آخر الأخبار

نحو إنقلابٍ اجتماعيّ

فمِثل تلك الانقلابات ستدرأ عنا ، على الأقل، شر الانقلابات العسكرية لأنها ستأتي بمفاهيم الديمقراطية الحقة ، والتي حينها سنمارسها بطريقتها الصحيحة.

الحقيقة أننا مثل غيرنا من الأمم من حيث القدرة على إحداث التغيير ، لكننا نختلف عنها بأننا لا نريد للتغيير ان يأخذ مسراه ، وآثرنا الزج بأنفسنا في أقبية الماضي على أن نحررها حتى نشم نسائم التطور العصري ،خصوصا على صعيده الاجتماعي ، لذلك وجدنا أنفسنا نجعل من الماضي صنماً ممنوع مسّه ، بل والأدهى أننا جعلناه صنماً مقدساً لا نريد أن نحطمه ، ومن أراد أن يتجاوزه من دون تحطيمه حفاظاً على مشاعر المتمسّكين به ، أتُهم بأنه منسلخ عن جلد العرب وأنه يعاديهم . كم محزن ومؤسف أن تصبح صفات العربي هي أفعال الماضي ، وكأن العربي والحاضر خطان لا يلتقيان.
إن ماضينا يغصّ بمفاهيم ومعتقدات هي من صنع أهله، لعلها كانت تتواءم مع نمط حياتهم آنذاك ، لكننا أخذناها على أنها مُنزلة ومطْلقة ، فصرنا نعيش بأزياء ومظاهر القرن الواحد والعشرين لكن بعقليات وسلوكيات القرن العاشر أو الخامس عشر في أحسن الأحوال ، بل بعض سلوكياتنا تعود إلى الجاهلية ، وهذا ما جعلنا من فصيلة المستهلكين لا المنتجين ، فالمنتجون الحاليون تخطوا ماضيهم بالمعني العملي وليس الانتمائي ، بينما نحن فسّرنا انتماءنا لماضينا على أنه شلل الحاضر لا تشفيه رؤى المستقبل.

المطلوب ،إذنْ، انقلاب اجتماعي على مفاهيم ما انفكت تسيّرنا حتى اللحظة وتنكّل بعقولنا ، ولا يعني الانقلاب الاجتماعي مساً بالمعتقدات الدينية ، فالأحرى أن نعي أنّ هناك فكاكاً بين المسألتيْن . كما أن الانقلاب الاجتماعي لا يلغي البتة مسألة الانتماء ، ولو سِيق مثل على ذلك بالانقلابات العسكرية ،فإن المنقلِبين لا ينفي فِعلُهم انتماءهم لوطنهم ، مع الفارق الجوهري بين الانقلابيْن حيث لا دعوة هنا إلى انتهاج الانقلابات العسكرية التي لا يقطع دابرها إلا الانقلابات الاجتماعية.

لقد بالغنا أشد مبالغة في تغنينا وتغزّلنا بماضينا الذي صار مثل الصياصي التي نحتمي بها في مواجهة ثورة الحاضر بكل مناحيها ، فصرنا مثل تلك الحسناء التي هرمت وراحت تواسي نفسها بمرآتها وتتغنى بحُسْن شبابها الذي ولّى ، فأقنعت ذاتها أنها ما زالت الصبية الأجمل فصدّقتْ ذلك، فيما المرآة تكذبها.

أوْلى لنا فأولى أن نُعدّ العدة لانقلابنا الاجتماعي السلمي ، متحررين مما وضعه أجدادنا وأجدادهم من قبل ،لأننا أدرى بزماننا منهم ، وإنْ كنا ننتمي لأجدادنا ونفخر بذلك فإننا أشْباه زماننا.

mohammad.abuobeid@mbc.net