آخر الأخبار

الصعاليك المغبونة حقوقهم

في رسالة من رسائل الشبكة العنكبوتية وردت إلي كتابات عديدة عن المتمردين على النظم وشيوخ القبيلة العرب منها رسالة للأستاذ محمد أبو زيد في القاهرة تخص "الصعاليك " الذين يعتقد بعض الجهلة من الناس أنهم إسوة بني البشر ، بعكس الحقيقة التي أوردها المرحوم الأستاذ يوسف الشريف المتوفى في الثالث والعشرين من كانون الثاني لعام 2010والذي قال عنه لأستاذ عبد السناوي أنه " آخر الصعاليك العظام في عالم الصحافة " أشار إليهم في كتابه "صعاليك الزمن الجميل " الصادر عن دار الشروق في القاهرة على أن الله تعالى وهبهم حدة الذكاء ، ونبل الرجال ، وثقافة فاقت ثقافة الكثير من المتشبهين بالمثقفين الجدد .
الحقيقة كما أكدها غالبية رواة التاريخ لما قبل المجتمع الإسلامي هي أن " الصعاليك " كانوا ذوي نزعة إنسانية بالفعل ... غامروا بحياتهم من أجل مساعدة الفقراء والمساكين ، كانوا يغزوا الأغنياء وبخلاء القوم ليوزعوا الغنائم على غيرهم من المحتاجين وكأنهم يطبقوا قوله تعالى : " .. ويؤثرون على أنفسهم ولو كانت بهم خصاصة .. " .
وهم رجال شجعان تتساوى لديهم قيمتي الحياة والموت .. الغنى والفقر .. القادة والرعاع ..
فقد رأى الكاتب المصري المرحوم يوسف الشريف في كتابه «صعاليك الزمن الجميل» أن هؤلاء المتمردون كانوا متميزون في مجتمعاتهم بالذكاء والثقافة وخفة الظل ، غالبا ما كانوا محبوبون من قبل فقراء القوم ..
أهم الصعاليك في تاريخ العرب :
أهم الصعاليك كان السليك بن السلكة ، وتأبط شرا ثابت بن جابر ، وعروة بن الورد الذي قال :
خاطر بنفســــك كي تصيب غنيمة ان القعود مع العيال قبيــح
فراشي فراش الضيف والبيت بيته ولم يلهني عنــــه غزال مقنع
وكان الصعلوك الشنفرى ثابت بن اوس الازدي أشهر عدائي العرب على الإطلاق وهو من نشأ بين بني سلامان الذين كانوا قد اسروه وهو صغير ، ولما عرف بقصة اسره ، حلف ان يقتل منهم مائة رجل , وبالفعل تمكن من قتل تسعة وتسعين حتى قبل أن توافيه المنية حيث قتله أحد أعداءه وبذلك أكمل بموته المئة .. ومنهم حاجز بن عوف الأزدي وعَمرو بن بَرّاق وقيس بن الحُداديَة ، والحارث بن ظالم المرّي المتوفي نحو 600 للميلاد .
وقد قيل عن المتنبي (أحمد بن حسين الجعفي الكندي) القائل :
مفرشي صهوة الحصان ، ولكن قميصي مسرودة من حديد أنه كان صعلوكا ً نتيجة حبه للمغامرة والسفر ، والاستهزاء بالولاة والحكام ، هذه الشخصية وصلت إلى الموت قتلا ً نتيجة الموقف المتمرد اللآمبالي من الأعداء .
الســـــــــيدة صباح ميرزو كتبت عنه أن أصله يعود إلى الكورد بدلالة أن [كلمة (جعفي ) كلمة كردية تعني العين ، وهي كلمة غير موجودة في قواميس اللغة العربية] ، أنه كان صعلوكا ومغامرا و شاعرا لا يشق له غبار وإلا لما كتب لشعره الخلود .
المتنبي الذي كانت له طريقة خاصة حياته ، ميزته بحب المغامرة والسفر ، والاستهزاء بالولاة والحكام ، أوصلته إلى الموت قتلا .
وكان المرحوم (أصلان) الذي عاش في كهوف جبل الأكراد شمال غربي حلب ، يغزو أغنياء القوم من البخلاء والمتعاملين مع السلطة ويوزع المغانم على فقراء الكرد في السبعينات من القرن المنصرم أحد شجعان الصعاليك المحبوبين في كافة قرى الجبل .

