آخر الأخبار

مقولات رجعية

1- الشعب الساخط له الحق في طرد حكامه

2 - الحكومة البرلمانية هي أم الحريات المدنية.

3 - الشعب هو صانع الملوك.

4 - القانون السليم هو الذي يقبله الشعب.

5 - الحكومة السليمة هي التي يرضى عنها الشعب.

هذه التي أمامنا هي جميعا مقولات رجعية بالنسبة إلى عصر الجماهير. رغم أنها مازالت سارية المفعول حتى الآن في العالم المعاصر. ورغم أن جميع مناهج كليات الحقوق في أنحاء العالم تشتمل على هذه المقولات الراجعية وتدرسها على اعتبار إنها صحيحة وصالحة. ولكننا إذا نظرنا إلى محتوى هذه المقولات على ضوء العصر الذي ولدت فيه، فإنها كانت آنذاك يسارية وتقدمية إلى حد بعيد.

فالمقولة الأولى:

كانت نتاج الثورة الأمريكية، ولقد اعتبرت في حينها فاتحة عصر جديد حقا فقد كان الحكام قضاء وقدرا وليس على الشعب إلا أن يخضع لهم. أما وقد استطاع الثوريون الأمريكيون طرد حكامهم الإنجليز فإن قاعدة جديدة قد أقيمت لتحكم العلاقة بين الشعب والحاكم هي "إن للشعب الساخط الحق في طرد حكامه". لقد كانت الثورة على الحاكم قبل ذلك كفرا، لأن الحاكم هو ظل الله على الأرض، فيعتبر التمرد عليه تمردا على الله وعلى قضائه وقدره كفرأ يحكم على مقترفه بالحرق، ويستباح دمه، كما نقلت لنا ذلك كتب التاريخ. وهو أمر أكدته في أذهان الناس ممارسات الكنيسة المسيحية وهو ما استخلص منه ماركس قوله "الدين أفيون الشعوب".. وقد استخلص عبارته هذه من خلال زمان ومكان محددين فالزمان الذي مارست فيه الكنيسة طغيانها وتضليلها، ووجد فيه ماركس والمكان هو أوروبا الواقعة تحت هيمنة الكنيسة المسيحية، حيث تقوم الكنيسة بمباركة الحاكم إذ أن أولئك الذين لا تباركهم لا يكون من حقهم ممارسة الحكم، فالحاكم هو ظل الله في الأرض والبابا هو الوكيل عن الدين وعن الله في الأرض فيقوم بتسليم التفويض الإلهي للحاكم. وهو دور ارتضته الكنيسة بعد فقدانها للسلطة السياسية، فلم تشأ أن تفرط في السلطة الدينية التي استغلتها أسوأ استغلال تلك الطبقة المعروفة بطبقة رجال الدين التي سخـرت طبقة الحكام للحفاظ على امتيـازاتها. تماما كما تفعل الطبقة الرأسمالية التي لا تمارس الحكم بشكل مباشر، ولكنها تضع رموز السلطة السياسية وتسخرها لخدمة مصالحها وللحفاظ على امتيازاتها. ففي البلاد الرأسمالية يكون رئيس الدولة ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان وأعضاء هذه المجالس أيضاً صنيعة للرأسمالية وأداة طيعة في يدها. فالرئيس الأمريكي مثلا هو أداة تنفيذية للطبقة الرأسمالية التي خلقته وأوصلته إلى السلطة، وليس في مقدرة أي شخص مهما كانت ميزاته أن يصل الى الرئاسة دون أن تكون وراءه هذه الطبقة.

أن الشعوب كانت تخضع مختارة لحكامها عملا بتعريف الكنيسة المسيحية لهم بأنهم ظل الله على الأرض، وهو ما دعي ماركس إلى أن يعتبر الدين أفيون الشعوب. ولأجل أن يتخلص الأمريكيون من الهيمنة البريطانية أطلقوا هذا الشعار الذي نحن بصدده والذي أعتبر ثوريا جدا آنذاك لأنه أعطى الشعب حق طرد الحكام الذين يسخط عليهم، فالحاكم يبقى مادام الشعب راضيا عنه، فإذا سخط الشعب على الحاكم طرده، واعتبر هذا حقا لا كفرأ. بقدر ما كانت هذه المقولة ثورية آنذاك فهي رجعية الآن بقدر أكبر في عصر الجماهير، من حيث أنها تقر بوجود حكام على الشعب من حيث البدء. ثم تجعل، بقاءهم مستمرا إلى أن يسخط عليهم الشعب لينصب غيرهم حكاما عليه. ففي عصر الجماهير يحكم الشعب نفسه، وينتهي الحكام نهائيا فإذا وجد حاكم فإن الصراع السياسي سيستمر إلى أن يصل الشعب بنفسه إلى السلطة وينتهي الحاكم. وحيث أن الشعوب يتحكم فيها ألان حكام، فإن الصراع السياسي سيستمر، وستتفجر الثورات والانتفاضات في كل مكان، حيث تحاول الشعوب القضاء على حكامها. إن هذا الصراع السياسي أو المرض السياسي أو القلاقل الاجتماعية سببها المباشر وجود الحكام الذين يشكلون طرفا نقيضا ومضادا للشعب، وفق علاقة جدلية بين الشعب والحكومة تبين أن وجود أحدهما لا يكون إلا على حساب الآخر.. فلا ينتهي الصراع إلا بانتهاء أحدهما. وهكذا فإن الحكام سينتهون وتتم السيطرة للشعوب نهائيا وينتهي الصراع السياسي في المجتمعات الإنسانية.

