آخر الأخبار

لا يوجد وداعٌ أو رحيلٌ بل يوجد لقاءٌ متجدد!!

لا يوجد وداعٌ أو رحيلٌ بل يوجد لقاءٌ متجدد!!
بالأمسِ السبت 28 صفر 1431هـ = 13 فبراير 2010م ألتفَ حول مائدةٍ مستديرة بالمكتبة العامة بالمركز الإسلامي الذي يطل على الدانوب الأزرق في أمسيةٍ ذات طقسٍ بارد دفئها حرارة الإخوة ومحبة الرجال الذين يعملون وفق منهج، ويخططون وفق مبدأ صالح للإنسان، ألتف بعض رؤساء وممثلي الهيئة الرسمية والمنظمات الأهلية وقلة من رجالات التجمعات الإنسانية والخدمية والإغاثية وثلة من أمراء القليل من المساجد وأئمتها وممثلي بعض المناطق الجغرافية، فنجد من يمثل الأقلية البنجلاديشية وبلاد البنجاب يجاور رفيقه الذي آتى من تركيا، وهما معاً يعانقان الأخ البوسنوي، وابن النيل المنطقة العليا يمازح ابن النيل المنطقة الوسطى، يمازج الجميع ابناء الرافدين ويجلس في الوسط المقدسي، وتشم رائحة بساتين الشام وتكاد تستطعم تمور المغرب العربي، ويعبق المكتبة العامة مخلوط المسك والعنبر والريحان المكي حين تدهن به جدران الكعبة المشرفة وأستارها، والصومالي يوثق اللقاء بعدسته، ودم شاب من ألبانيا، وصلاة تقام فنفرغ من فرض وتمر سويعة الحب الأخوي يعلوه الحب الإلهي فآذان يرفع فصلاة تحضر، فيصطف ضيوف الرحمن في بيت صاحب المغفرة والغفران كما تصطف الملآئكة عند مليكها، فنسمع ترتيلا كأنه يأتي من جوف الكعبة، لكل له درجة من بشرة أبي البشرية، وسحنة من اصل الخليقة الأولى، فــ"كلكم لآدمِ وآدمُ من ترابٍ"، فابناء المناطق كلٌ آتى بخصوصيته، وكم كنت أتمنى أن يأتي كل بلباسه الخاص وهندامه المتفق عليه وإن ظهر بوضوح رداء البقعة الجغرافية وغطاء رأس القوم، غالبيتهم سار بالبنطال الإيطالي، ورابطة العنق الكرواتية، غابَ شباب ما تحت العشرين ـ لا أدري لماذا !؟ـ ، وتواجد كهول ما فوق العشرين!! ـ أدري لماذا!! ـ.
فحين تجلس مع السادة أصحاب القرار والصلاحية تجد أنك أمام نهر دافق يحمل الخير أو محيط هادر يحملك لشط الأمان، تلازمت الرعاية الصحية بالرعاية الإنسانية، وتعانق العلم الشرعي بالعلم الدنيوي، والعلم علمان : علم الأبدان وعلم الأديان، كما قال الإمام، وختم أستاذي ومعلمي اللقاء بـ"الوهبيّة"، وهي تقليد عربي/عراقي أصيل يقصد به المسامحة من سقطات اللسان بين الأخوان أو تصرفات عفوية ليست من شيم الرجال، ألتف الجمع المبارك في إحتفالية ذات مذاق خاص : مناسبة ارتحال ومناسبة أستقبال، وتمت معا في أحتفالية لقاء، فجمعت لتقرب الأرواح وتلاصقت المقاعد بل قل تلاصقت القلوب والأفئدة، وتقدمت الأيدي لتضيف بعضها البعض فشرب الشاي الهندي المعلب إنجليزياً، والقهوة و"الكابتشينو" البودرة، بدلا من شرب الشاي العربي أو القهوة العربية بالهيل/التركية، إنها مشكلة : عصرنة التقاليد والعادات والمزاج والمذاق، وتناثرت قطع البقلاوة الشامية كرمز، والآخيرة تأثرت بالوضع الإقتصادي الذي يتعافى، بيّدَ أنه عمَّ المكان السكينة والطمأنينة.
أزعم أن لا وداع أو رحيل، بل لقاء متجدد يتم بصورة آخرى في زمان لاحق وبشكل مغاير في مكان نسير أو نصعد إليه، ولكي نضيف شفافية ومصداقية وإيجاد قدوة لمن يأتي بعدنا ـ نحن : كهول ما فوق العشرين ـ فينبغي وهناك فسحة من الوقت أن يُقدم السادة أصحاب القرار والصلاحية تقريراً مشفعاً ببعض الإحصائيات والبيانات ـ والجمع المبارك قائم ويقوم على جلب مصالح لأفراد الأقلية ورعاية شؤونها ـ للسنة المنصرمة الهجرية 1430/الميلادية 2009؛ يوضح ما قاموا به من أعمال ليظهر مدى اتفاق الاستراتيجية الموضوعة والخطة المرسومة للسنة الماضية، والتي أعلنَ عنها على الملأ وعلمها القاصي والداني، أو علقت على الحائط يقرؤها من يريد أو يهتم، أو وضعت في عقل ولي الأمر وحفظت في ذاكرته، فينبغي إظهار اتفاق هذه الاستراتيجية مع ما قُدم على أرض الواقع من برامج وأعمال خلال 12 شهراً، وما لم يتمكن من تفعيله يتابع في السنة التي تليها.
