آخر الأخبار

لقد كذبوا عليَّ أيضاً

ولم يحدث ذلك الإدراك عندي بشكل مباشر. كنت قد عدت إلى الوطن من فيتنام ونظرت إلى حركة السلام بغضب. ويمكنكم القول: إنني كنت لا أزال أعيش بمخيلتي في الأدغال الفيتنامية وكنت لا أزال أعرف الكثيرين من الأمريكيين الذين كانوا يعدون أيامهم ولم أكن أصدق أن الشباب الأمريكي لا يسرع بالانضمام إلى الحرب النبيلة .

وعندما عدت إلى الولايات المتحدة، كنت لا أزال أعتقد اننا كنا نحاول إنقاذ الفيتناميين الجنوبيين من إرهاب الشيوعية، واننا إذا توفر لنا عدد قليل من الجنرالات الممتازين فستنتهي الحرب خلال شهور.

ولم أدرك أبداً أن واشنطن لم تكن تحاول كسب الحرب، كما أنني لم أعرف أن المسألة برمتها بدأها رئيس كذب على الشعب الأمريكي بشأن هجوم في خليج تونكين لم يحدث بالمرة.

ويصعب على المرء أن يصدق أن قادتنا في واشنطن يستطيعون الجلوس في العاصمة ويتابعون المشاهدة بينما يلقى عشرات الآلاف من الأمريكيين مصرعم ويصابون بجراح في كل شهر. وأتذكر أنني شاهدت أكياس الجثث في صفوف على المدرج في دانانج. وكنت في كل يوم أشاهد دماء لشخص ما سواء كان أمريكياً أم فيتنامياً.

وفي ذلك الصيف الذي عدت فيه إلى الوطن كنت أتساءل: لماذا يتواصل القتل؟ وكنت لا أزال أرى نفسي جندياً في مشاة البحرية ويتعين عليّ تأييد ما يقوم به سلاح مشاة البحرية. وأعتقد أنه كان من الصعب على أحد أن يقنعني بأن الحرب التي كنا نخوضها خطأ لأنها كانت تعني لي الكثير. وهذا هو السبب الذي يجعل الآلاف ممن شاركوا في حرب فيتنام يرون حتى اليوم أن الحرب كانت تستحق الجهد المبذول من أجلها. وهؤلاء الجنود القدامى لا يستطيعون ببساطة الاعتراف، بأن واشنطن خدعتهم، وأن كل الذين لاقوا حتفهم والذين أصيبوا بجراح ضحوا مقابل لا شيء، ولكن تلك هي الحقيقة.

ونحن ننظر حالياً إلى حرب فيتنام ونتساءل عن دافع تلك الحرب. لقد خسرنا الحرب. وسأقول مجدداً لجميع رفاقي في السلاح: إن أمريكا خسرت تلك الحرب.. وإن أمريكا أرسلتنا إلى فيتنام استناداً إلى كذبة، وظلت تراقب المشهد ونحن ننزف وننزف.. ولم تتوقف الحرب إلا بفضل جهود الملايين من الأمريكيين.

واليوم، نجد أن فيتنام شريك تجاري لأمريكا، وأن آلاف الأمريكيين يذهبون إلى هناك كسياح. ولا تحاول فيتنام ايذاءنا، بل يحاول الفيتناميون توسيع التجارة معنا ولقد قيل لنا خلال الحرب: إننا نقاتلهم لحماية أمريكا.. وكانت تلك كذبة أخرى.

وسيقول لكم كثيرون أسباباً كثيرة لانتهاء الحرب ولكن السبب الحقيقي لسحب جنودنا وإيقاف القتال هو أن السياسيين توصلوا إلى أنهم إذا لم يوقفوا الحرب لن يعاد انتخابهم.

إن كل الأمور في واشنطن تتعلق بالمال والسلطة، وإذا خسر سياسي الانتخابات فإنه يفقد سلطته وقوته وفرصته في الحصول على المزيد من المال. والآن، بدأ كثير من الساسة حماية رهاناتهم من خلال بعض الملاحظات العابرة حول ما يحدث لحرب بوش في العراق، وهي الحرب التي صوتوا بالموافقة على شنها.

واعتقد كثيرون انهم من خلال التخلي عن سلطتهم المخولة لهم كأعضاء في الكونجرس سيبرئون ساحتهم وستقع المسؤولية كاملة على بوش. والآن، فإنهم يرون أعداداً كبيرة من النعوش تصل إلى القواعد العسكرية من العراق، والجرحى والمعاقين يصلون إلى مطارات البلاد. وقد انسفك ما يكفي من الدم الأمريكي في العراق إلى حد أن كل دائرة من دوائر الكونجرس أصابها رذاذ منه، وبدأ السياسيون يشعرون بالقلق.

ولا يساعد جورج بوش على حل المأزق العراقي بقوله إنه سيواصل نهجه الذي بدأه. وأما تصريح رامسفيلد بأن الأمريكيين ربما يموتون في العراق لمدة عشر سنوات مقبلة فإنه يسبب القلق للجميع. وتشهد أفغانستان أيضاً تصعيداً جديداً. وبعد أن قدمت إدارة بوش أفغانستان للناخبين كمثال على النجاح لا يستقيم أن يرى الأمريكيون نعوشاً تصل إليهم من أنحاء أفغانستان.

وقريباً سيعرف غالبية الناخبين الأمريكيين انهم تعرضوا لخداع أيضاً، تماماً كما حدث بالنسبة لنا في ستينات القرن العشرين، وسيعرف الناخبون ان حرب العراق هذه تتعلق بكسب قلة نافذة في واشنطن لمليارات الدولارات.. وسيرون أن الذين يجلسون داخل الكونجرس يرغبون في مشاهدة أولادنا وبناتنا وهم ينزفون ويموتون ما دام مستقبلهم كسياسيين في أمان. ولكن، وحالما يشعر المسؤولون في واشنطن بالخوف من فقدان سلطتهم ونفوذهم، فإن هذه الحرب ستتوقف.

وفي اعتقادي ان ذلك الملصق على السيارة كان يجب أن يحمل عبارة واشنطن كذبت وجنودنا ماتوا . وإنني على ثقة من أن كثيرين من أصحاب النفوذ في واشنطن على استعداد للعمل على إيقاف هذه الحرب.

* الكاتب محارب سابق في فيتنام ضمن

قوات مشاة البحرية ويعمل على تثقيف الرأي العام الأمريكي واطلاعه على عواقب الحرب. والنص منشور على موقع ليوروكويل .