المقولة الثانية:

إن هذه المقولة ما زالت سائدة حتى ألان في العالم المعاصر، وقد نتجت هذه المقولة عن الثورة الإنجليزية. فقد خاض الانجليز كفاحا مريرا من أجل أيجاد ممثلين عن الشعب الإنجليزي يستشيرهم الملك ويحكم بعد ذلك بما يراه مناسبا لمصلحته. وحيث أن الملك هو ظل الله على الأرض فإن التسليم بحكومة برلمانية كان حينذاك حدثا ثوريا كبيرا وانتصارا عظيما للديمقراطية، فأمام سلطة من ذلك النوع لا تعترف باحد سوى الملك الذي هو ظل الله على الأرض، وتعتبر الخروج عليه أو التشكيك فيه كفرأ، كما أن التنازل عن شيء من صلاحياته يعتبر كفرأ هو الآخر، فان حكومة برلمانية كانت عملا تقدميا ما زال الانجليز يعتزون به ويفخرون أن ثورتهم هي التي قدمته. وما زالت المجتمعات المعاصرة مخدوعة بهذه المقولة "إن الحكومة البرلمانية هي أم الحريات المدنية".. التي بحسبها تكون جميع النظم البرلمانية ديمقراطية.. فحيثما يكون برلمان فهناك حرية، وهى مغالطة كبرى. واتجاه رجعى حقيقي معاد لحرية الشعب وفق منطق عصر الجماهير. فرغم أنه قد ثبت بطلان القياس على أن الحكومة البرلمانية هي أم الحريات المدنية، حيث رأينا عمليا ان اعتي أنواع الدكتاتوريات القهرية والقمعية قد قامت في ظل الحكومات البرلمانية، وإنها قد قضت على الحريات المدنية وقد كادت تقضى على المدنية نفسها قضاء مبرما، إلا أن هذه المقولة رجعية ومعادية للشعوب بسبب إقرارها مبدأ التمثيل والنيابة عن الشعب. فبحسب هذه المقولة يكون الشعب غائبا ويحضر نيابة عنه برلمان وحكومة كوكيل. وترى النظرية العالمية الثالثة أن غياب الشعب ديكتاتورية وإن ألا قرار بمبدأ النيابة عنه هو تغييب له.. وبالتالي فإن. مبدأ التمثيل النيابي ونظام البرلمان هو ديكتاتورية فعلا. وكما شطبنا على الحكام في مناقشتنا للمقولة الأولى فإننا نشطب على الحكومة البرلمانية في هذه المقولة. إننا نقول بان السلطة الشعبية هي أم الحريات المدنية.

المقولة الثالثة :

