آخر الأخبار

عبادة النيازك في جزيرة العرب

الصدمة الحارقة

تخيل لوهلة، انك تقف في الصحراء، في الربع الخالي تحديدا، و توجه نظرك شمال غرب خلال فترة الغسق. لا ترى شيء سوى تلال لا متناهية من الرمال. لا زرع لا حيوان لا إنس ولا جن. درجة الحرارة تبلغ 50 درجة مئوية على الرغم من أن الشمس غابت قبل نصف ساعة.

فجأة، وبدون مقدمات يظهر لك نور ساطع في السماء. يبدأ بشرارة تنفجر و تتفرق إلى أربع جهات. خلال ثوان درجة الحرارة ترتفع إلى 1500 مئوية وثيابك تحترق ولا تستطيع أن تتنفس! بعدها بثوان تسمع الصوت الذي يخرق طبلتي أذنيك. الآن أنت أصم و شبه أعمى وعار والنيران تشتعل من حولك. وفي اللحظات الأخيرة من حياتك تسأل نفسك وأنت مذهول، يا للهول! ما حدث، ما حدث؟! ما حدث يا عزيزي هو أنك شاهدت في لحظات حياتك الأخيرة ارتطام نيزك ولد طاقة تقدر بـ 12 كيلوطن على بعد 5 كيلومتر من حيث كنت واقف أنت وجملك.

يقدر علماء الجيولوجيا أن نيزك ضخم ارتطم بالرمال في الربع الخالي من الجزيرة العربية قبل 2000 سنة على الأقل. حجم الخندق الذي خلفه النيزك هو 2 كيلومتر مربع تقريبا. الخندق مليء بحجارة سوداء أو ما يسمى شوكد كوارتز أو الكوارتز المصدوم و الناتجة عن الحرارة الهائلة التي نتجت عن ارتطام النيزك بالرمال. هي بالضبط رمال محترقة. أول من وصف موقع ارتطام النيزك في الربع الخالي هو الجيولوجي الإنجليزي هاري فيلبي في 1932 والذي اتفق على تسميته لاحقا "حدث وابر" نسبة إلى المدينة التي يعتقد أنها كانت في مكان ما في هذه المنطقة.

ما علاقة عاد و ثمود بالموضوع؟

هناك قصة في القرآن عن قوم من مدينة اسمها أوبار يحكمها ملك اسمه عاد. حسب القرآن فإن قوم عاد هلكوا بسبب غيوم حالكة ورياح عاتية نتيجة سخرية ملكهم من واحد من رسل الله. يقول القرآن: «وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً، فترى القوم فيها صرعي كأنهم أعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية» الحاقة.

سكن قوم عاد جنوبا من المنطقة التي سقط فيها النيزك الذي أطلق عليه مكتشفه اسم "حدث وبار" كما أن وصف القرآن والحديث أن الكارثة التي حدثت اشتملت على رياح حارقة تتفق تماما مع عوارض سقوط نيزك بحجم وبار. إذ ما سيقتل المخلوقات في محيطه ليس النيران بحد ذاتها بقدر ارتفاع درجة حرارة الهواء والضغط المصاحب لهذه الحرارة. الشعور هو بالضبط وكأنك واقف مباشرة خلف محرك جمبو 747 و هي على وشك الإقلاع. شعور ليس جميل بالتأكيد.

عندما وصل فيلبي إلى الموقع في 1932 كان يبحث عن مدينة أوبار القديمة و كان يتمنى أن يجد آثار إنسانية مثل أواني وأدوات أو حوائط لكنه لم يجد أي شيء من هذا. ما وجده هو أحجار شديدة السواد وبأحجام مختلفة منتشرة على مسافة تزيد عن الكيلومتر قليلا. في البداية خمن فيلبي أنها بقايا أحجار كريمة استخدمت للزينة لكن قبل أن تكتمل فرحته جاءه واحد من المرشدين البدو بحجرة سوداء بحجم الأرنب!! أمسك بها فيلبي و عاينها و هو يقول لنفسه: "يستحيل أن تكون هذه زينة. حجمها كبير جدا لهذا الغرض. ما هذه الأحجار السوداء بحق السماء وكيف لها أن تكون في وسط الرمال؟" ما كان لا يعلمه فيلبي هو أن هذه الأحجار هي من السماء. لكن بقى الموضوع سرا ل 62 عاما.

