و تسكن لها روحُهُ الهائمة فأحدث الربّ شرخا في جناحه الأيسر فهوى و ظلّ أياما لا يستطيع رفع جسمِهِ و كان يضرب الأرض بساقيْهِ اُحتقارا فموطِنُهُ السماء و رئتاهُ لم تـُخلـَقا إلا لتتنفسا في الجوّ، كان دمُه طيلة تلك الأيام يسيل في اتجاه واحد و يتجمع و حين سأل الطائرُ ربّهُ أن يشفي جُرحَهُ و يُعيدَهُ إلى جبروتِهِ أمر تلك الدماء أن تتحول إلى إنسية ترعى جرحهُ و تألفهُ و يألفُها و حين شفيَ صار مشدودا بجرح آخر إلى الأرض فتوسل ربَّهُ أن يخلقه على هيئة تلك الإنسية كي لا يُفارقَها. و عاش الإنسِيانِ في سُرور إلا أن الصِدام بينهما كان يُذكّرُهُ نصفَهُ الجوّي فيبكي قائلا: "ماذا فعلتُ بجناحَيّ؟ ماذا فعلتُ بجناحيّ؟" حتى رقّ له ربّه: "عقلـُك جناحاكَ فلا تفقدهُما ثانية" حينها شعُرَ آدم بالإشراق و اُنبرى يتخذ الصنائع و التراث مع نَسلِهِ من الذكور فيما أوْكل للإنسياتِ صناعة الذكور على شاكلتِهِ و جاء زمن اُستعادت فيه النساء مكانتها التي اُبتدأت بالعاطفة و اُنتهت حين قال الرجل لاُمرأتِه: "صرتِ قوية البُنية يا حواء" فنظرت للمرآة فإذا بها قد صار لها شاربان و عضلات مفتولة فصرخت: "كيف كُنـّا، كيف صِرنا؟" و اُختار الرجل أن ينفرد بعقله و لا يُشاطرها إياه لكنها اُستطاعت بذكائها و عاطفتها أن تجلب الأبناءَ إليها و تكون مصدر الغذاء الوحيد و عبر الطعام علمتهم الحب و معنى الوطن و الفضيلة و التضحية و حرص الأب على تعليمهم الفكر و السياسة فأوكلهم للمُعلم الذي كان المصدر الوحيد للمعرفة و التعاليم فعلـّمهم الذكورة و الاستقامة و شيئا من جُرح السقوط الذي أوْدى بِجَدِّهم الأول إلى العمران و في زمننا لم تعد الأم المصدر الوحيد للغذاء و لم يعد المعلم المصدر الوحيد للمعرفة و لكن شبحَ الطائر العظيم مازال يخيم في الجوّ و يصنع بعقله دمار العقول الأخرى و يزرع فيها اُحتقار الأرض لمجرد الطيران، الطيران صَوبَهُ حتى يتغذى منها و يستمدّ القوة الخالدة فيما يُغري المرأة بمستحضرات الجمال و الأقمشة الفاخرة و المعادن اللامعة ليذكرَها في كل مرة أنها تملك و لا تحكم لأن الحكم لمن يملك جناحين فقط.