والاستياء, إزاء الأهداف الكامنة وراء ازدواجية وتضارب في السياسات والمواقف على هذا النحو. ومما لا شك فيه أن مثل هذا السلوك المتناقض من قبل الدول العظمى, سوف يلقي بظلاله على السياسات الدولية برمتها.