همر: سيارة المواقف الصعبة

في 1998 نشرت مجلة ساينتيفيك أميريكان التقرير التالي: في مايو و ديسمبر 1994 نظمت شركة زاهد للمعدات الثقيلة، الوكيل الحصري لسيارات همر في السعودية آنذاك رحلات بسياراتها إلى الربع الخالي في منتصف الصيف كنوع من الدعاية لوكالتهم الجديدة ولإثبات أن جيب همر يتحمل أقسى الظروف. وللمزيد من الدعاية دعت وكالة همر فريق من إدارة المسح الجيولوجي الأمريكية والذين كانوا سعداء لتلبية الدعوة كونهم سيذهبون إلى نفس المكان الذي وطأه فيلبي في 1932 وبدون الاعتماد على الجمال والبدو والذين استبدلوا بالهمر و ال ج بي إس.

استغرقت الرحلة من الرياض إلى الربع الخالي 17 ساعة فقط بفضل الهمر. لو كان جيبا عاديا لاستغرقت الرحلة خمسة أيام على الأقل ولو كانت الرحلة على ظهر الجمال لأخذت أشهر. لكن هذا لم يجعلها رحلة سهلة، كلا، فدرجة الحرارة في منتصف النهار بلغت 60 درجة مؤية في الظل وأربعه من أصل ستة همر فيهم تكييف! أحد أعضاء الفريق "وين" خرج من الخيمة في منتصف النهار ليعمل مسح جيومغناطيسي للمنطقة. عمل وين تحت الشمس لمدة ساعة تقريبا. عندما عاد إلى الخيمة كان يمشي مترنحا ويهذي باللغتان العربية و الإنجليزية! لم يستعد وين وعيه إلا بعد أن سكبنا علية الماء البارد و وضعناه أمام جهاز التكييف، كما أفاد قائد الفريق.

الرمال المصدومة

لا، لا أعني مصدومة بسبب تلقيها أخبار سيئة. هناك ظاهرة يسميها علماء الجيوفيزيا الكوارتز المصدوم و باختصار الكوارتز المصدوم هي رمال تعرضت لضغط عال جدا وبشكل مفاجئ. هناك سببان لوجود مثل هذه المعادن على سطح الأرض. الأول هو انفجار نووي فوق الأرض، والثاني هو ارتطام نيزك بالأرض. عندما يرتطم نيزك بالأرض يخلق ضغط عال في منطقة الارتطام وعند فحص هذه المنطقة والتي تكون على شكل حفرة يلاحظ وجود صخور سوداء بأحجام مختلفة. هذه الحجار قد تنتشر لعدة كيلومترات حول منطقة الارتطام حسب حجم النيزك وزاوية الارتطام.

ما دخل الرمال المصدومة بالحج و قبيلة محمد؟

قبل الإسلام، كان لكل قبيلة كعبتها الخاصة بها والتي تحتضن حجرا أسودا وكان الطواف حول كعبة القبيلة سبع مرات و تقبيل الحجر الأسود جزء مهم من تقاليد القبائل كما كانت تلك الكعبات مؤشر لبرستيج القبيلة. فالقبيلة التي تملك كعبة تؤمها أعداد كبيرة هي أرفع مكانة من مثيلتها التي تملك كعبة شبه مهجورة. وكانت الكعبة التي ترجع لقبيلة قريش من أهم كعبات جزيرة العرب انعكاسا لمكانة القبيلة وأهمية مكة التجارية.

عندما جاء الدين الإسلامي إلى جزيرة العرب أعطيت كعبة مكة مكانه أعظم من غيرها لدى أتباع دين محمد عن طريق ربطها بالمعتقدات الإبراهيمية مثل القول بأن آدم هو أول من بنى الكعبة عند نزوله من السماء و من ثم أعيد بناؤها مرة أخرى بواسطة إبراهيم وابنه إسماعيل. ومن الجدير بالذكر أن لا أحدا خارج الدين الإسلامي يؤمن بهذه القصص، كما أنه لا توجد أي أدلة أو آثار لهذه الأساطير. كل ما هو معروف أن كعبة مكة كانت موجودة قبل الإسلام وكذلك طقوس الحج والتي تحرم الغزوات خلال شهر معين ليتسنى للقبائل الذهاب إلى مكة للتسوق والطواف حول الكعبة عراة للتبارك بالحجر الأسود أملا في تنشيط الحرث والنسل.

