آخر الأخبار

الشعب يريد إسقاط "النجوم"

فالثقافة العربية "التفكيرية" منها و"الممارساتية" ، في حاجة إلى إسقاط الكثير من أنسجتها أيضاً كونها تحمل جينات الديكتاتورية والطاغوتية . ماذا يفيد ، إذنْ، إنْ تغير ، أو غُيِّر، رئيس ووزير وظلت المجتمعات العربية على حالها من حيث السلوك واللسان ! .

ليس المقصود مما يلي نجوم العرب قاطبة ، فمنهم من انتزع لقب النجومية بجدارة فانتقل من طور المعروف إلى المحبوب ،أي بالتالي إلى النجم ، ومنهم من سرق اللقب بلا أحقية بمساعدة إعلام لمّعه وفرضه على الخلق حتى بات الخلق يعرفون كل شاردة وواردة عنه ، أي أن المتلقي العربي أصيب بالتخمة والسمنة المعلوماتية حول ذلك "المُنَجَّم" - بفتج الجيم - ، ويدرك المرء أن السمنة مضرة لا نافعة . من هنا ، بات الكثير ،خصوصاً الجيل الجديد ، ينظر إلى الفنان ، الممثل والمغني وعارضة الأزياء ، على أنه من نور وأن الآخرين من نار ، فكأن الطين اللازب لم يعد ما يجمعنا كخلق .
لذلك تشكلت ثقافة عربية ، ليست من الهيولى ، حول العلاقة بين الإنسان العادي و"النجم" قائمة على أن الأخير كل ما ينطق به عبارة عن حكمة ، أو نظرية صالحة لأن تُدَرَّس في الجامعات، وأن ما يقوم به قدوة ، وأن مواقفه قد تزلزل أركان إسرائيل أو "الإمبريالية والصهيونية" ، فلا عجب ،مثلاً، أن يتناقل مئات آلاف العرب مقطع فيديو للفنانة التي أبكاها ذاك الطفل في مشهد ليس مبكياً أصلاً ، أو للفنان الذي ترقرق الدمع في عينيه وهو يتحدث عن مأساة الجوع في العالم ولعله لم يطعم جائعاً واحداً من ثروته الطائلة .

لقد بلغ سيل تقديس "النجوم" زبى تكذيب حوادث تدين أحدهم ، أو على الأقل التشكيك فيها ، فقط لمجرد أنه فنان لا يخطىء ، والعصمة لا تكون إلا لنبي . ولعل مثالاً ،من باب الخصر لا الحصر ، يقدم دليلاً مُبرَهناً على هذا الكلام حتى لا يُفهم على أنه افتراء . فقد سمع ، من يريد أن يسمع ، وفي أحيان آخرى شاهد ، حوادث تتعلق بقيام بعض " النجوم" بالاعتداء على مدبرات منازلهم ، وهي التسمية الإنسانية لمن يسميهن الآخرون خادمات ، لدرجة إلحاق الأذى الجسدي والنفسي بإحداهن ، أو قيام الفنان الفلاني بضرب معجب ، أو حارس بناية ، أو موظف خدمة صف السيارات ، لكن لم يسمع مَنْ سمع ، أوشاهد، أن القانون أخذ مجراه بحق الجاني مهما علا شأنه ، لأن القوانين في العالم العربي ،بلا تعميم ، تحابي في أحايين كثيرة "عالي الشأن " فظن نفسه من نجوم السماء الحقيقية لا تطاله يد البشرية حتى لو بالقانون .

إننا في حاجة إلى نجومنا الذين يضفون جمالاً على مجتمعاتنا، ونستمتع بما يقدمونه لنا، لكن رياح التغيير يجب أن تصيب أيضاً من تجاوزوا الحدود الإنسانية فتسقطهم ، وهو تغيير لا يحتاج إلى ثورات حُمْر أو بِيض ، ولا إلى ميادين تحرير ، إنما فقط إلى مبدأ أنك " نجم " على الرأس والعين ، يحبك الناس لأنهم يحبّون ما تقدمه ، لكنك في النهاية من البشر ، ومدبّرة منزلك من طين البشر، و لولا البشر لما كنتَ نجماً بينهم ، ويسري عليك القانون كما على المُعدَم والمعوز ، فنعومي كامبل لم يصفح عنها القانون الأمريكي لاعتدائها على مدبرة منزلها عام 2006 ، فهل نجومنا أكثر نجومية منها ، وهل نحن أقل إنسانيةً منهم !.

mohammad.abuobeid@mbc.net