الكاتب المصري المرحوم يوسف الشريف أضاف إلى قائمة الصعاليك صعاليك جدد منهم الشاعر الفرنسي «رامبو» وبيكاسو وسلفادور دالي وكامل الشناوي وعبد الرحمن الخميسي ومحمود السعدني وصلاح جاهين وأحمد فؤاد نجم ..

يضيف الأستاذ محمد أبو زيد عنهم قائلا ً :ً " .. وكان من المستحيل ان تصلنا ابداعاتهم وسخرياتهم لولا أنماط حياتهم العجيبة وتقلباتها المثيرة وخروجهم عن السائد والمألوف في المجتمع ورؤاهم للحياة على غير ما نراها والتعبير عنها بشكل مختلف .. "
ثم يتابع : " ومن صعاليك الشعراء الذين يوردهم الكتاب ( ويقصد بذلك كتاب الزمن الحديث ليوسف الشريف ) الشاعر عبد الحميد الديب الذي ولد في 1898 .. " .
من خلال بحثي عن أحد صعاليك العصر الحديث والذي كان الأستاذ الشريف قد أشار إليه وهو الصعلوك أو بالأحرى وريث الصعاليك المرحوم عبد الحميد الديب وجدت أنه ولد في قرية " كمشيش " التابعة لمحافظة المنوفية في مصر لأب يعمل تاجر مواشي كان كل همه أن يتعلم ابنه ليصبح عالما من علماء الاسلام ، فأرسله إلى دار الكتـّاب ثم إلى الأزهر الشريف فأطلق اسم " شارع نقض الوضوء " عل شارع الأزهر لما كان يراه عنما كان يمشي متصعلكا ً.
وانصرف عن الدراسة إلى مجالسة الأدباء والفنانين العظام كالسيد درويش الذي وجد فيه ضالته المنشودة .
وصفه الأستاذ "محمد رضوان" في كتابه: "الصعلوك الساخر وشعره المجهول" بأنه ذو طبيعة "قلقة"، وهو يقصد بذلك غرامه بالتغيير المستمر، وعدم الاستقرار في وظيفة ولا حياة.

تمرد على السلطة، فأطلق لهجائه العنان غيرَ مُبالٍ بعواقب ما يفعل: ذلك على طريقة المتنبي .

لستُم لنا الأكفاءَ.. أنتُم عُصبةٌ
ما في جهادكُمُ لمصرَ نصيبُ
حتمًا سيأخذُكم على أعناقِكُـم
يومٌ بأخـذِ الظالمينَ قريـبُ
يوم الشبـابِ الطامحينَ وإنهُ
كغَدٍ لمـن يرجو سناهُ قريبُ

وفي العودة إلى ماكتبه وما يكتبه الحاقدون عن الصعاليك والصعلكة في زمننا الحاضر أجد أن الصعاليك ُغبنوا في حقهم ، ووصفوا بأوصاف لا تناسبهم كرجال شجعان ، تميزوا بالكرم والوفاء ، لأن الصعلكة شأنها كشأن الكثير من الحالات تغيرت معاييرها وأخلاقياتها وراح الدونيون من مدوني التاريخ يعتبروها حالة من حالات الدونية على حين أنها كانت حالة من حالات القهر والاضطهاد حولت الصعاليك " إلى متمردين على العشيرة ، وعلى زعماء عشائرهم ، وعلى الطبقة الموسرة من القبيلة .
على هذا الأساس أرى أنه من الضرورة بمكان أن نقرأ التاريخ بعمق كي لا نخطأ مع أولئك الرجال ونصفهم بصفات غير مناسبة لطرائق وأساليب حياتهم التي وصفت بالاشتراكية ، والمساواة بين طبقات المجتمع .