لست من محبي مشاهدة الأفلام كثيراً و لكن الشتاء و (الصوبيا) و الوحدة و عدد الأوراق الامتحانية المتراكمة على طاولتي التي تنتظر قلمي الأحمر تجعلني أقلب جهاز العصر باحثاً عن شيء غير أخبار الزلازل و الحروب و سقوط الطائرات و تعود مشاهدة الآخرين يرحلون - على الهواء مباشرة - .
إحدى القنوات عرضت فيلماً شدتني براعة تصويره في الغابات حيث يحاول ثلاثة رجال العودة إلى بيوتهم الدافئة بعد أن ضاعوا في الغابات و بدأ دب لحمي يطاردهم حتى تعشى بأولهم و كان على الباقييَن محاولة النجاة بنفسيهما .
أكثر الأشياء التي استوقفتني هو الشكر الذي كتبته شركة فوكس على الشريط بعد انتهاء الفيلم و كتبت هكذا " تتقدم شركة فوكس موفيز بالشكر للدب مارتي و مدربه فلان لمشاركتهما في الفيلم "
و قبل الحديث عن الدب من المهم أن تعرفوا أن فلسفة الفيلم مهمة و تتعلق ب (نبل الأغنياء و لعانة الفقراء ) حيث أن عشاء الدب الأول كان رجلاً أسود بين رجلين بعيون زرقاء و ضحى الفيلم أول ما ضحى به بالفعل و ذهب ضحية على طاولة الدب و ربما شرب مع فخذه الغير مشوي كأساً من النبيذ الفرنسي الأحمر (أيضاً بعد الفيلم ) . و بعد رحيل الضحية الأولى نكتشف نحن المشاهدين أن أحد الرجلين عشيق لامرأة الآخر شديد الثراء ... و يبدأ الحوار بينهما بطريقة لا يشك فيها عاقل أن كاتب السيناريو كتبه بحبر الكافيار أو قبض ثمناً كافياً لإظهار الفقراء بهذه الحقارة (اعذروني للتعبير ) !
يقوم الثري عدة مرات بإنقاذ الفقير (العشيق ) و لأجل الأمانة ينقذه الفقير أول مرة و لكن تتابع الأحداث يقدم لنا صورة مغايرة ألف مرة عن الحياة و هي أنه في أغلب الحالات الفقراء أكرم و أنبل و أشجع و أوفى من الأغنياء عبر مر العصور .. و خصوصاً في ذلك العالم حيث الوجوه البيضاء و العيون الزرقاء !
في إحدى الحوارات يحتج الثري على صاحبه عندما يتصرف بهمجية قائلا :
- مالك تتصرف كالسكان الأصليين ؟!
في إشارات عنصرية للهنود الحمر و الابورجن سكان استراليا الأصليين و كل ... ساكن أصلي تعرض لهجمة بيضاء محتلة ..
شاهدت الفيلم و استطعت وضع مسافة بيني و بينه دون أن يجعلني أتعاطى مع فلسفته بايجابية برغم البراعة الهوليودية المخيفة في التصوير و التمثيل و استخدام الإمكانات و الأمكنة لكنني أعتقد أن كثيرين ربما لا يضعون هذه المسافة بينهم و بين الفيلم بل سيدخلون إليه ليصبحوا ممثلين سلبيين مسلوبين فهناك قيم إنسانية مهمة في الفيلم كالتضحية و الإيثار و الشجاعة قدمت برأيي في قالب خطير .و لأنني لست ناقداً فنياً و مجرد مشاهد يعنى بقضايا السياسة و الاقتصاد فلم أستطع إبعاد عقلي عن خلق إسقاطات على الواقع خصوصاً بعد أن شكر الفيلم الدب و قلبت إلى محطة الجزيرة الإخبارية لأشاهد تقريراً عن زعيم دولة اقليمية.