ومادام الملك- كما أوضحنا- هو ظل الله على الأرض فإنه ليس لأحد الحق في أن يصنع ملكا سوى الله نفسه. إن أي ملك في أي بلد يكون قد نصبه الله ملكا! وهكذا فان هذا الحق الإلهي كان ينتقل.من الأب إلى الابن وراثة بالموت أو بغيره. ولا يحق لأحد من غير الأسرة التي منحها الله هذا الحق أن يحل محل الملك. فقد ذهب الإنجليز ألي فترة سابقة من تاريخهم الى أوروبا فاستعاروا منها ملكا عليهم من إحدى العائلات المالكة فيها، عندما اختلفوا في بعض شأنهم. أما أن يصبح الشعب هو صانع الملوك. فتلك بدعه لايمكن تصديقها في ذلك العصر الذي يجب على الشعب فيه أن يظل خاضعا لملوكه ولا يدخل في شان من شؤونهم، فلا يتدخل أحد في تنصيبه، ويبقى مالكا للأرض ومن عليها دون أن يعترض أحد من أفراد الشعب بل إن ملكه ينتقل بالوراثة في عائلته الأكبر فالأكبر وهكذا. إن الملوك المعاصرين أيضا مازال الناس يتعاملون معهم وفق تلك القناعات القديمة، فنجد في دساتير الملكيات المعاصرة أن الملك مسؤول وغير مسؤول في نفس الوقت. بأنه ظل الله على الأرض. وبأنه لايوجة إليه الانتقاد. كما في الدستور الليبي الذي سقط بالثورة على الملكية سنة 1969م. وفيما لو طرحت الثورة للنقاش قبل تفجرها فإننا لاشك كنا سنسمع بأن بعض أفراد المجتمع قد اعترضوا على تفويض الملكية بحجة أن سلطة الملك مقدسة يستمدها من الله مباشرة ولا يحق لأحد أن يعترض على إرادة الله وإلا عد كافرا. وهكذا فان. مقولة "الشعب هو صانع الملوك". تعتبر في زمنها تقدمية لاشك لأنها كان عليها أن تطوى كل هذا الركام وتعطى الحق للشعب في تعيين الملك لتسلب منه حقه الإلهي. أما ألان وفي ظل سلطة الشعوب فان الملوك صاروا جزءا من الماضي الذي مات بانبلاج عصر الجماهير الذي دمر البنية التقليدية للمجتمعات الإنسانية، وأقام حياة سياسية اجتماعية ليس فيها محكومين على الاطلاق ليحكمهم الملوك أو غيرهم.

المقولة الرابعة :

وهى تحدد أن "القانون السليم هو الذي يقبله الشعب".. وهذا يعنى أن جهة ما تصنع القانون، فإذا لم يقبله الشعب لم يكن قانونا سليما. وهكذا ليكون القانون سليما فإن الجهة التي تسن القانون تصنع قانونا آخر يقبله الشعب. إن الشعب في هذه الحالة ليس أمامه إلا أن يرضي أولا يرضي. فإذا رضي فإن القانون سليم أما إذا لم يرض فإن القانون ليس سليما ولكنه يظل. طبقا على الشعب رغم ذلك. إن جميع الحكومات في العالم المعاصر تسن قوانين عن طريق أجهزتها التشريعية وتطبقها بحق الشعب سواء رضى صوريا أو أعلن رفضه. إن مقولة كهذه تعتبر رجعية ليس لأنها تسمح بتطبيق القوانين على الشعب رغم أنه لم يقبلها، ولكنها رجعية لأنها تقر بجهة تشريعية ليست الشعب نفسه.

المقولة الخامسة :

إن أكثر هذه المقولات رجعية ومدعاة للضحك والسخرية هي هذه التي تنص على أن "الحكومة السليمة هي التي يرضى عنها الشعب".. فليس في العالم من حيث البدء حكومة تنال رضى الشعب سوى حكومته نفسه. والتي تعنى إلغاء جميع الحكومات التقليدية واقامة سلطة الشعب. ولكن مقولة كهذه كان لها ما يبررها فيما مضى، إذ أن الحكومات التي كانت تتحكم بالشعوب لم تكن تسعى بأي قدر مهما كان ضئيلا لنيل رضى الشعوب. وبالتالي فإن هذه المقولة جعلت الحكومات تخفف وطأتها وتسعى قليلا لاسترضاء الناس ببعض الاجراءاث التلفيقية، التي صارت مع الزمن مضحكة إلى حد بعيد. إن جملة هذه المقولات الرجعية التي تجيز وجود حكومة فوق الشعب ونواب وغير ذلك من أدوات قمع، قد فضحتها التجربة العملية، واكتشف الناس فسادها، ولم يبق أمامها إلا أن تزول.. إن أنظمة الحكم المعاصرة جميعها أنظمة حكم نيابية.. إن هتلر موسولينى وفرانكو كانت حكوماتهم نيابية رغم أن العالم كله يعتبر حكمهم ديكتاتوريا. وكذلك شاه ايران وأنظمة الحكم العنصري في جنوب أفريقيا وفلسطين المحتلة هي أيضا تتبنى النظام البرلماني حيث يتنازل الناس عن إرادتهم لشخص آخر يتصرف بها حسب مشيئته. فهل هناك مبرر لأن يتنازل الناس عن إرادتهم؟. إن هذه المقولات يجب أن تسقط. وإذ درسناها فسندرسها على اعتبار أنها مقولات رجعية من التاريخ القديم كما ندرس عبادة الأصنام، إنها جديرة بان نعتبرها جزءا من تاريخ المجتمعات الوثنية.

*بالبريد :حركة اللجان الثورية الفلسطينية