آخر الأخبار

مباراة الوحدات والفيصلي:أمر أبعد من الرياضة يا أحمد القرعان!

, لا بد من مقدمة تتناول أعمال العنف في المجتمع الأردني.
لقد بات مشهد العنف، من المشاهد الأكثر بروزا في الأردن، إذ لا يمر أسبوع من دون أزمة تكون أعمال الشغب والتخريب حاضرة فيها، مما دفع جهات سياسية وحزبية إلى ضرورة تدارس هذه الظاهرة. اللافت في هذا المشهد أن أطراف الأزمة، غير مقتصرة على الفئة الأقل تعليما وثقافة، وإنما تشمل مختلف المستويات الثقافية، وهو ما ينذر بتحول في المجتمع الأردني من مجتمع يعرف بالبساطة والاعتدال، إلى مجتمع يغلب عليه العنف..فقد لاحظنا أن المجتمع الأردني عانى في الآونة الأخيرة من تعاظم حالات العنف في الجامعات والتي لها أسباب "سياسية واقتصادية واجتماعية" بسبب فشل السياسات التي تنتهجها الجامعات في زرع روح التآخي بين طلابها، ورفع مستوى وعيهم الفكري والثقافي والسياسي.
إن ظاهرة العنف أخذت تشكل حالة قلق متزايدة تؤرق المجتمع الأردني بمختلف فئاته وشرائحه الاجتماعية، وإن أسباب ظاهرة القلق هذه تظهر بصورة جلية في مختلف استطلاعات الرأي والتي يمكن تتبعها من خلال الصحافة ووسائل الإعلام، وأصبحت تداعيات هذا العنف المجتمعي حديث الساعة للغالبية الساحقة من المواطنين في مختلف مجالات تواجدهم وملتقياتهم بلا استثناء، بسبب انعكاساتها على التبدلات في السلوك العام وعلى منظومة القيم الاجتماعية.
من المعروف أن الرياضة بكافة أنواعها هي هواية يجب أن تمارس بروح أخلاقية, ولا عجب أن يقال في أي موضوع متأزم أو خلاف بين أشخاص"عليكم أخذ الموضوع بروح رياضية"..إن ما حدث بعد مباراة الوحدات والفيصلي لم يكن صدفة وأجزم بأنه كان مرتبا, فتاريخ المباريات بين هذين الناديين العريقين يثبت صحة ما أقول.
من المعروف بأن نادي الوحدات يمثل الأردنيين من أصول فلسطينية ونادي الفيصلي يمثل باقي الأردنيين, مع اعترافي بوجود مشجعين مختلطين للناديين إلا إنهم قلة قليلة.
المشاكل والمشاحنات بين مشجعي الناديين كانت تحصل وباستمرار أثناء المباريات بينهما وبعد انتهاء هذه المباريات..الهتافات التي يطلقها مشجعي الفريقين إن دلت على شيء فإنما تدل على وجود شيء أبعد بكثير من نتيجة مباراة كرة قدم, ولكن غياب العلاقة الطبيعية وتحديدها بين السلطة والمواطن هي السبب في تلك الأحداث المؤسفة وغيرها من الأحداث.
في كل منافسة رياضية يوجد الخاسر والفائز وعلى الخاسر أن يتقبل النتيجة برحابة صدر, فهو الخاسر اليوم والربح غدا, فلا خاسر على الدوام ولا رابح إلى الأبد..مجرد تواجد قوات الدرك وبأعداد هائلة في المباراة له دلالته الواضحة والتي لا تخفى حتى عن أبسط الناس تفكيرا وبعد النظر.
إن اتفاق إدارة الناديين على خروج الفريق الخاسر وجمهوره أولا من أرض الملعب لتجنب اختلاط الجمهورين يعتبر دلالة أخرى على حالة التوتر التي تسود تاريخ مشجعي الناديين, فلو كانت الحالة طبيعية وتسودها الروح الرياضية فعلا لما تم اتخاذ إجراءات أمنية مشددة وكأن الفريقان داخلين إلى ساحة قتال.
إن البيان الذي أصدره النادي الفيصلي والذي يؤكد فيه التزام جمهوره بالتعليمات وبالأخلاق الوطنية السمحة وبالروح الرياضية وخروج جماهيره قبل جماهير نادي الوحدات جاء ليؤكد الخطأ الفاحش الذي ارتكبته قوات الدرك باستخدامها بدون أي سبب للغاز المسيل للدموع والهراوات بحق شباب وأطفال كل ذنبهم أنهم فرحوا لفوز فريقهم..لقد تابعنا ما جرى عبر العديد من الفضائيات وقد كان المشهد مؤلما جدا, وهذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها قوات الدرك باستخدام العنف المفرط, فمستشفى السلط واستخدام القنابل المسيلة للدموع ومن قبله العقبة وأماكن أخرى لهي خير دليل على أن هذه القوات تجاوزت حدود صلاحياتها وأطلقت لنفسها العنان لتفعل ما تريد دون حسيب أو رقيب.
لا يوجد أي سبب مقنع أن يصاب أكثر من مائتين وخمسين من الشباب والأطفال الذين أتوا لحضور مباراة بين فريقين أردنيين..أتوا على أقدامهم وغادروا الملعب محملين في سيارات الإسعاف.
قبل فترة وجيزة احتفل العالم أجمع باليوم العالمي لحقوق الإنسان وها نحن نحتفل بهذا اليوم بطريقة خاصة..طريقة يندى لها الجبين ويحزن عليها القلب ولا يستوعبها العقل البشري حتى وان كان محدودا في تفكيره إلى أبسط الحدود.
إننا نطالب إدارة فريقي الوحدات والفيصلي بالاجتماع فورا والوقوف يدا بيد ضد كل من تسول له نفسه بالمساس بالروح الرياضية خاصة وان العديد من لاعبي الفريقين يمثلون الأردن في المنتخب الوطني, ونطالب كذلك بمحاسبة ومعاقبة من انتهكوا أبسط حقوق الإنسان, فلا خير فينا ان لم نقلها ولا خير فيهم إن لم يسمعوها.
وللقرعان أقول: هل يعقل أن يقوم بعض مشجعي النادي الفيصلي بإطلاق هتافاتهم نحو إخوانهم مشجعي الوحدات بعبارات لا يطلقها إلا من فقد هويته العربية القومية, ومن بين هذه الهتافات"تسلم أيدك يا شارون أنت هناك ونحن هون"..شارون الصهيوني العنصري بطل مجازر صبرا وشاتيلا وغيرها من المجازر التي ارتكبها بحق أبناء شعبنا الفلسطيني؟..سؤال بسيط يا أحمد القرعان ولكنه بحاجة إلى جرأة للإجابة عليه وأشك أنك تمتلكها.
وقفتان للتأمل:" الأردن شعب واحد من شتى المنابت والأصول"، كلمة قالها الراحل ملك الأردن الحسين بن طلال, فهل لا تزال هذه المقولة سارية المفعول؟.
وأما الوقفة الثانية فتعيدنا إلى معركة حدثت قبل أكثر من أربعة عقود من الزمن, إنها معركة الكرامة التي التحم فيها الجيش الأردني العربي وإخوانه الفدائيين الفلسطينيين ليقفوا وقفة واحدة ضد جيش يدعي بأنه لا يقهر, وكان لهم النصر وأعادوا للعرب جزءا من كرامتهم التي هدرت بعد نكسة حزيران, وترانا بعد هذه المعركة نفقد وبالتدريج هذه الكرامة.
الشفاء العاجل للجرحى والمصابين
-القدس المحتلة