وعندما جاء الإسلام أبقى محمد أغلب الشعائر الوثنية كما هي كالحج والطواف والإحرام والنحر وتقبيل الحجر الأسود وغير ذلك من الممارسات الوثنية. ويعتقد أن محمد تركها ليعلي قبيلة قريش التي ينتمي إليها و يضمن ولاء العرب لهم جميعا بعد تحطيم جميع كعباتهم و أحجارها السوداء وإرغامهم على زيارة كعبة قبيلته فقط. وجنت قريش ثمار هذا التكتيك حتى بعد ممات محمد ولمدة طويلة، إذ ليس فقط انتعشت مكة اقتصاديا بسبب الحج بل جميع خلفاء محمد السياسيين ولقرون انحدروا من قريش و ليس من أي قبيلة أخرى!

ما فعله ابن قريش البار محمد كان "خبطة معلم" من الدرجة الأولى، كما يقول المصريون، لأنه ضمن رفعة أبناء قبيلته وأسرته على سائر الخلق إلى أبد الآبدين و بمباركة الرحمن تعالى. ونرى نتائج هذه الحركة القبلية البحتة إلى هذا اليوم حيث يسمي بعض العرب والعجم، ممن يدعون نسب الرسول، يسمون أنفسهم ساده أو أشراف و كأن بقية البشر هم من العبيد والرعاع وسقط المتاع. و لعل حكمة هذا التكتيك العبقري لأبي القاسم وفاعليته لم تغب عن حكام مكة الحاليين (آل سعود) والذين سمو دولتهم باسم العائلة وقرنوا لقب رئيس الدولة بخدمة كعبة قريش وحجرها الأسود. بمعنى آخر، آل سعود هم قريش القرن العشرين وما بعده ولهم ألقاب ومزايا وكرامات لا يحصل عليها أي مسلم غيرهم مهما بلغت درجة إيمانه.

الأسود ماسح الخطايا

لا أحد يعلم بالتأكيد سبب تقديس المسلمين للحجر الأسود. بل حتى الخليفة الثاني لمحمد، عمر بن الخطاب، استغرب من حكاية تقبيل الحجر الأسود ويروى عنه مقولة أنه فعلها لمجرد رؤية ابن عمه محمد يقوم بالشيء ذاته! لكن من ناحية أخرى، يرى بعض المسلمين أن الحجر الأسود له قدرات خارقة مثل شفاء الأمراض المستعصية والشفاعة أمام الله يوم القيامة لمن يقبلها. بل ذهب البعض إلى القول أن لون الحجر كان أصلا أبيض وتحول إلى السواد نتيجة امتصاصه ذنوب البشر! في المقابل يعتقد البعض الآخر أن الحجر الأسود هو مجرد علامة تمكن الحاج من حساب عدد مرات الطواف فلا يطوف أقل أو أكثر من المطلوب. وهو هنا بالضبط مثل السبحة والتي تستخدم لتحديد عدد المرات التي يسبح بها العبد باسم الرحمن ضمانا لحسن الخاتمة.

من هنا، نجد أن التفسير المنطقي الوحيد للحجر الأسود هو أنه قطعة من نيزك، ربما وبار أو غيره، والتي اعتبرها العرب قبل الإسلام رسالة من السماء يجب تقديسها. وجاء الإسلام ليقنن هذه الطقوس من دون إعطاء أي سبب منطقي لها. وهكذا استمر المسلمون بهذا التقليد الوثني الأصل من دون سؤال عن منشأه أو أصله، لأن السؤال عن هذا التقليد سوف يفتح الباب لأسئلة أخرى مرتبطة بالموضوع ذاته و هذا ما لا يريده من لهم مصلحة في استمرار الوضع القائم على ما هو عليه.