---------------------
أثارت أحداث يوم الجمعة 22 نيسان مشاعر مؤلمة ومخاوف كثيرة نتيجة ماسقط فيها من شهداء وما شهدته من تصعيد أعتبر نكوصا وعودة إلى الوراء وتضييعا لوقت ثمين بذل خلال أربعين يوما من الإحتجاجات التي شهدتها سوريا,وبيّنت بشكل جلي أن العنف هو آخر شيء تحتاجه البلد .
والدلالة الأبرز لهذا هي أن الإتجاه الذي يرى التشدد في التعامل مع الإحتجاجات التي لم تعد مطلبية برأيه, بل استغلت المطالب لتمرير أهداف مختلفةو لها خلفيات أخرى ومرتبطة بأجندات مسبقة يبدو أنه قد رجّح كفته على الإتجاه المعتدل الذي تمثله مؤسسة الرئاسة السورية.
فقد حاولت هذه المؤسسة تغليب وجهة نظرها في أن هذه الحركة هي مطلبية ويتم التعامل معها على مستويين بتحقيق مجدول ومعقول للمطالب بدءا بمعرفة الأولويات بلقاءات مباشرة مع ممثلين للمناطق التي تشهد هذه الإحتجاجات.
والمستوى الآخر تحقيق المطالب التي لها صفة وطنية بإصدار المراسيم والقرارات المتتالية التي تنظمها وتحقق معظمها .
ولكن بدا أن كل هذا الجهد قد فهم خطأ وأن الرسائل لا تصل عناوينها وساهمت الممارسات على الأرض في تضييع هذه العناوين .
فالرسالة الأولى كانت للأكراد:
حيث تم إقرار مرسوم بمنح الجنسية السورية لآلاف الأكراد الذين لم يشملهم إحصاء عام 1962 وهو ما اعتبر خطوة مهمة وتاريخية كانت من أولويات المطالب الكردية , وعنوان مهم تجمعت حوله الحركة الكردية.
والمفارقة في الأمر أن الأكراد الذين لم يتحركوا في بداية الإحتجاجات ,قد خرجوا في اليوم التالي مباشرة بعد إقرار المرسوم ,في ترجمة سيئة لها وتم تضييع الرسالة.
الرسالة الثانية كانت حمصية
وحمص لم تكن قد شهدت تلك الأحداث المؤسفة بعد ,حيث خرج الوفد الحمصي راضيا وصرح من حضر اللقاء يأن الأمور إيجابية , وتم إعفاء محافظ حمص إياد غزال ,استجابة لمطالب شعبية .ولكن لم يطل الأمر , حيث انزلقت حمص بعد هذا بيوم أو يومين لعنف وحرق وتخريب والأسوأ من ذلك تم اغتيال ضباط على خلفية طائفية ولاحت نذر تهدد بتفكك المجتمع الحمصي.
وتم تضييع الرسالة أيضا.
الرسالة الثالثة كانت لدرعا:
حدث نفس الأمر حيث خرج أعضاء الوفد مقتنعين بما وعدوا به ونأخذ شهادة الشيخ الصياصنة مثلا في نفس اليوم والمسجل على مقاطع فيديو وهو يشرح لشباب درعا ما جرى أثناء لقاء الرئيس , وقد قال الشيخ:
"لقد لبى الرئيس فورا المطالب(الإسعافية) وقال: سيخرج الأمن من درعا وسيطلق سراح الموقوفين ,وهذا قد تم فعلا .وقال هناك حكومة ستشكل وسترفع قانون الطوارىء والمحاكم العرفية وستقر قوانين عصرية للأحزاب والإعلام ".
ولكن في اليوم التالي خرج الناس وبدأوا بهتافات تدعو لإسقاط النظام!
لا بل وتراجع من صرّح بإيجابية عن كلامه أيضا!
وضاعت الرسالة.
الرسالة الرابعةوالمهمة كانت على مستوى أعم وعلى مستوى ما اتحدت عليه جميع المطالب في مختلف المناطق:
يوم الخميس تم التوقيع على رفع قانون الطوارىء (48عام)وحل المحاكم العرفية وتنظيم حق التظاهر وسوى ذلك وناشدت الداحلية السورية عدم التظاهر خارج إطار ما يحدده الدستور السوري , وهو أيضا خطوة اعتبرت مفصلية.
وفي اليوم التالي خرج المحتجون في تحد ليس فقط ليضربوا بهذا عرض الحائط بل ليطالبوا بالإنقلاب على الحكم , في إشارة لم تعد تحتمل التأويل .
بدا واضحا أن هذه الرسائل قد ترجمت على الأرض بطريقة سيئة , وقرئت على أنها ضعفا من السلطة , وليست رغبة في الإصلاح , وفهمت وعود الرئاسة خطأ , فعلى حين اشار البعض أنه يجب مساعدة الإتجاه المعتدل الإصلاحي والتناغم معه ,كانت الوقائع على الأرض والممارسات بعكس ذلك تماما .
وهناك عدة تفاسير محتملة لذلك:
تقول بعض القراءات أن الأمر ليس بيد المحتجين , فهم حركة غليان ليس لها قادة أو أهداف استراتيجية وهم يتعاملون مع الأمور ببعد واحد هو ما يجري من عنف على الأرض ويقومون بردة فعل ولا ينظرون للأمور من أبعادها الأخرى الأبعد والأخطر خصوصا بغياب برنامج وطني بديل, وأنهم مأخوذون بالعاطفة والحمية وبعدوى ماحصل في مصر وتونس وهو ما يجعلهم يغفلون عن الواقع وعن معطياته الموضوعية .
والبعض الآخر يرجح أن الامر ليس بيد هؤلاء , بل هناك مجموعات صغيرة هي التي تملي على الأرض إرادتها وهذه المجموعات هي منظمة ومرتبطة مع بعضها ومع الخارج,وهي لا تتورع عن استخدام كل الاساليب ومنها العنف والتجييش الطائفي لشد العصب , وهي تستخدم الحركة المطلبية من أجل النفاذ إلى المجتمع السوري لتحقيق أجندتها الخاصة .
وقد ظهر ما يؤيد هذا الرأي على الأرض , فهناك خطبا مسجلة نظهر نفسا طائفيا وهناك(تنسيقيات )على الأرض تتلقى أوامر التحرك من مرجعيات مختلفة وهناك تناغم بين خطط التحرك وبين ما يجري على الأرض ,هذا يدعمه التدخلات الخارجية إن كان إعلاميا أو لوجستيا .
أيا يكن الأمر ,وبعد كل هذا ..رجحت كفة الجناح المتشدد في قراءة الأحداث من كلا الطرفين ,ومن أن هذه الحركة هي حركة تسعى للإنقلاب على الحكم وهي لا يهمها أي إصلاح , بل إن أي إصلاح ستعتبره تراجعاوضعفا من الحكم وستزيد من حدة الإحتجاجات وصولا للقتال.
وضاعت جهود أربعين يوما من المعالجة "المعقولة" من قبل مؤسسة الرئاسة للأمور.
لم تصل هذه الرسائل إلى عناوينها , أو قرئت وتم إجهاضها ...
أما لمصلحة من ..فهذا ما ستكشفه الأيام القادمة , وإن كان على نحو مؤكد أن هذا ليس لمصلحة الوطن.
23-4-2011
info@jablah.com