آخر الأخبار

أفلام فيروز الثلاثة..إطلالة رحبانية قصيرة على السينما

[img]http://www.jablah.com/uploads/extgallery/public-photo/medium/----016-1-_...
يقوم النادي السينمائي في جمعية العاديات بجبلة منذ ما يزيد على السنة بتقديم أفلام سينمائية عربية وأجنبية متميزة, وهو في ذلك يحاول أن يسد الفجوة التي أحدثها غياب السينما الوحيدة في جبلة والتي تحولت إلى صالة أفراح لأنها لم تستطع المقاومة والصمود أمام غزو الفضائيات وأزمة صالات العرض.
تعاون سوري ‏
ولقد قدم هذا النادي مؤخراً ثلاثة أيام سينمائية تناولت الأفلام السينمائية الثلاثة والتي قدمها الرحابنة خلال رحلتها الفنية الإبداعية الطويلة.. وكانت فيها إطلالتهم على السينما قصيرة جداً, ونشأت السينما الرحبانية بتعاون سوري مهم جداً, كما يقول منصور الرحباني في إحدى مذكراته, وأتت كمبادرة من صديق العائلة الصحفي السوري رجا شربجي الذي اقترح على الرحابنة الدخول إلى عالم السينما, الذين اقتنعوا بالفكرة وقرروا في عام 1965 إعادة إخراج مسرحية بياع الخواتم وتحويلها إلى فيلم على يد المخرج يوسف شاهين, بعدها بعام فيلم سفر برلك, وبعامين فيلم بنت الحارس وهما من إخراج المخرج اللبناني هنري بركات في حين الأفلام الثلاثة من إنتاج نادر الأتاسي. ‏
لقاء قمة

