آخر الأخبار

كأس الحبور




قِيلَ له: لم يُعرف حتى الآن من كلمه.. أهي العناية الربانية، أم وسواس خناس، وشوشَ حتى أدرك ما خبأ المقدور له، أن الكأس موجودة في فسحة من الأرض وراء الغابة، وأن في الكأس كرة فيها ماء، إن كسرت الكرة سال ماءٌ مثل ماء الجنة، يروي الناس جميعاً، فإن شربوه زال الوجوم من وجوه سكان القرية.

وهكذا بشجاعة قلّ نظيرها حمل قوسه وسهامه، وتمنطق بسكينٍ وبهاتفه الخليوي، وانطلق بعد أن ودّع رفاقه قائلا:
"كونوا من حولي مثل السوار، أكون لكم المقدام والضحية، ولا تنسوا أن تتصلوا لتخبروني عن النتيجة".

أما هم فأسرعوا بسيارتهم نحو الملعب الغربي، مزودين بالأعلام والماء والعصير وبذور عباد الشمس والبطيخ، كي يشاهدوا لعبة "دربي"، وكل واحد يحسبُ أن دربي، تعني أن الدرَ بي لوحدي يسكنُ.

دخل الغابة مثل «أخيليس» اليوناني لا ضعفَ فيه إلا كعب قدمه.

التقى بثور هائج نبتَتْ في رأسه قرونٌ طويلة، يندفع نحوه مثل جرفٍ، فشدَ قوسه وأطلق سهمه، فخر الثور ساجدا له، فنحره من عنقه وشربَ دمه. ثم استمرَ يغوصُ في أعماق الغابة، كأنه يغوص في ماء في بطن امرأة، متخبطاً في دربه، لكنه مطمئنٌ أنه سيجد الفسحة ويرفع الكأس ويكسر الكرة، مثل جنين يحدسُ أن الولادة وشيكة.

ثم التقى بطائرٍ كبيرٍ، يرفرفُ بجانحين مثل جناحي طائرة، يحرس بيضات عملاقة فانقض عليه معتليا رقبته، وحز زلعومه بخفة نمر، ثم كسر الببضات وشرب ما فيها من زلال.

في هذه اللحظة، وهو منتشٍ بالنصر، رنَ الهاتف الخليوي، فسمع الآخر يقول له: "لقد سارت الأمور كما أنت ترغب وتشاء، فقد أثنى الخطيبُ على اللاعبين والوجهاء، ومجدَ ألوان قوس قزح في السماء، وذكرنا بكرامِ العربِ والفرس من أنبياء... وأتمَ: إننا نسيطرُ على الملعب، وقد أحرزنا حتى الآن محبة المشجعين، وكرتين هزا العارضة وأجفلا حارس المرمى واللاعبين، ولكن حكم الساحة تنقصه الخبرة، فقد ضيع علينا ضربة جزاء".

فرد :"لا بأس عليكم، فأنا أيضا قد اجتزتُ معظم الطريق، ولم يبق أمامي سوى قتل الفهد المرقط الذي يتجه نحوي". وأقفل الخط.
دار الفهدُ حوله ودار، ثم قفزَ وغرز مخالبُه في ظهره، فسالَ منه دم. فأحس بألم وركض هاربا لا يلوي على شيء، حتى وصل الفسحة الكبيرة خارج الغابة، فجلس يستريح بعد أن تأكد أن الفهدَ توقفَ عن ملاحقته.
وقف عل قدميه يبحثُ عن الكأس، وهو يقول: "لا بد أن الثورَ والطيرَ أحسا بالألم مثلي، فيا ليتني سلكتُ طريقاً آخر للوصول للكأسِ دون أن أعبر الغابة".

بحثَ عن الكأسِ وبحثَ، حتى أعياهُ التعب، فاستراح في ظل دالية عنب كبيرة مليئة بعناقيد حمر، ومن شدة جوعه أكل وأكل حتى اتخمَ ونام.
أفاق على صوت هاتفه الرنان الذي يدندن بموسيقى "نهاية رجل شجاع"، وهو يحسُ بدورانٍ مبهج في رأسه، وقبل أن يجيب جال بنظره نحو الغابة، فلم يجدها، وإنما رأى منظراً، صعقه مثل لسعة كهرباء.

فردَ بعجلة، فسمع الآخر يقول له: "لقد أضعنا الكأس". فأجاب وهو يرمى هاتفه على الأرض: "أما أنا، فالآن وجدتُ الكأسَ"، وركض نحو سهل من سنابل قمح نامت مجبرة على اليسار وعلى اليمين، فصاح: "ويلاه ماذا بيدي إقترفتُ؟". وأكمل متهكماً: "حسبتُ ضعفي في كعب قدمي، ولم أدرك أن قوتي في كعب حذائي".

بحثَ بين السنابل عن انتصاراته، فلم يجد سوى غزالاً صغيرا، منحور العنق, ووجد حجلة مقتولة تنام فوق بيضات مكسرة، ووجد أثار حذائه فوق السنابل. ولكنه لم يفارق الحقل حتى عثر على قطة صغيرة مرقطة تموء، فحملها بين يديه وغادر على مهل.