حالة أمس السبت حالة لها خصوصيتها إذ أن صاحبها ـ الرجل الذي يرتحل عنا لنلتقي به من جديد د/فريد اسكندر الخوتاني مدير المركز الإسلامي ـ ترك خلفه معايشة تشوبها مسؤولية تمتد إلى أكثر من 35 عاماً، والأقلية تحتاج توثيق لتاريخها، خاصة من يتبوأ مقعد المسؤولية ويملك في يده زمام المبادرة والعمل وله صلاحيات وله وحده إتخاذ القرار.
الجمع المبارك الذي تم أمس السبت 13 فبراير رجاله مجتمعون على المبدأ وموزعون على الصلاحيات ـ مقتبس من قول الأخ الكريم د/ هاشم المحروقي، مدير المركز ـ يقوم كل منهم على رعاية مصالح الأقلية وشؤونها بطوائفها المتعددة والمختلفة كل في مجاله التخصصي.
الهيئة ومؤسسات وجمعيات واتحادات وتجمعات الأقلية وهي مجتمعة على أساس المنطلق أو متفرقة على توزيع المسؤوليات وتقسيم الصلاحيات تعتبر في مجموعها الهيكل العظمي لجسم الجالية، إذ نشبه الجالية بكائن حي، وحتى يتماسك ولا ينهار، وحتى يصلح الجسد أن يقوم بوظائفه الحياتية يعتمد على جهازٍ حركي، وحتى يسيرعلى الصراط المستقيم يملك قوى عاقلة مبدعة متجددة خلّاقة، ولأننا نعيش في دولة مؤسسات ـ جمهورية النمسا ـ أوجدت قنوات اتصال بين قمة الهرم (الجهاز الحاكم) وقاعدته (الشعب أو بتعبير آخر من يحمل جنسية الدولة بغض الطرف عن أصوله الأفريقية أو الآسيوية) فسمحت بتشكيل أحزاب (وفق القانون الأساسي لكيان الدولة) تحمل وجهة نظر القاعدة التي تؤمن بفكر الحزب وتوصله لسدة الحكم، وإن أخفق يمثلها في البرلمان بنسبة الأصوات التي حصل عليها في الانتخابات، واعترفت بوجود هيئة رسمية كما سمحت بتشكيل منظمات المجتمع المدني، وتكوين الاتحادات والجمعيات، فالجالية بأقلياتها لها من يمثلها، ومن يمثل الجالية ـ صغر أم كبر ـ محترم أمام الدولة ومؤسساتها، ومقبول أمام أفرادها، ومَن يمثل الجالية وفق هذا العرض يقف أمام أفرادها مسئولاً يراجع .. ويحاسب .. ويتابع، فيصير حقا أصلياً للفرد والمجتمع مراجعة ومساءلة ومحاسبة ومتابعة جهازها الحركي متمثلا في رجال ونساء اتحاداتها وجمعياتها، فتصبح المطالبة بتقرير سنوي لما جرى وحدث بعد مرور عام مطلباً شرعياً، وسنَّة متبعة لا بدعة مبتدعة.
ومن نافلة القول أن نقول أنه على قمة هرم الجالية توجد مؤسسات وجمعيات إذا قدمت تقريرَها السنوي وأعلنته فسيكون بادرة طيبة وسُنة حسنة أبدعتها تحتذي بها بقية التكتلات، والكاتب يعلم علم اليقين أن رجالات الجالية يفتحون القلب قبل الباب لأي سؤال أو مراجعة.
المطالبة بتقرير سنوي لما تم وحدث مطلب مشروع سواء من الناحية الحضارية أو الشرعية وتمكين الفرد الواحد من المعرفة لا تتأتي في جلسات خاصة، وثقافة المراجعة والمساءلة المحاسبة والمتابعة(*) جاء الوقت لتفعيلها وتنشيطها، وإذا لم تُفعل فهناك آمر يراد صاحب الصلاحية أن يخفيه عن العامة، وهذا ما لا أظنه، وإن كان ضيق الوقت وكثرة المشغوليات عذر يُقدم فيخجل السائل من إعادة السؤال، غير أن المسألة تبقى عالقة في عنق المسؤول، بل يوجد كاتبان ملكان يحصيان ما تقول أو تفعل وسنُسأل عما فعلنا، والوقوف أمام الديّان سبحانه وتعالى ستكون لحظة عسيرة إلا من قدم كتابه بيمينه، فلنعتاد على ثقافة إسلامية أصيلة قبل أن يأتي وقت الرحيل، ولحظة اللقاء لنحاسب أمام الغفور الودود... الجبار المنتقم .... .
الرمادي،
فيينا على الدانوب الأزرق يوم الأحد 29 صفر 1431هـ=14 فبراير 2010.
ــــــ
(*) الكاتب عرض الفكرة بصورة آخرى في نوفمبر الماضي، وأرسلَها لجهات عدة، الآن فقط نذكر :" فالذكرى تنفع ......"
ـــــــ