آخر الأخبار

الفساد في العالم العربي- آفة رسمية وممارسة شعبية

يعتبر الفساد ممارسة يومية في الدول العربية، فمن السكك الحديدية اللبنانية التي يعمل فيها أكثر من 900 عامل رغم توقفها منذ 20 عاما إلى سلطة الكهرباء اليمنية التي أعطت عقودا وهمية لدراسة إمكانية بناء مفاعلات نووية سلمية.

يعتبر الكثيرون في العالم العربي الفساد الإداري مخالفة غير لائقة. وفي كثير من الأحيان يشكل الفساد قاسما مشتركا بين مواطني الدولة وفي تسيير أمور حكومة ضعيفة في ظل نظام سياسي متآكل وبشكل سيئ للغاية. والواضح أن المواطنين في العالم العربي يعرفون بالتحديد كم من المال ينبغي دفعه للحصول على خدمة حكومية معينة. وينتقد المحلل السياسي اليمني عبد الغني الإرياني حالة الفساد المتفشي في اليمن والتي تكلف الدولة نحو 60 في المائة من ميزانيتها العامة والتي تضع الدولة اليمنية أمام الانهيار الكلي.

المال يتحكم بكل شؤون البلاد

ويتم تعريف الفساد بأنه سوء استخدام السلطة من أجل الثراء الفردي، كما يقول بدري المعوشي ممثل شبكة الشفافية اللبنانية لمكافحة الفساد. وللفساد أوجه عديدة منها: ضعف أجور الموظفين الذين يحاولون من خلال الرشوة تحسين وارداتهم المالية. والوجه الآخر يتمثل بفساد الوزراء ورؤساء الدول الذين يعملون على جعل تعاقدات الدولة المالية تضمن لهم شخصيا الحصول على مبالغ مالية ضخمة.

وهناك وجه أقبح للفساد والذي يتمثل في استغلال السياسيين لأموال الدولة من أجل شراء ذمم الناس وولائهم أو من أجل إسكات أصوات معارضة لهم. ووضع مؤشر الفساد الذي تنشره منظمة الشفافية العالمية سنويا كلا من العراق واليمن ولبنان وسوريا ومصر في صدارة الدول الأكثر فسادا في العالم. وبعبارة أخرى لا تتمتع هذه الدول بثقة شعوبها، كما لا تملك هي رؤية واضحة لوظيفتها كدولة.هذا بالإضافة إلى عدم قدرة هذه الدول على تقديم خدمات مرضية للمواطنين، كما يقول بدري المعوشي.

التضخم الوظيفي

وأظهرت دراسة خاصة بأسعار الشحن البحري في موانئ البحر الأبيض المتوسط أن ميناء بيروت هو الأغلى من بين موانئ المنطقة، كما يقول بدري المعوشي، الناشط في منظمة الشفافية اللبنانية اللبنانية. ويعلل بدري السبب في ذلك إلى أنه على المرء أن يدفع في كل مرحلة من مراحل إنجاز أوراق الشحن رشاوى للعاملين والموظفين من أجل الحصول على خدمة شرعية يدفع ثمنها قانونيا. كما أظهرت الدراسة أن العمل الذي ينجزه 1000 عامل في ميناء بيروت، يمكن إنجازه في الحقيقة من قبل 100 عامل فقط، مقابل أجور معقولة ونزيهة بدلا من الأجور الحالية لألف عامل.

وينتقد الناشط اللبناني تضخم عدد الموظفين في الأجهزة الإدارية اللبنانية بشكل كبير. فهذه الأجهزة توفر العمل لعدد كبير من المواطنين في بلد صغير لا يتجاوز عدد سكانه الأربعة ملايين نسمة ما يعادل عدد موظفي الجهاز الإداري في دولة كندا التي يبلغ عدد سكانها 32 مليون نسمة.

ويعتبر قطاع الخدمات العامة في لبنان كما هو الحال في معظم الدول العربية أكبر وأهم رب عمل في البلاد، وله وظيفة واحدة فقط يتمثل في توفير فرص العمل عموما. وهو أمر يولد ظواهر نادرة؛ ففي لبنان على سبيل المثال هناك دائرة خاصة بالسكك الحديدية ويعمل فيها أكثر من 900 عامل، كما يقول المستشار الاقتصادي مروان اسكندر ويضيف أن كل لبناني يعلم جيدا أن حركة القطارات توقفت في البلاد منذ عشرين عاما وأن السكك الحديدة قد خربت تماما أو أصبحت غير صالحة للاستخدام.

شركات وهمية

بسبب الفساد الإداري وأما ابرز المجالات التي توفر الظروف الملائمة لازدهار الفساد الإداري فهي مجالات مشاريع البنى التحتية ومشاريع التسلح وتجديد سلاح الجيش. وعلى سبيل المثال تتهم مصلحة توليد الكهرباء في اليمن بأنها منحت شركة وهمية عقدا خاصا بإجراء دراسة حول مدى إمكانية بناء خمسة مفاعلات نووية لتوليد الكهرباء في البلاد. وهناك مثال آخر في اليمن يخص تدريب الطيارين العسكريين اليمنيين الذي يكلفون بتدريبات عسكرية قاسية لا تستطيع طائرات الميغ الروسية مقاومتها، ما يسمح بطلب طائرات روسية جديدة. والربح يكمن في عقد الصفقات مع الجانب الروسي، حيث يتم طلب الطائرات بكل التجهيزات رسميا، لكن الطائرات التي تصل اليمن تكون ناقصة التجهيز. وفرق الأسعار يدخل جيوب المسؤولين المعنيين. ويمكن ذكر أمثلة كثيرة من هذا النوع من الفساد دون حرج.

مفهوم العقد الاجتماعي

ولغرض فهم منطق الفساد في الأنظمة العربية فلا بد من التعرض لمفهوم العقد الاجتماعي بين الدولة والمواطنين، كما يقول الناشط بدري المعوشي. ويشير إلى أن العقد الاجتماعي في أوروبا الغربية والولايات المتحدة بين المواطن والدولة يضمن حق المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو القومية أو المذهبية. ويضيف المعوشي أن العقد الاجتماعي في لبنان هو بين الطائفة والدولة على حساب حق المواطن من جانب وعلى حساب هيبة الدولة من جانب آخر.

ولهذا وكما يقول الناشط في منظمة الشفافية اللبنانية، فالناس في لبنان يعتمدون على قياداتهم الطائفية في تغطية احتياجاتهم وحل مشاكلهم اليومية. وفي حالات أخرى تكون القبيلة أو العشيرة المسؤولة عن المواطن وتغطية حاجاته. والكل على علم باهتراء النظام الاجتماعي ولكن وبغياب البديل الأفضل يبقى هذا النظام هو المعمول به. ولا يتغير شيئا، طالما لا تظهر القيادات السياسية رغبة حقيقة في إصلاح الأوضاع القائمة.
(DW)