ويعد بياع الخواتم لقاء القمة بين الكبار الرحابنة من جهة السيناريو والمخرج المصري يوسف شاهين من جهة الإخراج والمهندس السوري نادر الاتاسي من جهة الإنتاج, وأشار الزميل محمد منصور في ندوة حوارية بأن هذا الفيلم شكل نمطاً فريداً بتاريخ السينما الغنائية العربية, حيث كان الفيلم بأكمله غنائياً حتى الحوار والمونولوجات كانت جميعها ملحنة, ويلاحظ بأن الضيعة التي تجري بها أحداث القصة بنيت بمقياس غير حقيقية وأصغر من الواقع, وأراد الرحابنة والمخرج أن يدخلوا المتلقي بجو أقرب إلى الحلم, بين الواقع الحلم بين القصة والكذبة, وأن يطلقوا الأفق الواسع بخيال المتلقي, فقدموا هذه الضيعة والتي كانت أشبه باللعبة, وقصتها قائمة على كذبة تنكشف بسهولة, وهذه الكذبة والتي اخترعها المختار عن راجح ليخوف بها أهالي الضيعة, وهي أشبه بترميز لبعض الأنظمة السياسية التي تقوم بتخويف الناس من عدو مفترض لكي تحكم سيطرتها وقبضتها, حتى لصوص الضيعة استغلوا الكذبة وراحوا يفتعلون حوادث الشغب والسرقة ويلزقوها باسم راجح. ‏
خطوة أقرب للسينما ‏
أما فيلم سفر برلك عام 1966 أراد الرحابنة من خلاله أن يخطوا خطوة أقرب باتجاه انتاج فيلم سينمائي حقيقي فالسيناريو كتب خصيصاً للسينما, وتناول قصة حب شفافة وبسيطة ممزوجة بحالة من المقاومة للعثمانيين والتي يلتقي فيها السوري واللبناني بشكل عفوي وبسيط وتوجت تجربة الرحابنة السينمائية بفيلم بنت الحارس عام 1968 والذي يعد أعمق أفلام فيروز وأكثرها حرفيه من حيث كتابة السيناريو, ونرى فيه محاولة لتشريح الواقع الاجتماعي اللبناني بكل أمراضه في ذلك الحين وتتركز قصته على تخلي الضيعة وبكل بساطة عن حراسها الذين كانوا السبب في تحقيق أمنها, وهي فكرة رمزية رأى فيها الرحابنة بوادر الأزمة اللبنانية, كما بحث الرحابنة بهذا الفيلم مسألة العدالة الاجتماعية, ودخلوا في نقد جريء لفساد السياسي الذي وصل لحد الترف متمثلاً بالمجلس البلدي الذي قرر الاستغناء عن خدمات الحارسين أبو نجمة وصالح بحجة تقليص النفقات في حين ينفقون ويتصرفون بأموال البلدية على ملذاتهم وأهوائهم الشخصية. كما رسموا من خلال الفيلم صورة للحاكم العادل والمتمثلة بشخصية الريس الذي يتمتع دائماً بالهدوء والحكمة ومترفع عن الغوص بالتفاصيل, ويتدخل باللحظة الحاسمة لحل مشكلات أهل الضيعة. ‏
فيروز الممثلة ‏
ويرى الكثيرون بأن قصة نجاح الرحابنة في جميع الفنون التي قدموها تنبع من كونهم نهلوا أغلب أعمالهم من الذاكرة الشعبية وتناولت قصصاً من حياة الناس العادية واستخدمت مفرداتهم اليومية فدخلت شغاف قلوبهم دون استئذان. ‏
ويقول الزميل منصور بأن الرحابنة في الأفلام الثلاثة أبدعوا في اختيار شخصية لفيروز الممثلة القريبة من شخصيتها المطربة والتي تعودنا عليها بتقديم أرق وأعذب أنواع الفن الغنائي وأجمل القصائد, لذلك قدموها بثوب بنت الضيعة ووجدوا معادلة فنيه تكون فيها فيروز حجر الزاوية والأساس في الفيلم لكن بمواصفات مختلفة وقريبة من أي فتاة ريفية بسيطة تمتلك قدراً كبيراً من الإحساس بالمجتمع الذي تنتمي إليه, لكن يرى البعض بأن حالة فيروز المطربة مترسخة بذاكرتنا وتطغي على صورة فيروز الممثلة. ‏
والجدير ذكره بأنه كان هناك فكرة لإقامة فيلم رابع للرحابنة مقتبس من مسرحية هالة والملك لنفس المنتج نادر الأتاسي وكان الفنان دريد لحام مختاراً كي يكون أحد أبطال الفيلم, لكن شاءت الأقدار بأن لا يكتب لهذا الفيلم بأن يخرج للنور, وقد يكون انفراط عقد المؤسسة الرحبانية أهم أسبابه.. ‏
حضور واهتمام ‏
ويقول المهندس بدر زكريا أحد أعضاء مجلس الإدارة في جمعية العاديات بجبلة: بأن تجربة فيروز السينمائية تستحق وقفة تأملية بكل أبعادها, لان فيروز- الرحبانية كانوا مبدعين وفنانين شموليين متعديين المواهب (شعراء, وملحنون ومغنون, و ممثلون ومخرجون..) دخلوا حياتنا بأدق تفاصيلها, ولذلك في النادي السينمائي أن نقف وقفة تأملية من خلال الأيام السينمائية الفيروزية, نضيء فيها من جديد على هذه التجربة وعمرها 45 سنة لإعادة تذكير الجيل القديم بهذه الأفلام والتي شاهدها مرات عديدة واستمتع بها, ومن ناحية أخرى تعريف الجيل الجديد في مدينة جبلة بالتجربة السينمائية الرحبانية. لا سيما وأنه لم يعد فيها سينما, بعد خسارة الصالة السينمائية الوحيدة في المدينة والتي كانت تتمتع بتاريخ عريق يتذكره الجيل القديم من خلال الأفلام الجميلة التي كانت تقديمها, لكنها أما هجمة الفيديو وغزو الفضائيات وأزمة السينما لم تستطع المواجهة وفقدت بريقها ومشاهديها. ‏
ولقد استطاع النادي السينمائي في جمعية العاديات ان يحقق حضوراً واهتماماً رغم عمره القصير وإمكاناته المتواضعة من جهاز إسقاط بسيط وشاشة قماشية وصالة صغيرة للعرض, وتمكن من استقطاب جمهور واسع الطيف من الأطفال واليافعين والشباب وكبار السن